بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   ســاحـة مــفــتــوحـــة (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   ( قطع الَلَسَن .. من تراث الدكتور حَسَن ) كتاب مفتوح للتأليف والقراءة .. (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=68334)

عباس محمود العقاد 23-11-2006 09:59 PM

حوار د. حسن الهويمل: لدينا مئات الأديبات والناقدات
لها أون لاين


الدكتور حسن بن فهد الهويمل، رئيس المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية، والناقد الأدبي المعروف، واحد من المرابطين على ثغر اللغة العربية، يعتبرها قضيته الأولى؛ في الوقت نفسه لا يهاجم العامية والشعر الشعبي هجوماً مطلقاً، فهو يعي أنَّ العامية منتشرة منذ ألف عام، لكنَّه لا يريد لها التمدد وتجاوز المشافهة إلى التدوين.

التقيناه فحدثنا عن رأيه في الشعر الصوفي وأسباب تخلُّف النقد عن الإبداع، وعن فترة تكوينه الأدبي، وبمن تأثَّر خلال مسيرته منذ البداية، فماذا قال؟

كثر حديثي عن بدايتي وتكويني الأدبي حتى كدت أملّ هذا الموضوع، وبدايات كلّ إنسان تكون متواضعة، وغير ملفتة للنظر، وقد تعمل الصدف ـ بتقدير الله عز وجل ـ على تحديد اتجاهاته، وتشكيل المؤثرات في مساراته.

بدأت كأيّ إنسان بداياتٍ متواضعة وغير واعية. طفلٌ دخل المدرسة، وأخذ طريقه من الابتدائي إلى المتوسط فالثانوي فالجامعة، ولكنني أحسست منذ الابتدائية بميل للقراءة، وحبٍّ لاقتناء الكتاب، مِلتُ إلى كتب الأدب، وبالذات التاريخ الأدبي والمختارات، والموسوعات الأدبية، وأُعجبت بعبَّاس محمود العقَّاد، وبالزيَّات، وبأسلوب طه حسين، وعلي مستوى الشعر بالمتنبي، وشوقي، ثمَّ عدَّلت عن الارتباط بأيّ كاتب أو شاعر، وأصبحت قارئاً لكلّ ما يقع في يدي.

الدين والأدب.. أين يلتقيان وأين يفترقان؟

الدين مهيمنٌ، والدخول فيه هو مطلب رئيس ومقتضى إسلامي، والأدب أداة ووسيلة لخدمة الدين، ولا يمكن تصوُّر افتراق بينهما بالقدر الذي يتصوَّره بعض الناس، هناك أولويات بالمهمّات، فالأدب لا يكون مجال وعظ ولا إرشاد ولا رقائق، ولكن لا بدّ من أن يحمل الهمّ الإسلامي وهمّ الإصلاح وتقديم المشروع الإسلامي. الأدب فن، وهدفه الإمتاع, ولكن يجب أن يكون الإمتاع في حدود المباح، ولأنَّ الأدب اليوم لم يكن للإمتاع فقط، لقد "أدلجه" الماركسيون والعقليون والماديون والوضعيون أدلجوه في الفكر، فإنَّ من حقّ الإسلاميين أن يجعلوا الأدب إسلامياً يبلِّغ رسالة ويهدي أمَّة ويمتع المتلقي بالقدر الذي يوفِّر أدبية النص وفنية الإبداع.

من أبرز تجليات الشعر الذي يُنسب إلى حركة دينية، ذلك التراث الشعري للحركة الصوفية، فهل نعتبر ذلك أدباً إسلامياً؟

التصوُّف: سلوك أو عقيدة، زهد أو خرافة, اتكال أو توكل، ولا يجوز أن نحكم على ظاهرة التصوُّف حكماً عاماً، إذ هناك مستويات مختلفة، وإذ نقطع بأنَّ التصوُّف فكراً ليس من عنديات الإسلام فإنَّ التعامل معه يجب أن يكون دقيقاً وحذراً وعادلاً، والشعر الذي أنتجه المبدع متصوفاً كان أو غير متصوف، نعرضه من جانبه الفني واللغوي والشكلي على ضوابط الفن واللغة والعروض، فما قبله قبلناه, ونعرضه من جانبه الدلالي على مقتضيات الإسلام فما قبله قبلناه.

إذاً المسألة ليست مسألة تصوُّف أو سلفية أو غيرها، المسألة مسألة ضوابط فنية وإسلامية, يضع المبدع والناقد أهمية للمرجعية والرد. والقول بنسبة تجليات الشعر إلى أية حركة قول فيه تضييق لفضاءات الشعر وآفاقه، فالحركة الصوفية واحدة من المثيرات، فهي ليست الأهم فضلاً عن أن تكون المثير الوحيد والأشمل. ويقيني أنّنا أحوج ما نكون إلى الخلوص من العموميات والإطلاقات المرتجلة وغير الموفَّقة.

v المبدعون يحمِّلون النقاد مسؤولية ضعف حركة الإبداع، فيما يرى كثير من النقاد أنَّ عنصر الإبداع الحقيقي قد انتهى؟!

عملية التنافي وتقاذف الإشكالية كما الكرة أسلوب غير حضاري، والجادُّون في البحث عن الحلول ينكبون عن تبرئة الذات في سبيل إدانة الغير.

والضعف قائم ولكنَّه ليس بدعاً وليس قصراً على مرحلة دون أخرى، فالمؤرِّخون للأدب عبر العصور يقفون على مستويات متباينة، والضعف جزء طبيعي من هذه المستويات . والنقد والإبداع ـ كما قلت في مناسبة سابقة ـ وجهان لعملة واحدة, يتداعيان وقد يسبق أحدهما الآخر وقد ينعكس أثر أحدهما على الآخر.

والمشهد الثقافي يتعرَّض لحالات من الضعف والفوضى، وتلك موجات يطول أمدها ويقصر، ويستفحل ضعفها وينحسر، وأحسبّ أنَّ ما يعانيه المشهد الأدبي من ارتباك وفوضى مردُّه إلى استشراء التبعية وكثرة الأدعياء وإباحة المجال لمن لا يتوفّرون على موهبة ولا ينطوون على ثقافة أصيلة، وما أضرَّ بالأمَّة إلا المداهنة والمجاملة والمسايرة.

والإبداع لا يكون شيئاً مذكوراً إلا إذا توفَّر صاحبه على موهبة ودراية وثقافة وموقف وتجربة عميقة وأجواء تقدِّر الفن وتوفِّر الحرية المنضبطة، وناقد متمكن متخصص أو موهوب لا تأخذه في الحق لومة لائم.

وإذا تفشَّى الضعف وتخلَّف النقد فإنَّ في المشهد من يرصد ويعرف الداء وسبيل الشفاء، وإذا كان هناك ضعف وتخلُّف فإنَّ مردَّه لأنساق وسياقات وظروف قد لا يكون النقد هو السبب .

v بعض المبدعين تحوَّلوا بالنص الأدبي من الرمز إلى الغموض والطلاسم.. مارأيك؟

الغموض، والرمز، والأسطورة، والقناع حين يمارسها المبدع دون وعي يتحوَّل النص إلى الطلسمة والغنوصية، والافتعال غير الفعل، هناك غموض فني يتعلَّق بالمفردة أو بالجملة أو بالعبارة أو بالأسلوب، أو بالفكرة، وهذا الغموض يُكسب النص قيمة أسلوبية أو فنية أو معرفية، ولكنَّه لا يكون بالتعمل والافتعال.. الغموض سمة فنية قد يتصف بها المبدع. والرمزية مذهب تتنازعه عدّة اتجاهات، وهو نظرية قائمة عالجها النقاد المنظِّرون والتطبيقيون، فهناك الرمز الصوفي والرمز الأسطوري، وهناك الإشارات والثغرات، والناقد الحصيف هو الذي يحدد القيمة. والرمز مستويات، ودخول الرمز أو الغموض مرحلة الطلسمة دليل على عدم الوعي، فالفن القولي رسالة يجب أن تحمل فكرة محدَّدة وأن تراعي أحوال المتلقي، وعند البلاغيين مصطلح:(مراعاة مقتضى الحال). والحداثيون يرون أنَّ الغموض ضرورة يعمد إليها المبدع وليست سمة تعرض له دون تعمُّل، ولا يمكن تحديد قيمة الغموض أو الرمز في غياب النص الشاهد.

v وصفك أحد كُتَّاب العامية بإحدى الصحف المحلية بأنَّك وآخرين ثلاثي الرعب، وأنَّكم بملاحقة العامية والشعر الشعبي تنفخون في الرماد.. فهل أضاف الشعر الشعبي جديداً؟ ولماذا لا نعتبره أحد وسائط الإبداع؟

الخصوم يحرِّفون الكلم عن مواضعه ويتعمَّدون تقويلي ما لم أقل؛ لأنَّهم لا يحققون الانتصار بالصدق والموضوعية، ولا تُنْجيهم إلا المغالطة والكذب والخروج من الموضوعي إلى الشخصي. فأنا لست مرعباً، ولست ضد الشعراء الشعبيين، وأعرف أنَّ العامية ظاهرة منذ ألف عام، وأنَّها لغة التخاطب، والشعر الشعبي من مفردات هذه الظاهرة، ولا يمكن القضاء عليه، وموقفي فقط من لغة هذا الشعر ورفضي أن يَحْتفي به النقد الأدبي والأقسام الأدبية في الجامعات، يكون عامياً كما اللغة العامية، شفهياً كما اللغة العامية. لا يكون لغة أدب ولا لغة فكر، ومن حقّ شعراء العامية أن يبدعوه، ومن حقّ المتذوِّقين له أن يسمعوه.

وأنا ضد العامية ومفرداتها التي تهيمن على الفصحى وتتفشَّى على حسابها، لا أريد لها أن تتخطى من المشافهة إلى التدوين، ولا من التمتُّع إلى الدرس, ولا من الشارع إلى المحافل الأدبية، أريدها أن تظل مع العامة فقط، وهذا حقٌّ لا مراء فيه.

v بعد تولِّيكم رئاسة المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي خلفاً للفريق المعلمي رحمه الله، ماهي خطتكم في الأيام القادمة، وهل هناك أنشطة ثقافية وأدبية تعتزم الرابطة القيام بها؟

خروج الرئيس بالموت أو بالإعفاء لا يعني انقلاب الفعل، مات المعلمي رحمه الله، وجئت أنا, أعانني الله، وكلّ واحد منَّا يحمل هموماً كثيرة، قد تخدم أحدنا الظروف والإمكانات فيكون أكثر حضوراً وأكثر طموحاً.

ويبدو لي أنَّ مجيء رئيس جديد يتطلَّب التحرُّف لأسلوب جديد، وهذا ما أفكِّر فيه، وتعويلي على زملائي وإخواني فما أنا الفاعل وحدي، ولن أحقق ما أطمح إليه إلاَّ حين أجد الدعم والمساندة، ولا أكتمكم الحديث، ففي النفس حاجات كثيرة والله أسأل أن أجد الإمكانات المادية والمعنوية لأسعد بتحقيقها، وكما قلت من قبل فالرابطة لها مشاريعها ورسالتها، والمكتب سوف يعمل في إطار تلك المشاريع.

v لكن من المعروف أنَّ المسابقات السنوية التي تعقد في الإبداع الأدبي من شأنها تقديم أقلام جديدة ودفعها للساحة الأدبية.. ما هو دور الرابطة في تفعيل هذه الخاصية إذا جازت التسمية؟

الرابطة تخطط في كلّ عام لمشروع ثقافي، تضع في اعتبارها: المحاضرات، والندوات، والأمسيات والمسابقات، والمؤتمرات، وطبع الكتب، وإصدار المجلات. وفي أعقاب ذلك تقوِّم عملها وتستعرض نتائج فعلها وتستشير المهتمين، وتطلب افتراع فعاليات مفيدة والمسابقات حين تعقدها للرجال والنساء في الشعر والنثر، وقد تخصُّ العنصر النسائي متى قامت الحاجة إلى ذلك. كلّ الذي نتمناه من الخيِّرين والخيِّرات أن يمدُّوا أيديهم إلينا بالدعم المادي والمعنوي، أن يشتركوا في مطبوعاتنا، أن يشتروها، أن يُسهموا بالكتابة، أن يحملوا زملاءهم ومعارفهم لدعم هذه الرابطة التي تعلِّق آمالها على الرجال والنساء على حدّ سواء.

v تستقطب الحركات النسوية المشبوهة الكثير من الأفلام النسائية الباحثة عن قنوات لنشر ابداعاتهن، فأين اهتمام رابطتكم بالأقلام النسائية؟

رابطة الأدب الإسلامي لها إمكاناتها وطاقاتها، وهي لم تتوان في استغلال أكبر قدر من إمكاناتها، وهي مهتمة بالعنصر النسائي، وقد انضم للرابطة مئات الأديبات والناقدات والمبدعات الإسلاميات، وهن يشاركن في بث القيم الإسلامية من خلال النقد والإبداع، وإذا استفحل الشر وطغت وسائل التدمير الأخلاقي، فإنّ مسؤولية الرابطة في حدود إمكاناتها تمارس مسؤوليتها بالحكمة والموعظة الحسنة والدفع بالتي هي أحسن، محترمة نظام الدولة وضوابطها.

وليس لدينا سوط ولا زنزانة نتخطَّف المنحرفين وتنفيهم من الأرض (ولو شاء ربَّك لهدى الناس جميعاً) . مهمتنا العمل وليس علينا الهداية، ونحن ماضون بهذا السبيل, ونسأل الله أن يهدي بنا الضالين، ولسنا وحدنا في الميدان، هناك مؤسسات وأفراد وحكومات إسلامية.

عباس محمود العقاد 23-11-2006 10:18 PM

تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته حياكم الله، في حلقة جديدة من برنامجكم الأسبوعي إضاءات، ضيفنا اليوم أيها الإخوة والأخوات هو الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم حياك الله يا دكتور.
د.حسن بن فهد الهويمل: يا هلا ومرحباً.
تركي الدخيل: دكتور سأبدأ من التعريف الذي يعني عرفتك به وهو رئيس النادي الأدبي في القصيم، أنت ترأس النادي الأدبي بالقصيم منذ أكثر من عقد منذ تقريباً أكثر من 20 عاماً.. 20 ولاّ أكثر؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا.. يعني.
تركي الدخيل: كم يعني؟
د.حسن بن فهد الهويمل: 24 أو 25 سنة.
تركي الدخيل: ما شاء الله عمر.
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.




حول الدعوات لاستقالة رؤساء النوادي الأدبية

تركي الدخيل: تثار الآن في الصحف السعودية معركة أو لنسمّها دعوة تتكرر من وقت إلى وقت تدعو رؤساء الأندية الأدبية في السعودية الذين قضوا وقتاً طويلاً مثلكم وتدعوهم للاستقالة لماذا تصرون دكتور حسن على البقاء رغم المطالبات باستقالتكم؟
د.حسن بن فهد الهويمل: بسم الله الرحمن الرحيم أولاً ليس هذا إصرار، ولكن عملية التغيير ليست مرتبطة بالاستقالة، وما عهدنا أن أي قطاع حكومي لا يغير رئيسه أو أعضاؤه إلا بالاستقالة، فإذا رأت جهات الاختصاص والمرجعية الإدارية أن الوقت قد حان لتغيير رؤساء الأندية وأعضاء مجالس الإدارة فإن هذا لا يتطلب شرعنة هذا التغيير بالإقدام على الاستقالة,.
تركي الدخيل: يعني تقصد أنكم أنتم معينون وما أنتم طالعين إلا لما هم يشيلونكم، من هي أول شي الجهات المسؤولة التي تقصدها دكتور حسن؟
د.حسن بن فهد الهويمل: المرجعية الإدارية وزارة الثقافة والإعلام ومن قبلها الرئاسة العامة لرعاية الشباب هي التي أشرفت على عملية الانتخابات.
تركي الدخيل: الآن أصبحت انتقلت..
د.حسن بن فهد الهويمل:

الرئاسة العامة هي التي أشرفت على عملية الانتخابات ووصول رؤساء الأندية إلى رئاستها


الرئاسة العامة هي التي أشرفت على عملية الانتخابات ووصول رؤساء الأندية إلى رئاستها، وظل هؤلاء الرؤساء على رأس العمل إلى أن انتقلت المسؤولية من الرئاسة العامة لرعاية الشباب إلى وزارة الثقافة والإعلام وبالتالي فليس هناك ما يستدعي الاستقالة إذا كانت وزارة الثقافة والإعلام ترى أنه من مصلحة الحركة الأدبية في المملكة أن تغير أعضاء مجالس الإدارة فإن من حقها أن تغير دون أن تؤيد بالاستقالة حتماً.
تركي الدخيل: طيب جميل أنت تقول أنكم جئتم إلى رئاسة الأندية من خلال انتخابات.
د.حسن بن فهد الهويمل: أو من خلال التعيين.
تركي الدخيل: أو من خلال التعيين كما حصل في بعض رؤساء الأندية، ألا ينص نظام الأندية الأدبية ورئاسة الأندية الأدبية أكيد إنه فيه نظام.
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم نعم فيه لائحة تنظيمية.
تركي الدخيل: اللائحة التنظيمية ألا تنص على التغيير مش مرتبطة بسنوات الرئاسة.
د.حسن بن فهد الهويمل: بأربع سنوات.
تركي الدخيل: طيب أربع سنوات والتجديد يعني..
د.حسن بن فهد الهويمل: ولم تفعّل هذه.. المسؤولية على الذي يمتلك تفعيل هذه اللائحة وليس على الأندية الأدبية.
تركي الدخيل: أنتم ما دوركم يعني؟
د.حسن بن فهد الهويمل: دور رئيس النادي أن يمارس العمل حتى يقال يعني حتى يقال له بقوة النظام انتهى دورك ومن ثم يأتي خلف لك من..
تركي الدخيل: اسمح لي أستخدم قد تبدو قاسية دكتور حسن: المطالبون باستقالتكم يقولون أن أدواركم أن تمارسوا الرئاسة حتى يتوفاكم الله؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا ليس هذا صحيحاً، كثير من رؤساء الأندية استقالوا وكثير من رؤساء الأندية.
تركي الدخيل: عبد الفتاح مدين هو الوحيد اللي استقال.
د.حسن بن فهد الهويمل: لا وعبد الله ابن إدريس أيضاً ومحمد الربيّع.
تركي الدخيل: طيب الحديث عن مسألة تجديد الدماء في رئاسة الأندية ألا تعتقد أن هذا أيضاً له أثر يعني فيما يتعلق بتفعيل الأندية بوجوه جديدة بدماء جديدة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: ممكن أن تجدد الدماء باللجان بأعضاء مجالس الإدارة.
تركي الدخيل: بس مو بالرؤساء.
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. برؤساء الأندية أيضاً، يعني نحن لا نصر على البقاء، ولكننا نريد أن تكون الإجراءات نظامية تصدر من مرجعية الأندية الأدبية.
تركي الدخيل: يعني لازم يجي قرار؟ أو يجي واحد..
د.حسن بن فهد الهويمل: لا بد أن يكون.. القرار الذي صدر بتعيين الرئيس لا بد أن يأتي قرار بإعفاء الرئيس وتعيين رئيس آخر وليس في ذلك ما يسيء لا إلى رئيس النادي ولا إلى المؤسسة التي يعمل فيها يعني إقالة رئيس النادي لا يمكن أن تكون مؤثرة على سمعته ولا على مكانته بل الاستقالة هي التي ستؤثر على سمعته لماذا يستقيل؟
تركي الدخيل: ليش لماذا يستقيل؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لماذا يستقيل؟ الاستقالة هو دليل أن هناك احتجاج، الاستقالة إنه هناك احتجاج على أي وضع من الأوضاع، أنا جئت.
تركي الدخيل: في كل الأمور المتحضرة الواحد يشتغل لفترة وبعدين ينتهي.
د.حسن بن فهد الهويمل: ينتهي إذا فعّلت اللائحة، وقيل مثل ما فعلت الآن أنظمة نظام مجلس الوزراء ونظام موظف بمرتبة ممتازة إذا ما صدر قرار بتجديد.. بالتجديد له..
تركي الدخيل: هل تطالب بتفعيل اللائحة أنت؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم أطالب.
تركي الدخيل: طيب ما سمعنا لكم مطالبات؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا.. نطالب بالتفعيل ونود بس نطالب قبل تفعيل اللائحة أن تجدد هذه اللائحة، أن يوضع لائحة تواكب النهضة الأدبية والنهضة الفكرية والنهضة..
تركي الدخيل: يعني أنت تلقي بالمسؤولية وعلى وزارة الثقافة والتي يجب أن تجدد اللائحة.. وهي التي..
د.حسن بن فهد الهويمل: أساساً لا أرى أن هناك خطأ.
تركي الدخيل: إذن أنت تعتقد أن وزارة الإعلام أساساً تطالب ببقائكم أنتم..
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا لا أرى أن هناك خطأ أبحث عن مشجب، أنا أرى أن الأوضاع تسير طبيعية، إقالة رئيس النادي أو تثبيت رئيس النادي أيضاً تأتي طبيعية، بس أساساً الصحافة هي التي صنعت المشكلة.
تركي الدخيل: تعتقد أنها صنعت مشكلة من لا شيء؟
د.حسن بن فهد الهويمل: طبعاً, لأنه ليست..
تركي الدخيل: زوبعة يعني..
د.حسن بن فهد الهويمل: زوبعة يعني ليست الأندية وحدها هي التي استمر رؤساؤها أكثر من 20 أو 30 سنة هناك جهات أخرى استمر رؤساؤها واستمر العاملون فيها..
تركي الدخيل: مثل ايش؟
د.حسن بن فهد الهويمل: ابحث عن أي قطاع ليس..
تركي الدخيل: أنت اللي تقول؟
د.حسن بن فهد الهويمل: هي موجودة، هي موجودة.
تركي الدخيل: يعني كانت بعد.. مع التعديل الوزاري اللي صار في منتصف التسعينات انتهت المرحلة مرحلة الـ 10 سنوات والـ20 سنة.
د.حسن بن فهد الهويمل: انتهت بس يكون تجديد.. إذا جدد.
تركي الدخيل: والتجديد بنظام مجلس الوزراء يجب إلا أن يكون استثناءً ومرتين التجديد؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا ليس .. هو التجديد يمكن يكون..
تركي الدخيل: هذا النظام الأساسي..
د.حسن بن فهد الهويمل: لا.. النظام أن يجدد له فإن لم يجدد انتهى دوره.
تركي الدخيل: في النظام الأساسي للحكم؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أتمنى أن تنص اللائحة أن رئيس النادي يبقى بالنادي لـ 4 سنوات فإن جدد له وإلا ترك المنصب.
تركي الدخيل: طيب دكتور حسن أنت قبل قليل قلت أن المشكلة في الاستقالة.
د.حسن بن فهد الهويمل: وليس..
تركي الدخيل: ألا تعتقد أن الاستقالة، هل تعتقد أن عبد الله بن إدريس وعبد الفتاح أبو مدين ارتكبوا إشكاليات لأنهم استقالوا؟
د.حسن بن فهد الهويمل: وحتى عبد الفتاح أبو مدين عندما استقال طلب منه أن يستمر حتى يشكل مجلس الإدارة.
تركي الدخيل: طبيعي لتمضية الأمور مثل الحكومات يعني لما تصير تتشكل حكومة جديدة يبقى الوزراء لما..
د.حسن بن فهد الهويمل: يا أستاذنا الاستقالة تصرف شخصي وقناعة شخصية يعني وليست إرادة جماعة. أنا عندما أقرر أن أستقيل، أستقيل في أي لحظة، عندما لا أقرر أن أستقيل لا أستقيل. استقالة الآخر لا تحملني مسؤولية ولا تضعني في قفص الاتهام هو الذي تصرف..
تركي الدخيل: بس لأنك قلت الاستقالة هي الخطأ، الخطأ معناتها أنت تعتقد أنهم ارتكبوا أخطاء عبد الفتاح وعبد الله بن إدريس..؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ، المطالبة.. المطالبة بالاستقالة تكون خطأ لأنه إذا أردت أن تغير جهاز مجلس إدارة وتحيل إلى لائحة وتحيل إلى نظام فلا أحد يلومك مجرد أن تصدر قراراً بأن فلاناً رئيس للنادي يكون الرئيس السابق قد انتهى. بالتالي ليس هناك ما يمنع أي نظام من تشكيل مجالس إدارة وتشكيل لجان أو حقن الأندية بدماء جديدة لا يمنع هذا، والأندية نفسها لا زالت مستمرة في تغيبر,.




حول التجديد في نادي القصيم

تركي الدخيل: هل أنتم تمارسون في نادي القصيم الأدبي أنت تقول أنه إذا بيصير فيه تجديد دماء مو بلازم الرئيس تجدد اللجان.. تجدد..
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أقول إنه ليس وقفاً التجديد ليس وقفاً على إزاحة رئيس النادي.. رئيس النادي جزء من التجديد إن غير أو لم يغير فهذا لا يمنع من ضخ الدماء الجديدة في النادي.
تركي الدخيل: جميل أنتم هل ضخختم الدماء الجديدة في النادي؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم نحن في كل سنة نغير: لجنة ثقافية، لجنة الكتاب والمكتبة، لجنة..
تركي الدخيل: عندكم متغيرات كثيرة الثابت الوحيد هو الرئيس.
د.حسن بن فهد الهويمل: الرئيس وأعضاء مجلس الإدارة لأن هؤلاء ليسوا من صلاحية رئيس النادي أن يغير فيهم يعني ليس من صلاحية رئيس النادي أن يغير في رئيس النادي نفسه أو في أعضاء مجلس الإدارة، لكن من حقه أن يغير في اللجان الأخرى.
تركي الدخيل: طيب لو استقال واحد من أعضاء مجلس الإدارة كيف يتم؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا بد أن يرشح بديل، ويرفع..
تركي الدخيل: من يرشحه؟
د.حسن بن فهد الهويمل: يرشحه النادي أو يرشحه أمير المنطقة، ترشحه لجنة ثقافية، ترشحه أي لجنة من اللجان الموجودة يعني لا بد أن يكون هناك آلية لإيجاد البديل هذه الآلية تعتبر خيارات وليست حصراً على رئيس النادي أو أعضاء مجلس الإدارة..
تركي الدخيل: لماذا برأيك أثيرت قصة بقاء رؤساء الأندية فترة طويلة الآن في الصحافة ليش ما هي بقبل سنتين أو 3 سنين؟
د.حسن بن فهد الهويمل: هذا يسأل من أثارها.
تركي الدخيل: يعني أنت كمراقب للمشهد.
د.حسن بن فهد الهويمل: لا بد لأنه لا يمكن أن تكون الأندية فاعلة في المشهد الأدبي ولا يكون لها خصوم ويكون لها أنصار ويكون لها أناس لهم طموحات ولهم تطلعات لم تتحقق على يد الأندية.. بالتالي وجود الأندية كموضوع للحديث دليل على فعالية الأندية ودليل على تأثير الأندية في المشهد لو لم يكن للأندية تأثير في المشهد الأدبي ما كان فيه مجال للحديث.
تركي الدخيل: بس هم يقولون نحن قاعدين نطالب لأنه غير فاعلة الأندية.
د.حسن بن فهد الهويمل: رؤية قد تكون الطموحات أكبر من الكميات.
تركي الدخيل: ألا تعتقد أنه من حق الصحفيين أن يطالبوا هكذا مطالبة.
د.حسن بن فهد الهويمل: إلا.. من حقهم أن يفعلوا ما يشاؤون
تركي الدخيل: ومن حقكم أنتم أن ترفضوا مطالبتهم.,
د.حسن بن فهد الهويمل: ليس من حقنا أن نرفض ولكن من حقنا أن نرقب مثلما يرقبون.
تركي الدخيل: كيف يعني؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نحن ننتظر هل وزارة الثقافة والإعلام تريد أن تغير مجالس الإدارة، أو تريد أن تغير أجزاء من مجالس الإدارة هل تريد أن تغير رؤساء الأندية فقط؟
تركي الدخيل: لو غيرت وزارة الإعلام رؤساء الأندية الأدبية، هل تعتقد أن فيها إساءة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: ليس في ذلك أي إساءة، هو إجراء إداري يا أخي.. تغيير رئيس النادي أو أعضاء مجلس الإدارة إجراء طبيعي ليس عليه غبار وليس عليه مؤاخذة.
تركي الدخيل: لأن بعض رؤساء الأندية رابطة رؤساء الأندية في مناطق أخرى اعتبروا أن بقاءهم هو حماية للأدب، أو شيء من هالقبيل؟
د.حسن بن فهد الهويمل: هذه ليست مسؤوليتي، مسؤولية من قال هذا الكلام.
تركي الدخيل: لا أنا أشاورك في الكلام.
د.حسن بن فهد الهويمل: وأيضاً أنا أجيبك أنا لست مسؤول عن أخطاء رؤساء الأندية فيما يكتبون أنا لم أدخل.
تركي الدخيل: إذن تعتبره خطأ؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا لم أدخل في قضية ما أثير حول هذا الموضوع لا سلباً ولا إيجاباً.
تركي الدخيل: أنا أسألك لأعرف رأيك فيه.
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أعرف أنك ما دخلت، جايبينك على شان نسمع رأيك يا دكتور حسن.
د.حسن بن فهد الهويمل: وهو؟
تركي الدخيل: من قال من رؤساء الأندية أن بقاءه هو ضمان للأدب الحقيقي أو للأدب الفاضل هل تعتقد بأن هذه المقولة صحيحة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. خطأ، أبداً، المملكة مليئة بالأكاديمين مليئة بالشعراء مليئة بالروائيين مليئة بالقصاص وكل من وجد في نفسه الكفاءة فمن حقه أن يتطلع إلى رئاسة النادي أو عضوية النادي وليس النادي ملكاً لرئيس النادي.
د.حسن بن فهد الهويمل: طيب دكتور حسن الهويمل أنت رئيس نادي القصيم الأهلي، هناك بعض.. منطقة القصيم معروف أنها منطقة كبيرة وتمثلها أكثر من محافظة ومدينة، هناك من يقول أنكم تستخدمون تسمون النادي نادي بريدة الأدبي، هل أنتم.. أنت بوصفك رئيساً للنادي من أهالي بريدة، فهل صحيح أن نادي القصيم الأدبي يعني يمارس بعض العنصرية اتجاه بقية مدن منطقة القصيم؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا أبداً الأدب لا يمكن أن يكون فيه عنصرية، الأديب يفرض نفسه إن كان أكاديمياً أو كان شاعراً أو كان روائياً.
تركي الدخيل: بس يقولون معظم الإنتاج اللي أنتم تطبعونه لأهالي بريدة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: ليس صحيحاً ولا طبعنا لأهالي بريدة إلا نزر قليل ولم نفكر في الموضوع، يعني الإنسان اللي فكر في الموضوع هو الذي يحمل هذا الهم العنصري، نحن لم ننظر لهذا الموضوع وإلى الآن ما اكتشفنا أن هناك عنصرية في ما نطبع أو في يعني لو كان عندنا هم كان احتطنا وأنا عرفت كم طبعنا للمحافظات كم طبعنا لأدباء الرياض وأدباء مكة وأدباء غيرها أنا لم أستحضر هذا الموضوع بحيث أنني أستطيع أن أقول لك فعلاً لسنا عنصريين، ليست هناك عنصرية أبداً، والعنصرية يمكن أن تثبتها في ممارسات ممكن أن الذي يتهم النادي الأدبي بالقصيم بالعنصرية يقدم قائمة بملامح العنصرية.
تركي الدخيل: الذين يرددون هذا القول يقولون أن عضوية مجلس الإدارة لا يوجد أعضاء مثلاً من عنيزة أو من الرس، وإن معظم أعضاء أو كل أعضاء مجلس الإدارة من بريدة.
د.حسن بن فهد الهويمل: هذا صحيح، عندما أنشئ النادي الأدبي أنشئ..
تركي الدخيل: ألا ترى أن هذا مظهر من مظاهر العنصرية؟
د.حسن بن فهد الهويمل: خليني أعود بك إلى الأصول بحيث تعرف الإشكالية، عندما فكر أهالي بريدة بالذات أن ينشئوا نادياً أدبياً هم الذين أنشؤوه أنشأه أهالي بريدة، ولم ينشئه أحد غيرهم.
تركي الدخيل: يعني كان نادي بريدة.
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم كان نادي بريدة، وعدل اسمه لنادي القصيم الأدبي وكان اسمه نادي بريدة. وكان يمول من أبناء بريدة وكان الانتخابات وجدت في بريدة ولم يكن هناك.
تركي الدخيل: طيب عندما عدل إلى نادي القصيم لماذا لم يطعّم مجلس الإدارة بأعضاء من..
د.حسن بن فهد الهويمل: مطعم.. اللجان الثقافية مطعمة.
تركي الدخيل: مجلس الإدارة ما فيه، ألا تعتقد أنه يجب أن تشارككم المناطق الأخرى.
د.حسن بن فهد الهويمل: يا أخي حتى أعضاء مجلس الإدارة معالي الشيخ عبد العزيز المسند في الرياض، والشيخ محمد الناصر عبودي في مكة له ثلاثين سنة والأعضاء ليسوا كلهم مقيمين في بريدة.. أنا ودي تشيل هالفكرة هذه لأنها ليست..
تركي الدخيل: بدنا تقنعنا على شان نشيلها.
د.حسن بن فهد الهويمل: أتصور أننا كبرنا عليها شوي
تركي الدخيل: أنا ما عندي مشكلة بس هذه من الأشياء الموجودة.
د.حسن بن فهد الهويمل: موجودة ولكن لا تثار على مستوى أشخاص يعني يملكون أهلية الإثارة يعني ما أثارها كبار الأدباء أو أثارها كبار المفكرين أو أثارها كبار المسؤولين يعني القصيم فيه عدد من الوزراء ينتمون إليه، وفيه عدد من.
تركي الدخيل: دكتور حسن خلينا نكمل بعد فاصل قصير، اسمح لي، فاصل قصير أيها الإخوة نعود بعده لمواصلة حوارنا في إضاءات مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي بالقصيم فابقوا معنا.
[فاصل إعلاني]




