بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   ســاحـة مــفــتــوحـــة (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   وقفة مع آية كريمة حول الصلاة .. (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=277594)

أبو سليمان الحامد 24-08-2011 04:30 PM

وقفة مع آية كريمة حول الصلاة ..
 




قال تعالى : {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } (59) سورة مريم
وقفت مليّا عند هذه الكريمة , فرأيت عجباً في المعنى قل من ينتبه له , وذلك من خلال ما يلي :
أولاً : معنى ( إضاعة الصلاة ) هنا , اختلف المفسرون هنا , فبعضهم أشار إلى الترك بالكلية وهو قول ابن جرير الطبري , ومروي عن الشافعي وأحمد , وآخرون أشاروا إلى تأخير الصلاة عن وقتها وهو قول عمر بن عبد العزيز وغيره . [ تفسير ابن كثير : 3/172 ]
وهذا الخلاف من خلاف التنوع وليس خلاف التضاد , لأن إضاعة الصلاة يشمل تركها بالكلية , ويشمل تأخيرها عن وقتها , فاللفظ عام , ولا تضارب بين القولين .
وكلا الأمرين مصيبة عظيمة , فالترك من أكبر الكبائر , وهو كفرٌ عند جماهير من أهل العلم , وتأخيرها عن وقتها بلا عذر أيضاً كبيرة من كبائر الذنوب كما قال تعالى : {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ , الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ } سورة الماعون , فهو تأخيرها عن وقتها كما هو رأي مسروقٌ وغيرِه [ تفسير ابن كثير : 4/719 ] .
ثانياً : قوله تعالى : " واتبعوا الشهوات " المراد هنا عموم الشهوات دون حصرها بنوع معين كما نص على ذلك ابن عطية [ المحرر الوجيز : 6/46 ] .
فكل ترك الصلاة لأجل شهوة من الشهوات فهو داخل في هذا المعنى , لأن ( ال ) في الشهوات : للجنس , فيعم جميع الشهوات .
ثالثاً : لنتأمل قليلا الربط بين ترك فريضة وهي الصلاة , وبين اتباع الهوى وهو الشهوة فنعلمَ العلاقة الوثيقة بين مضيعي الصلوات واتباعهم لشهواتهم باختلاف أنواعها , فلا تكاد تجد تاركا للصلاة أو مضيعا لوقتها إلا لأنه قد اتبع شهوة معينة , إما شهوة النوم , أو شهوة البطن , أو شهوة الفرج , أو شهوة الكسل , أو شهوة السفر , أو شهوة اللعب , أو شهوة الصداقة أو غيرها من الشهوات .
ولذلك لا تجد غالبا من يتهاون في الصلاة إلا لانشغاله بشهوة من الشهوات , سواء أكانت الشهوة مباحة أم محرمة , وهذه المباحة ستكون حراما إن كانت سببا لإضاعة ركن من أركان الإسلام , لأن ما أدى إلى مُحَرّم فهو مُحرّم .
وعليه فإن من يتأخر عن صلاة المغرب تأخراً كبيرا في رمضان بحجة انشغاله بشهوة بطنه حال الإفطار , فهو على خطر عظيم .
ومن يتعمد تأخير صلاة الظهر إلى العصر ويجمع الصلاتين بحجة النوم فهو أيضا على خطر جسيم , والأدهى من ذلك حينما يكون صائماً !!
ولهذا ربط الله تعالى بين إقامة الصلاة وترك الشهوات والفواحش بقوله سبحانه : {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (45) سورة العنكبوت
فالصلاة والشهوات ضدان لا يجتمعان بوقت واحد , فإن كانت الشهوات محرمة فهما لا يجتمعان في قلب مؤمن راسخ الإيمان .
ولهذا لا تجد شخصا محافظا على الصلاة إلا وقد هُديَ إلى صراط مستقيم , قال مسروق رحمه الله : " لا يحافظ أحدٌ على الصلوات الخمس فيكتبَ من الغافلين " .

رابعاً : التعبير بقوله ( أضاعوا ) تعبير عظيم وعجيب يمثل الحالة النفسية لتاركي الصلاة أو المتهاونين بها , فالغالب أن مَنْ أضاعَ شيئا فإنه يعيش حالة القلق بحثا عن هذا الضائع حتى يجده , وهذا يمثل الحالة الكئيبة لمن أضاعوا الصلاة حيث التعاسة النفسية , والقلق الفكري , والشرود الذهني , ولا يظلم ربك أحدا .
ولهذا ارتبط أداء الصلاة بالسعادة والطمأنينة كما قال تعالى : {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (132) سورة طـه
وقال تعالى : " {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28) سورة الرعد , وأي ذكر أعظم من الصلاة ؟؟
خامساً : قوله تعالى : فسوف يلقون غياً , قيل الغي هنا بمعنى الخسران والبوار وهو اسم جامع لمعاني الشر , وقيل المراد به : وادٍ في جهنم بعيد القعر , ولعل الأول أظهر لعمومه في المعنى كما قال تعالى : " { وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً } (146) سورة الأعراف , وقال سبحانه : {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لاَ يُقْصِرُونَ} (202) سورة الأعراف , فالغيُّ هنا ضد الرشاد , والقرآن يفسر بعضه بعضاً .
ثم لنلحظ الصورة التالية : شخص أضاع الصلاة ولم يدرِ أين وضعَها ؟ اتباعاً لداعي الشهوة الذي تسبب في ضياع شيء ثمين وهو الصلاة , فماذا وجد حينئذ ؟
لقد وجدَ أمامه خُسرانا وضلالا وغياً يبوء به إلى يوم الدين إلا أن يتغمده الله برحمة منه فيمن عليه بالتوبة , ولهذا قال سبحانه بعد هذه الآية : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (60) سورة مريم .
فتأملوا معي هذه المعاني العظيمة بارك الله فيكم لتروا كم نحن غافلون عن مثلها .
والله تعالى أعلم .

