مُؤلِمٌ أن يُسَلِّمَ الإنسَانُ عَقلَهُ وَدينَهُ لِهَواهـُ وَنَفسِهِ ، لأنَّ النَّفسَ أمَّارَةٌ بالسوءِ إلا مَا رَحِمَ ربيَ ، والحَقُّ لا يتبَعُ النَّفسَ ومَا تُريدُ بَلْ هو استِسلامٌ وانقِيَادٌ لِمَا أَمرَ اللهُ بِهِ وَرَسولَهُ وَمنْ تَبِعِهم واقتَفى أثَرَهم .
واللهُ سُبحَانَهُ وَتَعالى قَال : { وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ }

ثُمَّ إنَّ بَعَضَ النُّفوسِ واللهُ المُستَعانُ قَدْ أعمَتَها الحُريَّةُ المَزعومَةُ المُزَيَّفَةُ التي صَنعَهَا الغَربُ لَيُلبِسَها أقوَامٌ مِنَّا ومَنْ دينَنا ، لِتَكونَ الحُرِّيَةُ المَزعومَةُ الزَّائِفَةُ أدَاةُ هَدمٍ ، لمَا تَأمرُ بِهِ الشَّريعَةُ الإسَلاميَّةُ الطَّاهِرَة ، وتَكونُ الفَضيلَةُ النَّقيَّةُ مُغَرَّبَة ، والتَّحَفظُ والإستِقَامَةُ والإلتِزَامُ تَخَلُّفٌ وَرَجعيَّةٌ ، كُلُّ هَذا تَحتَ مُسَمَّى الحُريَّة .

ثُمَّ إنَّا رَأينَا الحُريَّةَ مَركَبٌ يَطفوا في مُستَنقَعاتِ الفَسَادِ والرَّذيلَةِ والمُنَادَاةُ بالمُسَاواةِ المَزعومَةِ ، مُتَجَاهلينَ بِذَلِكَ شَرعَ اللهِ وَحُدودِهِ الذيْ وَضَعَ الحواجِزَ والحدود .

وَكَمْ مِنْ مَرَّةٍ رَأينَا المُنَادينَ بالحُرِّيَّةُ ، دَعوَةٌ سَاقِطَةٌ ، في ظَاهِرِهَا الرَّحمَةُ ، ومن بَاطِنَها العَذاب ، وَأصبَحتِ الحُرِّيَّةُ والمُسَاواةُ والدِّيمُقرَاطيَّةُ ، قِنَاعَاً يَرتَديهِ أعدَاءُ الإسلامِ سَواءَاً مِنْ أهلِهِ أو غَيرِهم .

آخِرُهَا يَخرُجُ النِّدَاءُ مِنْ أهلِ هَذهـِ الأفوَاهـِ مُنَادينَ بالعَدلِ والمُسَاواةِ والتَّسَامح بَينَ الأديَانِ والدَّعوةِ لِفتحِ الكَنَائِسَ في بِلادِ الحَرمينِ ، ولا كَأنَّ مُحَمَّدٌ بن عَبدِ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قَال : ( أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ) ، وَلم يَكتَفوا بِذَلِكَ بَلْ نَادوا بِأن تَكونَ مَكَّةُ لِجَميعِ الأديَانِ واللهُ عَزَّ وَجَلَّ قَال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } .

ثُمَّ يَسوقونَ أعذَارَهم الوَاهيَةُ وَحُجَجهم الضَّعيفَةَ قَائِلينَ : [ لا يوجد نصًا شرعيًّا يمنع من إقامة كنيسة أو معبد لأية ديانة ] .

ولا كَأنَّ النَّبيُ صلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ سَعى جَاهِدَاً مُحَطِّمَاً الأصنَامَ ومَنْ قَبَلهُ مِنْ الأنبيَاء ، وَكمَا وَرَدَ عنهُ صَلى اللهُ عَليهِ وَسَلَّم قَال : ( إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ) ، و لا كُلُّ مَا نُمَارِسُه في حَيَاتُنَا وَقَفَ عَلى نُصوصٍ شَرعيَّة .
ثُمَّ يُحاولونَ إثَارَةَ الفِتَنَةِ تَحتَ غِطَاءِ الحُرِّيَّةُ المَزعومَة ، في إثَارَةِ مَذهَبٍ عَلى آخر ، مَعْ أنَّ الجَزيرَةَ العَرَبيَّةَ غَالِبُهَا إن لَمْ تَكُن كُلَّها على مَذهَبٍ وَأحِدٍ .

ثُمَّ يُلبِسونَ أنفُسهم مَلبِسَ النَّبوةَ تَحتَ تَسميتِهِ فِكرِيَّاً لا دينيَّاً ، حَتى النَّبوةُ لَم تَسلَمْ مِنهم ، وَجعلوا أهلَ الفِكَرَ العِلمَانيَّ المُنحَلَّ [ أنبيَاءَ العَصر ] ، والنَّبيُ صَلى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فضلت على الأنبياء بست ، أعطيت ‏جوامع الكلم ، ونصرت بالرعب ، وأحلت لي الغنائم ، وجعلت لي الأرض طهوراً ‏ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة ، وختم بي النبييون " ‏فَلم يَقُل عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ختم بي النبيونَ دينيَّاً !!

فمن ادعى النبوة فهو كافر مكذب لله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وفي مسند الإمام أحمد قَالَ عليهِ الصَّلاة والسَّلام [ في أمتي كذابون ودجالون سبعة وعشرون، منهم: أربع نسوة، ‏وإني خاتم النبيين لا نبي بعدي ] .

أمَّا الحُقوقُ التي يُطالبونَ بِهَا فَقد أوجَدتَهَا الشَّريعَةُ الإسلاميَّةُ الطَّاهِرَة النَّقيَّة ، وَليسوا أعلمَ مِنَ اللهِ بِشَرعِهِ سُبحَانَهُ وَتَعالى .

وَعجَبي لِقومٍ يُحَاولوا الالتِصَاقَ بالحُكومَةِ التي يُحَارِبونَهَا ، فَتَارةً تجِدهم يُصوبونَ سَهامهم تِجَاهها وَتِجَاهـ سِياسَتِهَا التي قَامت عَلى شَرعِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسولهِ ، وَتَارَةً تَجِدهم يَمدَحونَ وَيُمَجِّدونَ وَطنيَّتهم الزَّائِفَة ، وَلا عَلِموا أنَّ الوَطنَ الذي يَحوي بأحضَانِهِ شَرعَ اللهِ وَرسولِهِ وَمنْ سَارَ على نَهجِهم ، لَيسوا بِحَاجةٍ لهم ولا لِحُرِّيتِهم المَزعومَة ، فَحُرِّيتُهم قَدْ تَعلموهَا مِنْ دينَهم الذي ارتَضَاهــ اللهُ لَهم ، وحدودَهم التي فَرضَهَا اللهُ عليهم ، وَلِسَانُ حَالِهم مَا قَالهُ اللهُ عزَّ وَجلَّ عنهم : { إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } .

وَقَالَ سُبحَانَه : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا } ، فَليسَ الأمرُ بَحثَاً عن حُرِّيَّةٍ نَفسيَّةٍ شَهوانيَّةٍ زَائِفة ، بَل هو اتِّبَاعٌ وَتسَليمٌ حتى يَلقوا الله عَزَّ وَجلَّ ولم يُبدِّلوا تَبديلاً .