رد على تهمة العنصرية في النادي

تركي الدخيل: أيها الإخوة والأخوات حياكم الله مجدداً في إضاءات لا يزال حوارنا هذه الحلقة مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم، دكتور قبل الفاصل كنت تتحدث وأنت متحمس واجد، تقول خلنا نشيل هالكلام: لا يوجد يعني لم يطرح هذا الطرح أحد من الأدباء الكبار لكن في النهاية هذا الكلام مطروح وكنت أنت تتحدث أنه فيه عدد من الوزراء والقصيم وأنا قاطعتك عشان الفاصل؟
د.حسن بن فهد الهويمل: هم لم يثيروا هذه القضية ولا أحد يلتفت إليها إلا أشخاص ربما.
تركي الدخيل: أنا جايبها من جيبي يا دكتور في ناس حكوها وأنا نقلتها لك.
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا أرد أيضاً، وأقول نحن لا نفكر في مثل هذه الأشياء وأرجوا أن نكون كبرنا عليها إن شاء الله
تركي الدخيل: طيب ما تعتقد أنه من حق المحافظات أن يدرج أعضاء..
د.حسن بن فهد الهويمل: من حق المحافظات أن يؤسس فيها أندية أدبية، أمارة مكة فيها 3 أندية، نادي الطائف محافظة ونادي جدة محافظة، ونادي مكة عاصمة ومن حق المدن الكبيرة مثل عنيزة ومثل الرس والبكيرية والمذنب أن يستجاب لها ويوضع فيها أندية أدبية.
تركي الدخيل: طيب بس بين ما يحط لها هالحين هذا للقصيم كله؟
د.حسن بن فهد الهويمل: وهو للقصيم وليس هناك أي يعني تفكير في التفرقة بين أدباء المنطقة عموماً وهم يشتركون معنا في اللجان وهم يشتركون معنا في المحاضرات ويشتركون معنا في الندوات وفي الأمسيات وفي طباعة الكتب، طبعنا أكثر من 6 كتب من لأدباء من عنيزة وكرمنا أكثر من شاعر من عنيزة.
تركي الدخيل: يعني آخر تكريم من القصيم بالتأكيد هذا التكريم للأديب الراحل محمد المسيطير وهو من أهالي الرس.
د.حسن بن فهد الهويمل: بصني أنا من عنيزة والنادي يعني لا يفكر في هذا الموضوع أساساً بحيث أنه يضع احتياطات، هي جاءت كل هذه الأشياء تأتي عفوية وليست يعني لا نستحضر فيما نمارس حق عنيزة وحق بريدة وحق.. نحن ننظر إلى القصيم ككل، والمسافة القائمة الآن بين مدينة ومدينة كالمسافة القائمة بين حي وحي في العاصمة الرياض، معنا مسافات تستدعي أن نقول هالنادي لبريدة وهذا النادي لعنيزة أو الرس.
تركي الدخيل: عموماً هذا يعني ردك على أشياء مطروحة وأكيد إنك سمعتها.
د.حسن بن فهد الهويمل: ولا رديت عليها طرحت ولا رديت عليها.
تركي الدخيل: أشكرك لأنك رديت عليها هنا، دكتور حسن لننتقل إلى نقطة أخرى، أنت مدير.
د.حسن بن فهد الهويمل: المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية.
تركي الدخيل: طيب ممكن أسأل سؤال ثاني، أنت مدير صحيح المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي في الرياض، سؤالي ينقسم إلى شقين أنت تمثل يعني الأدب الإسلامي، هناك أكثر من مدرسة أدبية هناك من يتهم الدكتور حسن بن فهد الهويمل بأنه من خلال رئاسته لنادي القصيم يحكر إتاحة الفرصة على نفس المدرسة التي.. نفس المدرسة المحافظة أو الكلاسيكية أو مدرسة الأدب الإسلامي التي يمثلها الدكتور حسن بن فهد الهويمل دون أن يتيح المجال لتيارات أخرى موجودة في السعودية ولها حضورها لكي تستفيد من مناشط أو لكي تفعل من خلال النادي الأدبي في القصيم، ما تعليق الدكتور الهويمل على هذا الكلام.
د.حسن بن فهد الهويمل: والله أرجو أن لا أكون على هذا الكرسي مدافع وهذا غير صحيح وهذا غير..
تركي الدخيل: المعذرة بس هذه الأشياء موجودة وحنا نبي نسمعها منك وأنت ما شاء الله عليك متعود على المعارك والهجوم والهجوم المضاد فما عندك مشكلة بهالقصة.
د.حسن بن فهد الهويمل: أولاً أنا ضد الانتماء يعني لحزب أو لطائفة أو لتنظيم والعمل من خلال هذه التيارات أو من خلال هذه المؤسسات.
تركي الدخيل: هل تعتبر المدارس الأدبية ضمن التنظيم أو الطوائف؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. هي المدارس الأدبية تعتبر كيانات لها هم ولها أولويات وأنا ضد هذا الانتماء يعني أنا ضد يعني تسييج الإنسان نفسه ضمن مذهب أو ضمن تيار أو ضمن ظاهرة أو ضمن مدرسة أو ضمن دائرة لكن لا يمنع أن يعمل..
تركي الدخيل: بس أنت مدير رابطة الأدب الإسلامي بالرياض..
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم أنا رئيس للمكتب لكني لست يعني لست مستغلاً لهذا التيار بالشكل الذي يتصوره البعض وحتى المدرسة أو حتى الرابطة الهدف فيها إشاعة الكلمة الطيبة فلا أتصور أن إشاعة الكلمة الطيبة في الإبداع القولي أنه يعني التقوقع ويعني الانعزال ويعني إقصاء الآخرين، ليس هناك يعني ليس هناك هم يساور.. أو يساورني أنا على الأقل في رئاستي للرابطة أو رئاستي للنادي أو وجودي مثلاً في جامعة ذات صبغة معينة أني أنفي الآخر أو أني أمارس الأثرة أو أني أركز على استخدام هذه المؤسسة أو هذه المنشأة لتغطية همي أنا الشخصي.
تركي الدخيل: هل أنتم أتحتم مثلاً لأدباء الحداثة خليني أضرب على سبيل المثال، أقمتولهم أمسيات؟..
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.
تركي الدخيل: مثل؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أقمنا.. طبعنا كتب حديثة أقمنا أمسيات شعرية وأقمنا.
تركي الدخيل: ممكن تضرب لنا أمثلة.
د.حسن بن فهد الهويمل: والله ما هسّع.. واجد.. 26 سنة أو 25 سنة.
تركي الدخيل: من هذه الـ 25 سنة نبي 3 أمثلة عشان ما نتعبك.
د.حسن بن فهد الهويمل: يعني ما هو مفهوم الحداثة أنت عندك.
تركي الدخيل: اللي أنا أبي المفهوم اللي أنت تعبره.
د.حسن بن فهد الهويمل: هل تتصور إنه أنا ضد التجديد؟ المشكلة هل..
تركي الدخيل: ما أجبتني على سؤالي أبي 3 أمثلة ممن تقول..
د.حسن بن فهد الهويمل: سأجيبك على هذا، حنا طبعنا للأستاذ أحمد يوسف كتاب في التعبير الأدبي وطبعنا للأستاذ الجيلاني أيضاً جزائري كل هذا يمثلون تيار الألسنية وتيار البنيوية وتيار الحداثة لكننا.
تركي الدخيل: طيب ليش طبعتوا لجزائري ما طبعتوا لسعودي؟
د.حسن بن فهد الهويمل: طبعنا دواوين، مثلاً عندك الشاعر عبد الله الوشمي يمثل تجديد الشعر في.. شعر التفعيلة وله همّه الذي يتناغم مع الحداثة الفنية وليست الحداثة الفكرية يعني أنا أريد أن أحدد..
تركي الدخيل: طيب خلينا نحكي في هذا، أنت تحدثت عن ضابط تعتبره من الواضح أنه مهم الحداثة الفنية والحداثة الفكرية، هل نقدر نقول أنك أنت ضد الحداثة الفكرية ومع الحداثة الفنية، علمنا وش الحداثة الفكرية في تقديرك؟
د.حسن بن فهد الهويمل: الحداثة الفكرية هي حداثة الانقطاع حداثة الـ..
تركي الدخيل: كيف الانقطاع؟ أبي ما تصير مصطلحات متخصصة.
د.حسن بن فهد الهويمل: الحداثة الفكرية هي الحداثة التي تقطع صلتها بكل التراث سواء كان تراثاً أدبياً أو تراثاً فكرياً أو تراثاً دينياً.
تركي الدخيل: تعتقد أن لدينا أدباء من هذا النوع.
د.حسن بن فهد الهويمل: يمكن يكون لدينا ناس يتناغمون مع هذه الأشياء لكن ليس لدينا حداثة فكرية التي تمثل العهر والكفر، ليست هذه موجودة، الحمد لله لا ليست موجود، لكن أيضاً موالاة هؤلاء أو إفساح المجال لهؤلاء أو إشاعة الحداثة دون تحديد المفهوم لأن المشكلة التي نعيشها نحن في واقعنا هو اضطراب المفاهيم يعني عندما تطرح مشروع الحداثة وتطرح مفهوم الحداثة ما هي الحداثة التي تريد؟ هل هي حداثة فن أو حداثة فكر إذا كانت حداثة فكر أيضاً ما مدى علاقتها بأساطين الحداثة.
تركي الدخيل: وإلى أي حد هي تقطع صلتك بالتراث.
د.حسن بن فهد الهويمل: وإلى أي حد يكون ارتباطها مع الرموز.
تركي الدخيل: طيب جميل أنت قبل شوي تقول ما عندنا حنا ناس يبوا يقطعون صلتنا..
د.حسن بن فهد الهويمل: قد يكون عندنا ناس يتناغمون مع هذا التيار ويوالون هذا التيار ويشيعون هذا التيار، لكنهم ليس لديهم الوعي التام بمفهوم الحداثة التي نحن نقف ضدها، المشكلة الأساسية أنهم يروننا ضد التجديد ولهذا أنت الآن لما بدأت تتحدث معي، حسبتني من المحافظين أو حسبتني من الكلاسيكيين بينما هذا خطأ أنا لست كلاسيكياً ولست محافظاً، أنا مجدد لكن تجديدي له مواصفاته وله انضباطه وله مفهومه، اللي هو الحداثة الفنية يعني حداثة التجديد المواكبة للعصر بمعنى أن تكون أديباً مواكباً لعصرك ومتطلبات عصرك.




المعارك الأدبية بين الاختلاف والإقصاء

تركي الدخيل: جميل أجريت معك مقابلة في المجلة العربية في عام 1422 يعني 2002 تقريباً، المقابلة كانت من جزئين في جزئها الثاني سئلت سؤالاً، المعارك الحادة بينك وبين الدكتور الغذامي لم تنتهِ إلى حل وسط، فكلا موقفيكما متباعدان فما السبب وراء ذلك وإلى متى تبقيان على هذه الحال أليس هناك مجال للتواصل البناء، أجبت دكتور حسن إجابة من سطر واحد قلت ليس من مصلحة المشهد الثقافي أن تصفّى الخلافات بالتنازلات بل باستبانة الحق والرجوع إليه، دكتور أنا قرأت لك أكثر من طرح، واضح أنك من خلال تبنيك لبعض القضايا تؤمن بقطعية الحق هل تؤمن بأن معك حق قطعي، وأن بالتالي الآخر ليس لديه حق؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا، ليس هذا. أولاً أنا أومن بالتعددية في إطار الخلاف المعتبر أن يكون الخلاف معتبراً بمعنى الخلاف له مرجعية بس أنا مرجعيتي قد تكون نصية، وأنت مرجعيتك نصية تأويلية. يعني مرجعيتي أنا نصية ظاهرية ومرجعيتك نصية تأويلية.
تركي الدخيل: خلافك أنت والغذامي هل تعتبره معتبراً أم لأ؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ معتبر. ليس في ذلك شيء لكن لا يعني أنا أن يحتويني في تياره أو في اتجاهه أو في رقبته.
تركي الدخيل: ولا أن تحتويه.
د.حسن بن فهد الهويمل: ولا أن أحتويه.. لا يكون موقفه مترتباً على أن نفيي أو على تخطئتي.
تركي الدخيل: يعني لا يقصيك ولا تقصيه.
د.حسن بن فهد الهويمل: لا يقصيني ولا أقصيه.
تركي الدخيل: بس أنتو قاعدين تمارسونه بشكل أو بآخر.
د.حسن بن فهد الهويمل: هكذا يتصور الناس ولكن ليس هذا صحيحاً.
تركي الدخيل: يعني خلافك أنت وياه خلاف تنوع مو بخلاف تضاد.
د.حسن بن فهد الهويمل: طبعاً خلاف تنوع وليس خلاف تضاد.
تركي الدخيل: كل هالمعارك وخلاف تنوع دكتور؟
د.حسن بن فهد الهويمل: ولا يمكن يعني أنت..
تركي الدخيل: طيب كيف يكون خلاف تنوع وأنت تقول بل باستبانة الحق والرجوع إليه؟ يعني كأنك تدعوه للرجوع للحق.
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم، قد يكون مخطئاً ومتأولاً، قد يكون هو على خطأ
تركي الدخيل: إذا كان على خطأ ما صار خلاف تنوع هذا خلاف تضاد.
د.حسن بن فهد الهويمل: شوف الفرق عندما تكون أنت على خطأ هل أنت متأوّل أو متعمد؟
تركي الدخيل: وأنت تعتقد أنه متعمد؟
د.حسن بن فهد الهويمل: متأول ليس متعمداً الخطأ، فأنا أحاول أن أثنيه وأبين أن تأوله خطأ.
تركي الدخيل: ألا تعتقد أنه يرى نفس النظرة هذه وأنت مخطئ..
د.حسن بن فهد الهويمل: هو حر في ذلك، لكن ليس من حقه أن يحتويني ولا أن يتوقف يعني رضاه على أن أكون في سلته أو في تياره.
تركي الدخيل: وأنت نفس الشيء.
د.حسن بن فهد الهويمل: وأنا نفس الشيء.
تركي الدخيل: ما عندك مشكلة أنه يبقى في تياره بس يصير بينك وبينه..
د.حسن بن فهد الهويمل: لا عندي مشكلة أتمنى ألا يكون في تياره.
تركي الدخيل: طيب صرت أنت تبي تحتويه.
د.حسن بن فهد الهويمل: خلي هو يكثر سوادنا يا أخي.
تركي الدخيل: نفس الفكرة اللي عندك اللي تو تطالبه ألا يحتويك أو يجعلك في سلته صرت أنت تمارسه.
د.حسن بن فهد الهويمل: بس إذا كانت الرغبة قائمة في أن يكون معي لكن لا يعني هذا عندما لا يكون معي أن القضية يعني انتهت إلى طريق مسدود.




الحدة في ردوده الأدبية

تركي الدخيل: جميل، دكتور أنت موجود في المشهد الثقافي ما شاء الله نحو أكثر من 40 عاماً، في مقابلة أيضاً قلت أن المعركة الأولى وأنت مشهور بكثرة معاركك الأدبية، قلت أن المعركة الأولى كانت قبل 40 سنة من خلال خلافك مع الشاعر الكبير محمد بن علي السنوسي قلت أيضاً كنت - تتحدث عن نفسك - يومها في عنفوان الشباب وفي بدايات القراءة، ومن ثم قسوت عليه وقامت بيني وبين المرحوم عبد القدوس الأنصاري جفوة بسبب الحدة في نقد السنوسي وكان رحمه الله قد أهداني ديوان القلائد لقراءته وكتابة دراسة عنه ولما لم ترق له اعتذر بلطف عن نشرها فبعثت بها إلى جريدة الرائد الخ.. الآن أنت أيضاً قدمت كتاباً عن الأديب المنصور.. محمد المنصور؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أحمد المنصور.
تركي الدخيل: أحمد المنصور، وقلت في الكتاب اللي نشر قبل سنوات قليلة بأن رسالتك قبل 30 عاماً للدكتوراه تحدثت بقسوة عن المنصور لأنك كنت في عنفوان الشباب والآن أنت نضجت ووجدت أن فيه مجال بأن الواحد ياخذ بأطياف كثيرة.. من الواضح إنه عندك بعض المراجعات اللي قلتها وحسبت جرأة لك. لازم نحتوي الواحد لما ينضج ويكبر وتطلع شيباته عشان يتراجع؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ هو شوف الحياة تجارب، والإنسان في الحياة يعني كل يوم تتجدد آراؤه وتتبدل لكن لا.. وأنا يعني أنا ضد التحول من الصفر إلى 180، لكن أنا مع التحول التدريجي الذي يستطيع من خلاله الإنسان أن يستوعب أكبر قدر ممكن من التيارات التي يمكن أن تتناغم داخل المنظومة التي هو يشكلها لذاته.
تركي الدخيل: يعني هل نقول إن الدكتور حسن بن فهد الهويمل عنده بعض التراجعات؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم، ما في ذلك الشك.
تركي الدخيل: كم نسبتها إذا أنت ما تبي تتحول 180درجة؟ 20؟ 30 درجة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ، هو التراجع لا يعني العكس، يعني تراجعك لا يعني أن تكون ضد رأيك السابق ولكن أن تكون متوسعاً في هذا الرأي بمعنى أنك تشكل هرماً مقلوباً في اتساعه.
تركي الدخيل: في رسالة الدكتوارة كنت ترفض أدب المنصور.
د.حسن بن فهد الهويمل: كنت أرفض الرمزية.
تركي الدخيل: بعدين صرت تقبلها وتقول هي شكل من أشكال الأدب.
د.حسن بن فهد الهويمل: ثم بعد ذلك أحسست بأنه يمكن قبول هذا اللون.
تركي الدخيل: هذا ضد الرأي السابق.
د.حسن بن فهد الهويمل: شو الرأي السابق؟
تركي الدخيل: أنت تقول إنه لا تغير، تغير بس لا تكون ضد الرأي السابق؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا لا لا ليس ضدية هي نوع من رحابة الصدر ونوع من الاتساع.
تركي الدخيل: وسعت الدائرة يعني.
د.حسن بن فهد الهويمل: إي نعم كل ما كثرت التجارب وكثر اطلاع الإنسان وتواصله مع الآراء والتيارات وقراءته للخلافات سواء في مجال الفقه أو في مجال التفسير أو في مجال الحديث أو في مجال الفلسفة أو في مجال الأدب وجد أن هناك يعني هناك مرجعية نصية ظاهرية ومرجعية نصية تأويلية واحتمالية فيعني بعض الأحيان تجد أنني وقاف عند ظاهر النص لكن من الممكن يا أخي.
تركي الدخيل: ظاهري يعني.
د.حسن بن فهد الهويمل: ليس ظاهرياً الظاهرية مذهب لها أصولها لكن ممكن أن أتقاطع معهم دون أن أكون معهم إذا ما تتقاطع المبادئ الاشتراكية مع الإسلام الوجودية مع كذا يعني تتقاطع المذاهب بمعنى أن بعضها يأخذ من بعض لاحظ شيئاً واحداً إنه ليس هناك نص بريء، ليس هناك نص بريء.
تركي الدخيل: تعتقد أن الاشتراكية تقاطعت مع الإسلام؟
د.حسن بن فهد الهويمل: طبعاً ما في ذلك شك، وكارل ماركس ما طرح مشروعه الاشتراكي إلا بعد ما قرأ عشرات السنين كل الديانات وكل الأشياء هذه، ويمكن أن تجد أكثر من 60 أو 70 تجد 30 أو 40% من الاشتراكية موجود في الإسلام.
تركي الدخيل: قلت قبل قليل ليس هناك نص بريء.
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.
تركي الدخيل: ببراءة سأتوقف عند فاصل وأعود. أيها الإخوة فاصل قصير ونعود بعده إلى إضاءات وحوارنا مع الدكتور حسن بن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي في القصيم فابقوا معنا.
[فاصل إعلاني]
تركي الدخيل: أيها الإخوة حياكم الله مجدداً في إضاءات لا يزال حوارنا هذه الليلة مع رئيس النادي الأدبي بالقصيم الدكتور حسن بن فهد الهويمل، دكتور قبل قليل قلت ليس قلت ليس هناك نص بريء.. كيف لا يوجد هناك نص بريء؟
د.حسن بن فهد الهويمل: كل الحضارات تتوارث بما فيها الإسلام، الإسلام عندما جاء الرسول قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فكانت مكارم الأخلاق موجودة ووصف الدين الإسلامي بقصر فيه مكان لبنة، وقال أنا هذه اللبنة. والإسلام أخذ من الجاهلية، والإسلام عرض لشرائع الأمم السابقة وأخذ منها والفقهاء ناقشوا هل شرع من كان قبلنا شرع لنا إن لم يأتِ ناسخ له، ويعني ليس هناك نص بريء.
تركي الدخيل: ماذا تقصد ليس هناك نص بريء.
د.حسن بن فهد الهويمل: يعني كل نص يعتبر محصلة نصوص سابقة، أنا عندما أريد أن أكتب أو أريد أن أتحدث.
تركي الدخيل: أنت تتحدث عن النص بمفهومه العام.
د.حسن بن فهد الهويمل: بمفهومه العام تستطيع أن ترجع النص إلى مجموعة النصوص وهذا مبدأ التناص والنصوصية وهذا مصطلح في الأسلوبية أن.. التفكيكية نفسها كلها تحيل أو تعتمد على أن النص هو محصلة نصوص وفي النهاية كما يقولون الأسد مجموعة من الخراف المهضومة.
تركي الدخيل: طيب خلينا نرجع دكتور إلى معركة لنسمّها المعركة الكبرى خلال مسيرتك هي معركتك مع الحداثة.
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.
تركي الدخيل: أليس كذلك؟ معركة أشهر معركة أنت خضتها هل تعتقد أنه حسن بن فهد الهويمل الآن في 2006 إلى أين تشكل فيما يتعلق بالحداثة مقارنة بالعقدين الماضيين الذي نشأ فيه تيار الحداثة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا في السابق معاركي تدور حول ربط مصطلح الحداثة بمفهومه الغربي، يعني أنا أواجه الحداثة بمفهومها الغربي الآن تغير رأيي بأنه يجب أن نفرق بين الحداثة العربية بكل تحولاتها والحداثة الغربية، ثم آتي إلى تفريق الحداثة بين حداثة فنية وحداثة فكرية. فمن هنا أصبح يعني من واجب الإنسان أن يراعي مفهوم الحداثة عند خصومه بحيث لا يظلمهم، لأنه أنت لا تستطيع أن تواجه إنساناً يتمسك بحداثة ذات مفهوم غربي، ولكنه في ممارسته يمارس التطبيق العربي أو المفهوم العربي وهذه هي المشكلة.
تركي الدخيل: ايش التطبيق العربي لو يلبس بدلة.
د.حسن بن فهد الهويمل: لا لا ليست.. أنا أعني بالحداثة الفكرية والحداثة الأدبية ولا أعني حداثة الهندسة ولا حداثة الاقتصاد.
تركي الدخيل: لأ بس أبي أعرف وش التطبيق العربي اللي أنت تقصد أن اللي بديت أنت تتراجع فيه وترى إذا هو يتعاطى مع الحداثة الغربية كمفهوم لكن يطبق.
د.حسن بن فهد الهويمل: لما يأتي الآن مثلاً مبدع ويصدر ديواناً أو رواية أو مجموعة قصصية ويرى أنها تمثل الحداثة نحن ننظر إلى هذا الإنتاج، هل هذا الإنتاج ينتمي إلى الحداثة بمفهومها عنده هو أو بمفهومها الغربي، بمعنى حداثة العهر والكفر؟ فإذا كان هذا الكتاب الذي أصدره ديواناً أو رواية أو مجموعة قصصية لا يمثل الحداثة الغربية، ولكن يمثل الحداثة كما يفهمها هو فيجب أن نتعامل معه على مفهومه ولا نضعه في سلة الحداثة الغربية التي نقف نحن ضدها وقوفاً إسلامياً.
تركي الدخيل: الحدث.
د.حسن بن فهد الهويمل: وقوفاً إسلامياً وليس وقوفاً أدبياً.
تركي الدخيل: الحداثة الغربية التي تقول يجب أن نقف ضدها وقوفاً إسلامياً وليس وقوفاً أدبياً، ألا تجد أننا ممكن أن نستفيد منها في أشكال البناء الأدبي؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا يمنع أبداً.. يستفيد منها يا أخي.. الرسول فدى أسرى المشركين بتعليم أبناء المسلمين ولا يعني نحن عندما نختلف مع مبدأ أو نختلف مع حضارة أو نختلف مع مبادئ أن نرفض التعامل معها والاستفادة منها لا بد من تبادل مصالح وتبادل خبرات في النهاية الحضارة تعتبر إنسانية.
تركي الدخيل: هي تجمع إنساني
د.حسن بن فهد الهويمل: هي تجمع إنساني لكن تبقى السمات والخصائص.. الإسلام له سمته وخصيصته وله منهجيته وآلياته وله مناطاته وتبقى مثلاً ا لماركسية والوجودية والحداثة وغيرها لها مناطاتها ولها مناهجها.
تركي الدخيل: كتبت مقالاً دكتور حسن فهد الهويمل رئيس النادي الأدبي بالقصيم في جريدة الجزيرة في رمضان 1424 قلت فيه من الظلم الجمع بين القصيبي وتركي الحمد في سلة واحدة، كيف؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأنه يختلف القصيبي عن تركي الحمد.
تركي الدخيل: بأي اتجاه؟
د.حسن بن فهد الهويمل: من ناحية التجاوزات الفكرية.
تركي الدخيل: أيهم عنده تجاوزات؟
د.حسن بن فهد الهويمل: تركي الحمد.
تركي الدخيل: وش هي سلة تركي الحمد وش سلة غازي القصيبي؟
د.حسن بن فهد الهويمل: القصيبي قد يكون مجدداً قد يكون مثلاً له آراء فيها شيء من يعني خلينا نقول شيء من الاندفاع أكثر، بمعنى أنه يسبق زمنه فيها لكن ما يمكن نجمع الاثنين في سلة واحدة.. يختلف.
تركي الدخيل: طيب وتركي الحمد؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا تركي الحمد له أخطاء ليس في ذلك شك ولا يجب أن نسايره فيها.
تركي الدخيل: فيما يتعلق تقصد بالرواية.
د.حسن بن فهد الهويمل: فيما يتعلق بالفكر.
تركي الدخيل: بالفكر؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.
تركي الدخيل: لكن القصيبي تعتقد إنه.
د.حسن بن فهد الهويمل: لا لا القصيبي يختلف.
تركي الدخيل: سأعود إلى مسألة ثانية تندرج من هالفكرة وهو ما يتعلق بالأدب الإسلامي الذي ترأس أنت أو أنت مدير المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي في الرياض، أول شيء أنت مقيم في بريدة تروح 300 كيلو للرياض وترأس النادي وترجع؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا أبداً أولاً المسافة بين الرياض والقصيم لا يزيد عن ساعتين ونصف.
تركي الدخيل: 300 كيلو.
د.حسن بن فهد الهويمل: والإنسان الذي يريد أن يتحرك في وقت الذروة من جنوب الرياض إلى شمال الرياض قد يقضي هذه المسافة مع توتر في الأعصاب.
تركي الدخيل: يا دكتور يا دكتور.. جنوب الرياض وشمال الرياض زي القصيم والرياض؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.. لأ لأ بس أنو ما في مشكلة يا سيدي، ثم أيضاً أشوف الإخوان الذي يتصورون صعوبة في هذا الأمر هم الذين يؤمنون بالمركزية، أنا لا أؤمن بالمركزية أنا أؤمن بالإشراف، هناك أجهزة تشتغل هناك لجان تشتغل رئيس النادي أو رئيس الإدارة هو الذي يوجه ويشرف وليس هو الذي يعني.
تركي الدخيل: ألا تعتقد أنه يعني ما يوجد أحد في الرياض يمكن أن يمارس هذا الدور؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أسأل اللي رشحني، أنا ما أخذتها بقوة السلاح.
تركي الدخيل: كل متى تروح طيب؟ لا ما أنت ماخذ شي إن شاء الله بقوة السلاح بس كل متى تروح أنت للنادي؟ تذهب إلى النادي لإدارة أموره كل متى؟
د.حسن بن فهد الهويمل: أروح له صباحاً بعد عودتي.. إذاً أنا عضو هيئة تدريس في الجامعة لماذا لا يقال لي لماذا تكون عضو هيئة تدريس في الجامعة؟ يا أخي..
تركي الدخيل: لا.. أقصد كل متى تروح للرياض عشان تمارس دورك كمدير لرابطة الأدب الإسلامي؟
د.حسن بن فهد الهويمل: في نهاية كل أسبوع أو أسبوعين يمكن أروح يوم أو يومين.