أخوكم : علي الحامد ( أبو سليمان ) .
24/9/1432

ملحوظة : أسمح بنقلها للفائدة بشرط ذكر المصدر .



حبق 24-08-2011 06:03 PM

جزاك الله خير

غيث السماء 24-08-2011 06:51 PM

وفقكم الله ...
الموضوع في غاية الأهمية ...
ربي اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ...

ولا نذكر يوما أصبنا بهم أو غما ثم صلينا إلا تلاشى كل شيء
وكأن سحائب الهم قد محيت ...
وأرى نشره حتى في الايملات والوسائل الحديثه
بارك الله فيكم ...

أبو سليمان الحامد 24-08-2011 10:54 PM

شكرا لكما , وبارك الله فيكما .

الحياة مدرسة 25-08-2011 02:41 AM



كبير المحايدين
هذا ما عهدناك عليك ....لا تأتي إلا بالمفيد

جعلنا الله وإياكم من مقيمي الصلاة
والذين قال فيهم :{والذين هم على صلاتهم يحافظون * أولئك في جنّات مكرمون}













حربي عابر دربي 25-08-2011 06:08 AM

( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء )


جزاك الله خير يا ابوسليمان

الله لا يحرمك الاجر والمثوبة وان يجعل ما كتبت حجةً لك لا عليك

واسال الله ان يصلح لك نيتك وذريتك

والله يوفقك

فريد الزمان 25-08-2011 08:20 AM

جزاك الله خيرا ياعم .. هذا ماعهدناك باذلا للخير في شتى سبله وتعدد طرقه...

فريد الزمان 25-08-2011 08:21 AM

نسيت أقول (يشرفني أن يكون أول رد لي على موضوعك)

قباصة من القباصات 25-08-2011 02:40 PM

استفدت كثيراً
جزاكم الله خيرا ونفع بعلمكم

ام ركوني 25-08-2011 02:58 PM

جزيت خير آ وزوجت حورآ
في الجنه وليس في الدنيا

أبو سليمان الحامد 26-08-2011 06:48 AM


بارك الله فيكم جميعا

وجعل الجنة مثواكم .

شكرا لكم .

بنت كفو 26-08-2011 06:53 AM

اللهم تب علينا وتجاوز عنا ،
بارك الله فيك ،
موضوعك رائع ،
الف شكر .

مالكة الهم 26-08-2011 10:30 AM

جزاك الله خير

عمر بريدة 26-08-2011 11:33 PM

جزاكم الله خير الله المستعان

أبو سليمان الحامد 27-08-2011 03:15 PM

شكرا لكم إخوتي في الله على إطلالتكم , وبارك الله فيكم .

إضافة :

ثم لنلحظ الصورة التالية : شخص أضاع الصلاة ولم يدرِ أين وضعَها ؟ اتباعاً لداعي الشهوة الذي تسبب في ضياع شيء ثمين وهو الصلاة , فماذا وجد حينئذ ؟
لقد وجدَ أمامه خُسرانا وضلالا وغياً يبوء به إلى يوم الدين إلا أن يتغمده الله برحمة منه فيمن عليه بالتوبة , ولهذا قال سبحانه بعد هذه الآية : {إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا} (60) سورة مريم .
وفي مقابل هذه الصورة لمضيعي الصلاة نجد في القرآن صورة أخرى للمؤمنين الذين حافظوا على الصلوات , حيث ضبطوا شهواتهم وفق الشرع , واجتهدوا في المحافظة على الصلوات فنالوا بذلك الفلاح في الدنيا والآخرة .
قال تعالى : {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ , الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ , إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ , فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ , وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} .
فهؤلاء المؤمنون جمعوا الحفاظَ على الصلوات وضبطَ الشهوات , فنالوا الفلاح المنصوصُ عليه بأول آية .
ولهذا لم يأمرنا ربنا بأن نحافظ على شيء إلا على الصلاة , بقوله سبحانه : {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة .
فتأملوا معي هذه المعاني العظيمة بارك الله فيكم لتروا كم نحن غافلون عن مثلها .

هــمــس القــوافـــي 27-08-2011 10:02 PM

كلااااام في قمة الفااااائدة والله اني أستفدت الكـــثـــيــر فجزااك الله عنا خير الجزاااء

صمود 27-08-2011 10:35 PM

بارك الله فيك .... وجعل ماتكتبه في ميزانِ حسناتك ......

ألمس من خلال تتبعي لمواضيعك , أنك طالب علم وفقك الله في الدارين ,,
فلا تنسى موقع طلبة العلم ( ملتقى أهل الحديث )


الساعة الآن +4: 12:06 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.