حول مصطلح الأدب الإسلامي

تركي الدخيل: تجلس يوم يومين، هناك يعني من يرى بأن مصطلح الأدب الإسلامي يمكن أن يخرج من لا يندرج ضمن هذه المظلة من الإسلام كيف تعلق على هذا ا لطرح؟
د.حسن بن فهد الهويمل: هذا ليس صحيحاً هنا ندخل في مشكلة المفاهيم، أنهم يتصورون أن كلمة أدب إسلامي أنها تخرج الآخر من هذه الدائرة.
تركي الدخيل: وش الأدب الإسلامي؟
د.حسن بن فهد الهويمل:

الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يهتم بإشاعة الكلمة الطيبة سواءً كان أدباً عربياً أو فرنسياً أو إنجليزياً أو هندياً أو غيره


الأدب الإسلامي هو الأدب الذي يهتم بإشاعة الكلمة الطيبة سواءً كان أدباً عربياً أو فرنسياً أو إنجليزياً أو هندياً أو غيره، ليس له لغة.. الأدب الإسلامي ليس له لغة، الأدب الإسلامي له هدف واحد وهو إشاعة الكلمة الطيبة، إن كان في العربية فهو يتقيد بكل متطلبات الأدب العربي إن كان بالفرنسية يتطلب كل المتطلبات الفنية لأن الأدب الإسلامي اهتمامه بالمضمون فقط.
تركي الدخيل: المضمون لأي جهة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: المضمون.
تركي الدخيل: من جهة الفضيلة اللي يشيع الفضيلة.
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. يشيع الكلمة الطيبة لأنه عندما نقول يشيع الفضيلة معناه يمكن يكون أدب زهد وأدب رقائق وأدب ديني.
تركي الدخيل: الكلمة الطيبة وش تقصد؟
د.حسن بن فهد الهويمل: الكلمة الطيبة ألا تكون خبيثة فرق بين الكلمة الطيبة والخبيثة.
تركي الدخيل: فيه أدب يشيع الكلمة الخبيثة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: نعم.
تركي الدخيل: في أي اتجاه؟
د.حسن بن فهد الهويمل: كل الآداب العربية وكل الآداب العالمية فيها جانب من المجون فيها جانب من التحلل وفيها جانب من الأدب المكشوف وفيها جانب من الأدب الإلحادي لا أحد ينكر هذا يا أخي.
تركي الدخيل: يعني أدب الدعوة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ أنا لا أعتبر أن الأدب الإسلامي هو أدب دعوة فقط، أدب الدعوة جزء من الأدب الإسلامي وليس هو الأدب الإسلامي، الأدب الإسلامي هو الذي يركز على إشاعة الكلمة الطيبة.
تركي الدخيل: طيب لكن أنت تقول بأن كون هناك أدب إسلامي أو رابطة الأدب الإسلامي لا يعني أن النصوص التي لا تندرج ضمن دائرة الأدب الإسلامي ليست إسلامية.
د.حسن بن فهد الهويمل: تكون داخلة بالأدب الكفري؟ ليس صحيحاً، الأدب الإسلامي يا أخي جزء من الأدب العربي.
تركي الدخيل: طيب ليش ما نشأت فكرة الأدب الإسلامي إلا في السنوات الأخيرة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: هي موجودة بس لم يوضع لها مصطلح إلا عندما طرحت المصطلحات الأخرى: طرح الأدب الوجودي وقبل، طرح الأدب الحداثي وقبل، طرح الأدب الماركسي وقبل، طرح الأدب الواقعي وقبل، طرح الأدب الرمزي وقبل، فعندما طرحت هذه المصطلحات طرح الأدباء الإسلاميون هذا مصطلح وقالوا الأدب الإسلامي، وإلا هو موجود منذ أن نزلت آيات الشعراء التي فرقت بين شعراء الهداية والغواية ومنذ أن واجه الأدباء طه حسين في شطحاته، ومنذ أن.. دعنا الآن نعود إلى موضوع الكاريكاتير الدنماركي هو فن، كل الذين يواجهونه إنما يجمجمون عن نفس الأدب الإسلامي هؤلاء الذين يواجهون هذا الكاريكاتير وهو جزء من الفن إنما هم يعبرون عن نقد الإسلام,
تركي الدخيل: لأن مضمونه أصبح سيئاً.
د.حسن بن فهد الهويمل: لأن مضمونه أصبح سيئاً.
تركي الدخيل: طيب عودة إلى المعارك التي تخوضها منذ 40 سنة، المعارك الكثيرة لماذا تخصص الدكتور - خلينا نقول تجاوزاً - تخصص الدكتور حسن الهويمل بهذه المعارك؟ حمل راية الردود على من يعتقد أنهم مخالفين، خاض كثيراً من المعارك لعل آخرها معركة يعني فيما يتعلق بالحضارة الإسلامية مع محمد آل الشيخ معركة فيما يتعلق بثقافة الوأد مع الدكتور مرزوق بن تنباك وقائمة طويلة من المعارك.
د.حسن بن فهد الهويمل: هي توصف بالمعارك لكن يا أخي أنا موجود في الساحة سواء كانت الساحة الأدبية أو الساحة الفكرية أو الساحة الأكاديمية وغيرها، ثم أجد أن زميلاً من الزملاء قد ارتكب خطأً، تأول فيه أو أنه ارتكب جنحة فكرية أو جنحة أدبية أو جنحة تاريخية وأنا موجود في الساحة.
تركي الدخيل: تفرق بين الخطأ والجنحة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ.. هو الخطأ والجنحة واحد، الجنحة يعني مال عن طريق الصواب، فإذا..
تركي الدخيل: حتى لو كان متأولاً.
د.حسن بن فهد الهويمل: حتى لو كان متأولاً، فإذا ما أخطأ أصبح من واجبي يعني من واجبي أن أرشده.
تركي الدخيل: بحكم؟
د.حسن بن فهد الهويمل: بحكم أننا شركاء في السفينة.
تركي الدخيل: هذا اللي سألتك عنه قبل شوي قطعية في الحق؟
د.حسن بن فهد الهويمل: ما معنى القطعية في الحق؟
تركي الدخيل: يعني أنك تعتقد أن لديك الحق المحض.
د.حسن بن فهد الهويمل: وهل يعني هذا أني أظل صامتاً حتى أتأكد 100% بقطعية الحق ثم أتكلم؟
تركي الدخيل: لأ.. أنا أسأل.. دكتور لا تتحمس..
د.حسن بن فهد الهويمل: وأنا أجيب.
تركي الدخيل: لا تتحمس بس أنا أسأل أبي أستوضح آراءك يعني.
د.حسن بن فهد الهويمل: وأنا أجيب كوني أنا أنتظر حتى أصل إلى قطعية الحق 100% ثم أتحرك هذا خطأ كبير.
تركي الدخيل: طيب متى تتحرك؟ كم نسبة الحق اللي يصير عندك عشان تتحرك 5% يكفي؟ تقول يجب أن أتحرك إذا صار 100% كم نسبة الحق اللي تصير عندك عشان تتحرك؟
د.حسن بن فهد الهويمل: عندما أقتنع من خلال خلفيتي الثقافية من خلال آلياتي من خلال قناعاتي من خلال قراءاتي من خلال تفهمي للأشياء ومقتضياتها ومناطاتها ومقاصدها، أنا إنسان متشكلة رؤيتي لا يمكن أن أتحول عن رؤيتي.
تركي الدخيل: جميل بس حنا تحدثنا قبل شوي عن ما تعتبره نضجاً وتغيراً من خلال تجارب الإنسان عن تراجع في بعض الآراء حول بعض المعارك..
د.حسن بن فهد الهويمل: أنا عندما أطرح رؤيتي ضد آل الشيخ عندما أطرح ضد الغذامي وأطرح رؤيتي ضد المرزوق وأطرح رؤيتي ضد القصيبي أو تركي الحمد أو غيره لا يعني أنني أصدر أمراً حتمي التنفيذ إنما أنا أطرح رؤيتي أنا شريك له في الساحة أنا أطرح رؤيتي ومن حقي أن أرد.
تركي الدخيل: بس هناك من يقول أن الدكتور حسن الهويمل هو حاد في طرح رؤاه؟
د.حسن بن فهد الهويمل: اقرأ رأيهم.. أنت تستل مقالي أنا الحاد ولا تنظر إلى مقالاتهم الحادة، المشكلة أنكم تقتطعون كلامي بحدته.
تركي الدخيل: من حنّا؟
د.حسن بن فهد الهويمل: الذين نقلت منهم هذه الآراء.
تركي الدخيل: أي أشوى بس أنت تصنفهم بس أبي أعرف وين تحطهم.
د.حسن بن فهد الهويمل: أنت نقلت هذه الآراء هؤلاء الذين يصفون حسن الهويمل بالحدة نزعوه من سياقه أنت إقرأ السياق الموجود.
تركي الدخيل: أي بس الفرق أن حسن الهويمل هو الثابت في هذه الحدة وهذه الحدة يتعاقب عليها سين وصاد وجيم عشر مختلفين يتحادون وحسن الهويمل هو الثابت في الجهة الأخرى.
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ هو يتصور لك، أنت الآن محصور في طرحي وبالتالي.
تركي الدخيل: أنا محصور لأني أنا قاعد أقابلك ما أنا قاعد أقابل 10 قاعد أقابل حسن الهويمل الحالي.
د.حسن بن فهد الهويمل: متشبع بهذه..
تركي الدخيل: لكن ما تعتقد أنها طروحاتك حادة؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لا تكون حادة إذا أخذت بسياقها.
تركي الدخيل: يعني أن تكون حاداً إذا من ترد عليه حاداً؟
د.حسن بن فهد الهويمل: قد أكون حاداً نعم إذا شلتها من سياقها لكني إذا وضعتها في سياقي فأنا لست حاداً لأن من هو أحد منه.
تركي الدخيل: لماذا لم تمارس الكتابة في السياسة إلا قبل 5 سنوات هو رغم أنك لك 40 سنة في الساحة الأدبية؟
د.حسن بن فهد الهويمل: والله أولاً أحسست أن المشهد الثقافي والمشهد الفكري من خلال الضخ القنواتي ومن خلال الساحات والمواقع أنه يهتم بالاتجاهات وبالتيارات السياسية، وبالتالي بما أنني مطروح ككاتب لا بد أن أشارك في هذه القضية مع وجود خلفية سياسية عندي، لست جديداً على هذا التيار.
تركي الدخيل: وش هي الخلفية السياسية؟
د.حسن بن فهد الهويمل: الخلفية قراءة الكتب السياسية ومذكرات الزعماء وتاريخ الشعوب العريقة في السياسة هذه هي الخلفية.
تركي الدخيل: طيب دكتور خلينا ننتقل إلى جانب شخصي شوي نخفف من المعارك والحدة، في أحد المقابلات أن تزوجت وأنت عمرك 18 سنة وقلت في أحد المقابلات أنه ما كانت لأحد من لداتي في زماننا الخيرة في أمورنا كافة وفي أمر الزواج على وجه التحديد وقلت إن والدك رحمه الله رغب أن تتزوج واختار لك أن تتزوج ابنة صديقه فتزوجتها دون أن تراها ودون أن تراك، ووفقك الله وصار الزواج وأنت تحث الشباب على الزواج المبكر ألا ترى أنك تتحدث في إيجابيات الزواج المبكر فقط دون سلبياته؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأ هو الزواج المبكر له سلبيات والزواج المتأخر له سلبيات، والزواج المبكر له إيجابيات وهذا له إيجابيات، الإنسان في سنه المبكر أو المتأخر هو الذي يحدد ما إذا كان من مصلحته أن يتزوج مبكراً أو أن يؤخر الزواج.
تركي الدخيل: يعني ما لها قاعدة عامة أنت تقول: فوت الشباب والشابات على أنفسهم أسعد فترات الحياة لأنهم ما تزوّجوا؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لأنهم ما وزنوا الأمور يعني ما درسوا الأمور كما يجب بس تصوروا أن الزواج المبكر فيه سلبيات أكثر وبالتالي أجلوا هذا الزواج هذا خطأ.
تركي الدخيل: أجبرت أبناءك على الزواج المبكر؟
د.حسن بن فهد الهويمل: لم أجبرهم لا أنا شوف أنا عندي قاعدة الذي يأتي بالثانوية بتفوق يأخذ سيارة والذي يأتي بالشهادة الجامعية يتزوج.
تركي الدخيل: على اعتبار أن الزواج [يضحك].. دكتور حسن شكراً لك على هذا اللقاء.
د.حسن بن فهد الهويمل: شكراً جزيلاً أهلاً وسهلاً.
تركي الدخيل: شكراً لكم أنتم أيها الإخوة على متابعة هذه الحلقة من إضاءات وحتى ألقاكم في حلقة مقبلة هذا تركي الدخيل يترككم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

عباس محمود العقاد 23-11-2006 10:21 PM

حسن الهويمل ناقداً

جميل حين يتصدى أديب شهير للكتابة عن أديب لا يقل عنه مكانة كادت أن تملأ حرساً وشهباً، ولاسيما إذا كانا رضيعي لبان، فقد تدرَّج شبابهما في بيئة قريبة اكتنزت على نظرية التأثر والتأثير، إذ كانا يختلفان إلى بعضهما منذ اوج الحركة الأدبية في مملكتنا الغالية، فيتبادلان فيوضا من القضايا الأدبية بطيوفها المعشبة بالأخذ تارة، وبالطرح أخرى، وفيها ما فيها من الاتفاق والاختلاف، مما حدا إلى المشاركة الفاعلة في إثراء الساحة الأدبية، ينهل منها القاصي فضلاً عن الداني، مخلفين وراءهما وبين أيديهما موضع أثر لا يفتأ ولا ينفك يلوح كما لاح الوشم في ظاهر يد خولة طرفة، ولا نغلو إذا قلنا إنه باق لا يبرح مكمنه، فما من عاكف على الأدب السعودي إلا له سهم منهما قلَّ أو كثر. لقد أتحفنا الدكتور القدير حسن بن فهد الهويمل بكتابة شائقة وماتعة عن أديبنا المتألق عبدالله بن عبدالعزيز بن إدريس، وهو ما نشر في جزءين في عددي (11639 11653) من جريدتنا الساحرة برضا واقتناع، تحت عنوان (ابن إدريس ناقداً)، وقد وُفِّق ابوأحمد إلى حد كبير في إنصاف أديبنا، ونفله ما ألهمته القراءات المواضي له، فقد ألفيته كأنه يعتسف ذاكرة تراكمت عليها سنون كضعفي سني تخيير شعيب لموسى عليهما السلام بل تربو على ذلك، فجاء فيه ما كان لزاماً عليَّ أن أهدي بعضاً من الملحوظات التي لا أجد ريباً في اتساع صدرَي أديبينا لها، فقد قال الدكتور حسن (ومن الخير للأمة أن يرحب صدرها لكل طرح).. من هنا، وهنا ليس غير، أطيب خاطراً في إبداء الرأي، وكلي ثقة في علمهما أني لست باحثاً عن إدانة، بل مبدي نصح مشفوعاً بالتردد الذي قطعته هاتيك التفاؤلات التي تعي اختلاف الرأي، وكيف أن دواخل أهليْها مبيضَّة كما البرد، وكما الثوب المنقى من الدنس.
لقد قرأت فيما قرأت في مقال الدكتور حسن استهلالاً يطمئن القارىء إليه، ويأنس به، ويوغل فيه موضوعية وحقا صُراحا، فقد قال في بُعيد البدء: (فإنني سآوي إلى وثائق تعصمني من التجهيل أو التكذيب، وتنجيني من مغبة المجاملة أو معرة التحامل)، ويقول بعد أن وعدنا بنبذ شَرَك المجاملة (ذلك أن الأمر لا يحتمل مثل هذه التحفظات)، ويقول عن نقده لأديبنا (يحفظ التوازن بين الحق والحقيقة.. والحق ألا نقول عنه إلا الحق)، بيد أني وجدت أبا أحمد ينزع إلى إيراد إيجابيات لأديبنا ابن إدريس، لا سيما أنه عوَّل كثيراً وأقول كثيراً بالنقد على كتابه (شعراء نجد المعاصرون)، وكم كنت أتمنى أن يتعاطى النصيحة لرفيق الطلب والمزامنة، وذلك بأن يعرِّج على تلك الأخطاء التي حفل الكتاب بها، فقد اتخذه عضدا، له في مقاله، على أن هذا الكتاب هو الذي قد استوحى منه الدكتور حسن رسالته للدكتوراه في موضوعه، يقول: (ومن تلك الرؤى انقدحت عندي فكرة اتجاهات الشعر المعاصر في نجد، والتي تحولت إلى موضوع أكاديمي)، على أني سبق أن وقفت على رسالة الدكتور فوجدتها خالية من التنبيه على بعض تلك الأخطاء التي أنا بصددها، فأضحى التنبيه عليها بداً مما ليس منه بد.
ومما يحسن هو أن أبدأ بالأخطاء المنهجية، ثم بما بعدها، فمن هذه الأخطاء:
1 اتفق أن أديبنا في خطبة الكتاب نزوعه إلى المذهب النفسي في دراسته لشعر الشعراء، وقد خالف هذا المذهب في كثير من نقده، بل خلط بين المنهج النفسي والاجتماعي، ولم يمضِ بأي واحد منهما، بل زاوج بينهما، وهو ما بدا ظاهراً في قلقه بين المذهب الواقعي والرومانسي؛ ذلك أنه عاب على بعض الشعراء أنه يهرب من الواقع إلى الخيال، وغاب عنه أن من الرومانسية أن يميل الشاعر إلى الخيال المحلق تاركاً وراءه الواقع بما فيه، ص: 47، فلا أرى بيانا شافيا لتحديد مفهوم الاتجاهات والمذاهب الأدبية لكي يقف القارىء على بينة من الأمر، من ذلك أنه عدَّ عبدالله الفيصل شاعراً رومانسياً، ثم قال بعدها إنه (من دعاة الفن للجمال) وهو (ليس ممن يقبع في زاوية الرومانسية المتصوفة..) ص: 86. ومن المعلوم أن شاعر الرومانسية قلَّ أن يكتب في الوطنيات، ومع ذلك فقد أورد بعض القصائد الوطنية له.
2 لقد أقحم أديبنا نظرية (فرويد) في نقده، وهي نظرية تستحلب ما لا يكون عند الشعراء؛ ذلك أنها لا تتكيف مع الثقافة العربية الإسلامية، ثم إنها مذهب نفسي قلما صدقت مع شاعر، فهي مذهب نفسي بحت، لا يجوز أن يتكىء عليها الناقد، وإن اعتمد عليها فهي من قِبَل الشك الذي لا يصل إلى رتبة اليقين.
3 يُعد ابن إدريس في كتابه من الدعاة لنبذ الشعر الذي أسماه (الرومانتيكي)، فقد تنبأ بزوال الشعر التقليدي حيث قال (الشعر التقليدي قد دنت شمسه نحو الغروب، ولم يعد له من وجود يحس إحساساً قبولياً انفعالياً) ص: 37.
4 لم يحدد تاريخاً محدداً للمعاصرة، فقد أدخل مَنْ حقه ألا يكون من زمرة المعاصرين وهو ابن عثيمين.
آتي هنا على مادة الكتاب، وفي بعضه عدم دقة في التدقيق، والبحث المتأني:
1 أنه ترجم لثلاثة وعشرين شاعراً، وعوَّل على ما يكتبه كل شاعر عن ترجمته لنفسه، فليس هنالك تراجم مدونة عن كل الشعراء، إلا أن اللافت للنظر هو أن يعتمد في كتابه على ما يرسله الشعراء إليه من جيد شعرهم، وهو بإيعاز منه، فكان على أديبنا أن يقف على الجيد والرديء ليحقق الدلالة المنهجية لمفهوم النقد الذي هو تمييز الجيد من الرديء.
2 أسقط من كتابه مَنْ حقه أن يضيفه، وأضاف مَنْ حقه أن يسقطه، فمن الأول أنه أسقط الشاعرين ابن خميس، والعمران، وأضاف مَنْ هو
خارج نجد وهو خالد الفرج، صحيح أن خالد الفرج أصله من نجد إلا أنه ولد وعاش وتدرج شبابه في الكويت، وحين عاد إلى المملكة مكث في المنطقة الشرقية، فمن الحق ألا يكون في زمرة النجديين، فليس المعني الأصل، وإنما النشأة والتأثر، أما ابن خميس فمن المعروف أنه مكثر من شعر المديح والمناسبات، وهذا اللون من الشعر هو ما أبعده ابن إدريس من كتابه، على أن لابن خميس شعراً في غير ذلك.
3 أطلق حكماً على ابن عثيمين أنه لا يمدح إلا لعاطفة جياشة، وليس لطلب النوال، وهذا غلط، فابن عثيمين من الشعراء الذين يضربون أكباد الإبل ويفارقون الأهل والسكن لطلب النوال، وديوانه زاخر بذلك، ولو أن المؤلف أستقرأ ديوانه جيداً لما أصدر هذا الحكم المغلوط.
4 اتهم الشعر في نجد قبل المعاصرة أنه لا يعبأ به، فهو لا يمثل الشعر الجيد الذي يتطلع إليه، فهو (لم يعبر عن نفسية الشاعر وانفعالاته، ولم يكن يعطي صوراً حقيقية عن بيئة الشاعر ومجتمعه، ومستوى حياته المادية والروحية) ص: 22.
5 أهمل أديبنا دقة النظر في المراجع السابقة، لكي يستفيد منها، وكيف أنه قد سبق لما جاء في أكثر مما ذهب إليه، ولست أدري سر هذا الإغفال، هل يريد أديبنا أن يكون باكورة عمله التأليفي باكورة في الآراء، أم أنه فعلاً لم يطلع على مراجع سابقة اطلاعاً دقيقا؟
6 في الكتاب كثير من الأخطاء اللغوية والعروضية التي يجب ألا تهمل، بل الواجب أن تصحح، فهي ليست بأخطاء مطبعية فحسب، فأتمنى أن يكرمنا بمراجعته ويعيد طبعه مصححاً.
7 يميل أديبنا في أحكامه إلى التعميم، وإلى عدم الغوص في القيعان، بل يعول على استنتاجات القارىء، ولعل في الأذواق والإدراكات ما لا يخفى على أحد.
والحق أن جملة من الباحثين في الأدب السعودي ضلوا الطريق من خلال تلك التجاوزات، فكان الخليق أن ينبه الدكتور صديقه وأديبنا ابن إدريس إلى تلك الأخطاء، ذلك أن ابن إدريس، لم يعد إلى انتزاعها وتصويبها، وكأن الدكتور يؤيده في ذلك، فقد قال (ولقد كانت لي معه وعنه أحاديث خبرت بها لماذا بادر إلى التأليف، ولماذا فرض شرطه الفني والدلالي على الشعراء المترجمين، ولماذا أراد له أن يظل كما هو، لا يضيف إليه، ولا يحذف منه).
هذا ما استطعت أن ألمّ به في عجالة، ومهما يكن من شيء وأمر، فإن الكتاب ذو قيمة لا تغفل البتة، فهو من أوائل الكتب التي رصدت حقبة من الشعر النجدي وكثيراً من شعرائها، على غرار كتابي أدب الحجاز، وشعراء الحجاز، وغيرهما، إلا أن من الواجب أن يعرج الدكتور حسن على مثل هذه الملحوظات أو بعضها التي هي مآخذ يجب ألا تقع، فمن الواجب إهداء النصيحة، ونبذ المجاملة كما وعدنا أبو أحمد، وللكاتب وللمكتوب عنه أهدي خالص التحية مشفوعة بالاعتراف الريادي.


أحمد بن عبدالعزيز المهوس
ماجستير في الأدب العربي الحديث
khlid71@hotmail.om

عباس محمود العقاد 23-11-2006 10:40 PM

المجلة العربية
الإبداع الأمي وقلب الحقائق

إن الذين تطربهم عامية نجد ويشدهم شعراؤها من أمثال «العوني» و«ابن لعبون» و«السبيل»، و«القاضي»، و«راشد الخلاوي»، وابن «غازل»، و«الحكمي» من شعراء الجنوب، ولا يعرفون شيئاً من مطولاتهم بل ولا يحفلون بشيء من شعرهم، ذلك أن شعراء جازان العاميين لهم ذائقتهم، ولهم عاميتهم ولهم فوق ذلك تاريخهم المعاصر، وأمجاده الخاصة، وابطالهم ضمن هذا التاريخ الحديث مما لم يكن مذكوراً في الإبداع الحجازي أو النجدي. وكل إقليم ملتف حول لهجته وعاداته.

وإحياء العامية تأكيد لهذه التعدديات اللغوية والتاريخية والقومية ومؤذن بتفكك الأقاليم والدولة الإقليمية الواحدة فضلاً عن تفكك الأمة وذهاب ريحها والشواهد حاضرة، فنحن لا نرجم في الغيب لقد كان الناس في صدر الإسلام أمة واحدة أكرمهم أتقاهم وحين قامت الدولة الأموية على العصبية، عاد الناس يفتشون عن أصولهم ويحيون عصبياتهم ويلتفون حول شعرائهم. وإذ يفترق شعراء العامية وقراؤهم ولا يطرب أحد منهم للآخر، نجد أن شعراء الفصحى في نجد وجازان والحجاز بل وفي الوطن العربي كله لا يفترقون في شيء يتفاعل بعضهم مع بعض، ويطرب بعضهم لبعض، ويفهم بعضهم بعضاً وإذا اختلفوا احتكموا إلى التراث وضوابطه النحوية والصرفية واللغوية والصفحات الأدبية تحفل بشعراء نجد والجنوب على حد سواء في حين أن الصفحات الشعبية لا تتسع إلا لشعراء المنطقة الواحدة، وعلى المترددين أن يبحثوا خلال عام أو عامين في صفحة شعبية في المنطقة الوسطى عن شاعر شعبي حجازي أو جازاني هل يجدون له أثراً، ثم ليسألوا قارئاً من الشمال أو الجنوب عما يعرفه عن شاعر عامي يملء نفس النجدي إعجاباً وإكباراً، هل يعرف شيئاً مما يقول؟ ثم اسألوا هؤلاء وأولئك عن شاعر عربي من الشمال أو الجنوب أو اقرؤوا له قصيدة عربية ستجدونه يطرب له، ويتفاعل معه ويفهم ما يقول. لا لأنه من الشمال أو الجنوب ولكن لأنه شاعر عربي فصيح، ولو أشكل عليه شيء ما يقرأ وجد المرجعية النحوية أو الصرفية أو اللغوية التي تجلي له المعنى وتحل له الأشكال وليس واجداً عند إشكالية الإبداع الأمي ما يسعفه. ولهذا فإن الذين يدرسون الشعر العامي ويؤلفون فيه لا يحفلون إلا بعاميتهم الإقليمية الضيقة. فهذا أبوعبدالرحمن بن عقيل الظاهري، وعبدالله بن خميس ومحمد بن أحمد العقيلي ومن بعدهم الدكتوران سعد البازعي وسعد الصويان كل منهم اقتصر على شعراء منطقته لا يفهم غيرها ولا يطرب لغيرها، وحين ينهض أحد الثلاثة ومن بعدهم لدراسة الشعر العربي الفصيح لا يفرق بين نجدي، وجازاني، وحجازي، ذلك أن لغتهم واحدة هي اللغة العربية وأدبهم واحد هو الأدب العربي وأنت حين تقرأ الأمثال العامية في نجد أو الأساطير الشعبية أو شيم العرب المعاصرين لا تجد إلا أمثالاً وأساطير وحكايات إقليمية لا يهتم بها إلا أبناء الإقليم وحدهم دون سواهم. وهاكم مؤلفات ابن خميس التي خدم فيها عامية نجد من أربعين عاماً أو تزيد هل تجدون فيها شاعراً من شعراء العامية في الجزيرة العربية مما هو خارج نجد فضلاً عن أن تجدوا فيها شاعراً عامياً من مصر أو من السودان، ألا يكون مثل هذا العمل مؤذناً بتفرق الأمة وتنافسها على شعرائها العاميين؟ لقد أشعل المستشرقون والمناديب جذوة العامية والإقليمية ووكلوا أمرها إلى أبناء البلاد يتنازعون حولها ويوغلون في النيل من الغيورين على وحدة الأمة وسلامة لغتها وهأنذا أنافح عن اللغة العربية وآدابها ألاقي من العنت والسب والاستهجان والتجري مالا يلاقيه دعاة القومية والحداثة حتى دعيت وعلى صفحات جرائدنا إلى «التعقل» وكأنني بدعوتي للفصيح لست بعاقل وقيل عني بأني ألقي الكلام على عواهنه، وأنني لا أعرف الشعر العامي، ولو عرفته لتغيّر رأيي، وماذا في العامي من صعوبة على الأميين بحيث يصعب على مشتغل بالأدب وفنونه منذ أربعين سنة.


| \ |
ومن حقنا وقد أوذينا أن نتساءل عن أي مزية لهذا اللون من الإبداع إذا كان محصوراً في أقاليمه لا يفهمه إلا ذووه؟ ولا يتذوقه إلا ذووه وهل نحن بحاجة إلى تكريس الإقليمية وحصر كل جماعة في عاميتها؟ لقد خاض الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ معركة التكوين الإقليمي وحقق وحدة استثنائية رائعة بكل المقاييس وخاض أبناؤه معركة البناء الحضاري والفكري، ومن واجبنا أن نحول دون أي شائبة تعكر صفو هذا التلاحم الإقليمي والفكري، إنني أتوقع قيام تساؤل عن تهويل الأمر، والحق أن النتائج العكسية لا يلمسها الناس في لحظتهم، والتحولات الاجتماعية واللغوية لا تتم بيوم أو سنة، إن العواقب الوخيمة آتية ولو بعد حين، وفساد اللسان في صدر الإسلام لم يداهم الأمة بيوم أو بعض يوم. لقد نما كالأعشاب الضارة حتى غلب وعسر القضاء عليه، ولو أنهم اجتثوه من بداياته لكان خيراً لهم.

إننا حين نتيح لهذا اللون من الإبداع ولذويه مجالاً لا يستحقانه فإنما نفعل ذلك لعجز المبدعين بلغته عن ممارسة الإبداع في اللغة العربية ونحن حين لا نتيح لهذا اللون إلا مجال الإبداع، فإنما ليخلو المجال الطبيعي للغة العربية فهي وعاء الإسلام وهي الرابطة التي تتسع لكل العرب في كل فجاج الأرض فضلاً عن أبناء المملكة المترامية الأطراف. وهي وسيلة التواصل الحقيقية وهي وعاء الحضارة ولغة التراث وهي الذكر لنا الذي أشار إليه القرآن الكريم في سياق المنة والتفضل. إن العامية عاجزة عن إيجاد تواصل يتسع لأقاليم الدولة الواحدة فضلاً عن إيجاد تفاعلل بين أفراد الأمة الواحدة ثم هي بعد كل هذه الحفاوة والاحتفالية لم تكن وعاء حضارة ولا أنه علم، ولا أدب ولا تملك أدنى قدرة على التخطي للآخر، ذلك أن قارئها لا تسعفه المعاجم ولا الآليات لتقويض أي جملة فيها أنه معها يعيش في مغارة أو مفازة.


| \ |
لقد نادى بعض الأكاديميين بضرورة إيجاد أقسام للشعر العامي وللأدب العامي كما يسمونه، وللغة العامية في كلياتنا أسوة بمثيلاتها في العالم، ونسوا أن هذه الدعوة تكريس للإقليمية من جهة، وإثارة للشحناء والفرقة من جهة ثانية، فالدارس الحجازي لا يريد إلا عاميته ولا يريد إلا شعراء هذه العامية وهو معذور في ذلك إذ لا يفهم ولا يستسيغ إلا هذه اللهجة التي تلقاها من أبويه ومن محيطه وشب عليها، والدارس النجدي لن يحفل إلا بالشعراء الشعبيين من نجد وبعامية نجد، وهو معذور كذلك وبالتالي فإنه سيقوم بتدريس هذا اللون من الشعر وهذه الطائفة من الشعراء المنتمين لإقليميته وقل مثل ذلك عن بقية المناطق التي فيها جامعات، هذا على مستوى الدولة الواحدة وكم يكون الخطر على مستوى العالم العربي. لقد بدأ الملك عبدالعزيز بمشروع التوحيد من الرياض عام 1319هـ ولا أقول من نجد فضلاً عن أن أقول من الجزيرة العربية. انطلق من «الرياض» مستعيناً بسمعته الطيبة، وعراقة مجده، ومشروعية فعله، ومع هذا تصدى له بعض أمراء الأقاليم وزعماء القبائل من نجد ومن غيرها، وآزر الشعراء العاميون في نجد وفي غيرها ذويهم، وسجل كل شاعر أمجاد قومه، ونال من خصومه، ومنهم الملك عبدالعزيز في بداية التوحيد، وحقق الله لهذه البلاد وحدة أساسها الدين ووعاؤها العربية الفصحى، وبدونهما يختل هذا المشروع ولو ظفر دعاة العامية بإدخالها للجامعات فأي شعر نقبل؟ وأي أمجاد نسجل، وأي لهجة نعتمد؟ ومن أي تاريخ ننطلق؟

والذين ينادون بوضع أقسام لهذا اللون من الشعر لا يحسبون للعواقب حسابها ولا يقدرون الأضرار الناجمة عن مثل ذلك. هذه الدعوة الفجة المرتجلة هي التي آثارتني وحفزتني على التصدي مهما كان الثمن وأحمد الله أن أولياء الأمور وكبار المسؤولين لم يلتفتوا إلى مثل هذه الدعوات الفجة ولم يعيروها أي اهتمام وقد لمست ذلك من بعضهم، بل أحسست باستنكارهم واستغرابهم.


| \ |
ومع شديد الأسف، فإن موقفي من هذه الدعوة المشبوهة حمل البعض على تحريفه بحيث جعله موقفاً ضد وجود الشعر العامي وجود ضرورة لا وجود اختيار بل أقول وجود غلبة وتسلط حرصاً من أولئك على تأليب الرأي العام وعجزاً منهم عن مواجهة الحق الأبلج، بحيث تصور هذا البعض واهماً أو متوهماً أنني ضد الشعر العامي، وجوداً، وأنني أطالب بمنع الشعراء العاميين من قول الشعر وبكم أفواههم وبسلبهم حقهم وذلك محض افتراء وتقول إنني أقول وأكرر القول وأقرر دونما أي تحفظ أن الاشتغال بهذا الشعر تأليفاً ودراسة وتقعيداً وتدريساً على أي مستوى دراسي وتحت أي ظرف لا يخدم اللغة العربية ولا يحقق أدنى فائدة للأمة وفيه ضرر على وحدة الأمة واستفادتها. الأمة بحاجة إلى وحدة اللغة ولا يمكن أن تتحد الأمة إلا على لغة القرآن، والأمة بحاجة إلى القضاء على الازدواج اللغوي، بحيث يكون هناك لغة خاصة، وأخرى عامة.

إننا حين نقبل مكرهين وعاجزين بلهجة عامية للمحادثة والمشافهة فإننا لا نريد لهذا الإكراه والعجز أن يمتدا لينالا من لغة القرآن ومن وحدة الإمة وإذ لا نقدر على تمثل هذه اللغة الفصيحة في محادثتنا فلا أقل من أن نبقي على البقية الباقية منها في كتاباتنا وتدويننا وتأليفنا وتدريسنا ونقدنا. والذي ينادون بإدخال هذا اللون من الشعر في الجامعات والأندية الأدبية أسوة بوسائل الإعلام الأخرى يتذرعون بحجج أوهى من بيت العنكبوت وتبريرات ضعيفة ليست بمستوى المناقشة وإذا لا يكون الخوف من الطرح الإعلامي الشفهي فإنه يكمن في أمور منها:

أولاً: إدانة المرحلة تاريخياً لتفكيرها بمثل هذا المشاريع.

ثانياً: استدراج بعض النخب لتأييد مثل هذه الرغبات عبر استطلاع للرأي واستغلاله بطريقة غير مشروعة.

ثالثاً: سكوت النخب الرافضة لمثل هذه المحاولات وتغليبهم للسلامة على حساب تاريخ مرحلتهم أو تناول الموضوع بطريقة ضعيفة وغير واعية.


| \ |
إن الرافضين للعامية في قلوبهم يجب عليهم أن يقولوا رأيهم بألسنتهم، وتغليب جانب السلامة ضعف وضرر ومداهنة لا تليق، إنني أسمع وأرى من يأنس بكتابات الرفض والمواجهة، وإذا قيل لهم:

ــ تكلموا اسمعوا رأيكم تذرعوا بأعذار واهية لا تنجيهم من الخطيئة والتواطؤ. إن التاريخ لا يرحم وقد يأتي يوم يكثر فيه سواد الفصيح فتعاد قراءة المرحلة ثم لا يكون لأولئك أي دور في خدمة قضاياهم المصيرية كمناصرة اللغة العربية فيحاسبون على ذلك مما يؤثر على سمعتهم وذكرهم.

وإذا كانوا يواجهون بسفاهات من القول من بعض العوام وصغار الكتبة والمتحدثين فإن هذا ابتلاء وامتحان، ولا يليق بمثلهم أن يخلوا الساحة لمثل أولئك.

كما أن مجاملة كبار الكتاب، والأدباء، وعلية القوم، لا تكون على حساب القضايا المهمة والذين يحتفون بالشعر العامي أو يقولونه أو يكافئون عليه لا ينطوون على كره للفصيح، ولا يقبلون المساس بلغة الأمة ولا يفكرون بمثل ما يكفر به من يدعون إلى إيجاد أقسام للعامية في جامعاتنا، ولو كان أحد منهم على شيء من ذلك لوجب علينا مناصحته لأن من واجبه علينا أن لا نسايره على الخطأ وقد حظيت بشيء من التناوش الشفهي مع بعض أولئك فأحسست أنهم مع الحق حتى قال قائلهم: «إنني لا أهتم بالشعر الشعبي، ولكنه يهتم بي فأين أصحاب الفصيح ليأخذوا حقهم كغيرهم».

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:21 PM

مقالات 2004م

لا تلوموا (صدام) ولوموا أنفسكم
د.حسن بن فهد الهويمل


وصيد (صدام) كما تصاد الجرذان المؤذية، ووصل كل الأطراف إلى مشارف القضايا، وأصبح كل شيء في ذروة تعقيده، واستحالة تصوره.
فالشعب العراقي تنفس الصعداء، لأن العفريت الذي انفلت من قمقمه عاد إلى قبضة قوية لن يفلت منها. وعلى ضوء الخلفيات الذهنية لم يكن أحد يتصور النهاية البشعة والمهينة، وإن كانت تجارب الأمة مع ثورييها تشي بمثل هذه المصائر المؤلمة، فالزعامات الثورية لا تغرس عروقها الظالمة إلا على الجماجم والأشلاء، مختصرة الوطن في شخص المغتصب، مكرساً إعلامها شخصنة المؤسسات، غير ملتفت إلى تشخيص الأدواء.
والذين انهالوا على (صدام) بأقذع الكلام وأسفِّه، يفوتون على راهنهم فرصة التأمل (لما بعد صدام)، لقد انتهى شر نهاية، وطويت صفحته بما فيها من بشاعة وقبح، وسيظل وثيقة إدانة لسياقه وأنساقه التي عاشها، وإن تمت كل تجاوزاته تحت سمع المخابرات الغربية وبصرها. ويوم أن كان يقاتل عنهم بالإنابة، كان الدعم ينهال عليه من كل جانب، ولما أن فرغ من دوره على مسرح الدمى، لم يحتمل الاقصاء، فعاد يكسر في خلفيات المسرح وفي الدمى، قبل أن تنتهي فصول المسرحية، الأمر الذي جعل اللاعب الغربي يأطره على رغبته أطراً ويصوغ خطابه على ضوء المستجدات، ناسياً ما سلف، دون أن يتغير شيء من المقاصد، ومصيبة الأمة ليست فيما حصل، وإنما هو في فهم ما حصل على غير حقيقته، وتصديق الرأي العام للمتغير الأدائي.
و(صدام) الضجة لم يكن عدوَّاً للغرب بقدر ما هو عدوٌّ لأمته ومصالحها، لقد كان مخلب القط في كل حروبه الخليجية، وحين تبين له أنه ألعوبة غبية، وأن ليس له مما فعل إلا العار والخسار، ولما لم يقبض ثمناً لأدواره الجارحة للكرامة العربية، ثارت ثائرته، واختلطت عنده الألوان، وتداخلت الأطياف والرؤى، ووجد نفسه كما (الثور الأسباني) في الحلبة، يمعن المصارع في تهييجه، حتى يثخنه، وحتى تخور قواه ويسقط، ثم يسحب من ذيله، وكل الفرق بين الاثنين أن (صداماً) سحب من شعر رأسه ولحيته، فيما سحب الثور المصارع من ذيله، لقد وقف على مفترق الطرق يتنازعه:- الخنوع لتبعات اللعبة، أو مواجهة قدره.
ومنذ أن دحرته القوة العالمية في الكويت، لم يكن يتصرف بعقل، ولم يبد على حقيقته إلا حين نسل من حفرته أشعث أغبر، لقد ظهرت الحقيقة التي أخفاها وراء حجب من الأقنعة. وأمريكا التي تتقن فنون الحرب، وتملك آلياته، تتقن كذلك متطلبات الحرب النفسية والإعلامية، لقد أحكمت التمثيل والإخراج لخطوات القبض عليه، ولم تمسه بقدر ما مست كرامة الأمة العربية.
وحيث أجمع المتابعون للقطات القبض عليه على أنها مصنوعة بإتقان، لإهانة الكرامة العربية، وتعميق أثر الحرب النفسية، فإننا نود لو أن القابضين عليه احترموا مشاعر العرب، واكتفوا بالعرض المقتضب، لتأكيد الخبر، لا لتعميق الإهانة. وإذا كانت أمريكا قد حققت نصرا بهذا القبض، فإنها دخلت نفقا مظلما، قد لا يكون المستقبل أحسن حالا من الماضي. والذين يغامرون في مواجهتها في مواقع عدة من العالم، بدؤوا يتجهون لمواجهتها في العراق، ومتى تحول العراق إلى ساحة لتصفية الحسابات فستظل أمريكا تدفع بمزيد من الجنود والعتاد حتى إذا لم تستطع حسم الموقف لصالحها سلمت السلطة لمن يعيد العراق إلى سالف عهده المظلم.
والقواصم أنها شرعنت لنفسها الغزو، وأعلنت من جانبها أنها محتلة، وليست باحثة عن أسلحة، ولا محاربة لإرهاب، ولا جالبة الحرية. وكم هو الفرق بين الاحتلال والمواجهة لهدف معلن.
لقد كانت تتقلب في حيثياتها، وتنوع مبررات حربها، وكلما أسقط في يدها، التمست حجة أوهى من بيت العنكبوت، ولن نمضي معها في تقلبها، فذلك قول متداول يعرفه القاصي والداني، وإنما نريد أن نلوم الساسة والمفكرين والكتّاب العرب الذين تلهيهم الدعاوى الكاذبة فيشتغلون فيها عما أوجبه الحق عليهم، وكأنهم فقهاء (بيزنطة).
والقبض على (صدام) وأسلوب العرض المؤذي أضاف إلى آلام الأمة آلاماً، ولم يحملها على تغيير ما في نفسها، وقد يؤدي ذلك إلى قلب الموازين. (صدام)، فرد صنعته القبلية أو الحزبية أو (اللعب الكونية)، ودعمه الإعلام الكاذب، وتسترت عليه القوى العالمية لمقاصد بعيدة لا يعلمها إلا الراسخون في علم السياسة. (صدام) شفرة محكمة الصنع إذا تمكن التاريخ من تفكيكها فإن الإدانة ستمتد إلى كل من يستطيع القول ثم لم يقل، ولكل من يستطيع الفعل ثم لم يفعل، ولكل من يستطيع الاعتزال ثم لم يعتزل.
وإذا كان (صدام) على رأس المؤسسة القبلية والحزبية (الدكتاتورية)، فإن آخرين خارج المؤسسة دعموا أو باركوا أو صمتوا، وهم شركاء في الخطيئة.
وإذا كنا مع الذين يحاربون أعداء الإنسانية، ويرفضون الظلم، فإننا لن نقع في رذيلة النظر بأكثر من عين، والكيل بأكثر من مكيال. سياسيون وإعلاميون ساندوا النظام المنحل، وباركوا خطواته، وأغمضوا عن جرائمه، وفي مقدمتهم دول الحضارة و(الديمقراطية)، وحين وقع في المصيدة، انحلت عقد ألسنتهم، وانطلقت تسلق ذات الرئيس، وكأنه وحده الذي حارب واحتل وقتل وعذب وشرد وسجن، وما هو في حقيقة الأمر إلا حلقة صدئة في سلسلة طويلة من الخطائين: جماعات وأفراداً. ولسنا هنا ندافع عن هذا المجرم الذي تولى كبر الجرائم، ولكننا نود ألا يكون وحده المشجب الذي تعلق عليه كل الجرائم، ثم لا نجد حرجاً من إعادة الفعل وصناعة الأصنام.
وإذ نرى محاسبته حساباً عسيراً، وأخذه أخذ عزة واقتدار، نود ألا يكون ذلك (بيد عمرو)، فأمريكا ليست على الأمة العربية والإسلامية بوكيلة، لا يحق الحق إلا هي، ولا ينصف المظلوم إلا هي، ولا يجلب العدل والمساواة إلا هي، ولا يصدر (الديمقراطية) إلا هي. ومن العار أن نستورد الحرية والعدالة والمساواة كما نستورد السيارة والثلاجة والتلفاز، ومن العار أن نردد كالببغاء ما تقوله وسائل الإعلام الغربي، فإذا تحدثوا عن الإرهاب التقطنا الخيط منهم، وقلنا مثل قولهم، وإذا ادعوا أنهم يذرفون الدمع على ما تعانيه الشعوب من ظلم وجهل وتخلف بادرناهم وسرنا وراءهم كالقطيع، وإذا حددوا مصادر الإرهاب أسرعنا إلى التنازلات.
ومع ضجة الفرح والشماتة والاستياء والامتعاض بعد القبض على الرئيس فإن الخبيرين الضالعين في صنع الدمى وإحكام اللعب يتخوفون من (محاكمة) صدام على مشهد من الرأي العام، ذلك أنه لن يعترف، ولن يعتذر، وإنما سيمارس الإسقاط والتخلي، ومن ثم فقد يزج بدول ساندت وبأشخاص باركوا، فالمؤكد أنه ليس الضالع الوحيد في اللعب الكونية، وليس هو الطاغية الأوحد، ولا الغبي الأوحد. وحين تتاح له فرصة الدفاع عن نفسه فإنه سيقول الواقع، والواقع لا يشرف الجميع. ثم إنه سيخفف من حدة المساءلة باستدعاء لاعبين كباراً، مارسوا معه الدعم أو غض النظر ردحاً من الزمن، دعموه بالقوة وبالمعلومات وبالدعاية، حتى إذا استهلك كل الأقنعة، وغرد خارج السرب امتدت أيديهم إليه، ولو أنه حين استخفوه أطاعهم لظل زعيماً مدعوماً، وهو حين لم يطع لم يكن مدفوعاً بالوطنية ولا بالإنسانية ولا بالعقل، وإنما تداخلت عنده الخيارات، حتى لم يستطع في اللحظات الحرجة من التمييز بين المنجي والمهلك.
وحين يقدم للمحاكمة فمن المدعي؟ أمريكا المحتلة، أم الشعب العراقي المهمش، أم دول الجوار المتأذية.
وهل أمريكا محقة بحربها، مقتصدة في مواجهتها؟ وحين لا تكون محقة ولا مقتصدة، فبما تواجه صدام؟ إن واجهته بسلاح الدمار الشامل فحجتها واهية، وإن واجهته بوصفه مجرم حرب، فهي لم تخول دولياً بطرح الدعوى، وكم من مجرمي حرب يسرحون ويمرحون، وإن واجهته بأنها محررة لشعبه ومقيمة للحرية، فهي قد أعلنت أنها محتلة والاحتلال نقيض الحرية. أحسب أننا بحاجة إلى أرضية قانونية شرعية تقنع الرأي العام العالمي الذي لم يعد ألعوبة للدعاية المشكوفة.
(صدام حسين) طاغية، ودموي، ودكتاتوري، أذل شعبه، وأضر بجيرانه وأهان أمته وفرق كلمتها، وحقه أن يلاقي كل جزاءات ذوي الحرابة من قتل أو صلب أو تقطيع أيد وأرجل من خلاف أو نفي من الأرض، غير أن الإشكالية ليست في نوع العقوبة، ولا في المحاكمة السرية أو العلنية، ولا فيمن يتولى ذلك، الإشكالية في نتائج حرب غير مشروعة، واحتلال أرض حرة، وإسقاط حكومة، وإلغاء وزارات، وإحداث فراغ دستوري، وإتاحة الفرصة لقيام كيانات قبلية وطائفية وعرقية، ومقاومة عنيفة لا يعرف مصدرها ولا هدفها ولا مداها، كل ذلك تجاوز بفداحته فعل الطاغية وحدث اعتقاله ومحاكمته.
وحين لا نرحب بمزيد من الفضائح، وحين نغلب جانب رفع الأقلام، وطي الصحف، ونسيان الماضي ومآسيه، ورفع كل الملفات المتمثلة بالخيانات والمواطآت، استعداداً للنظر إلى المستقبل، والأخذ بالحلول المرحلية، فإننا ننظر إلى وضع أليم تعيشه الأمة العربية، ولن يتأتي ذلك إلا بتضافر الجهود العالمية والعربية لحل إشكالية العراق، وأحسبها تتمثل بالخطوات التالية:
- حصر الوجود الأمريكي في أضيق نطاق، وعلى شكل قاعدة عسكرية مؤقتة تمثل صمام أمان بعد الفراغ الدستوري، وتحول دون استبداد أي طائفة بالسلطة أو قيام حرب أهلية تصفى فيها حسابات وثارات.
- تسليم جميع الملفات لهيئة الأمم المتحدة ولجامعة الدول العربية.
- تشكيل أمن داخلي، وتسليم أمن كل منطقة للأغلبية السكانية فيها، وتحميلها مسؤولية استتباب الأمن.
- البدء في الإجراءات الدستورية والقضائية والتنفيذية، ومباشرة وضع دستور وآلية انتقال السلطة، وتوزيع المناصب والحقائب الوزارية: إقليمياً وطائفياً وقبلياً، حتى إذا وعت الأمة مسؤوليتها، وذاقت طعم الحرية، أجريت انتخابات حرة، تحت رقابة مشددة: محلياً وعربياً ودولياً.
- وقبل كل ذلك تعليق كل المشاكل، وإيقاف المحاكمات، وتأجيل كل الديون، وفك الاختناقات الاقتصادية، وتخفيف حدة الفقر والبطالة، وإعادة القدر الكافي من البنية التحتية، وذلك من خلال ممارسة إنسانية تنسي الشعب العراقي ويلاته ومصائبه.
فأحداث العراق تنتقل من سيئ إلى أسوأ، وليس من المصلحة نشر الغسيل، إن هناك جريحاً ينزف ومجرماً في السلاسل، فهل ندع الجريح، ونشتغل مع المجرم؟ لقد وقعت الزعامة العراقية في أخطاء فادحة، لها ما بعدها، وليس من السهل حسم ذيولها، فحربها الحدودية مع إيران عمل سيئ.
واحتلالها للكويت وانصياع دول عربية مع العراق شكلت كارثة الكوارث، ولكن الأسوأ من ذلك العناد الغبي ثم التسليم المهين.
واحتلال العراق من قبل القوات الأمريكية كارثة عالمية، لقد هيأ الفرصة لحرب أهلية دموية لن تزيد الشعب العراقي إلا ارتكاساً في حمأة الفتن العمياء التي تجعلهم يترحمون على (صدام حسين). ذلك أن صداماً لا يبطش بطش الجبارين إلا فيمن يعترض سبيله، أما فتنة الاحتلال والفراغ الدستوري فإنها ستمتد إلى المقيم والظاعن والساعي إلى الفتنة والهارب منها.
والقبض على (صدام) سيؤدي هو الآخر إلى مزيد من المتاعب لأمريكا، لأنها تمارس أعمالها القمعية في جو من الاستياء المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، ومهما سايرتها الأنظمة العالمية وجاملتها مداهنة أو مداراة أو تقية فإن الشعوب بما فيها الشعب الأمريكي لها تحفظات وتساؤلات، لا يمكن غض النظر عنها.
إن إنهاء حكم (صدام) الحزبي القبلي الجائر ضرورة، وإنقاذ الشعب العراقي ضرورة، ولكن الإجراء لم يكن هو الخيار الأفضل. ومع أنني متأكد من أن أحداً داخلياً أو خارجياً لن يستطيع إسقاط النظام، ولولا مغامرة أمريكا وخروجها على الشرعية لظل كما هو زعيماً أوحد لا ينازع، فإنني كنت أتمنى من المعارضة العراقية عدم تحريض أمريكا على المواجهة العسكرية، وكان بالإمكان تشديد الوطأة عليه، وجمع كلمة الأمة العربية، لتضييق الخناق، حتى يذعن كما أذعن غيره.
ومع تهافت الزعامات المطاردة من قبضة أمريكا إلا أن الخصم الألد لأمريكا ليس حصراً في الخمسين رجلاً تطاردهم، الأعداء المتربصون من يسربون السلاح والمقاتلين ومن يفخخون السيارات ويفضلون الموت على الحياة، ومن هانت نفسه عليه فلن تثنيه ترسانات، ولن تقصيه مخابرات. وأمريكا التي تحتفل بالقبض على (صدام) لم يدر بخلدها أن المقاومة لو وجدت (صداماً)، لقتلته، المقاومة تصفية لحسابات وثارات، وعلى أمريكا أن تعيد حساباتها، فالطريق شاق والخروج من المأزق صعب.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:22 PM

جلد المناهج جلد للذات المقنعة..!
د.حسن بن فهد الهويمل


أصدقكم القول أنني حين أتحدث عن قضايا مصيرية كالمناهج والجهاد والولاء والبراء وقضايا الفكر والسياسة ينتابني خوف من القول وخيفة من الصمت، فالكلمة مسؤولية، يقولها الإنسان في سخط الله، لا يلقي لها بالاً تهوي به سبعين خريفاً في النار، وكم يقولها البعض عن قضايا وطنه يريد بها عرض الحياة الدنيا، فتطفئ وضاءة الوجه، وتضر بالمصلحة العامة.
ولقد تكشفت المشاهد عن انتهازيين ومزايدين وشكوكيين حاروا غثاء بعد سطوع وتألق، ولو عرف المترددون أو المجازفون خطورة السكوت عن الحق أو القول بغير علم، لتمنوا أنهم ماتوا قبل هذا، وكانوا نسياً منسياً.
وحين أتحدث عن أي قضية مصيرية سلباً أو إيجاباً أصبح كالقاضي لا يرضى عنه إلا المستفيد من الحكم، وعزائي أن ما أقوله دافعه المحبة والشفقة، وكل متحدث ناصح يرجو ألا يتلبسه رياء ولا سمعة، وألا يقول ما يقول لغرض دنيء أو عرض زائل، وألا يقول بغير علم أو تجربة، ومصائب الأمة من متقولين أو وصوليين، وإذا بدرت من الناصحين آراء غير موفقة فإن من حقهم على المقتدرين ألا يسكتوا عن إرشاد الضال، وألا يسيئوا الظن بالمخطئ ابتداء، وإذا تردد المقتدرون نزل بساحة القوم من لا يحسن الورود ولا الصدور، وذلك ما نراه، وما نسمعه، وما نضيق به.
والبلاد في ظل الظروف العصيبة محلياً وعربياً وإسلامياً ودولياً أحوج ما تكون إلى جهود أبنائها من العلماء والخبراء والمجربين وفقهاء الواقع، ممن يحملون هم أمتهم، ويدرؤون عنها عوادي الزمن، ويعتمدون السكينة والأناة، ولا أحسب أحداً معذوراً على السكوت عن الحق، ولا محموداً على استغلال الظروف لأغراض دنيئة، مادامت الأحوال كما نرى ونسمع عبر وسائل الإعلام العربي والعالمي.
وهل عاقل يشك بأن وراء الأكمة ما وراءها؟ وحملة الأقلام الناصحون في هذه الظروف المخيفة يمارسون « جهاد الدفع» المتعينة فرضيته على كل مقتدر، وليس الأمر من باب «جهاد الطلب» الذي يكون على الكفاية والاختيار.
والإشكالية التي تشغل الرأي العام، وتعتورها الأقلام، وتسلقها الألسنة الحداد بشكل تناحري إشكالية «المناهج» فكل طائفة ترى مالا تراه الطائفة الأخرى.
والناس شركاء في التعليم، لأن أكثر من على أرض البلاد في سن الطلب، وهم بين متلق للتعليم أو معلم له، وكل واحد من أبناء البلاد: إما دارساً أو مدرساً، أو أن له ولداً أو بنتاً أو أخاً أو أختاً، فالتعليم كالهواء يمس الناس كافة، ولكنه مع هذا لم يكن المؤثر الوحيد في السلوك أو في التفكير، حتى لقد عده البعض من المؤثرات التقليدية.
فثورة الإعلام والمعلومات والاتصالات وحمى «العولمة» كادت تنفرد بالتأثير، وحين تضطلع المناهج بمهمة التربية والتعليم، ثم لا تكون مخرجاتها مستجيبة لطلب السوق ولا متمثلة لأخلاقيات الحضارة، يكون هناك خلل في المهمتين، وما لا خلاف حوله أن المخرجات دون المؤمل، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر، دونما اتهام أو تخوف.
ولأن قضية التعليم أصبحت من أهم القضايا الوطنية، والأكثر تداولاً، فقد تقحم سوحها العالم ومن دونه، والمتشدد والمتسامح، والمتحدثن والمتترثن، والمتعلمن والمتعولم، والمتفرنس والمتأمرك، و«الراديكالي» و«الليبرالي» و«الفرانكفوني» والمذهبي والطائفي والانتهازي والمزايد، وهذه الضجة الكبرى تنطوي على أجنة سوية أو مشوهة، ومن حق كل عاقل أن يفكر، وأن يقدر، وأن يبدي تحفظه وتساؤله، فذلك حق مشروع، ولكن تجب الاستبانة، وتفادي سوء الظن، والتفريق بين الحقائق والشائعات، فإلقاء الكلام على عواهنه حول القضايا المصيرية قد يعيق عمليات الإصلاح والتطوير، ومما يزيد مشروعية التحري والتساؤل ما يشاع في الأوساط العالمية، من أن المناهج التعليمية في المملكة تفرخ الإرهاب، وأن هواجس التغيير والتطوير تطال الثوابت الدينية، ولعلنا نستعيد مبادرة «باول» في 12/12/2002م القائمة على أربعة مبادئ منها «الإصلاحات التعليمية» فما المقصود بها، أيريد العلمنة أم العلمية؟
وفي ظل هذه الظروف المدلهمة يشرع الخوف والتساؤل، وحسناً فعل المسؤول بالإعلان عن أسماء اللجنة المسؤولة عن تطوير المناهج، لقد فتح هذا الإعلان أبواباً من الآمال الباسمة والاطمئنان الواثق، والتفاؤل العريض، فالناس قبل هذا محتقنون، وحق لهم الاحتقان، فما يشاع عن مناهجهم من قول غير موثق، يبعث على الارتياب، والعامة لها أمثالها الناطقة بالحكمة كقولهم:«إذا قيل رأسك ما هو عليك رحت تلمسه»، فنحن وإن كنا واثقين بحملة المسؤولية مطمئنين بالتزامهم بمقتضيات سياسة التعليم المعلنة، إلا أن كثيراً مما يدور على الألسن وعبر الوسائط الإعلامية من أبناء البلاد أنفسهم، ومن غيرهم، يبعث على الخوف المشروع، ولقد سبقنا« أبو الأنبياء» بطلب الرؤية للاطمئنان :«أرني كيف تحيي الموتى»، وليس على أحد من بأس أن يقول :« أروني كيف تطورون المناهج»، وواجب المسؤولين مواجهة الرأي العام، وبسط أهداف التغيير وأمدائه، وعدم الامتعاض من الأسئلة الملحة، ذلك أن قرناء السوء يخوفون الخليين، ويفترون الكذب، ويطلقون الاتهامات جزافاً، ويحسنون صنع الحرب النفسية، والمسؤول المطمئن إلى مشروعية فعله، يتصور أن الناس جميعاً يعرفون ما يعرف، ومن ثم يكل الناس على ما يتصور بلوغه إليهم.
وإذ كان لإعلان أسماء لجنة المناهج أثره الحسن على كل من لقيت، فإنه يحسن أن تجرى لقاءات متتابعة عبر وسائل الإعلام مع الأعضاء، يتحدثون فيها عن وجوه التطوير والتغيير، وبخاصة ما يتعلق منها بالعلوم الشرعية، ليحبطوا دعاوي المرجفين الذين يربطون عملية التغيير بما يروجه الإعلام الغربي، وليكشفوا عوار ما يتلقفه الفارغون الذين جبلوا على النوال وعدم المبادرة، وهم ألد الخصام، ولو أن المعنين بجلد المناهج عادوا لما قبل الحادي عشر من سبتمبر، وقرؤوا ما قالوه بألسنتهم عن العملية التعليمية، وما كتبوه بأقلامهم عن ضعف المناهج وعدم تأثيرها تعليمياً وتربوياً، ولو أنهم قرؤوا التقرير الذي أعده «سعد الدين إبراهيم» من قبل وأصدرته «مؤسسة ابن خلدون» عن التعليم العربي، لوجدوا أن ما قالوه من قبل، وما قرؤوه، لا يأتي على ذكر ما يتداولونه اليوم، ولم يقل النقاد، ولم تقل المؤسسات الراصدة بأن المناهج تصنع إرهاباً، علماً بأن «مؤسسة ابن خلدون» مظنة العمالة والإثارة والتشكيك.
فمن الذي صنع هذه الضجة؟ وإذا كان في المناهج ما يوحي بالعموميات والاحتماليات فإن من أولى مهمات اللجنة تقييد المطلق، وتحديد المعمم، وتفادي الحدِّيات الصارمة.
وإن كان ثمة تحفظ فإنه على وقوعات فردية أو آنية تمارس على هامش المناهج أو في ظلها من مناشط، ربما وجهت إليها ظروف استثنائية، وهذه تمت تحت بصر الجميع وسمعهم، ثم إن الطفرة التي اجتاحت البلاد قلبت الأوضاع رأساً على عقب، وغيرت المفاهيم والمواقف، ومناهج التعليم آخر من يعلم، ولأن اللغط يقوم على الاهتياج الأعزل فإنه لا يفرق بين المناهج والمقررات والتربية والتعليم وطرق التدريس والوسائل والأزمنة والأمكنة، ولا يحسب لضعف المهارات ولا لقياس الجودة ومقاييس الأداء والضعف اللغوي والحشوية والمنهج الحواري أي حساب.
وسواء قال الغرب أو لم يقل فإن كل مفردات التعليم بحاجة ماسة إلى إعادة النظر والتطوير، سواء منها ما يخص العلوم البحتة أو الإنسانية أو الثقافة الإسلامية، فلكل زمان أولوياته، والإسلام يضع كل الاعتبار لفقه الأولويات، فنزع قضية وإنزال أخرى، لا يعني إلغاء الأولى أو التخلي عنها، وإنما يعني أنها لم تكن الأهم في السياق القائم، ولقد وجهنا الرسول المعلم عملياً إلى فتيا المناسبات، وإجابته عن طلب «التوصية» وعن «أي الأعمال أفضل» خير دليل.
ومما يساعد على تصعيد الشعور بالخوف ما يقترفه البعض بحق مقررات العلوم الشرعية، وما يلمحون إليه من رغبات ليست على شيء من الحق، وفوق ذلك فإن هناك مبالغات غير مبررة، تنحي باللائمة على المقرر، وعلى المعلم، وعلى المشرفين على النشاطات الطلابية، ومع أن في كل ذلك ما يحتاج إلى إصلاح، إلا أنه لا تجوز المزايدة وانتهاز الفرص وتحريف الكلم عن مواضعه، ومن الطبعي أن تبدو في المقررات كلمات حادة أو عبارات حمّالة، ومن الطبعي أيضاً أن يكون من المعلمين من لا يحسنون التأويل، ولا التوصل السليم، ومن الطبيعي أن يتطوع متشددون في النشاط الطلابي فيوغلون في الدين بغير رفق، كل ذلك ممكن، وكل ذلك متوقع، ولكن الوقوعات الفردية لا يمكن أن تجعل سمة عامة كل شيء، ولا يمكن أن تحفز على اتهام مفردات التعليم ومحاكمتها، فكل ذلك لا يجوز تضخيمه لإدانة المناهج والمعلمين والوزارة من ورائهم، وإذا كنا نسلم بوجود نقص أو تقصير في العملية التعليمية، ونحن مسلمون ولا شك، فإننا نجد في المقابل مزايدين يطلقون الاتهام ليسجلوا لأنفسهم مواقف زائفة، ولو طلبت منهم البينة لسقط في أيديهم، ومثل هذه المزايدات تثير الرأي العام.
لقد قرأت وسمعت حملات جائرة لن تزيد الأمر إلا تعقيداً، وكل مجازفة في الاتهام تولد مجازفة في التبرئة، وفيما بينهما تضيع الحقيقة، وعمليات التطوير جزء من العملية التعليمية، والمسؤولون عن المناهج يمارسون ذلك منذ أمد بعيد، وما من أحد أبدى تخوفه، غير أن الظروف الاستثنائية عمقت الخوف. فالوزارة بعمليات التطوير والمراجعة تمارس شطراً من مسؤوليتها، ولديها أجهزتها المسؤولة عن تطوير المناهج، ولم يثر فعلُها أي تساؤل، فالقائمون عليها أهل للمسؤولية والثقة، ومصائب الأمة تكمن في تقحم الجهلة المتطرفين من الطرفين، وفي الإمعان في تسييس الدين والتعليم وشؤون الحياة، فالسياسة ترتبط بالمصالح التي لا تدوم، فيما تقوم القضايا الإسلامية والتربوية على الثبات والمبدئية، وفوق كل ذلك فإن هناك خلطاً عجيباً بين الثوابت والمتغيرات، والتعليم والتربية، فالعلم الخالص صناعة يجب أن يراعى فيها العرض والطلب، وحاجة السوق، ومتطلبات التنمية، فيما تتجه التربية الى تنمية المهارات وتأصيل القيم وتهذيب الأخلاق وإظهار الدين، وتثبيت معالم الحضارة، وهذا ما يعرف ب «أسلمة المناهج»، والأسلمة لا تعني تغيير القوانين العلمية أو التدخل في السنن الكونية، أو فرادة المناهج والطرق، وإنما تربط المكتسب بالحضارة وتصطبغ بها.
والتركيز على تغيير المناهج، والقول بأن الإصلاح يبدأ منها، ووضع البيض كله في هذه السلة يعد من الاطلاقات المعممة، فالمقررات كتب ورقية، والرهان على الحذف والإضافة رهان لن يبلغ شأوه، وإذ تكون الإشكالية أوزاعاً بين المنهج، والمقرر، والمدرس، وطرق التدريس وكافة الوسائل والمباني فإن علينا ألا نراهن على نزع صفحة وإحلال أخرى، وعلينا ألا نسلم بأن مناهجنا تصنع الإرهاب، ولا أنها دون غيرها من المناهج العربية، ولا أن تكون رغبتنا في التغيير من أجل تجفيف مستنقعات الغلو والتطرف، الغلو والتطرف والإرهاب لها مصادرها التي يعرفها أولو الدراية بخبايا السياسة، والذين استثمروا الأحداث العالمية للضغط على الشعوب المسلمة للدخول في «العولمة» كافة يزيدون في احتقان الرأي العام ويهيئون لاشتعال المقاومة والإرهاب، ومن الخير للبلاد والعباد أن يكف المتطرفون من كل الفئات عن المزايدات وتسجيل المواقف، وأن تقوم الوسطية في كل شيء، بحيث لا يكون تطرف إسلامي، ولا تطرف علماني، ولا مزايدات طائفية أو مذهبية، مع الكف التام عن تداول ما يقوله الغرب حول مصادر الإرهاب، ذلك أنه ناتج أوضاع عالمية، يعرفها حذاق السياسة، والإحالة إلى المناهج وحدها حيلة لا ينخدع بها إلا الخب، وحين نبرئ مناهجنا من صنع الإرهاب، وتبني التطرف، فليس معنى هذا أن نصر على سلامتها والإبقاء عليها، ولا أن ندعي قدسيتها، وتجريم المساس بها، إنها صناعة بشرية، وكل صناعة بشرية لا تكتسب الثبات، ولا تسمو فوق المساءلة، وحين نباشر إصلاح المناهج أو تطويرها أو تعديلها أو تصحيحها تحت طائلة اتهامها بصنع الإرهاب، نقع في الخطأ، أو قل نستمر فيه، وقد تلهينا الأوهام عما يجب ان تمتد اليه يد الإصلاح، المدرس والوسائل والمباني وطرق التدريس وكل مفردات العملية التعليمية بحاجة إلى أن نتعهدها بالتطوير، ولقد سمعت في اللقاء الثاني للحوار الوطني كلمات لاذعة، لانطوائها على تخوف مثل «التدريس مهنة من لا مهنة له» و«البلاد ورشة لتدريب الوافدين» و«التعليم في واد والتنمية في آخر».
وعتبي على الذين يتصورون أن الاصلاح يقتصر على مواد «العلوم الشرعية» وحسب، وعلى الذين يتصورون أن المناهج هي الصانع الوحيد للإنسان ولفكره، وعلى الذين يغفلون أو يتغافلون عن التقصير الحقيقي، وحين لا أرى من بأس في إخضاع «العلوم الشرعية» كما العلوم الإنسانية، وكما العلوم البحتة أو التجريبية أو الرياضية لعامل الأولويات، فإنني أرى البأس كله في ربط التغيير بالأحداث، أو الخنوع للاتهامات، والقبول الطوعي لها، أو الالتفات إلى عشاق الأضواء والمشتغلين في بؤر التوتر والمتعمدين لخلط الأوراق، وإذا أراد الله بالأمة خيراً حفز علماءها وخبراءها ومتخصصيها وقادتها لإعادة النظر في كل شيء، عند كل نازلة، إذ كلما ألمت بالأمة نازلة أو قامت حاجة استدعوا من نصوص الشريعة أو تجارب الحضارات ما يصلح لمواجهتها، فإذا نزلت بساحتهم أخرى شغلوا بما يناسبها، وتعمد إرجاء قضية وتقديم أخرى لا يعد خطيئة ولا تقصيراً بحق الدين، والنفور الكلي للتفقه في الدين إضاعة لمطالب الحياة، فالمتعلمون لا يراد منهم أن يكونوا أهل ذكر وإنذار وإفتاء، وإنما عليهم أن يتعلموا من الدين ما هم بحاجة إليه، مما يتعلق بالأخلاقيات والمعاملات والعبادات، وما سوى ذلك عن عويص المعارف الشرعية يترك للمتخصصين الذين يرجع إليهم في الفتيا وغيرها، ومن كلمات الأصوليين : «ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب» وهذه القاعدة لو وعينا مقتضاها لعرفنا ما نحن بحاجة إليه من كل شيء، ولكيلا نصعد الخلاف يجب أن نعرف من نكون، وما طاقتنا، وما نحن بحاجة إليه؟ وليس بمقدور السياسة التعليمية أن تستجيب لكل متمذهب، ولا لكل متذوق، ولا لكل متلق لركبان المستجدات، ولقد قرأت لمعالي الأخ وزير التربية والتعليم في 18/11/1424هـ «الجزيرة ص3» ما نسب إليه: «فنحن أصحاب دعوة ورسالة سامية ترفض التطرف والغلو بالقدر الذي نرفض فيه الانحلال»، وتلك كلمة متوازنة، وضابط لكل تغيير.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:22 PM

سلبيات الإفراط والتفريط والعنتريات..!
د.حسن بن فهد الهويمل


و«المستغربون» على أي مستوى تجاهلوا أن «الصهيونية العالمية» المجرَّمة من كل الشرفاء في العالم ورمزها القائم «إسرائيل» ما كان لها أن تكون لولا مواطأة الغرب ودعمه وحمايته، وهذا الميل مسقط لدعاويه، ومضر بمصالح الأمة العربية، ومحفز قوي على احتقان الشعوب العربية، وليست الخطيئة قصراً على مجرد الوجود الصهيوني وحسب، وإنما تمتد إلى آثاره ومقتضياته، فالصهيونية لا يقر لها قرار بالوحدة العربية، ولا بوحدة أقاليم الدولة الواحدة، ولا بالوحدة الفكرية، ولا بقيام أنظمة دستورية، وكيف يحتمل العربي المسلم تشريد خمسة ملايين فلسطيني، ويقبل بجمع الشتات اليهودي في قلب الوطن العربي، ومع التشريد والتوطين فإن المحتل والمستوطن لن يسعدهما قيام «الديمقراطية» التي يخادعان بها، وكيف يرضي الغرب بقيامها في بلاد أذن لنفسه أن يجعلها سوقاً لمنتجاته وميداناً للعبة ومختبراً لتجاربه، ولهذا فإنه لن يغض الطرف عن أي مبادرة إيجابية في أي قطاع: دستوري أو تعليمي أو اقتصادي أو صناعي، وكل الذي يشغله المحافظة على تفوق الكيان الصهيوني في كل مجال، ولن يتأتى له تحقيق ذلك في ظل المبادرات الإيجابية التي تخل بالتوازن، ولن يذعن إلا مكرهاً أو مضطراً، ولو اجتمعت كلمة العرب، وخلت ارضهم من الاشياع والاتباع، لكانت لهم القدرة على ممارسة الضغط، ووضع الغرب أمام مسؤوليته.
وأخطر ما يواجهه الشرفاء ارتباط المصالح الأمريكية الإسرائيلية، وقيام المصالح الإسرائيلية على استمرار تفوقها، وترسيخ التخلف في الوطن العربي، وتأصيل الفرقة: الفكرية والسياسية والعرقية والطائفية، واختراق الأجواء والأدمغة، وتعميق بؤر التوتر، والحرص التام على قيام كيانات سياسية غير شرعية، لا تملك الاستمرارية ولا الاستقرار بالإدارة الشعبية، وإنما تملكها بالثكنات العسكرية، وبحبل من الدول ذات المصالح، وما من أحد من المستغربين يود استدعاء مثل هذه الحقائق الدامغة، لأن مجرد تداولها كشف لسوآتهم.
وكيف يحلو للمستغربين التعذير أو التبرير أو الركون للغرب أو الثقة باطروحاته ووعوده، وهم يرون غزوه العسكري وتآمره الفكري رأي العين، متمثلة بامتصاص الخيرات، وإثارة العداوات، والتدخل في الخصوصيات، والاحتلال والقمع، ودعم الاستيطان، وتحريض الأقليات، والحد من إعداد المستطاع من القوة ومن رباط الطائرات والراجمات، وحجب «التكنولوجيا» الانتاجية، وإشاعة الاستهلاكية، والتستر على ما تلاقيه الشعوب من ويلات على يد أبنائها، مع قذف الطعم المسمم عبر مفاهيم جذابة كـ «حقوق الإنسان» و«المرأة» و«الحرية» و«الديمقراطية».
إن ضعف الشعوب العربية، وضعف كياناتها السياسية، وخوف الدول العربية من بعضها، واختلاف أحلافها ومصالحها وكل شيء فيها، مواطأة المصالح الاستعمارية للضعف والاختلاف، كل ذلك سيئة وأسوؤه يحتاج إلى تحرف جماعي، يستبعد المثاليات والعنتريات والتنازع وسيطرة الإحباطات، وتأثير العقد النفسية والمزايدات والتعذيرات، ويتوسل لمواجهة الواقع المتردي بالحكمة والأناة والتروي والعلم والعمل، وفق الإمكانيات المتاحة، وعلى ضوء الظروف القائمة.
ولسنا بدعوتنا محرضين على منازلة الغرب، ولا داعين لمقاطعته، ولا حائلين دون الاستفادة منه، ولا متحفظين على التفاعل الإيجابي معه، وإنما نريد تعاملاً ينطلق من الأشياء على حقيقتها، ويتوفر على الندية والتكافؤ، ولا شك أن تتابع النكسات، وانكشاف اللعب، وبوادر الغزو والتآمر يفضح تهالك المستغربين على ما تروجه المؤسسات الغربية وبوادر الغزو والتآمر يفضح تهالك المستغربين على ما تروجه المؤسسات الغربية من افتراءات تؤثر على السذج والمتسطحين.
ولقد سمعنا من يقول: إن عزلة المملكة عالمياً ستكون بسبب مناهجها، وعايشنا مروجين لهذه الفرية، وكأن أحداث التفجيرات فرصة سانحة للمسخ والإضعاف والتبعية، وإشكالية الأمة في «مناصرين» لا يحسنون المناصرة، وفي «متطرفين» لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، وفي «مستغربين» يخادعون أمتهم، وما يخدعون إلا أنفسهم، وفي «مستفزين» يغثون في صخبهم، وفي «موبوئين» بعقد الأبوية ورفض التغيير، وفي «حكام» متورطين في اللعب أو المجازفات، فالمناصر الجاهل، والمتطرف المدمر، والمستغرب المواطئ، والمتمرد المستفز، والحاكم المجازف عقبات عصية، تتعثر بها مسيرة الأمة، ويرتاب منها العقلاء، ويتجرع مرارتها الحكام الصابرون على اللأواء، وجيلنا التعيس عايش انتهازيين، هيجوا الشعوب على قادتهم، ومفكرين منحرفين، شككوا الرأي العام بثوابت دينهم، وإعلاميين مأجورين، استعدوا الغوغاء على مؤسساتهم، وحكاماً مجازفين متسلطين، ساموا شعوبهم سوء العذاب، وحين سقطت الأقنعة، وتعرت الحقائق، طفق هؤلاء جميعاً يخصفون من كل شاخص ما يستر مقترفاتهم، ووجدوا من يواطئهم على الإصرار على الحنث العظيم.. وهل من حنث يبلغ درك الخيانة للأمة والوطن؟ ومن المستحيل حسمها بين عشية وضحاها، والمجازف كالمثبط حذو النعل بالنعل.
والتجاهل والتناسي والغفلة والتغفل والغباء والتغابي سمة المصطرعين في المشهد السياسي والفكري، ولو علموا وذكروا وتنبهوا لكان أن تسللوا لواذاً، خجلاً من قبح ما صنعت أيديهم، وقل أن تجد أحداً منهم ابتدر القضايا، واستلها كما الشعرة من بنية الأمة، وإنما الجميع أصداء لما يطرحه الإعلام الغربي، وما تفيض به مطابخه السياسة، وها هم اليوم في سفسطات تلهيهم عما يجري في فلسطين والعراق وأفغانستان ولبنان والسودان وما الجدل البيزنطي حول «المناهج» و«قضايا المرأة» و«الإطصلاح» إلا مؤشر غفلة مضرة، وما كانت تلك القضايا حاضرة المسرح الإعلامي، لولا أن جاء بها الغرب، لشغل المشاهد عما يجري من قتل وتفتيت وتشريد، ولو سألت مستغرباً عن حقيقة ما يغلي في مطابخ الغرب، وعما يراد بالعالم المستضعف، وعما يدور في المشاهد من مؤامرات ومواطآت وانتهاكات مؤلمة، تطال العقائد والأنفس والأوطان والأعراض والأموال لما تجاوز علمه ما يروجه الغرب عن «الإرهاب الإسلامي» و«الاصلاح السياسي» و«حرية المرأة» و«تغيير المناهج» ذلك أنه رهين ما تفرج عنه المؤسسات السياسية الغربية وسائر المنظمات التي تخادع الناس بدراسات وإحصائيات لا أساس لها من الصحة، وإشكالية هذا النوع من التبعيين أنه لا يفرق بين الوقوعات الفردية والمقاصد المبدئية، ولا بين مسؤولية المقترف وبراءة المبدأ، فأي الفريقين أحق بالمقت؟: القاتلون للأبرياء المخلون بالأمن، أم المواطئون للأعداء، المعذرون لمقترفاتهم وتجاوزاتهم، المشرعنون لممارساتهم، أم المقامرون بمقدرات الأمة، أم المزيفون لوعيها المغررون بشبابها، أم الحداثويون المستفزون للرأي العام بتجاوزاتهم القولية؟ أحسب أن جميع أولئك في السوء والإساءة سواء.
لقد مس الأمة الضر من الإرهاب، ومسها الضر من الاستغراب، ومسها الضر من عقدة الغزو والتآمر، ومسها الضر ممن يركنون إلى الذين ظلموا، ومسها الضر من المغامرات والمقامرات، ومسها الضر من تدنيس مقدساتها وإفساد قيمها الدينية والأخلاقية والفنية.
وما نزل هؤلاء جميعاً من السماء كما الكسف، وما انشقت عنهم الأرض كما اللغم، ولكنهم جميعاً منتج أوضاع قائمة، وسليل أنساق متعددة، ربما انفقنا الجهد والمال والوقت على تشكلهم.
ومصائب الأمة في الأنساق المنسوجة على غير مراد الحق، وفي السياقات المعاشة بكل ما هي عليه من تخلف، وفي الاندفاع الأهوج لإصلاح كل شيء في ظل العوائق الذاتية والغيرية، أو التردد الذي يترك الأمور على ما هي عليه، ولا نجاة للأمة إلا بحفظ التوازن، والإيغال في كل شيء برفق، وفهم طبائع الأشياء، وتفكيك بنية الأمة بأيد وطنية رفيقة، أيد تحسب للواقع حسابه، وتضع للإمكانيات مكانها، تمهيداً لإعادة صياغتها عبر كل المكونات: الذهنية والمعرفية والإجرائية، مستحضرة عروبتها وإسلاميتها ومقتضيات ذلك كله، ولن يتحقق الإصلاح المراد حتى تقوم الثقة مقام الشك، والعزم مقام التردد، وحتى يسلم الجميع لذوي الحل والعقد من علماء أفذاذ ومسؤولين شرفاء ناصحين، أثبتت الوقائع والتجارب سداد رأيهم، ونفاذ بصائرهم، أما إعجاب كل ذي رأي برأيه، وذهاب كل متعالم بما توصل إليه، أو القول بعصمة المسؤول وتساميه فوق المساءلة والنقد، أو جلد الذات المسلمة دون غيرها من المقترفين، فذلك العناد والفساد.
وحين تعترف النخب العربية: إسلاموية وحداثوية وليبرالية وعلمانية وظلامية واستغرابية بأنها طرف ضالع في الخطيئات، تكون الخطوة الأولى في طريق النجاة، وما لا مراء فيه أن طائفة من المفكرين والعلماء والساسة جزء من هذا النسيج، لأنهم سمعوا فسكتوا، وشاهدوا فأغمضوا، وخدعوا فصدقوا، وصنع الإرهاب خارج أرضهم ثم حملوا أوزاره فقبلوا، حتى شكوا في أنفسهم، وغلا ارتيابهم من مؤسساتهم:- التربوية والدينية والسياسية، ولما يزل المغلوب العربي يقول ما قالت:«حذام»، ولما يفكر بعد بأنه جزء من هذه التركيبة المتنافرة.
لقد بوركت أفعال في منتهى السخافة، ومجدت شخصيات في منتهى التفاهة، وزكيت مؤسسات في منتهى البدائية، وقعد مع أقوام يخوضون في آيات الله، وتولى الإعلام العربي كبر التزكية والدفاع والترويج، ولو أننا أعدنا قراءة ما سلف بالبصائر والأبصار، لكان أن سقطت أقلام، وتعرت شخصيات، وانكشفت سوءات، ولكننا قوم بلا ذاكرة، قوم لحظيون، نتطلع لما سيقال، ولا نمحص ما قيل.
لقد أشرت في أكثر من مناسبة إلى تهافت طائفة من النخب العربية على المتداول في المشاهد الغربية، وما تفيض به سائر مؤسساته، وتبنيهم الطوعي لتلك الظواهر والمذاهب، دون معرفة بجذورها الفلسفية، ودون تأصيل معرفي إسلامي، مع تقصير بحاجات الأمة، وعجز عن المبادرات، وها نحن نجد في الإعلام العربي، وفي مراكز المعلومات، وعبر المؤسسات المشبوهة ما يغثي النفوس من مسايرة وافتراء، ومع كثرة اللغط الرخيص لم تزل أوزاع من المتصدين للطرح الفكري والديني والسياسي تخلط بين الثابت والمتغير والمقدس والمؤنسن، وتشكك في قدرة الفكر الإسلامي على أدنى مشاركة حضارية، وتدعو لتبادل المنافع دون رد إلى المرجعية، فإذا طلبنا- على سبيل المثال- احترام الحجاب في «فرنسا»، فلنقبل بتبرج الفرنسيات في البلاد، وما أولئك وهؤلاء في مقولاتهم تلك إلا مسخنون لما غب من الطبيخ الاستشراقي، وراغبون في الاستغراب، وليست لأحد من أولئك مبادرات، ولا معايير، ولا مرجعيات، ولا ضوابط لسيل المطلحات.
فما الوسطية؟ وما التطرف؟ وما حد التعددية المذهبية؟ وما ضوابط التقارب؟ بل قد نسأل: ما الإسلام؟ وما الإيمان؟ وما الإحسان؟ فكل طائفة تفهم الأشياء وفق مرادها، وعلى ضوء مصلحتها، وحين نطلق التعويل على الإسلام، فأي إسلام نريد؟ ذلك أن لكل فرد تصوره ومفهومه، إن هناك خللاً في البنية الفكرية أدت إلى تعدد الموازين والضوابط الشرعية واختلاف القواعد والأسسس العقدية، وبالذات حول قضايا الجهاد والبراء والولاء، وحدود التعامل مع غير المسلم، كما أن هناك غياباً أو تغييباً لمقتضيات الدستور المعول عليه، مع تمرد مكشوف، على المرجعية: نصية كانت أو شخصية.
وإذا كان النخبويون تخادعهم المؤسسات السياسية الغربية المتآمرة فإن العامة تجتالهم المؤسسات الإعلامية المغرضة، فيما تكون الدهما نهباً لكل ناعق، وحينئذ لا يكون هناك قاسم مشترك يدرأ عن الأمة الفوضوية، وأخطر ما تعانيه الأمة ما يتعرض له شبابها من تعبئة فكرية ودينية وسياسية ليست على مراد الحق، وليس أدل على ذلك من اقتراف عمليات التفجير باسم الدين، وعلى أيدي شباب مسلمين، نحقر عبادتنا عند عبادتهم، غير أنهم- وكما أخبر الصادق الأمين:- «يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»، وكل يدعي أنه «الوسطي» حتى الذي يخوض في الدماء، ويكفر الدهماء، وينقض الميثاق، يركنون لإعلام الغرب ومؤسساته، والعارفون يغضون الطرف طوعاً أو كرهاً عن زعامات لعبت دور البطولة الزائفة، ثم ارتدت على أدبارها، الأمر الذي حفز«سلفان شالوم» وزير خارجية العدو الإسرائيلي إلى القول :« إن إسرائيل تسعى إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع عشر دول عربية»، وهذه العلاقة مشروطة بالتخلي عن أسلحة الدمار الشامل، فهو المنعم المتفضل، ومن ثم لا ينعم إلا بشرط.
لقد خنعت بعض الزعامات لمطالب الغرب، لأنها اقترفت على مدى عمرها السياسي خطيئات بحق أمتها وبحق الآخرين، حتى إذا مكنت من نفسها، بالاعتراف والتحمل، قالت: نعم، لتنجو من كسر العظم وحز الرقاب، واضطرت إلى فتح أبوابها للمحققين والمراقبين والمفتشين والمدمرين للسلاح، فيما قالت «كوريا» المتوازنة في الفعل والترك: إن قول نعم، والقبول بتدمير السلاح «ضرب من الجنون».
لقد آن الاوان للكف عن المزايدات الرخيصة وخلخلة تلاحم الأمة والتلاعب بمثمناتها، ولم يبق بعد كل هذه الاحباطات إلا العمل على وضع ارتيادية- «استراتيجية» - سياسية وفكرية وإعلامية توقف الانهيارات الفكرية والأمنية، وتحول دون التنازلات الموجعة، وتمكن القادة الناصحين لأمتهم من بدء الخطوة الأولى في سبيل الإصلاح الشامل، وعلى الخطاب «الإسلاموي» المتعدد الأصوات والانتماءات الخلوص من الفوضى والتعددية والحدية، والعمل على تحديد المرجعية والمفاهيم، وتحرير العقل من تراكمات الملل والنحل وتفعيله، والقطيعة مع أي خطاب جامد متعصب أبوي إقصائي حدي متطرف، وإشاعة التسامح والتيسير والوسيطة وحسن الظن والتماس المخارج لمن خانه التعبير، وفق معايير وضوابط لا تقود إلى التمييع والانمساخ وخلط العذب الفرات بالملح الأجاج، وعلى الخطابات «الراديكالية» و«الليبرالية» والانبطاحية المتعلمنة والمتعولمة والمتعالمة والظلامية الدخول في الدين كافة، والرد إلى الله، والرسول، وتجنب الاستفزاز والإثارة، فاللحظات الحاسمة تتطلب قرارات حاسمة.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:23 PM

أدب الرحلة عند العبودي..!(1/2)
د. حسن بن فهد الهويمل


يوم لا أنساه، والأيام المحفورة في الذاكرة كثيرة منها المفرح، ومنها المترح، ومنها المخيف، ومنها المطمئن.. تتجاوز في أعماق النفس بتناقضاتها الصارخة، ومتى عفت مع تطاول الزمن، جاءت المناسبات كما السيول التي تجلى الطلول.
وتكريم العلاَّمة معالي الشييخ محمد بن ناصر العبودي في المهرجان الوطني أعاد لي يوماً يفصلني عنه نصف قرن، خمسون عاماً، إنه زمن طويل، ولكنه لم يستطع طمس أحداث ذلك اليوم، فكأن بيني وبينها ساعة من نهار.
في صبيحة الخامس عشر من شهر صفر عام 1374هـ لملمت أطرافي المبعثرة، وغسلت وجهي المغبر، ولا أستبعد أنني استعرت عباءة وجذاء، ودفعت بكل هذه الملفقات إلىمكتب طيني صغير، يقبع في أقصاه رجل مهيب الجانب، تزينه وضاءة العلم، ويملؤه حنو المعلم، إنه العلاَّمة محمد العبودي، كنت يومها في السنة الرابعة الابتدائية، وكان لدى (المعهد العلمي) إذ ذاك مرحلة تمهيدية، يقبل فيها المتفوقون، ليدرسوا في المرحلة التمهيدية.
لم أكن متفوقاً، ولكن والدي جار جنب لفضيلته، ومازال الرسول يوصي بالجار، حتى كاد أن يورثه. نظر إليَّ كما لو كان يتقرأ ملامحي، ثم دفع بي إلى المراقب ليلحقني بالصف الأول تمهيدي، وكان حقي أن ألحق بالصف الثاني، ولكنه قوَّم أشيائي، ولم يقوِّم معارفي، فكان أن ضاع من عمري عام دراسي. هذا اليوم الاستثنائي في حياتي أدخلني إلى عوالم لم أكن أعهدها من قبل.
وبعد سنتين أو ثلاث جاءت زيارة الملك سعود- رحمه الله- إلى القصيم ومن ضمن برنامجها زيارة المعهد, فكان أن تقلدت مكبر صوت، لأهتف بكلمة واحدة (يعيش جلالة الملك) يرددها من ورائي الطلاب المصطفون على جانبي الطريق، لقد مكثت أسبوعاً أردد هذا الهتاف وأسبوعاً أطبقه، وساعة العسرة تلعثمت، فقلت:(يعيش جلالة الملوك) فكان أن سيئت وجوه المدربين، وارتبك المرددون من ورائي، ولم يشف نفسي، ويذهب سقمها إلا تلك التلويحة المخلصة من يد جلالته، مشعرة بالاستلطاف، مع نظرات حانية من خلف نظارة جلالته السميكة، ولكن الخوف ظل يساورني من مدير يقدم بين يدي مساءلته للمخالفين والمقصرين صفعةً على خد نحيف، وأحسب أنه لم يسمع ما سمع غيره، فمرت الحادثة بسلام.
لقد عودنا الانضباط والطاعة، وكانت له أياديه البيضاء في التأسيس للتعليم، وتعويد القراءة في (مكتبة المعهد) التي تعهد بإنشائها وإمدادها، وكانت انطلاقتي القرائية منها ومن (المكتبة العامة).
إنها ذكريات عذاب، وإن لم تكن على شيء من اليسار ورخاء العيش وآثار النعمة.
وحنين الإنسان أبداً إلى زمن البراءات والتطلعات، فالراكضون في عقد السبعينات- وأنا منهم- يصحبون الدنيا بملل وضيق، وإن طال أملهم، وأحبوا دنياهم.. ولأن حديثي عن جانب من حيوات المحتفى به، فإنني سأضرب صفحاً عن ذكريات العذاب والمقدمات المهمة من حياة المختفى به، لأدخل إلى (أدب الرحلة) عنده.. ومعالي الأستاذ (محمد العبودي) عالم وأديب ومثقف، له اهتماماته التاريخية والجغرافية والأدبية، وله نشاطاته التعليمية والدعوية، ولقد اسعفته ظروفه العلمية والعلمية، فكان أن استثمر كل لحظة من حياته، تعلماً وقراءةً وكتابةً.. ويأتي ( أدب الرحلة) في مقدمة إنجازاته التأليفية كثرةً، واتساعاً، واشتهاراً.. إذ عرف (العقاد) مفكراً وهو شاعر، فقد عرف(العبودي) رحالة، وهو العالم المتعدد الاهتمامات والقدرات والمؤلفات. ذلك أن عمله الرسمي تعانق مع اهتمامه بالرحلة وآدابها.
وقبل مباشرة الحديث عن هذا الفن السردي المعرفي، نور الإشارة إلى (أدب الرحلة) بوصفه لوناً من ألوان السرديات, تتنازعه معارف متعددة، فهو كما الثقافة, يأخذ من كل شيء بطرف، إذ يكون تاريخاً أو جغرافيا أو علم اجتماع أو علم سكان أو سيرة ذاتية، أو ما شئت من أنواع السرديات العلمية والأبداعية.. والرحالة وحده القادر على إعطاء (أدب الرحلة) عنده نكهة خاصة، تميزه عن غيره ممن كتب في هذا اللون.
فما(أدب الرحلة): فنيّاً وتاريخيّاً وموضوعياً؟ ومن هم أعلامه؟ وما نصيب الحضارة الإسلامية من هذا القول السردي؟.. وحديثي عن علم من أعلام هذا الأدب يقتضي اللمحة دون البسط، إذ لست بحاجة إلى الرصد التاريخي لهذا الفن، وفي الوقت نفسه لن أطيل الوقوف على الأبعاد الفنية وتحولاتها، ذلك أن (أدب الرحلة) واكب الوعي الإنساني، واختلط بعلوم: (الجغرافيا) و(التاريخ) و(السياسة).
ولم يكن علماً مستقلاً، وإن أشير إليه عرضاً في دراسة الأعمال أو الشخصيات.
لقد كان لكل حضارة نصيب من هذا الفن، ولا أحسبنا بحاجة إلى الدخول في ضوائق المفاضلة أو الريادة, فالرحلة لصيقة بالإنسان، وحديثه عما لقيه فيها من نصب، وما شاهده من أشياء يأتي عفوياً.
والشعر العربي يفيض برصد ما يعانيه الشعراء المسافرون، في ظعنهم وإقامتهم، ولكن تسجيل معاناتهم، وما يتحدثون عنه من راحلة ورحلة وأطلال ومحبوبة وموارد مائية وجبال شاهقة وأودية سحيقة: غائرة الماء أو واقعاً في صميمها، ومطالع القصائد العربية القديمة لا تخرج عن وصف ما يمر به الشعراء، وما يقفون عليه من إقواء وعفا وأحجار وملاعب وأطلال ومواقد وبقايا معاطن، ولقد تقصاها دارسون ك (حسين عطوان) و(وهب رومية) وآخرون، غير أن ما نحن بصدده يختلف تماماً عن الرحلة في الشعر العربي، وعن المطالع الطللية أو الخمرية.
فالشعر لا يحفل بالمشاهد والمواقف إلا بقدر ما تنطوي عليه من ذكريات مرّ بها الشاعر، ثم هو يتحدث عن الصحراء لمجرد أنها ظرف مكاني للقاء متخيل أو حقيقي مع محبوبة حقيقية أو وهمية.
و(أدب الرحلة) اتخذ مستويين إجرائيين: مستوى الرواية الشفاهية، ومستوى التدوين. والشفاهي سابق على التدوين، ولكل حضارة بداياتها الحضارية في عمق التاريخ، ولكل علم بداياته العفوية. فلقد كان الراحلون من كل نحلة وعصر وعنصر يتحدثون إلى بعضهم كما يقول الشاعر:
(أخذنا بأطراف الأحاديث بيننا.... وسالت بأعناق المطي الأباطح)
وإذا عادوا إلى ديارهم، رووا لمن خلفهم ما لقوه في سفرهم من نصب، وقد يبالغون فيما يلقونه ويشاهدونه، ثم إن المتلقين عنهم يعيدون ما سمعوه للمتعة أو للاعتبار، فكان (أدب الرحلة) شفاهيّاً كأي بداية معرفية أو فنية، وحين بدأ التدوين، دونت العلوم والمعارف الجغرافية والتاريخية، واختلط (أدب الرحلة) فيها، ثم اتخذ سبيله إلى التميز والاستقلال، وما أن أسهم الرحالة في الكتابة حتى مالوا شيئاً قليلاً إلى (أدب الرحلة)، فكان أن تخلق هذا الأدب، كما الأجنحة في الأرحام، وامتاز عما سواه من فنون الكتابة، والرحلة غير الاغتراب، ف (المهجريون) وطائفة من (العقيلات) كما يسميهم النجديون، خرجوا من ديارهم ولم يعودوا، ومن ثم نشأ (الأدب المهجري) و(أدب الاغتراب)، وقد يتداخلان مع (أدب الرحلة).. و(الرحالة) غير (المهاجر) وغير (المغترب)، فالرحالة ينطلق في مهمة ليعود إلى بلده.
ولقد خلفت لنا كل الحضارات الإنسانية مخطوطات، يمكن أن تكون بدايات لهذا الفن السردي.
ففي كل حضارة، وعند كل أمة رحّالتها وهواة المغامرات فيها.. قيل إن كتاب (بوزانايس): (جولة في بلاد الإغريق) المؤثر الأول في (أدب الرحلة) وهو قد ظهر في القرن الثاني الميلادي، والحشد المعرفي لهذا الكتاب لم يجعله المؤسس الأول لهذا الفن، بل جاء من بعده مؤرخون وجغرافيون أسسوا لهذا اللون من السرديات، إذ خصوا (أدب الرحلة) بكتب مستقلة، لا تتسع إلا لما يدخل في هذا اللون من الأدب حسب مفهمومه الحديث، وفي القرن الرابع الميلادي تجلت التقاليد الأدبية (لأدب الرحلة)، كان ذلك على يد (إكسينفون) في كتابه (أنابيزيس) ، وميزة هذا العمل- كما يرويه المطلعون عليه- تتمثل في أمانة الوصف، وفي احترام القيَّم الفنية.
والراصدون لهذا النوع السردي الحفيون به, يتعقبونه في مظانه عصراً عصراً، حتى العصر الحديث، يرصدون للتحولات السردية والدلالية، يؤرخون لهذا اللون ولرجالاته، ويصفون فنياته وموضوعاته، ولما أن جاء عصر النهضة وأصبح معه( أدب الرحلة) نوعاً أدبياً متميزاً، له سماته وخصائصه وطرائف أدائه، نهض في تكوينه الرحالة والمكتشفون والمستشرقون والمناديب وذوو السفارة السياسية والدينية والعلمية، وساعدت وسائل الموصلات والاتصالات المتطورة على توسيع قاعدته ومشمولاته, أصبح هذا اللون أدباً وعلماً في آن، وتعددت فصائل المهتمين به والمستثمرين له، وكاد أن يختلط ب (اليوميات) و(المذكرات) و(الذكريات) و(السيرة الذاتية)، وفي خضم هذا الزخم، عرفت الآداب: (الأوروبية) و(العربية) عمالقة في (أدب الرحلة), ومن تعقب ذلك عند من كتب عن (أدب الرحلة) عرفهم بأسمائهم وبأعمالهم، وعرف الأهداف والدوافع والنتائج، فطائفة من الدارسين ذيلوا كتبهم بمسارد للرحالة ولكتبهم ولمن سبق من الدارسين لهذا الفن.والرحلة وسيلة وليست غاية، ومن الرحالة من حركته الأطماع السياسية أو الاقتصادية أو الدينية، ومنهم من استهوته الرحلة وحب الاطلاع, وقلَّ أن ينفك التدوين عن الأهداف والنوايا والرغبات: السيئة أو الحسنة، ولكن (أدب الرحلة) حين يصاغ باقتدار ينفصل عن خصوص السبب إلى عموم الفائدة، فيكون العمل إبداعاً إنسانياً، تمتد إليه الأيدي دون النظر إلى الدوافع والرغبات.
ولقد أومأ كثير من الدارسين إلى أنواع كثيرة في (أدب الرحلة) وإلى اهتمامات متعددة، جعلت هذا الأدب شيقاً ومفيداً، إنه أدب واقعي، يحمل رسال معرفية، وإن كان ثمة إمتاع فإنما هو إضافة يوفرها تمكُّن الكاتب من لغته ومن فنيات السرد، هذا إذا استبعدنا (الرحلات السندبادية) ورحلات المغامرات التي تعتمد على الخيال، وقد تمتد إلى الخرافة والأسطورة، وهذا اللون لا يدخل فيما نحن بصدد الحديث عنه.. ولأهمية (أدب الرحلة) فقد ألفت عنه كتب عدة تعمدت التأريخ لهذا اللون أو التنظير له أو الدراسة التطبيقية لبعض الرحالة ورحلاتهم.
أعرف من هؤلاء (شوقي ضيف)، و(حسين نصار)، و(الحسن الشاهدي) ،و(حسني حسين)، و(علي مال الله)، و(جورج غريب)،و(حامد النساج) ،و (عواطف نواب). كل هؤلاء ومثلهم معهم لم يكتبوا أدب رحلة، ولكنهم درسوا هذه الظاهرة، ونظروا وأرخوا لها أو درسوا كتاباً في الرحلة دراسة تطبيقية.
أما الرحَّالة الذين خلفوا للثقافة العربية والعالمية كتباً في الرحلة فأكثر من أن يحصروا.. وممن اشتهروا في هذا الفن في القديم (ابن حوقل)، و(المقدسي) و(المسعودي) و(البيروني) و(ابن جبير) ومئات غيرهم. وفي العصر الحديث ( الطهطاوي) و(الآلوسي) و(عبدالله فكري) و(الشدياق) و(البستاني) و( طه حسين) و(هيكل) و(حسين فوزي) و(أمين الريحاني) و(أنيس منصور) وآلاف سواهم، ولكل واحد طرائقه واهتماماته ودوافعه فمن متعمد للتسيلة، ومن مهتم بالفائدة، ومن متحرر من كل القيود، ومن ملتزم محتشم، ومن كاتب بلغة أدبية، ومن كتب بلغة علمية.
أما على مستوى (أدب الرحلة) في المملكة السعودي، فقد استوفى جانباً منه الأستاذ(عبدالله بن أحمد حامد آل حمادي) في رسالته الأكاديمية(أدب الرحلة في المملكة العربية السعودية)، وفيما يتعلق بأدب الرحلة عند العبودي فقد تقصاه الأستاذ(محمد بن عبدالله المشوح) في كتابه المطبوع حديثاً(عميد الرحالة محمد بن ناصر العبودي)، وممن كانت لهم كتب في(أدب الرحلة) من علماء المملكة العربية السعودية وأدبائها ومؤرخيها فهم: العلاَّمة(حمد الجاسر)، و(أحمد عبد العفور عطار)، و(عاتق البلادي) و(عبدالعزيز الرفاعي) و(عبدالعزيز المسند) و(عبد القدوس الأنصاري) و(عبدالعزيز الرفاعي) و(عبدالله بن خميس) و(علي حسن فدعق) و(فؤاد شاكر) و(محمد السديري) و(محمد عمر توفيق) و(يحيى المعلمي)، وآخرون.. وهؤلاء يتفاوتون في مستوياتهم واهتماماتهم، ولكنهم جميعاً لم يتميزوا بما كتبوا في أدب الرحلة، بمثل ما تميز به (العبودي) لا من حيث الكثرة العددية التي لم تسبق، ولا من حيث التقصي والشمول والتنوع، وقد يتفوق بعضهم على بعض بأسلوبه أو بتبويبه أو بعمق ثقافته أو بدقة معلوماته.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:24 PM

أدب الرحلة عند العبودي..! 2-2
د.حسن بن فهد الهويمل


والعبودي الذي استهل أعماله التأليفية بدراسة (الأمثال العامية في نجد) تخطى هذا الاهتمام، وسبح في معارف متعددة، فكتب في الأنساب والجغرافيا والدراسات القرآنية والتراث، وطبعت له عدة مؤلفات في مختلف المعارف وفي عدة أجزاء، منها (معجم بلاد القصيم) و(أخبار أبي العيناء) و(الأمثال العامية في نجد) و(كتاب الثقلاء) و(نفحات من السكينة القرآنية) و(سوائح أدبية) و(صور ثقيلة) وغيرها، وهو فيها توثيقي ممحص، يضرب الأقوال ببعضها، حتى تنقدح له الحقيقة. فعل ذلك في معجمه الجغرافي عن القصيم. وهو معدود من الموسوعيين، وليس من ذوي الاختصاص، ولكنه حين يكتب في فن ينازع المتخصصين إمكانياتهم. ويكاد (أدب الرحلة) عنده يغطي كل جوانب حياته، وينسي المتابعين جهوده العلمية والعملية وإسهاماته المتعددة في مجالات متنوعة. والذي يلتمسونه في حقل معرفي لا يأتونه من أقطاره، إنه عالم متضلع من التراث العربي بكل تنوعاته العلمية والأدبية. وانقطاعه للتعلم والتعليم وملازمته لكبار العلماء وعمله معهم مكنه من التوفر على الكتب والمراجع التي لم تكن في متناول أنداده، ثم هو رجل إدارة حازم، تقلب في عدة مناصب تعليمية ودعوية، وجاء اهتمامه ب(أدب الرحلة) بعد أن لحق وظيفياً ب(رابطة العالم الإسلامي)، ومكنه عمله الدعوي من الرحلات المتواصلة والمهمات الرسمية المقيدة بأداء المهمة الدعوية على أصولها، وما فضل من جهد أو وقت قضاه في المشاهدات، وتقصي جوانب الحيوات المتعددة لشعوب العالم، وتفحص المعالم والآثار والمتاحف والمناظر الطبيعية وأحوال الشعوب ودياناتهم ومستوياتهم الحضارية والمدنية والاقتصادية. وهو راصد دقيق بعيد عن المبالغة والإغراق في الخيال، وأدبية النص عنده من تلك الخلفية المعرفية في أدب التراث وعيون الشعر العربي، وقد فاقت مؤلفاته المطبوعة مائة كتاب، وله مثل ذلك من المخطوطات، وجل هذه الكتب تمثل (أدب الرحلة) بحيث لم يسبقه أحد في حجم ما كتب في هذا اللون، ومن أسباب تألقه في هذا المجال سفارته المتنقلة، وتوفير كل الوسائل له، وشغفه الذاتي بالرحلة، وحرصه على تدوين كل ما يعن له من مشاهدات وملاحظات. ولقد قال عن نفسه ما يدل على دقة الملاحظة عنده، حتى لكأنه (الجاحظ) في عنايته بأبسط الأشياء، ومن ثم تراه يحتفي بكل التفاصيل، فإذا أقيم حفل تكريمي استوفي فقراته، وإذا ألقي خطاب ساق مجمله، وإذا جلس على مائدة ذكر ألوان الطعام فيها، وإذا دخل سوقاً ذكر طرائق بيعهم وطرائف تصرفاتهم. ولقد تجلت في كتاباته العفوية والبساطة والتقريرية والنمطية والاهتمام بكل دقيق وجليل، فهو بين إقلاع واستواء وهبوط واستقبال وتوديع وجولات رسمية ورحلات خلوية إلى أطراف المدن، لا تقتصر على المواقع الدعوية، وفئات الدعاة والقضايا الدينية، وجولات راجلة يقتطعها من وقت راحته، يدخل الأسواق، ويختلط مع الباعة ولا يتحرج من السؤال عن أي ظاهرة، ينقب عن الآثار، ويتفحص المتاحف، ويستعرض المكتبات، وكتاباته تتسم بالتسجيلية، وكأني به يرصد كل شيء في مذكرة محمولة في جيبه، حتى إذا خلا له المكان أعاد صياغة ما كتب والبسط فيه، ثم الدفع به إلى المطابع، لا ينظر إلا في ترتيب الأحداث والوقوعات، ومن ثم يحصل التكرار، وبخاصة عما يعرض له من مواقف متكررة في المطارات والمطاعم والمساجد والأسواق، وإن كانت له إلماحات سريعة يخلص بها من الرتابة والنمطية، وأكاد استبين محاور كتب الرحلات عنده، فهي تتحدث عن قضايا (الدعوة) و(الأقليات) و(الأجناس) و(اللغات) و(العادات) و(أحوال الشعوب) و(أطرافاً من تاريخهم) و(جغرافية بلادهم) و(أنماط الحياة عندهم) و(الأزياء) و(تصميم المباني) و(أنواع المستعملات) و(أحوال النساء) و(عاداتهن) و(المأكولات) وكل ما يخطر على بالك حتى (الفلكلور الشعبي) حتى (الغناء) و(المغنين) الذين لا يعنيه من أمرهم شيء، ولكنه إذ فرض عليه السماع أشار إلى شيء مما عندهم، وإن لم يهتم بالاستماع، وقد يشير إلى (الرقصات الشعبية) وغيرها، ثم لا يجد حرجاً من التعرض لها على سبيل الوصف، وقد يمعن في وصف النساء وأزيائهن ومحادثاتهن ببراءة وعفة، ومع كل ذلك فإن المحرك الرئيس عنده هموم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولأنه يمارس في رحلاته عملاً رسمياً فقد استوفى في كتبه تلك الأعمال تحدث عن (الجمعيات) و(المنظمات) و(جماعات تحفيظ القرآن) و(إعداد الدعاة والأئمة)، كما فصل القول عن الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات وما دار فيها وعن الكلمات التي ألقيت وعن الترحيب الذي يلقاه وعن المهمات التي أنجزها، ولا أشك أن تثار الآراء والأفكار والمواقف تشكل خصوصية في أدائه السردي، ولكن كثرة أعماله، وتركيزه على قضايا الأقليات يفوت على المتابع الوقوف على اللمحات الكثيرة، أو بمعنى آخر الجوانب الأخرى التي لا تسمح مهماته الرسمية الوصول إليها، وقد يضيق المتابعون باحتفائه بالوقوعات العادية المتكررة في كل رحلة. وأسلوب الكاتب يتسم بالوضوح والسلامة، والميل إلى التقريرية، وأشواطه الدلالية تعتمد التجزيئية، وله استطرادات قصيرة - كما وصفه - أحد دارسيه. ولأن أدب الرحلة عنده واكب السفارة الرسمية ومتابعة أحوال المسلمين والأقليات الإسلامية في آفاق المعمورة فقد ارتبطت القضايا والموضوعات بذات الرسالة أو كادت، ومع أننا لا نسلم بذلك على إطلاقه، إلا أننا نجد همه منصباً على قضايا المسلمين والأقليات منهم.
بدأ العبودي الرحلة والكتابة فيها منذ أربعة عقود، وخلال هذه المدة طاف أرجاء المعمورة، ولم يتمكن غيره مما تمكن منه، فالذين كتبوا في (أدب الرحلة)، كتبوا عن رحلة امتدت شهراً أو شهرين لبلد سياحي أو دولة اقتصادية، أما هو فقد امتدت معه الرحلات أكثر من أربعين سنة، وأتت على ما أتى عليه الإسلام، حتى لقد أوغل في البلاد الشيوعية التي لم تكن تسمح بأي تحرك إسلامي، ولعل تسامحه وبعد نظرته ودفعه بالتي هي أحسن ودعوته بالحكمة والموعظة الحسنة فتح له الحدود والقلوب، ولما يزل لا يحط من سفر إلا إلى سفر، ولاهتمامه بأدب الرحلة فقد أعطى نفسه مزيداً من الجهد والوقت ليتعرف على كل شيء. لقد وقف على طبائع الدول والمدن وأهلها وما فيها من أنهار وجبال وأودية وأعراق وعقائد وعادات، وما هي عليه من غنى وفقر، وما هو نظامها السياسي، وتقصي مشاكل الأقليات، ولقد بلغت مؤلفاته في أدب الرحلة قرابة مائة وعشرين كتاباً، طبع منها سبعين كتاباً، وآخر ما طبع له فيما أعلم (القلم وما أوتي في جيبوتي) ولقد شدني من كتبه أولها (أفريقيا الخضراء) الذي صدرت طبعته الأولى عام 1384هـ وكان الأوسع والأدق والألصق بأدب الرحلة، وهو فيما يكتب يعتمد العناوين الجانبية، فله مشاهدات تسجيلية، وملاحظات نقدية، وتساؤلات تعجبية، ومعلومات نقلية، ولا يكاد ينفك من الحديث عن الوسيلة من طائرة أو سيارة أو باخرة أو قطار أو سيارة أجرة، وقد يتحدث عمن يقود تلك الوسائط أو يخدم فيها. وحتى الحفلات والاستراحات والوجبات والجلسات الخاصة أو العملية والفنادق والمساجد والمتاحف والجمعيات يفصل القول فيها، وقل أن يترك الرصد التاريخي والسياسي للدولة أو المدينة التي يزورها، يتحدث عن نباتها وتصميم مبانيها وطبها الشعبي وعادات الزواج وشعائره والأعياد ومناسباتها وملابس الرجال والنساء وما لا يخطر للقارئ على بال، ويكاد يكون الحديث عن الإسلام والمسلمين محور الحديث في كل ما كتب في رحلاته، وهو حريص على اللطائف والمثيرات، يرصدها، وقد يبالغ في تعميق أثرها، وبالذات عند حديثه عن النكسات الاقتصادية، كقوله في كتابه (صلة الحديث عن أفريقيا) (الدجاجة بتيس والتيس ببقرة) فالعنوان لا يوحي بمضمونه، ولكنه يشوق إليه، وله نظرات ثاقبة في أحوال الشعوب وطبائعهم، حتى لكأنه موكل بكل دقيق وجليل في حياة من يرى ويجالس ويحادث، يقول في كتابه (غيانا وسورينام): (ومن أهم ما يميز الهنديات الأمريكيات عن الهنديات الآسيويات كثرة ابتسامهن للرجال وبساطة طباعهن وإسراعهن إلى الاستجابة للحديث) ص96. وهو يخص المرأة بأكثر من إشارة، لها أكثر من معنى، وفوق ذلك فهو كثير التفصيل في وصف التحركات، ويكاد (أدب الرحلة) عنده يتحول إلى سيرة ذاتية في كثير من أحاديثه. وهو بهذا الاستطراد والتنويع يراوح بين (اليوميات) و(المذكرات) و(الخواطر) و(السيرة الذاتية) و(أدب الرحلة)، وقل ان يخلو أي كتاب من صور (فوتوغرافية) ملونة، يكون فيها بين مودعين أو مستقبلين أو مشاركين في رحلة برية أو مهمة رسمية، يصور الأنهار والجبال والأودية والمساجد والأسواق والآثار، وكل ما هو ملفت للنظر، وقل أن يخلو كتاب من حديث عن مسجد، يذكر بانيه ومصممه وما فيه من زخارف، وقد يتحدث مع إمامه ومؤذنه، ويتعرف على ما يمارس فيه من البدع، إن كان ثمة بدع، وحين يصرفه المرافق عن شيء من ذلك، يلح بطلب الوقوف على كل شيء، وإن كان لا يقره، بحيث يصرف المثبط بقوله: -(إنني أحب أن أطلع عليه فالاطلاع مهم في هذه الحالة التي ربما تكون فرصة ولو في المستقبل بتبصير هؤلاء المخرفين المنحرفين) ص88 من كتاب (في شرق الهند) وهو يوزع كتبه إلى مجاميع حسب القارات أو التكتلات السياسية (أفريقية) و(أوروبية) و(هندية) و(آسيوية) و(أمريكية جنوبية) و(بلقانية) و(أسترالية) و(روسية) و(سيبيرية) وكيف لا يصنفها إلى مجاميع جغرافية، وهي تنيف على المائة كتاب، وكل مجموعة تنيف على عشرة كتب، وأحسب أن (رحلاته الهندية) تفوق كل رحلاته، فهي تفوق العشرين كتاباً، طاف بها شرق الهند وشماله وبلاد الهند والسند، وهو يطلق على كتبه مسميات أخاذة، ففي رصده لرحلاته إلى (مولدوف وأرمينيا) يطلق عليها (مواطن إسلامية ضائعة) أو (تائه في تاهيتي) أو (من بلاد القرنشاي إلى بلاد القيرداي) أو (سطور من المنظور والمأثور عن بلاد التكرور)، وهو في اختيار العناوين وتركيب العبارات ذو أسجاع مستساعة.
والعبودي من الكتّاب الذي يهتمون بتدوين المعلومات والملاحظات ما دق منها وما جلَّ، دون تكلف أسلوبي أو معاضلة تعبيرية، وما فيه من صياغة أدبية فصيحة فإنما هي قدرة ذاتية وكسبية، فالمؤلف عالم بالتراث، ومؤلف قبل أن يفرغ لأدب الرحلة، والمتابع لكتبه لا يقدر على تصنيفه لا جغرافياً ولا اجتماعياً، ولا سياسياً، ومن ثم فهو أقرب إلى الموسوعيين. والمؤلف متوفر على القيم العلمية والأدبية، ولكنه توفر عفوي، واللغة التي يعتمد عليها ويتوسل بها لغة فصيحة سليمة، لا يعمد فيها إلى التزوير ولا إلى التنفيح، ولكنه يكتب على سجيته، وكأنه يتحدث إليك، وذلك سر الإكثار وسر القبول، فلو كانت له عناية لغوية أو أدبية أو معرفية، لكان أن قل عمله وانفض سامره. ومع العفوية فقد احتفظ بمستوى أدبي ولغوي ومعرفي يجعله في مصاف غيره من الرحالة، وإذ لا تقدر على تصنيفه من بين الرحالة فإنك لا تجد منهجية محددة، ولا خطة في التأليف صارمة، يدون ملاحظاته، ثم يعود إليها ليبسط القول فيها، وخطة الكتابة عنده مرتبطة بتنقلاته، ومنهجيته تراوح بين الوصف والتحليل والنقد والسرد الحكائي، وهو الراوي والبطل، وقل أن يتحدث بضمير الغائب، أو أن يدع لمتحدث آخر ليأخذ زمام المبادرة إلا ما يأتي من حوار. ومهما اختلفنا معه أو اتفقنا فإنه الرحالة المتمكن من آلياته، الشمولي في تناولاته، المضيف في معلوماته. لقد ترك للمكتبة العربية والعالمية وثائق معرفية متعددة، قلَّ أن تكون حاضرة المؤرخين أو الجغرافيين، وهو بما خلَّف من معارف، وأنجز من أعمال، وقام به من مهمات تعليمية ودعوية جدير بالتكريم والاحتفاء. والمهرجان الوطني بهذا التكريم يعبر عن مشاعر العلماء والأدباء والقراء، وينهض بواجب وطني، فالعلامة معالي الشيخ محمد بن ناصر العبودي علم من أعلام التربية والتعليم ومن الدعاة الناصحين، ومن العلماء المتمكنين، ولما يزل ثر العطاء، تختزن ذاكرته مشاريع معرفية متعددة، وكتاباه في الأمثال والجغرافيا خير شاهد على توثيقه وتقصيه، نسأل الله له مزيداً من الصحة والتوفيق.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:24 PM

أيها المشتغلون في شأن الحج:خذوا عني رأي مجرب..!
د.حسن بن فهد الهويمل


ما ان تجرعنا مرارات الحزن والألم على (رجال الأمن) الذين قضوا نحبهم مغدوراً بهم, وماتوا وهم يؤدون واجبهم, دون ان يطلقوا ناراً, أو يدفعوا أذى, حتى اصابتنا مصيبة (الحجاج) الذين ماتوا, وهم يؤدون مناسكهم, وليس من السهل ان يحتمل الانسان المسلم مصيبتين في الاشهر الحرم, وفي البقاع الطاهرة: شهداء الواجب وشهداء الشعائر, ولن يشفي نفوسنا, ويلملم جراحها إلا ان يحق المسؤول الحق, ويوقف كل الأطراف, ليسألهم: لماذا حصل هذا؟ وكيف حصل؟ إلا حين لا تتكرر مثل هذه المصائب, وقبل ان نخوض في الحديث عما كان, وعما يجب ان يكون, علينا ان نشهد بما علمنا, وألا نكتم الشهادة, ومن يكتمها فإنه أثم قلبه, وما نشهد به, ونشهد الله عليه, ونقوله لوجه الحق, ولا نخشى فيه لومة لائم, ونعرف اننا سنسأل عنه يوم القيامة: ان دولتنا خير من يلي امر الحاج, وخير من يطهر البيت للطائفين والعاكفين والركع السجود, وانها بذلت في التوسعة والإصلاح والخدمات ما لا مزيد عليه, وانها لما تزل من أحرص الناس على توفير أقصى ما يمكن توفيره للحجاج والمعتمرين, ومن غمطها حقها أو قلل من جهودها فقد ظلم نفسه, ولقد امتدت هذه الاخلاقيات الى المواطن, فكان ان تبارى الموسرون في توفير المأكل والمشرب والإيواء, وتسابق المتطوعون في الإرشاد والتوعية والمساعدة, وما من منصف إلا ويثني على جهود الدولة وانفاقها في الاعمار والكباري والأنفاق, واستنفار كل الأجهزة: الأمنية والصحية والمرورية والإرشادية, وكل ذلك شرف وفضل ومنة من الله على أهل هذه البلاد, لا يدلون به, ولا يمنون, ولا يريدون الجزاء ولا الشكور إلا من الله, فكل الفعل لوجهه الكريم, ومع كل ذلك فإن من واجبنا جميعاً ان نبدي اسفنا واستياءنا مما حصل, حتى ولو جاء من الحجاج انفسهم, ذلك انهم يجهلون, ولا يمتثلون, ويعرضون أنفسهم للخطر, وكان حقاً على المسؤولين حمايتهم من جهلهم, وحملهم طوعاً او كرهاً على امتثال التعليمات, وإلقاء التبعات على المتوفين أو الناجين لا يحسم المشكلة, وفداحة الحدث لم تكن من السباطة بحيث ترفع اوراقها بهذا التصريح او ذاك, ولا يجوز احتمال الكارثة دون تقصي اسبابها, ومعرفة اطرافها, ممن وكل إليهم التفويج, او التنظيم, او المراقبة والرصد او الارشاد, وولي الأمر الذي استنفر كل طاقاته المادية والبشرية, ووقف بنفسه مع كل الاطراف للاشراف, لا يرضى ان يتعرض الحجاج لمثل ما تعرضوا له, والمواطن السعودي يحس بالمرارة والألم, لأن الدولة لم تأل جهداً, ولم تقتصر في شيء.
ولما أن جاء الحدث بهذه الضخامة والفداحة, وفي ظل امكانات واستعدادات متفوقة, لم يكن بالإمكان إهالة التراب عليه, ولا تجاوزه, ومن ثم بادرت الدولة بتشكيل (هيئة لتطوير مكة المكرمة والمدينة المنورة والمشاعر المقدسة), وأناطت بها وضع خطة شاملة تمتد لعشرين عاماً, وخولتها الاستعانة بكل الاجهزة الحكومية, ومراكز البحوث, والخبرات المتخصصة, داخل المملكة وخارجها, ومن قبل هذا أصدرت (هيئة كبار العلماء) بياناً ارتأت فيه ضرورة النظر في أمر الشعائر, والخروج برؤية شرعية تسهم في تلافي الكوارث, وأحسب ان هاتين المبادرتين مؤشرا إحساس بفداحة الحدث, وإضافة جديدة للاهتمام المتواصل بشأن الحج وشعائره, والأمل معقود بنواصي الأطراف المناط بها هذا الشأن:




فما استعصى على قوم منال
إذا الاخلاص كان لهم ركاباً


مع الاعتذار ل(شوقي)
ولو أن ما حصل يوم الحج الأكبر نتيجة عجز في الانفاق, او قلة في العدد والعدة, لكنا طالبنا بمزيد من الانفاق والقوى, ولكن في الأمر ما فيه, فالحجاج بجهلهم, والمطوفون باستخفافهم, واصحاب الحملات ببدائيتهم, وضعف امكانياتهم وطمعهم, والجهات المسؤولة باتكالية بعض افرادها, او بتداخل بعض مسؤولياتها, والعلماء بتشددهم, والزمان والمكان بضيقهما عن استيعاب الكثافة البشرية, كل ذلك اسهم في وقوع الكارثة, ويجب ان نحدد السبب ونشخص المشكلة, بثقة البريء, وقوة المحق, فاذا قلنا ان ما حصل ناتج خطأ, فأين المخطئ؟, لقد تسرع المسؤولون, وتفاوتوا في تصور الأسباب, وتسابقوا في القاء اللائمة على الحجاج, فلوزير الحج رؤية, ولوزير الصحة الاندونيسي رؤيته, ولقائد القوات الخاصة رؤيته, ونحن امام كل الجهات المشتركة في التنظيم والمراقبة, وهي كثيرة, ومن ثم فإن كل جهة سوف تجتهد في نفي المسؤولية عن نفسها, وليس من سداد الرأي ضياع الحدث بين الجهات, فالناجون من الحجاج شهود بما علموا, والمباشرون من المسؤولين حول موقع الحدث خير من يجسد الحدث وملابساته, المهم ان يكون هناك تقص ومساءلة لتحديد المسؤولية, ووضع ترتيب لا تتكرر معه فاجعة أخرى.
وإذا لم نكن جادين وحريصين ومحصحصين للحق فإن كارثة اخرى ترقب حجاجاً آخرين, وإذا كنا نتوقع مثل ذلك في ظروف لا يعلم كنهها إلا من غالبها, وتجرع مفاجآتها, فإننا يجب ألا نسلم لكل كارثة, بدعوى أن كثافة بشرية بهذا القدر سيؤدي ازدحامها الى كوارث فادحة, وعندما نراهن على الصدق والإخلاص والتفاني والاقتدار, فإننا لا نراهن على التوفيق, ولا على نجاح الخطط, وإذا كان (الحاج) بجهله وتسرعه وتسيبه وافتراشه للأرض في المواقع الحساسة, وإذا كان (المطوف) و(صاحب الحملة) بحرصهما على إنجاز شعائر يوم النحر بسرعة البرق, ليفرغ كل واحد منهما لنفسه, وإذا كان (العلماء) الورعون بفتاواهم المتشددة يساعدون على حصول الأزمات والاختناقات, فإن على المسؤولين ان يتدارسوا الأمر كله, وبشكل جماعي, تدعي اليه الكفاءات العلمية والمهنية والمرورية من الداخل والخارج, ولا يجوز استعراض الملفات من جهات محدودة العدد والامكانيات, ليقال في النهاية: ان ذلك قضاء وقدر, ايذاناً برفع الملفات, وإذا كنا نسلم بقضاء الله وقدره, ونؤمن بأن كل شيء لا يحصل إلا بعلم الله, حتى الورقة التي تسقط من الشجرة يعلمها, وحتى دبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في ظلمة الليل, فإن علينا ان نفرق بين (الاتكال) و(التوكل), وفي الأثر (اعقلها وتوكل), وإذا أعطت الدولة عطاء من لا يخشى الفقر, وإذا وضعت خططاً للمرور وللراجلين, وللدفع من المشاعر, وفوّجت الحجاج, ثم خولفت أنظمتها وتعاليمها, فإن الضحية ستكون الحاج البريء الذي لا يعرف ماذا امامه, ان بامكاننا ان نتلافى المصائد الخطرة, لأنها معلومة, ومحدودة: الزمان والمكان, بل أكاد اجزم أن احلك الظروف تبدأ من الدفع من (مزدلفة) حتى رمي (جمرة العقبة) والموت الزؤوم في رمي تلك الجمرة, وعلى المسؤولين ان يرموا بثقلهم في هذه اللحظات الحاسمة, ولأنني حججت أكثر من مرة: راجلاً وراكباً ومفرداً وقارناً ومتمتعاً, وحدي او مع أهلي, قبل التوسعات وبعدها, فإنني أحس بأن الأمر قابل للحل, وأن الأخطاء في مثالية التعليمات, وتداخل المسؤوليات, وكثرة المخيمات الحكومية, وتشكيل المسؤوليات الجديدة في كل عام, وانفصال المطوفين وأصحاب الحملات عما يدار في غرف العمليات, وتهافت الجميع على إنجاز شعائرهم في صبيحة يوم النحر, وكثرة المتخلفين والمفترشين والباعة, وغياب فقه التيسير, وجهل قواعد الضرورات, وتكاد الإشكالية تنحصر في تأخير الدفع من مزدلفة ومباشرة رمي (جمرة العقبة), فالناس جميعاً والمطوفون وأصحاب الحملات على وجه الخصوص, وحتى الأفراد يودون ان ينهوا أعمال يوم النحر في أسرع وقت, ليسترخوا في مخيماتهم, وذلك بمواصلة السير, وإنهاء شعائر يوم العيد, من (الرمي) و(النحر) و(الحلق) و(الطواف) و(السعي), والعودة الى المخيم بمنى, وبهذا يكون كل شيء قد انتهى بالنسبة للحاج وللمسؤول عنه, وأسال به خبيراً, فذلك ما كنا نشعر به, ونسعى إليه حينما نحج, ولا يصرفنا عنه صارف, نخالف الأنظمة, ونتحايل على الخطط, وندفع برجال الأمن والكشافة والطوارئ, ونتنازع معهم, ونرى انهم يحولون بيننا وبين المشاعر, وإذا سقط حاج او تأذت مجموعة, أنحينا باللائمة على المسؤولين, واستبقنا الحدث نلوك ألسنتنا, وندوك ليالينا, وما من احد سأل نفسه او حاسبها على تعمد المخالفة للأنظمة, ومع كل ذلك فالمسؤولية لا يمكن ان تسقط في الأرض, لابد ان نبحث عن المسؤول, سواء كانت المسؤولية مشتركة او محددة, وسواء اسهم فيها الحاج او لم يسهم, المهم ان نعرف الخلل, وأن نحدد المسؤول عنه, وإن لم نفعل كنا كمن يرم جرحه على فساد, ومما يسوؤنا, ويغثي نفوسنا ان هذا الحدث اتاح فرصة ثمينة للحاقدين والمأجورين وسماسرة النخاسة الإعلامية, قبدل ان يأسوا او يواسوا او يتألموا أو يقدموا النصيحة, انطلقت ألسنتهم الحداد موغلة في النيل والسخرية من البلاد والعباد, مستعدية الرأي العالمي, وحين نعود إلى الكارثة وملابساتها, نجد أننا امام زمان محدود, ومكان محدود, وأداء فردي وجماعي فوري من أناس يختلفون في لغاتهم ومعارفهم وأحوالهم الصحية, وأمام تعليمات لا تطبق, ونظام لا يحترم, وتوعية لا يستمع إليها, واختلاط في المسؤوليات, وتداخل في المهمات ، وأفراد جدد جمعوا من أطراف البلاد, وكل هذه الهنات قابلة للحل, فأما ما يخص (الشعيرة) وحكم الشرع فيها, فذلك موكول أمره إلى (هيئة كبار العلماء), وقد اجمعوا أمرهم, وخولوا ولي الأمر, ولما كانت الانساك بكل اركانها وواجباتها ومستحباتها ومباحثاتها ومحظوراتها بين أيدي العلماء, ولما ان كان الاختلاف قائماً على اشده بين المذاهب عامة, وبين مجتهدي المذهب الواحد على وجه الخصوص, وفي الاختلاف رحمة وفسحة ومجال لمراعاة الأحوال والظروف, فإن على العلماء ان يتقوا الله, وييسروا على الناس, تمشياً مع قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) و(التقوى على قدر الاستطاعة) و(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولكل قاعدة أو أمر أو نهي ضوابطه التي يعلمها أهل الذكر لا أهل الفكر, ولما كانت (جمرة العقبة) هي العقبة, ولما كان فقهاء الأمة قد وضعوا زمن اختيار, وزمن اضطرار, وزمن اداء, وزمن قضاء: فمن رماها بعد طلوع الشمس وقبل زوالها فقد رماها في وقتها, فإنهم قد اختلفوا فيمن رماها قبل الفجر او بعد الزوال: فالمالكية شددوا في ذلك, فيما أجاز ذلك الأحناف والشافعية والحنابلة, وإن كان المستحب عندهم الرمي بعد طلوع الشمس وقبل الزوال, وحجة المالكية حديث (خذوا عني مناسككم) عند أحمد ومسلم 318/3: 943/2 وحديث (لاترموا الجمرة حتى تطلع الشمس) وهو في السنن والمسانيد, ومن جوز الرمي قبل طلوع الفجر, وبعد الزوال, فحجتهم حديث (أسماء) وهو في الصحاح والمسانيد والسنن, وحديث ذوي الاعذار, وحديث: (رميت بعدما أمسيت, قال: لا حرج) وهما في الصحاح والمسانيد والسنن, وما سئل الرسول في يوم النحر عن شيء إلا قال: افعل ولا حرج, وإذا كانت المسألة خلافية, فإن على العلماء, وقد شهدوا ضرورات مهلكة وشدة مرعبة ان ييسروا على كافة الحجاج ما وسعتهم خلافات الفقهاء وفقه التيسير, وبخاصة مع النساء والمسنين والمرضى, وفي أوقات الذروة, وأن يجعلوا الوقت مفتوحاً من بعد نصف ليلة العيد الى ما بعد الغروب, وأن يوجهوا الى الدفع من مزدلفة قبل منتصف الليل, والاكتفاء بالمرور بها وجمع الجمرات, اسوة بمن مر بعرفات, وكيف لا والله يقول (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) والرسول الرؤوف الرحيم بأمته يقول (يسروا ولا تعسروا), ومع أن (الحج عرفة) فقد يسر الرسول صلى اله عليه وسلم الذي لم يدرك الوقوف إلا قبل طلوع الفجر, وإذا لم تنحل المشكلة بالتيسير, فعلى الجميع اتخاذ الخطوات التالية:
الخطوة الأولى:
المصير الى التوكيل الإلزامي, للنساء والمسنين والمرضى وحمل الدول الإسلامية على توعية الحجاج.
الخطوة الثانية:
المصير الى تأخير الرمي لليوم الثالث, بحيث يسمح للنساء والمسنين والمرضى بتأخير الجمرات الى اليوم الثالث, ورمي الجمرات دون توكيل, وفي ذلك خلاف معتبر.
الخطوة الثالثة:
التفويج المزدوج, وضبطه بالضوابط التالية:
أ- تصنيف الحجاج إلى ثلاث فئات: حجاج الطوافة, والحملات, والأفراد.
ب- تفويج التحرك من المخيمات, وتفويج الدخول الى مواقف الرجم.
ج- أي وفاة تتم بسبب المخالفة يتحمل المطوف أو صاحب الحملة دية الميت.
د- التعرف على جنسيات المفوجين, ومنع أي جنسية تسبق زمنها.
الخطوة الرابعة:
منع الافتراش في مواقع الازدحام, وإيجاد بدائل, واستخدام خراطيم المياه, لتفريق المفترشين في أماكن الاختناق, وعدم مراعاة المشاعر على حساب فساد الشعائر.
الخطوة الخامسة:
تحويل الحملات الداخلية الى شركات قوية مدعومة ومدربة, ومنع التملك الشخصي للحملة, بحيث يكون لكل منطقة شركة قوية أو أكثر, ويكون لها شعار. ولسياراتها لونها الخاص, وتشكل لها مجالس مناطقية, وليس هناك ما يمنع من إسهام الدولة وشركة النقل الجماعي والمصالح الحكومية كالتقاعد والتأمينات.
وإذا كانت الإشكالية في المكان, فإن على المسؤولين النظر في أمره توسيعاً لدائرة أحواض الرجم, ورفعاً للشاخص فيها بالقدر الذي يحقق شرطي الرجم: قذف الحصوات باليد, واستقرارها في الحوض, وتحويل مكان الوقوف للرجم إلى أدوار كالمدرجات, وتهيئة مداخل واسعة وكثيرة تفصل بينها جدر بطول القامة, بحيث يدخل الحاج الطريق إليها, دون ان يعرف إلى أي الأدوار يسير, موهمة بالتجانس والتساوي والتجاور وطويلة بحيث تستوعب أكبر قدر ممكن وتوزع الحجاج على الأدوار بالتساوي, دون تدخل أو توجيه, وإذا انتهى الحجاج من الرمي, تكون لهم مخارج مماثلة لا تتسبب في تلاقي الأفواج, ورهان النجاح يتحقق بالوعي والانضباط ودقة الملاحظة وتشكيل ادارة أمنية ومرورية مستديمة.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:26 PM

مصداقية التسامح ومغالطة التماكر
د. حسن بن فهد الهويمل


يفترى على الإسلام بأنه فرض نفسه بالسيف، وشق طريقه بالعنف، وتولى كبر الإفك العظيم والتماكر الأثيم طائفة من المستشرقين الجلدين، وتلقاه عنهم الموغلون في الاستغراب وأصحاب ثقافة الضرار، وأشاعه السماعون من المخفين عقلاً ومعرفة والمجتثين مكانة وكلمة. وكل متسلل إلى سوح الفكر دون تأصيل معرفي حضري شرعي تستخفه المغالطات، كما استخف سحرة فرعون الدهماء واسترهبوهم. ومن ملك ناصية المعرفة الشرعية، وتضلع من تراث الإسلام، وعرف دخائل الحضارات السائدة والبائدة، تلقف حبال أولئك وعصيهم بعصا موسوية. وما أضر بالأمة إلا سفهاؤها المتصدرون، وجهلتها المتعالمون، وعبدة المادة المتهالكون.
والمؤلم أن عمالقة الفكر العالمي وقادته، وزعماء الإصلاح ورواده من علماء الغرب لا يكتمون الحق، ولا يجدون غضاضة من القول عن عظمة الإسلام وعبقرية رسوله. ووثائق الإثبات القولية والفعلية قريبة التناول لمن طلب الحق، فلو نظرنا الى موقف الإسلام من أصحاب الديانات الأخرى، وقفينا العقول على آثار النصوص، لتبدت لنا أسمى آيات التسامح. فالإسلام لا ينال من الرسل، ولا من دياناتهم ولا من كتبهم، بل يعلن الإيمان بما أنزل على موسى وعيسى، وما أنزل على النبيين من قبلهم، ولم يفرق بين أحد منهم، ومن أنكر رسالة موسى أو عيسى فقد كفر بما أنزل على محمد. فيما يكذب اليهود عيسى ومحمداً عليهما السلام، ويكذب النصارى محمداً عليه السلام. وإذ يقطع المسلمون بتحريف الكتب اليهودية والنصرانية ونسخهما بالإسلام يقف (العلمانيون) من الديانات كلها موقف النفي والتعطيل، واستبدال الذي هو أدنى. فالدخول في العلمنة الشاملة إسقاط لكل ديانة. ومع وضوح الحق فإن مشيئة الله مرتبطة بحكمة لا نعلمها، (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)، ولو شاء لآمن من في الأرض كلهم. وهذه المشيئة تمنع إكراه الناس على الإيمان. والرسول المؤيد لا يهدي من أحب. وما عليه إلا البلاغ، لنفي السيطرة والإكراه في الدين، ولكي يتحقق ذلك، وجه رسوله إلى الدعاء بالحكمة والموعظة الحسنة وألزمه المجادلة بالتي هي أحسن، ووصفه باللين، ونفى عنه الفظاظة والغلظة، وتلك بعض مؤشرات التسامح.
وتسامح الإسلام يتوثق في القول والفعل، وليس ادعاء يجتره الأدعياء، ويقلبه المزايدون. وإذا مرت بعض طوائف الأمة الإسلامية بمراحل عنف أو تسلط فإنما ذلك من أخطاء التطبيق، والمنصفون يفرقون بين مقتضيات المبدأ وأخطاء الممارسة، وبين النسق والسياق. وكم من مسلمات وسوائد ما أنزل الله بها من سلطان، ولهذا بشر الرسول أمته بالمجددين. والمتابعون لتاريخ التطرف والغلو يدركون أن هناك محطات مظلمة في تاريخ المسلمين، عول عليها المغرضون من المستشرقين، وتلقفها المرتابون من أبناء المسلمين، واجترتها وسائل الإعلام للإثارة والجذب. ولو أذعن المتقصون للمراحل التاريخية الإسلامية للحق، لنظروا إلى النص المحفوظ والنطق الموحى، وانطلقوا منهما، فالله أنزل القرآن وتعهد بحفظه، والرسول لا ينطق عن الهوى، ولا يتقول على الله، وهو فيما يفعل يفرق بين الرأي الذي يراه والوحي الذي يتلقاه، ولهذا جاء القرآن في مواضع كثيرة، يستدرك على الرسول وينهاه، ويأمره، ويعتب عليه، ويحذره، والصحابة يراجعون الرسول، وقد يأخذ بما يرون.
والله حين يأمر رسوله بالدعوة إلى سبيله (بالحكمة والموعظة الحسنة) يستثني من هذا التعامل الذين ظملوا، كالمقاتلين في الدين، والمخرجين من الديار، والمرتدين بعد الإيمان والناكثين للعهود المفارقين لجماعة المسلمين والمحاربين لله ورسوله الساعين في الأرض فسادا. وما من حضارة إلا ولها لسان ينطق وسنان يفصل، وحمى وحدود، ومحظور ومباح. وإذا كانت الضرورات الخمس مكفولة الحماية، فإن ذلك لن يتحقق إلا بقوة رادعة أو حكمة بالغة.
وحين لا يكون قتال على الدين، ولا إخراج من الديار ولا اعتداء على الضرورات، ولا انتهاك للحرمات المتفق عليها يكون التسامح والإبلاغ القولي. وحين تحتدم مشاعر الرسول، ويبخع نفسه على آثار من لم يؤمن بالقرآن أسفا يأتي القرآن ليهدِّئ من روعه، ويثبت فؤاده {لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ} {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ} {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. ومتى تولى المشركون عن التوحيد فما على الرسول إلى أن يقول لهم: {اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}. وحتى المشرك المستجير، علينا حمايته، وإسماعه لكلام الله، وإبلاغه مأمنه. ولأن الإسلام قيم وسلوكيات، فقد ألزم أتباعه بالعدل مع المشنوئين والأقربين، كما ركزت نصوصه على الوفاء بالعهود، وجعله من علامات التقوى. وقد عقد الرسول عهودا كثيرة وفعل ذلك خلفاؤه من بعده، وكانت وصايا خلفائه الراشدين في غاية الرأفة والتسامح، وما دخل الناس في دين الله أفواجاً إلا بعد أن عايشوا التسامح فعلاً لا قولاً، ووجدوا من المسلمين وفاء ورأفة ورحمة.
والعهود التي أبرمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - مع المشركين التزم بها، مع أن بعض الصحابة حسبها من الجور على الإسلام والمسلمين. وما كان الرسول ليبرم عهداً يجور به على الإسلام، ولكن البعض من الصحابة لا ينظر إلى العواقب، ولا إلى وعد الله بإظهار الدين. أما الرسول فيعلم أن المسألة مسألة زمن، وأن العاقبة للمتقين، ولهذا فقد ألمح إلى ذلك مع (سراقة بن مالك) وفي حديث (زَوْي الأرض) وحديث (الأمن وخروج الظعينة). وشروط (صلح الحديبية) من خلال المنظور البشري جائزة بحق المسلمين، ولكن الحكمة الربانية تخفى على البشر في بعض المواقف، كما خفيت على موسى عليه السلام، وهو يتبع (الخضر) ليعلمه مما عُلّم رشدا. ولقد امتُحن الوفاء بالعهود حين قدم (أبو جندل) و (أبو بصير مسلمين، فردهما الرسول إلى قريش، ولما صاحا به، واستعطفاه، أوصاهما بالصبر والاحتساب.
ولقد تجلت رحمة الإسلام وتسامحه، في مواقف كثيرة مع (أسرى بدر) وإطلاق أسرى 0بني المصطلق)، ومن قوله لأهل مكة عام الفتح (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، والمتعقب للفتوحات الإسلامية ووصايا المجاهدين يقف على أبهى صور التسامح، ولقد ألمح المستشرق (آرنولد) إلى طائفة من تسامح المسلمين في كتابه (انتشار الإسلام) حيث أشار إلى طائفة من النصارى الذين استوزرهم الأمراء وإلى طائفة من الأطباء الذين استخدمهم الخلفاء. وفعل مثل ذلك (هنري كاستري) في كتابه (الإسلام)، وكتب عشرات المستشرقين المنصفين عن عظمة الإسلام، ولقد تعقب مفكرو الإسلام المعاصرون أقوال المفكرين الغربيين عن الإسلام وعن الرسول، سواء منها ما كان حقا أو ما كان باطلاً، وقربوا ذلك لمريديه عبر عشرات الكتب التي تعمد المستغربون تهميشها والتعتيم على أصحابها. واستعانة المسلمين بغيرهم في مجالات العلم والطب والتجارة والإدارة مؤشر تسامح وثقة وبحث دؤوب عما تتطلبه الحياة المتجددة تجدد مياه النهر المتدفق. وما فعل غير المسلمين مع المسلمين ما فعله المسلمون مع غيرهم، وما انفتحت حضارة على المستجدات انفتاح الحضارة الإسلامية. وتاريخ بغداد، ودمشق، والأندلس حافلة بالمواقف الرائعة. وما حصل من بعض قادة المسلمين عبر التاريخ الإسلامي من قسوة عارضة فإنما هو ناتج جهل أو هو بسبب استغلال غير المسلمين لتسامح المسلمين، وتمكين غير المسلمين من ممارسة الأعمال المؤثرة على أمن الأمة. والإسلام لا يحول دون عمل غير المسلمين في بلاد المسلمين ولا يمنع التعامل معهم، وأكل طعامهم، والزواج من الكتابيات، وتبادل الحب الطبيعي معهن، وإن بقين على دينهن، وليس أدل على ذلك من تعامل الرسول مع يهودي، ورهن درعه عنده. وثقة المسلمين بأنفسهم حفزتهم إلى التعلم على أيدي غير المسلمين وقد جاء ذلك مع (أسرى بدر). وأي إجراء يحسبه أهل الكتاب إجحافا بحقهم فإنما مرده الحرص على المشاعر العامة. فالعامة من المسلمين قد لا يستوعبون تسامح الإسلام، ومن ثم تكون هناك ردات عمل من غلاة أو متشددين أو ورعين، وقد تطال الأذية (الذمي) و(المستأمن)، وما ذلك من خلق المسلم الحق. والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من آذى ذميا فقد آذاني، ومن قتل ذميا لم يرح رائحة الجنة). وفي مقابل تسامح المسلمين وتوددهم وبرهم نجد أن هناك سوءا في التعامل من اليهود على من سواهم، وتسلط من الدول النصرانية على المسلمين، وصراع المصالح لا يحال على المبادئ، ومن قال بصراع الحضارات وأحال عليه كل خلاف فقد أساء الفهم.
وإذ تعقب المستشرقون التاريخ الإسلامي، ونقبوا فيه، ووقفوا على محاسن الإسلام، وأبرزوا جوانب منها، واستفادوا منها فإن طائفة من المفكرين العرب استدبروها، وتهافتوا على ظواهر الحضارة الغربية، وبهرتهم مواقفها من (الحرية) و(الحقوق) و(قضايا المرأة) وما شيء من محاسن الحضارة الغربية إلا وفي الإسلام ما هو خير منه. فالذين يتحدثون عن معطيات (الديموقراطية) يظنون أنها من عند الحضارة الغربية، ولو عرفوا عدالة الإسلام ومساواته وما كفله من حرية في التعبير والتفكير والرأي لكان أن قالوا (للديمقراطيين): هذه بضاعتنا ردت إلينا. ومناوأة الفكر السياسي الإسلامي ل(الديمقراطية) مناوأة فكر لا مناوأة إجراء ومقاصد، ف(الديمقراطية) ترد للشعب، والسياسة الإسلامية ترد لله والرسول، فيما تلتقي المطالب والمقاصد.
والمتعلمنون والمستغربون شغفتهم الحضارة الغربية حبا وأعشت عيونهم عما اشتملت عليه حضارتهم الإسلامية من تسامح وتفاعل، وتمتع بزينة الله، وأخذ بكل معطيات العلم ومكتشفاته، واحترام للعقل وابتكاراته، وتأكيد على العدل والمساواة والإحسان. ولأنهم تلقوا فيوض الحضارة الغربية، وهم على جهل تام بحضارتهم، لم يستطيعوا التخلص من عقدة الضعف وقابلية الخنوع. وإذا قيل لهم إن في حضارتكم ما هو أهدى وأجدى، وأنها لا تمنع من صناعات السلم والحرب وتعلم الطب والفلك والهندسة، ولا تمنع من إقامة المعامل والمختبرات وإجراء البحوث والتجريب وممارسة التجديد وغزو الفضاء، وأن نصوصها تتسع لثورة المعلومات والاكتشافات والاتصالات، وأن الفكر السياسي الإسلامي فيه من المرونة وقابلية الاستفادة ما يجعله مفتوحا لكل جديد، جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابتهم. ومن تباهى ب(الديمقراطية) فإن مصادر التشريع الإسلامي لا تمنع من تأسيس النقابات والاتحادات والمجالس وسائر الهياكل التنظيمية والضوابط الدستورية والقانونية والقضائية والاتنخابية، ومن أخذ بمبادئ الإسلام فقد أخذ بحظ وافر من العلم والتحضر.
ومن علامات الجهل ومؤشرات الغفلة الخلط بين الإسلام وأوضاع المسلمين، فإذا أخفق أحد من الإسلاميين في التطبيق، وإذا ضعف المسلمون وتخلفوا وجار حكامهم، لم يجد المناوئون للإسلام من أبنائه مانعا من إضافة هذا الإخفاق والضعف والجور إلى الإسلام. والذين تورطوا في الثورات الدموية، واتسعت خطاباتهم للقومية والشيوعية والحزبية، وتغنوا ب(الديمقراطية) باؤوا بالفشل الذريع، لقد هربوا من جور الحكام والضعف العام وحسبوا أن للإسلام دورا في ذلك، فادعوا الأخذ بأنظمة الغرب. ومع كل النكسات لما يزالوا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء. وكيف يجرؤ مسلم على اتهام إسلامه بالإخفاق، وهو من عند الله؟. وما من متحدث عن الإسلام من أبنائه المستغربين إلا ويبدو خلال كلامه وميض الفتنة، فهم لا يتورعون عن المجازفة بالاتهام والتحذير من الإسلاميين والمطالبة بإلغاء المؤسسات الإسلامية ك(هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و(المحاكم الشرعية) و(الجمعيات) التوعوية و التعليمية و(المنظمات) و(الروابط) ذات الطابع الإسلامي، ولم يزالوا في خوف من الأسلمة وإظهار الدين ولم ينظروا إلى المنظمات والمؤسسات والجمعيات التي تخدم الحضارات الأخرى.
ومثل ذلك مؤشر إذعان وتصديق لسيل الاتهامات التي يطلقها المغرضون، وكأن الإسلام مصدر التخلف والغلو والتطرف والإرهاب. ومكمن النقص المعرفي والتخبط المنهجي .إن طائفة من المفكرين يخلطون بين تاريخ المسلمين السياسي وتاريخ الإسلام الحضاري.
وعندما تحدثت وسائل الإعلام الغربي عن التطرف والإرهاب والغلو ونسبته إلى الإسلام ومناهجه التعليمية تلقاه السماعون للكذب المعولون على الأعداء، وأذاعوه، ولم يفكروا بما في هذا الاتهام من جور ومكيدة وتمهيد للقضاء على المسلمين ليستبدل الله غيرهم ثم لا يكونوا أمثالهم، وتلك سمة المنهزمين ومرضى القلوب. وليس أدل على الانهزام من القبول بالشائعات، ومسايرة اللوبيات المغروسة في المحافل الغربية. ولقد وقفنا على فلتات ألسنة مريبة، تشيع عن كافة المؤسسات الإسلامية قالة السوء، وتتشايل مع الحملات المسعورة، وتقبل بإحالة الغلو والتطرف والإرهاب على المؤسسات العلمية والفكرية والثقافية، وكل ذلك إنكار ضمني لتسامح الإسلام ووسطيته وإكرامه للإنسان وعصمته للدم والمال والعرض وتحريمه للظلم والجور. ولو أن المرتابين جندوا أنفسهم لتقصي الأحداث والأوضاع، وردوا كل معلول إلى علته وكل تطرف وغلو إلى مصدره، وعرفوا أن اللعب السياسية وراء كل خطيئة، لكان أن صححت المسارات المنحرفة في الحضارة الإسلامية والحضارات المهيمنة.
وإذا كانت الجيوش تغزو بعددها وعتادها فإن الكلمة الخبيثة تواكب قوافل المحاربين عبر وسائل الإعلام وسائر الوسائط السريعة النقل، وما من مستشرق أو مبشر أو مستغرب إلا ويمارس الإغراء والإغواء والإغراق في الاتهام متوسلا بكل الوسائط.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:26 PM

هذا المقال معاد هنا لاتصاله بمقال آخر له


إلى الظلاميين في زمن الادعاء التنويري..! 1-2
د.حسن بن فهد الهويمل


تظل الأيام معي كما هي مع (المتنبي) أشكو إليها ضيق الوقت، وتشتت الفكر، وجور الجشع القرائي، وهي جند ذلك كله، تحرمني من قراءة من يفرحني، ومن يترحني، ومن يجمجم عما في نفسي، ومن يتحدى مشاعري، ومن هو فوق هام السحب، شرفاً في اللفظ، وتألقاً في المعنى، ومن هو مترب مقو، لا يغني ولايقني، ومن يؤذي كما العقرب التي يقول ملسوعها (حب الأذية من طباع العقرب) ومن هو برُّ رحيم، يحمل هم أمته، ويرود لها موارد النجاة، ومن هو فظ غليظ القلب، لايحمي ساقه، ولايرود لمقدمة.
وفي هذا الزمن المتلفت كتبته الأحداث والمتصابئون على كل الضوابط، أمرٌّ بمقترفات كتابية لطائفة من مدعي التنوير والطلائعية، ولمن خلا لهم الجو من مبتدئين، ويسترفدون مقروءهم الآتي، فيأتون به كما (طيلسان ابن حرب). ومع طوفان التعاضد مع المضل، واسترفاده، منَّيتُ نفسي بقراءة ذلك كله، لأتمكن من نصر الأخ الظالم أو المظلوم، استجابة لحديث: - (انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً). حتى إذا توارت تلك المقالات بالحجاب، بكل ما تحمله من خطأ وخطل ومناصرة وتخذيل، رأيت الناس منها في برم وضيق وتذمر، فقلت مكرهاً: ردوها عليَّ، لتظل في حقيبتي أياماً، وحين لايجود الوقت بساعة من نهار لقراءتها، ألقيها جانباً، وفي النفس ما فيها من الحسرات. غير أن امتعاض الخيرين واستياء الغيورين يضطراني لإرجاع البصر، ولو لمرة واحدة، لأرى أكثر من فطور. وكلما هممت باستخدام المجسات والمسابير، ونقض الأنساق الثقافية التي تصدر منها تلك الآراء الفجة والتصورات الخاطئة، وتحيل إليها، شُغلت بنوازل يرقق بعضها بعضاً.
ولما أن بلغ السيل الزبى، وتجرأ على الثوابت من لايزن الأمور، عقدت العزم على مكاشفة أولئك الموغلين في الإثارة والتجديف ضد التيار. ولقد تذكرت وأنا في حمأة الاستياء قول الله لرسوله {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} ولمحت في هذه الآية معطى دلالياً، في غاية الأهمية، وهو أن عظمة المبدأ لاتكفي وحدها لاستمالة الآخرين وإقناعهم، بل لابد من وسيلة تُمتِّع وتستميل وتقنع، وهي (اللين والتودد) ومن قبل هذا قال الله لموسى وهارون، حين أرسلهما إلى فرعون: {فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا} وما أصحابنا الذين أوذينا باستفزازهم ومزايداتهم إلا مسلمون جنحوا للغرب، وأُشربوا في قلوبهم عجله، وقليل منهم مجتهدون، لم يحالفهم التوفيق في كثير مما يقولون. وما هم ونحن إلا طلاب حق، وحقهم علينا ألا نسيء الظن بهم ابتداء، وفي الوقت نفسه لايخدعنا الخبُّ ولا المتماكر، ومن غايته الحق فواجبه ألا تأخذه العزة بالإثم، فإذا قيل له: اتق الله، لزمه الإذعان ومحاسبة النفس قبل أن يحاسب، والكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت. والذي أتوقعه في سائر الكتبة في صحفنا - على الأقل- وفي المشاركين في حوار القنوات من أبناء البلاد أنهم لايتعمدون المخالفة. وأن أحدهم يكتب ما يكتب، ويقول ما يقول عن حسن نية وسلامة قصد وحرص على الموافقة لمقتضيات الدين ومقاصده، وإذا اندس فيهم من لايحمل همهم، أو حاد أحد منهم عن جادة الصواب، لزمهم التنبه له، والبراءة مما يصنع. ولنا في (نوح) عليه السلام وابنه قدوة، ولنا في أبي الأنبياء (ابراهيم) عليه السلام وأبيه أسوة. وأملنا أن يكون المثيرون قولا وعملاً واعتقاداً من أهلنا، فأبناء الفطرة رجاعون إلى الحق، ولو ثبت أن أحداً ممن نحسن الظن به يتعمد مناقضة الأحكام، ويصر عليها، لما وسعنا إلا مواجهته بما هو عليه، ولا كرامة، فالساكت عن الحق شيطان أخرس. وهناك فرق بين الخطأ ابتداء، والخطأ إصراراً وعناداً، فمن بان له وجه الصواب، ولم يرعوِ، فهو مصر معاند، وعلى من يملك تغيير المنكر باليد أن يأطره على الحق، متى تبين له العناد والإصرار وتعمد المخالفة. ومصائب الأمة في مفهوم الثوريين للحرية، وفي إيمانهم بحتمية العداء لكل أشكال السلطة، وتخوين الموالين لها، وهو مفهوم خاطئ، مخالف لآليات الحضارة الإسلامية وأساليبها في الحكم وإنكار المنكر. ولأن طائفة من الظلاميين باسم التنوير يخلطون بين الشرائع والمناهج والإجراءات، ويدعون أنهم وقَّافون عند الكتاب والسنة، وأنهم يسلمون لهما، وأن ليست لهم الخيرة من أمرهم، متى قضى الله ورسوله أمراً، فإن واجب العلماء أن يرشدوا ضالهم، وأن يعلموا جاهلهم. وإذا لم يقيض الله لهم من يواجههم بالحقائق فإن واجب كل واحد منهم أن يسأل نفسه: لماذا أصادم الرأي العام؟ ولماذا الناس يختلفون معي؟ ولماذا يتعرضون لي بالسب والشتم والمضايقة عبر قنوات الاتصال والمواقع؟ هل الناس جميعاً على ضلال، وأنا وحدي على الحق؟ وهل سألت نفسي يوماً ما: عماإذا كان ما يقوله الناس حقاً؟ وهل تواضعت لحظة من نهار، وحملت مجموعة من مقالاتي أو كتبي المثيرة للاشمئزاز لمن شهد له الناس بالعلم الشرعي والتقوى والوسطية، وطلبت منه عرضها على مقاصد الشريعة ومقتضيات نصوصها القطعية، ؟ وهل اختلافي مع المفكرين الإسلاميين وفقهاء الأمة من الاختلاف المعتبر؟ ولماذا هذه الجفوة بيني وبين حملة العلم الشرعي والفكر الإسلامي المستنير وركوني لمن هم موضع الشبه؟ إن الكلمة مسؤولية، وهي دمار أو عمار، وحملتها ممن يسنون سنناً حسنة أو سيئة، وهم شركاء بالأجر أو بالوزر إلى يوم القيامة، وما قامت الملل والمذاهب والنحل والأحزاب والدول (الدكتاتورية) من (ماركسية) و(فاشية) و(نازية) إلا على اللسان والسنان ({وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَةُ}. والمؤسف أن كثيراً من الكتبة والمحاورين يطلقون الكلمات المدانة أو الاتهامات المعمَّمة، لايلقون لها بالاً، تهوي بسمعتهم، وتشكك في نواياهم، فيما يتقحم المشاهد مبتدئين بثقافة سمعية، لاتؤهلهم للقيادة الفكرية، ومع ذلك لايراجعون، ولايتراجعون، ولاينفكون من العناد، ومعول نكراتهم وأحداثهم أنهم لايلوون على مثمنات، ولايخشون استعداء الناس، وكأني بسراتهم وجهالهم يردد كل واحد منهم: - (أنا الغريق فما خوفي من البلل)، وطائفة منهم متمكنون في علمهم غير أنهم فهموا الاصلاح والتجديد على غير مراد الحق، فكان أن عولوا على حضارة الغرب لتنقذهم من التخلف. ولما أن كانت حركات الاصلاح الغربي قائمة على (العلمنة الشاملة) فإن البعض من هؤلاء لايجد حرجاً من مقاربة ذات التوجه، ولايخفي تذمره من نفاذ (التيار الديني) في كبريات المؤسسات، وليس من الكياسة أن نداهن هؤلاء، ولا أن ندعهم وشأنهم، ذلك أنهم معنا في السفينة، وخلخلة الوحدة الفكرية من أخطر الظواهر، وما نعايشه عبر وسائل الإعلام الصحفية والقنواتية ومراكز المعلومات وبعض المواقع نذير شؤم، فالمفكرون ومن دونهم يصطرعون حول الثوابت والمسلمات، وليس الخلاف فيما بينهم معتبراً.
وما أكثر السامريين المصرِّين على أن المناوئين لهم ما ضويون، وأكثر المصدقين لهم، ومتى أطلقوا (الماضوية) ظنوا أنهم حسموا الموقف لصالحهم، وما عرفوا أن أكثر الوقافين عند حدود الله أمضى منهم في التجديد، وهل من التجديد، ما يكتبه نكرات متعالمون، أومثقفون مستغربون؟ يتناولون فيه قضايا (المرأة) و(المناهج) وسائر الأوضاع بطريقة مؤذية، وكأن من حولنا من الدول العربية ممن أتاحوا للمرأة التبرج والاختلاط والخلوة ومزاحمة الرجال، وملأوا مشاهدنا بالمغنيات والممثلات والراقصات قد حققوا من وراء ذلك غزو الفضاء، وصناعة الإنسان، وسلاح الردع، وكانوا أعزة أغنياء، وأننا بالتزامنا ومحافظتنا تخلفنا عنهم، وفاتنا الركب.
ومع ما غمرنا من طفح القول ومشبوه الكلم فإنني لا أجد الوقت الكافي لقراءة كل ما يدور من دعوات مغثية، تثير الاشمئزاز ، وتبعث على الخوف. لقد زودني البعض بقصاصات وكتب، وزودني آخرون بنقاط مستوحاة مما ينقمون به على مثل هؤلاء. وإذا لم تكن تلك النقاط مبتسرة من سياقها فإنهم محقون في تذمرهم. وأحب في غمرة التمرد مناصحة من أتوسم فيهم الخير من شركائنا في مهنة الكتابة، وهي مهنة معتقة أو موبقة، وكلي ثقة برحابة صدورهم وثقتهم بأنفسهم، ومفاتحتي إياهم دافعها الحب لعقيدتي ولوطني وحرصي على سلامة المجتمع الذي أنتمي إليه، وأنعم بأمنه واستقراره وتلاحم أبنائه، وحبي للكتبة أنفسهم، امتثالاً لحديث (لايؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) وإذا كنت أحب لنفسي أن يستعملني الله في طاعته، وفي خدمة عباده، وأن أمتلك الشجاعة في محاسبة النفس، والقدرة على كف اللسان، وعدم قفو ما ليس لي به علم، وتحامي افتراء الكذب على الآخرين، وإذا كنت حريصاً على أن تظل الفتن نائمة، والأمة متلاحمة، ولو على المفضول، اقتداء بالرسول الرحيم، يوم فتح مكة، حيث لم يعد بناء الكعبة على قواعد ابراهيم، جمعاً للكلمة، وتفادياً للشقاق والتفرق، إذا كنت في ذلك كله كذلك. فإنني أحب لكل عالم أو مفكر أو كاتب أن يكون كما أريد. ولعل أصحابنا الذين يقترفون ما هم مقترفون من مخالفات لا تحتمل التأويل ولا التبرير على علم بأنني أحرص الناس على أن يأخذ كل مقتدر حيزه، وأنني أبعد الناس عن مصادرة الحقوق والإقصاء، ولست ممن تأسره المذهبية، ولا ممن لا يرى إلا واحدية الرأي، ولست حدياً صارم الحدية. وحين لا تجمعني بأحد منهم إلا اخوة الإسلام، ونعمّا هي من علاقة، إذا أخذناها بحقها، فإن من أولويات حقها أن أصدقهم القول، وأن أنصح لهم، وأرجو ألا يكونوا ممن لايحبون الناصحين. والصدق والنصيحة لا تتحققان إلا إذا كان كل واحد مرآة صافية، ينظر فيها الآخر ذاته المعنوية بكل ماهي عليه. وإذا بدت من أحدنا غلطة فمن حقه على كل متلق أن يبادر إلى إهدائها إليه، ورحم الله من أهدى عيوبنا إلينا، وكفى المرء نبلاً أن تعد معايبه. وكم أود من بعض أولئك الذين يخوضون في مصائر الأمة بغير علم، ويبغون حكم الجاهلية في قضايا المرأة والمناهج والاجتماع، أن يكونوا على علم بفقه الأحكام، وفقه الواقع، وفقه الأولويات، وأن يعرفوا قواعد المذاهب وأصولها وشروط الاجتهاد عندها، وحدود الحرية ومجالات الاختلاف، ومقاصد الشريعة، وسد الذرائع، ودرء المفاسد، والمحرم لذاته، والمحرم لغيره، ومدى حق السلطان في الحظر والإباحة والطاعة، ومقصد الأصوليين من مقولة (لا اجتهاد مع النص) ذلك أن جهل مثل هذه القاعدة بالذات أردت علماء وفقهاء ومفكرين، ف (النص) هنا: هو ما لايحتمل إلا دلالة واحدة، وليس المقصود به مطلق القول. وحين لايحتمل النص إلا دلالة واحدة، لايكون للاجتهاد فيه مكان. وكثير من المتعالمين: إما أن يخوضوا في كل نص، أو يحجموا عن الخوض في كل نص، ولايفرقون بين القطعي والاحتمالي، محققين معجزة من معجزات الرسول الغيبية في (رفع العلم) في آخر الزمان، وذلك ما تعانيه كافة المشاهد في راهنها. فلقد شارفنا على نزع العلم الشرعي أو كدنا، وعلى نزع الورع والحياء أو كدنا. وأين المتسرعون اليوم من (أبي بكر الصديق) الذي سئل عن (الأب) في قوله تعالى {وَفَاكِهَةً وَأَبًّا} فقال: أي أرض تقلني، وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله بغير علم؟ وأين هم من (الفاروق) الذي يجمع الصحابة عندما تنتاب الأمة نازلة؟ ويطلب من رواة الأحاديث من يشهد لهم، بل أين هم من (لا أدري) وهي نصف العلم، ومن قالها فقد أفتى. لقد سمعنا أغيلمة أحداثاً يتشامخون، ويتعملقون، ويقولون بكل جرأة في قضايا الأمة: الفكرية والدينية والسياسية والاجتماعية. وارتيابنا من الاحتفاء بهم، وتمكينهم من وسائل الإعلام، مع ما هم عليه من ضحالة في التفكير وسوء في التعبير، ورأينا أشيمطين متصابين يوغلون في النيل من حراس الفضيلة، ويبسطون أيديهم لناشئة ليست على شيء من العلم، ولا على شيء من التجربة. وإذا قيل لهم: اتقوا الله، وقولوا قولاً سديداً. قال قائلهم: -نحن رجال وهم رجال، وقال آخرون: -إن ما نقوله من حرية الرأي والتعبير المكفولة لكل إنسان. وحسبك من هؤلاء ما تشاهده من قتل للأبرياء، وهدم للمتلكات، وإخلال في الأمن وخلل في الفكر، وتمردعلى السلطة، وخوض جريء في آيات الله. ولو أنهم لم يؤلهوا الهوى، ولم تعجبهم آراؤهم، ولم يتزببوا في زمن الحصرمة، ولو أنهم عرفوا قدر أنفسهم، لكانوا قد سألوا أهل الذكر، وردوا خلافهم إلى الله والرسول وأولي الأمر منهم. وإذ تكون حجتهم في التغيير ضعف الأمة وتخلفها، تكون حجتنا ذات حجتهم، ولكننا نختلف في الحل، فهم يودون اللحاق بحضارة الغرب والانسلاخ من حضارتهم، فيما نود فهم الإسلام ومقتضياته والانطلاق منه والرد إليه، بحيث يكون النور الذي نهتدي به موقداً من شجرة زيتونة لاشرقية ولاغربية.

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:27 PM

إلى الظلاميين في زمن الادعاء التنويري (2 2 )
د. حسن بن فهد الهويمل


وإذ مسنا الضر من تطرف الموغلين في الدين بغير رفق وبغير علم فإننا على وجل من المتطرفين في الفكر، الخارجين على رأي الجماعة، المستمرئين للنيل من كفاءات الأمة العلمية والفكرية، ومن القائلين في القضايا الفكرية والتربوية والاجتماعية دون تثبت، ودون تسليم للمرجعيات المعتمدة، وكيف يقبل عاقل رشيد الخوض في (قضايا المرأة) دون استصحاب الموقف الإسلامي، ودون تحفظ او استثناء في زمن نرى فيه تسليع المرأة واستغلال جمالها في الإعلام والتمثيل والدعاية والتجارة، وقبولها تلك النخاسة، واستمراء الرجل لذلك وما من عاقل رشيد غيور يقبل على محارمه أن يكن كاسيات عاريات مائلات مميلات، ولقد خصم الرسول صلى الله عليه وسلم الشاب الذي طلب منه ان يحل له الزنا، فكان أن سأله عما إذا كان يرضاه لأمه أو لأخته أو لزوجته أو ابنته.
وفي الوقت نفسه لن يمانع اي عاقل رشيد أن تأخذ المرأة وضعها الطبيعي في المجتمع، وأن تكون عضواً عاملاً، متى دعت الحاجة الى خروجها من المنزل. وحين يتحدث مدعو الإصلاح عن (حقوق المرأة) فعلى اية شاكلة يرونها وما التجربة المثلى التي يحيلون إليها؟
إن التجارب القائمة في سائر أنحاء العالم تقتضى المصير الى التحديد والتوصيف ووضع الضوابط، وهذا ما اختلف فيه مع الظلاميين، ولأنني لا اريد نسف الجسور، ولا تعطيل قنوات الاتصال بيني وبين أي محرض على التمرد والسفور والاختلاط وعلمنة المناهج فإنني أحاول أن اضع كل واحد أمام ضميره، ولن أقابل مجازفات اولئك بمجازفات مماثلة، تحيد بكل الأطراف عن جادة الصواب، وتؤدي الى المجاراة في المنهي عنه، ولن أبحث عن شواهد الإدانة، ولن أصعد الخلاف، فأنا طالب حق، ولست طالب انتصار، ومبدي نصح، ولست باحثاً عن إدانة، وكم أود أن يجري الله الحق على لسان من أخاصم. وإذ لا اقطع بضلال أحد، فإنني لا أريد لهذا البلد الذي قام على العقيدة السلفية الوسطية، الرادة عند الاختلاف الى الله والرسول ان تعصف به الأهواء، ولا أن تؤول أموره وأحواله الى ما آلت إليه أحوال الدول التي شط أبناؤها في آرائهم ومواقفهم وتصرفاتهم، فكان ما نراه من تصدع في التلاحم، واختلال في الأمن، ونقص في كل وجوه الحياة، وما ذلك إلا بسبب صدام الأفكار، وتنازع السلطة والخروج على شرعة الله ومنهاجه. وما نقم مني البعض تصريحاً أو تلميحاً إلا لأنني ادعو الى أخذ الحذر من دعاة السوء، والتزود من المعارف قبل التصدي والتصدر، امتثالاً لأمر عمر: (تفقهوا قبل أن تسودوا) والرد عند الاختلاف الى الله والرسول وأولي الأمر.
فإذا قلت: إن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت، فليس معنى هذا انني اعارض التعليم والعمل ومشاركة المرأة بما هي أهل له، ثم إنني بهذا القول أرد الى الله، والله يقول: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى } فلماذا يحيل الناقمون القول عليّ، ولا يحيلونه الى مصارده. وإذا كان الوضع الطبيعي أن تقرّ المرأة في البيت، فإن الوضع الاضطراري ان تبرحه، وحين تكون المبارحة اضطراراً كان لابد من ضوابط، وليس من متقضيات القرار تحريم الخروج والعمل، ونساء الصحابة خرجن وعملن، والرسول عمل أجيراً عند (خديجة) والتحفظ الذي نقول به حملنا عليه ما آلت اليه أوضاع المرأة من تبذل وامتهان وإخلاء للبيت لتحلته امرأة اجنبية. وإذا قلت: إن عمل المرأة مشروط بشرطين (قيام الحاجة وعدم الاختلاط) فإنما أرد الى الله، والله يقول على لسان ابنتي شعيب: { لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} (23) سورة القصص فصدور الرعاة من الموارد خشية الاختلاط، وشيخوخة الأب لتأكيد قيام الحاجة لعمل المرأة، وإذا قلت: إن عمل المرأة خارج المنزل ضرورة تقدر بقدرها، فإنما أرد الى الله، والله يقول لآدم: { فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى} (117) سورة طه ولم يقل (فتشقيان)، لأن العمل الشاق من مسؤوليات الرجل. ولأن الرجل هو الكادح والمنفق فقد كفي الحمل والرضاعة، وحّمل القوامة والسعي في مناكب الأرض، فيما أعطيت المرأة ما لم يعط الرجل من الحنان والعطف والنعومة،وأعطي الرجل ما لم تعطه المرأة من القوة والخشونة الجسدية، فما عيبت امرأة في بكاء، وما حمد رجل عليه ولأن لكل من الرجل والمرأة خصائصه الجسمية والنفسية، وله مجاله الاختياري الملائم لخصائصه فإن القول بمطلق المساواة، أو القول بتوحيد المناهج قول مخالف للسنن الكونية التي رتبت عليها السنن الشرعية، وإذا قام الاختلاف العضوي والنفسي بين الرجل والمرأة فإنه يلزم من ذلك قيام الاختلاف في المهمات والاحتياجات، وإلا أصبح التنوع من العبث، ولأن الله رتب الكون على ثنائية الازدواج، فقد فضل احدهما على الآخر، ليجعل له سلطة التدبير المتخلية عن التسلط والاستبداد، ومن ثم كان جل الخطاب للمفضل، ولم يكن خطاباً ذكورياً كما يعتقد البعض، ومع ان الغرب أوغل في المساواة الا أن المرأة الغربية تظل دون الرجل في كثير من المسؤوليات بما فيها رئاسة الدولة، ذلك ان الطبيعة تغلب التطبع، فالمرأة الغربية لها مطلق الحرية في الفعل والترك والمشاركة، ومع هذا تظل مسبوقة بمسافات كبيرة من قبل الرجل، لا بقوة القانون، وإنما بتفاوت التكوين والمصير العفوي للطبيعة البشرية، والقائلون بغلبة الخطاب الذكوري العربي لا يفكرون بغلبة الرجل الغربي على المرأة مع غياب الخطاب الذكوري.
وحين أقول بمنع السفور والاختلاط فإنما ارد الى الله، والله يقول: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ} ويقول {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} وإيما امرأة خضعت أو اختلطت أو خلت أصبحت عرضة للريبة والطمع، ولنا في أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها موعظة، لقد تعرضت لخلوة اضطرارية، فكان (حديث الإفك)، وفي الأثر أن نفراً مروا برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يكلم ابنته، فقال: إنها فاطمة، ولما عجبوا قال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، أو كما في الأثر فأين نحن من (عائشة ومحمد وفاطمة)، ولما حصلت الخلوة بين (يوسف) عليه السلام وامرأة العزيز{غَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ } (23) سورة يوسف ولما كان حديث البعض من دعاة التفرنج عن المرأة يتجاوز المشروع كان لزاماً علينا أن نرد قولهم الى الله والرسول، وعليهم أن ترحب صدورهم إذا قلنا: هاتوا برهانكم ولا برهان إلا من آية أو حديث، نذعن لهما ونسلم، ونحن طلاب حق وبلادنا محكومة بالكتاب والسنة. وتجربة (المنتدى الاقتصادي) خير دليل على أن الناس بحاجة الى وزاع سلطاني، وأطر على الحق، وفي الأثر: أن الله ليزع بالسطان ما لا يزع بالقرآن. وحين لا نتناهى عن منكر فعله المتسرعون طالنا ما يطال اليهود الذين أخبر الباري عن عدم تناهيهم عن المنكرات، ومشروعية اشتراك المرأة في المنتديات والمؤتمرات لا يستدعي السفور ولا الاختلاط، وما أضاع الأمة وحرمها من سماحة الإسلام إلا الافراط في المنع او التفريط في الإباحة، ولو أن النسوة اللائي اشتركن في الملتقى عرفن ما لهن وما عليهن لكان أن تمتعن بحقهن المشروع الذي يوفر كل الحقوق ويمنع كل التعديات.
والذين يدعون فيما يكتبون أنهم مصلحون، وان المرأة محرومة من حقوقها المشروعة، ثم يسوقون شواهد من وقوعات أو من تعامل جائر مع المرأة يحيلون ذلك الى الكافة، والكافة منه براء، وعليهم حين يحكمون على جور أملته العادات أن يربطوا الأسباب بالمسببات، وان يقارعوا تلك الظواهر بما درج عليه سلف الأمة، فالمرأة لها مثل الذي عليها بالمعروف، واشكاليتنا في تحديد هذا المعروف، فهو واقع بين افراط المتشددين وتفريط المتسيبين، أقول قولي هذا وأنا اعرف حق المرأة في (العلم) و(العمل) و(التجارة) والخروج المنضبط، وانها نصف المجتمع، وشقيقة الرجل، وأن قوامة الرجل الشرعية لا تسلب حقاً، ولا تعطل قدرة، ولا تمنع من الاستجابة لخدمة المجتمع في المجال الذي لا تسده إلا المرأة، أو أن من الخير ألا تسده إلا المرأة، وتقرير ذلك كله لذوي الاختصاص والمسؤولية، فمثل ذلك النوازل، و(فقه النوازل) لابد له من اجتهاد جماعي ورؤية مؤسساتية، فحين لا يكون على المرأة (جهاد) ولا (نفقة) وحين تلزمها الشريعة الإسلامية بالمحرمية في السفر، فمن ذا الذي يقرر خروجها وجهادها وانفاقها وسفرها في حالات الضرورة؟
وحين تقتضي الحياة خروج المرأة من البيت للدراسة او للتجارة او للعمل، فمن ذا الذي يحدد ذلك ويرسم طريقه ومجالاته، أهل الذكر والحل والعقد أم المستغربون المتعلمنون؟
أقول ما تقرأون، ولي تجاربي التي تحميني من الاتهام بالشدة والإمعان في منع المرأة من حقوقها المشروعة، فأنا اب لاثنتي عشرة بنتاً هن عندي زينة الحياة وبهجتها، ثمان منهن جامعيات، واربع منهن عشن في أمريكا مع ازواجهن ودرس بعضهن هناك، وواحدة منهن اعطت محاضرات في الكمبيوتر في الجامعة، وهن زوجات موفقات، منهن العاملات، وأكثرهن ربات بيوت، عملن ثم فضلن التفرغ للزوج والأولاد وشؤون البيت بالطوع والاختيار والاستغناء، ولم ازل اشرف على ثلاث رسائل دكتوراه لثلاث طالبات، فهل سيكون موقفي من المرأة القائم على القرار في البيت والتزام الحجاب وتفادي الاختلاط والخلوة والتبرج سبباً في ضياعهن أو جهلهن او تعطيل نصف المجتمع، كما يحلو لدعاة السوء أن يقولوا عني؟
دعك من قضايا المرأة، وخذ بيدي الى قضايا (المناهج)، و(السياسة)، ولما كنت ابني بجدة (المناهج) تعلماً وتعليماً وممارسة منذ نصف قرن فإنني حقيق بالقول، ولا فخر، لقد درست في ثلاث جامعات عربية، وتخصصت في التربية وعلم النفس، ومارست التعليم على مدى خمسين سنة، وحاضرت في المناهج، وألفت في ذلك، وخبرت التعليم من الكتاتيب حتى الدراسات العليا، وأشرفت على رسائل الدكتوراه وناقشتها، ولم أزال اتقلب في التعليم منذ السادسة عشرة من عمري، ومع ذلك لم اسلم من الغمز واللمز والسخرية، وكأنني كهفي أبعث بورقي الى المدينة. وحين أقول: أن مناهجنا لا تصنع ارهاباً، ولا تكفر أعياناً، فإنني أقول: إنها في الغالب لا تخرج إلا كتبه، وانها لا تساير خطط التنمية، ولكنها مع هذا ليست سيئة بالقدر الذي يشيعه المستغربون والمتسرعون، ويكفي أنها خرجت الأطباء والمهندسين والعلماء، وعشرات الآلاف من المتخصصين في مختلف العلوم الإنسانية والعلمية، وربما كانت بلادنا من أكثر دول العالم في الابتعاث للدراسة الى الخارج، وما كان احدهم بدعاً في تربيته وتعليمه، وما كانت مناهجنا من قبل مثل جدل ولا استنكار ولا استغراب.
والذين عادوا متأثرين بالأفكار الغربية شكلوا طوائف (ليبرالية) و(فرانكوفونية) ان هم إلا سليل تلك المناهج التي تتهم من الداخل والخارج، ومع إصرارنا على التطوير فإننا نفرق بين الاتهام السافر والملاحظات المتزنة، وإذا لم نطور مناهجنا يوماً بعد يوم، ونأخذ من مناهج الغير أحسنها وأقدرها على مواكبة الحياة المعاصرة سبقنا العالم. وأسلمة المناهج لا تشكل عقبة في طريق الإصلاح ومواكبة الحياة، ومن فهم الأسلمة على غير ذلك ففهمه مرورد عليه، وعمليات التطوير شيء والاتهام والاستعداء شيء آخر، والذين يسايرون الأعداء في اتهام مناهجنا بالارهاب أو بالتكفير، ويحتمون بمراوغة اللغة، يجهلون او يتجاهلون (سبعين عاماً) من عمر التعليم، ويتجاهلون الملايين من مخرجاته ممن يختلطون مع مختلف الجنسيات والأديان، ويجوبون آفاق المعمورة، دون ان يمسوا أحداً بأذى، ولقد كان (الأمريكيون)، بالذات يذرعون فضاء أرضنا جيئة وذهاباً، منذ عهد الملك (عبدالعزيز) الأشد تمسكاً بالسلفية، ينقبون عن المعادن، لا يرافقهم إلا أعرابي طارت شهرته في الآفاق، ولهم اسهامهم في تعليم أبناء البلاد، مما هم بحاجة إليه في القطاعات العسكرية والتخصصات العلمية، كما أنهم يمارسون مختلف الأعمال في المستشفيات والمصانع والمؤسسات، وما قيل عن احدهم انه قتل غيلة، ولم تكتشف اللعبة، وهمت كل طائفة بأختها وصفيت الثارات، ولكيلا ترد الأحداث الى مصادرها فتتعرى اللعبة، وينفضح اللاعبون، حملت المناهج وزر غيرها، واستخدم طغام الظلاميين لترويج الفرية.
أما السياسة فلست ابن بجدتها، ولكنني قارئ نهم، بدأت قراءتها فيما كتب عن (لعبة الأمم)، وصدام المصالح، وصراع الحضارات، ودسائس الاستشراق، ومكر التبشير، ومكائد الاستعمارو وسير الزعماء ومذكراتهم، والاستخبارات ومغامراتها وقصص الثورات وعمالتها، ومتابعة الوثائق التي يفرج عنها كل حين وملفات القضايا المصيرية، وما تعانيه الشعوب من ويلات، وعايشت احداثاً مؤلمة من نكسات واحتلال وتطبيع ومواطآت وتراجعات مؤلمة، فتبين لي ان العالم العربي والإسلامي يعيش تحت وطأة لعبة سياسية كونية، أتت على مقدارته وأمنه، وأذهبت ريحه، ولما يزل يخرج من لعبة قذرة، ويدخل في أخرى، ومن تعاطى السياسة كما يتداولها الاكاديميون او كما تبثها وسائل الإعلام فقد يضر بمصالح أمته السياسية، فن الممكن، ولقد عايشها عقلاء مجربون، فخرجوا من مستنقعاتها، وهم يلعنون ساس ويسوس وما تصرف منها وعجبي من مفكرين وكتاب يظنون ان ما يقوله الإعلام الغربي حق لا مراء فيه، ومن ثم يرتبون أمورهم ومواقفهم على ما ينتهي إليهم منه وصدق الله {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (46) سورة الحج
وبعد: كل الذي أرجوه من اولئك الذين آذوا البلاد والعباد ان ينظروا في مسلماتهم، وان يتزودوا من العلم الشرعي، فهو مرجعية حضارتهم، وان يؤصلوا لمعارفهم، وان يمحصوا مواقفهم بالمراجعة والمحاسبة والمساءلة، وحين تلتبس عليهم الأمور، عليهم ألا يجدوا حرجاً في أن يسألوا أهل الذكر، فدواء العي السؤال، وفوق كل ذي علم عليم، وإذا كان بعض اولئك غاضباً على الذين يؤذونه بالاتصالات، ويسبونه من خلال المواقع المعلوماتية، ومن خلال الردود والرسائل فليعلم ان البادئ أظلم، ولو ترك القطا لنام، وما بعد البعد نقول: (انج سعد فقد هلك سعيد).

عباس محمود العقاد 24-11-2006 02:27 PM

أيها المستجيبون والممانعون عقلنوا خطابكم..!!
بقلم د. حسن بن فهد الهويمل


لم يعد الزمن مواتياً، بحيث يصدع كل امرىء بما يرى، ولم يكن الدين انتقاء، بحيث يؤمن الكسالى ببعض الكتاب، ويكفرون ببعض، ولمّا يكن أحدنا ك (ذي القرنين) الذي آتاه الله من كل شيء سبباً.. وأمام تعذر الصدع وفساد الإيمان الانتقائي، يتميز الصِّدِّيقون ممن يعبدون الله على حرف. ومع تداخل القطعيات بالاحتمالات فقد مضت سنة الله في خلقه على التفاوت في العقول والأفكار والاهتمامات والرغبات والقدرات: الحسية والمعنوية، ولما علم الله أن فينا ضعفاً خفف عنا. ومع كل ما سلف تبلى الأمة بالموغلين والمنبتّين والغلاة والبَرِمين من الاختلاف. وحين نُروض أنفسنا على مشروعية التفاوت والاختلاف في الأمور الاحتمالية، يكون حريَّاً بنا أن نفرق بين الاختلاف المثري والتنازع المصمي، وأن نتوخى جدال من يشاركنا المصير بالتي هي أحسن. والمتابع لما يدور في القنوات الفضائية، وما يقال في المؤتمرات والندوات والمجالس الخاصة يصاب بالإحباط. لا لأن الناس يختلفون، ولكن لأنهم في المواجهات يحيلون إلى سوء النوايا، وفساد المقاصد، وتزكية الذوات، وتخوين الآخرين، والإمعان في الشك والارتياب. وحين تفضي المناكفات والملاسنات إلى التجريح والاتهام تهمل القضايا، وتصبح المشاهد كحلبات المصارعة، لا ترى فيها إلا متلاكمين، يبحث كل واحد منهم عن الضربة القاضية.
ومتى أدى التناوش الكلامي إلى نبش الضغائن، يصبح الصمت من ذهب والحياد من فضة. والصمت والحياد مصائر اضطرار لا موارد اختيار، وسمات انهزام لا علامات انتصار، وليسا من الإسلام في شيء، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، كما أن الخائض في جدل لا تحكمه ضوابط يعد سفاهة وإسفافاً، وانزلاقاً في مهاوي الرذيلة. ومؤدى الإسلام: الاستسلام والانقياد والخلوص وعدم الخيرة من قضاء الله ورسوله. وحين يندر الإجماع لا يتعذر الاجتماع، إذ ليس شرطاً تلازم عدم الإجماع في الحكم مع عدم الاجتماع في الكلمة. ولنا في أئمة المذاهب قدوة، فهل نقم (أحمد) على (أبي حنيفة)؟ وهل سخر (الشافعي) من (مالك)؟. والخائضون في الشأن الإسلامي أو الوطني أو الفكري أو الاجتماعي أو الأدبي بغير علم ولا روية ولا تجربة يمسُّون مثمنات حسية ومعنوية تطال الشاهد والغائب. والشأن العام حق جماعي، الناس فيه شركاء، فالسكوت والقول إشكاليتان، متى لم يسعد النطق، ولم يجمل السكوت.
وإذا كانت طائفة من العلماء أو المتعالمين والفلاسفة أو المتفلسفين تتقحم سوح الجدل بعبارات نابية، واتهامات سافرة، ومعلومات ضحلة، وتأويلات بعيدة، فإن طوائف أخرى تتعمد التدابر والتباغض، دونما سبب يستدعي ذلك.
والاختلاف في الرأي المشروع لا يسوّغ القطيعة، مثلما أنه لا يسوّغ الوقيعة فالإسلام لا يتحقق إلا بالأخوة والمودة والرحمة بين المسلمين، ولهذا وصفهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالجسد الواحد والبنيان الذي يشد بعضه بعضاً. والتهاجر مناف للاعتصام بحبل الله، والتدابر مخالف لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم . وهجر العصاة والمبتدعين الذي يعول عليه البعض ليس على إطلاقه، فإذا ترتب على الهجر مفسدة أكبر من مفسدة المخالطة، أصبحت المخالطة مطلوبة، ذلك أن الأصوليين يقيمون أحكام الإسلام على التغليب، ويحكمون مواجهة المخالف بالأفضل، بحيث تكون باليد أو باللسان أو بالقلب، وممارسة الإنكار دون مراعاة مقتضى الحال مفسدة للحياة. والاختلاف في الآراء لا يحال على الابتداع، ولا على المجاهرة بالمعاصي، وإذا ندر إجماع الأمة، وجب عليها ملاطفة المخالف ولو في الفروع على الأقل.
وفي الوقت نفسه فإن على كلّ ذي رأي مخالف مراعاة مشاعر العامة، فالمجاهرة مدعاة للاستفزاز والاشمئزاز, وإذا اختلف الخاصة أو العامة مع غيرهم، وجب عليهم الإبقاء على جسور التواصل. فالمسلم مطالب بالدعوة والدفع دونما صلف أو إكراه، ونسف جسور التواصل يحول دون الإسماع وإبلاغ المأمن المأمور به في حق المشرك. وما كان بين الأطراف من عداوة فإنه يزول بالإجارة والأمان والدفع بالتي هي أحسن، وكل ذلك مطلب إسلامي، والمصير إلى التهاجر والتدابر من معمقات الفشل المنهي عنه.
والعداوة لا تكون إلا حين يكون سوء الظن بالمسلمين: خاصتهم وعامتهم وولاة أمرهم، وإلا حين يكون سوء التقدير والتدبير. ومواجهة المخالف بالحق عالماً كان أو سلطاناً واجبة، ولكنها لا تكون إلا وفق ضوابط وشروط وأساليب لا تعمق الخلاف. ولهذا حث الإسلام على السمع والطاعة، تفادياً لما هو أسوأ، فقد يكون هناك جور وأثرة أو تقصير أو إبطاء. ومواجهة ذلك كله مشروعة، ولكنها مشروطة. ولقد أخبر الصادق المصدوق بالمتغيرات، وبما ستؤول إليه حال الأمة (ومن يعش منكم فسيرى أختلافاً كثيراً). وأمام حتمية الاختلاف رسم طريق الخلاص. وحين لا يُحسن العامة أو الخاصة معالجة ذلك، يتحول الجور إلى عنف، والأثرة إلى استبداد، والإبطاء إلى تعطيل. وكم فوتت المعارضة الفجة فرصاً ثمينة. وفي كتاب (الإمارة) ل(الخلال) آيات صريحة وأحاديث فصيحة وأقوال محكمة لعلماء الأمة الذين يجمعون بين العلم والتجربة، ويمتازون بحسن التصرف وبعد النظر، ويغلّبون درء المفاسد على جلب المصالح، وكل هذه الآيات والأحاديث والأقوال تحث على الاجتماع والاعتصام والسمع والطاعة والمناصحة والصدق والأمانة والوفاء. وليس معنى هذا أن يُسلِّم الناس للظلم والاستبداد، ولكن عليهم أن يعالجوا الأمور وفق متطلبات المرحلة، وإذا كانت مرجعية الأمة (الكتاب والسنة) فإن الاختلاف حول المفاهيم والدلالات لا يقتضي الطعن في أمانات الناس ونواياهم. ومن اختلف مع غيره حول مفهوم آية أو حديث، لزمه سماع الرأي الآخر، واستقصاء حيثياته ومعرفة الأصول والقواعد والآليات والمناهج المعول عليها، وتفادي الوقوع في تأليه الهوى والإعجاب بالرأي، والمتابع لمعطيات الفكر السياسي الإسلامي يجده جماع الخير كله، فلا هو حفي بعنف الثوريين، ولا بمداهنة المتزلفين.
وكم يكون خيار التعاذر والتعايش أفضل من التلاوم والتدابر، وبخاصة في ظروف عصيبة كالمعاش على كل الصعد. ومما يخاف منه العقلاء تمادي الأطراف المتنازعة فيما تذهب إليه، دون السماع والإسماع في أجواء من الأمن، فالمخالف يصر على الحنث، والمناصح لا يتخول بالنصيحة، ولا يتوخى الوسطية، ومن ثم يصطدم إصرار الحانث بفظاظة الناصح وغلظته، ثم تكون الفتنة. وإذا كان الاختلاف سمة المجتمعين وفق أي رابط عقدي أو مدني أو إقليمي أو لغوي أو عرقي أو أسري فإن الأوجب اتخاذ الآلية الحضارية لتفادي التمادي في الغي أو الصدام في المواجهة. وإذا كانت المحاكم المدنية - القانونية أو الشرعية، تتولى فض المنازعات وفك الاشتباكات بين الدول والأفراد والجماعات عند اختلافهم حول الحقوق فإن قادة الفكر السياسي أحق بوضع الآليات المناسبة لمواجهة الاختلاف في وجهات النظر حول القضايا المشتركة، فالحق الجماعي أولى من الحقوق الفردية، وحين لا تكون آلية ولا منهج تدخل الأمة في الفوضوية، مستنزفة كل طاقاتها في سبيل الهوى والشيطان. وما من أمة إلا ولها دستور وقانون، يحكم الأول العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويحتكم الخصوم إلى الثاني لفض المنازعات. وأي تجمع يكون بعض أفراده فوق القانون يقع في الفتنة من حيث لا يشعر. والتجمع الحضاري لا يحكمه الرجال، وإنما تحكمه الأنظمة والمؤسسات، وما الرجال إلا منفذون ورعاة، ومع هذه المسلمات البدهية لا مناص من اختلاف وجهات النظر حول المفاهيم والإجراءات.
والاختلاف يكون بين العلماء حول الأحكام والمفاهيم والمقتضيات، ويكون بين الساسة حول المواقف والمصالح والقضايا، ويكون بين العامة والسلطة حول الأوضاع والإجراءات والحقوق والواجبات. وكل مجتمع بشري تتعدد فيه الفئات والرغبات والمسلمات يقوم بين فئاته اختلاف، فإذا بادره عقلاء الأمة وأهل الحل والعقد وجهوه الوجهة السليمة، وإن استحكمت الفوضى، وغلب السفهاء، فسدت الحياة واستشرت الفتن. وكل اختلاف لا يبادره حكماء القوم ينتقل من التلاسن إلى التطاحن، ومن إراقة الأحبار إلى سفك الدماء، ومن البحث عن الحق إلى البحث عن الانتصار:




وما الحرب إلا ما علمتم وذقتمو
وما هو عنها بالحديث المرجّم


وكل حرب دامية لا تكون إلا ناتج خلاف لا يبادره حكماء القوم، والنار من مستصغر الشرر، وكم قال الحكماء:



أرى خلل الرماد وميض نار
وأخشى أن يكون لها ضرام


وإذا كانت الأمة - أي أمة - تتوفر على أمن وارف، واستقامة راشدة، ورخاء عام، ثم لم تكن شاكرة لأنعم الله، مراعية لحقه، انقلب الأمن خوفاً، والاستقامة انحرافاً والرخاء فقراً. ومتى أصيبت الأمة بأمر جلل وجب عليها التفتيش في علاقتها مع بارئها أولاً. وتحصين حدود الأرض لا يكون إلا بعد تحصين حدود الله، فإذا كانت على مراد الله، وجب عليها أن تنظر في علاقاتها مع نفسها ومع غيرها.
لقد تعرضت الأمة العربية في تاريخها الحديث لمتغيرات سياسية وفكرية، كشفت عن رداءة في التصورات وأخطاء في الإجراءات. وليس أضر على الأمة من سيادة الخطابات الطارئة: خطابات (الثوريين) في مجال السياسة، وخطابات (الحداثويين) في مجال الفكر والأدب، وخطابات (المداهنين) و(المتعلمنين) و(الراديكاليين) و(الليبراليين) في مختلف المجالات، وخطابات (الإسلامويين) المتطرفين. والخطابات المتلاطمة في مشاهد الأمة مدانة بالوثائق والمصائر. فهل حال الأمة تسر، بحيث نتخذ من هذه الخطابات قدوة، لاستكمال المسيرة؟ مع أنها تعد الخطابات السائدة ؟
إن مواجهة السوائد والمسلمات الخاطئة بالخطابات المتشنجة المخوّنة المحرضة لا تختلف عن خطابات التزكية والتصنيم والتكريس والتبرير، وليست السكونية الاستسلامية بأحسن حالاً من المغامرة غير المحسوبة، وما أضر بالأمة إلا المغامرون الذين يصرون على القفز، مع إمكان المعالجة المرحلية، وإلا السكونيون الذين يبطئون، ويفوتون الفرص.
ف (الثوريون) اختلقوا الاختلاف مع السلطات الشرعية، وحين أسقطوها تحولوا إلى وحوش ضارية، وتحولت لغة الحوار عندهم إلى لغة السلاح، فكان أن أثخنوا في أوطانهم، وحولوها إلى زنزانات خانقة ومقابر جماعية، و(الحداثويون) اختلفوا مع ثوابت الحضارة، وحين همشوها، تحولوا إلى هدامين ودعاة سوء في الأفكار والأخلاق، (والتنويريون) اختلفوا مع الماضويين، وحين تهيأت لهم الأسباب طافوا بقومهم على سقط الحضارات، و(الإسلامويون) الذين اتخذوا الإسلام غطاء لأطماعهم، جعلوا العنف سبيلاً لتحقيق مآربهم، فكان أن أتاحوا الفرصة لأعداء الإسلام لجعله مصدراً للإرهاب. وحين ننقم على نوابت السوء، لا نزكي مناقضها، ولا ندعو إلى رفض الإصلاح والتجديد، وإنما نود أن يكون المصلح والمجدد عوناً للأمة على تجاوز المنعطفات الخطيرة، بحيث يتخول المصلحون والمجددون الرأفة والرحمة والحلم والأناة والرد إلى مصادر الحضارة ومنجزات علماء الأمة المشهود لهم بالعلم والصلاح والصدق والأمانة.
ومن تصور أن ما نقول من باب التهويل أو التخذيل فلينظر إلى ظواهر الحياة ومصائر الأحوال، ثم ليكن حكماً عدلاً، يزن الأمور، ويربط الشاهد بالغائب، وإذ نقطع بحتمية الاختلاف وضرورة الإصلاح، ولا نجد أي مبرر لإبقاء الأمور على ما هي عليه فإننا نود أن ننظر في الآليات والمناهج والإمكانيات والأرضيات والأوضاع وأحوال الأمم المؤثرة في مصائر العالم، وأن نسبق ذلك كله بالإعداد الحسي والتهيئة النفسية والأخلاقية، فالذين فتحوا عيونهم على أوضاع ونشِّئوا عليها، لا يمكن قسرهم وتحويلهم بين عشية وضحاها، فالسوائد والمسلمات أقوى من الطوارىء، ولنا في قصص الأنبياء أسوة {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ} فعقدة (الأبوية) ماضية في الأمم، ولا يقدر على تحولها إلا العقلاء الذين يقدمون بين يدي ممارساتهم ما يطمئن الذين اعتادوا على أوضاع يظنون أنها الأفضل. ومن عايش أوضاع من حوله، واكتوى بمصائرها، تمنى الإبقاء على المفضول خوفاً من ذهاب الفاضل والمفضول معاً.


الساعة الآن +4: 01:57 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.