هِمَّتُكَ عَاليَة ، وَطُموحُكَ وآمَالُكَ طَويلَةْ ، رُغمَ فَارِقُ السِّنين بَيني وَبينكَ بِالأعمَار ، غَيرَ أنيْ كُنتُ أتَلَذَّذُ بِحضُورِ مَجلِسِكَ مَعَ أَقَارِبيْ ، مَعْ أنيَ لَمْ أكُنْ أفقَهُ شَيئَاً ممَّا تَقولُ وَتُحَدِّثُ ، لأنيَ كُنتُ صَبيَّاً ، لا أُجيدُ سِوى مُزَاحَمَةِ مَجَالِسِ الكِبَارْ ، و لَمْ يَكُنْ طُموحُكَ في حِفظِ آيَاتٍ وَأذْكَارْ ، بَلْ وَأحَاديثٌ وَدُروسُ فقهٍ وَينَابيعٌ مِنْ العِلمِ وَأنهَارْ .

كَاَنتْ أُمي تَقول " لا تُفَارِقُهُ يَا بُني ، فَفي قَلبِهِ جِنَانٌ مِنْ العِلمِ ، وَزِمَامُ الدِّينْ " ، طَافَتْ السِّنينُ ، وَعبدُ اللهِ هُو عَبدُ الله ، ومَعَ هَذا كَانَ كَلامُهُ يَرُنُّ في أُذني كُلَّ لَحظَةٍ ، إمَّا في مَجلِسِ عِلمِهِ ، أو أسمَعُ أشرِطَتَهُ ، كُلُّ مُحَاضَرةٍ كَانَ يَقولُهَا كَأنَّهَا مَعانيَ جديدَةٍ ، كُلٌّ يَستطيعُ النُّطقَ بِمَا شَاءْ ، لَكنَّ لا كُلُّ القُلوبِ تَنبِعُ عِلمَاً عَذبَاً صَافيَاً زُلال .

أصبَحتُ شَابَّاً ، وَأخَذتني الدُّنيَا بَعيدَاً عَنه ، رُغمَ أنيَ سَمِعتُ أنَّهُ تَعَرََّضَ لِمِحَنٍ في حَيَاتِهِ في وَقتِ انقِطَاعي عَنه ، والمُؤمُنُ مُبتلى بِقَدرِ إيمَانِهِ ..
عُدتُ إلى بِلاديْ ، وَالحيَاةُ هيَ الحيَاة ، سِوى أجيَالٌ جَديدَة ، وَأقوامٌ آخرونَ نُزلاءَ للمَقبَرَة ، وَأفكَارٌ تَسَاقَطتْ وَتَهَالَكَتْ ، وَعُقولٌ أُخرىَ أثمَرَتْ وَأينَعَتْ ، وَنْفُسٌ دَخيلَةٌ على بِلادِنَا ، كُلُّ هَذا على مَسرَحِ المَديَنة .

صَخَبٌ يَدفَعُ الهُدُوء ، وَضَجيجٌ يُصَارِعُ السُّكون ، وَكُلُّ مَا بِالدُّنيَا دَنيءٌ يَهونْ ، كيفَ حَالُكَ يَا عَبدَ اللهِ مَعَ تَقَلُّباتِ الحَيَاة ؟!!

رَكَبَتْ أُميَ مَعيْ ذَاتَ يَومٍ ، فَدَفَعتُ بطَرفِ أصَابعي بِشَريطٍ لـ عَبدُ الله ، سَارَعَتْ أُميْ تَطلبُ إغلاقُه !!
مَا الأمرُ وَمَاذَا حَدَثْ ، هَذَا عَبدُ اللهِ ذَاكَ الذيْ كُنتِ تَدفَعينَنيْ إليهِ !!
قَالتْ : اللهُمَّ مُقَلِّبَ القُلوب ثَبِّت قُلوبَنَا عَلى طَاعَتِكْ .

يَا بُنيَّ طَريقُ الثَّبَات شَائِكْ ، وَمَنْ أعَطى نَفسَهُ أكثَرَ مِنْ حَقِّهَا أورَدَتهُ المَهَالِك .
مَا زِالَ الأمرُ بِالنَّسبَةِ لي غَامِض ، أعَبدُ اللهِ انتَكَسَ وَهَجرَ العِلمَ والمَواعِظْ ؟!
تَضَارَبتِ الأفكَارْ ، وَ أنَا والشَّيطَانْ تارَةً يَنتَصِرُ وَتَارَةً مِنْ حَظيَ الانْتِصَار !!

بَعدَ عَنَاءٍ ، سَمعْتُ مِنْهُ أشيَاءٍ يَشيبُ لَهَا الرَّأسُ ، مَا كَانَ يُجَرِّمُهُ وَيُدَنْدِنُ عَليهِ في السَّابِقِ هوَ اليومَ كَأنَّهُ أنقى الحَلالْ ، وَمَا كَانَ يَسيرُ عَليهِ في السَّابِقِ أصبَحَ يَسيرُ في اتِّجَاهـِهِ المُعَاكِسْ ، وَكأنَّهُ يُحَدِّثُ النَّاسَ بِمَا لا يَعْقِلْ .
بَعدَهَا سَحبْتُ نَفسيَ ، وَعلِمتُ مَا هوَ عَليهْ ، مَعْ أنَّ عبدُ اللهِ لَمْ يَتَغَيَّرَ في ظَاهِرِهـِ أيُّ شَيءٍ سِوى تِخفيفٌ لِشَعرَاتٍ تُزَيِّنُ وَجهَهُ .
وَلَمْ أخَفْ عَلى عَاقِلٍ مِمَّا يَقُولُهُ عَبدُ الله ، إنَّمَا خوفيْ عَلى الجُهَلاءَ مِنْ بَنيْ قَومي .

عَبدُ اللهِ .. رُغمَ أنَّ فَارِقَ العُمرِ بَينَنَا لَيسَ شَيئاً يَسيرَاً إلا أنَّ مَحبتي لَكَ تَدفَعُني بِكُلِّ سَجدةٍ لِرَبِّيْ أنْ أدعو اللهَ أنْ يَهديَكَ وَ يُثَبِّتك .
فـ مَاذاَ دَهَاكَ يَا عَبدَ الله ؟!!

دِينُ للهِ لا دِينٌ للبَشَرْ ، عَمَّ الخَيرُ أمِ الشَّرُ نَزَلْ
وَمَا زَالَ مِنْ اضْطِرَابَاتٌ هُنَا عَسى اللهُ أنْ يَحمينَا وَيَربِطَ على قُلوبِنَا

اللهُمَّ اهدِي ضَالَّ المُسلمينَ وَرُدَّنَا وَإيَّاهُم إليكَ رَدَّاً جَميلا

* بَعيـدٌ عَنْ حِزْبيَّاتِ الأقسَامِ
لِتَنْعَمَ السَّاحَةُ بِهدوءٍ وَسَكينَة

أخيرَاً .. فَمَا كَانَ مِنْ صَوابٍ فَمِنْ اللهِ وَمَا كَانَ مِنْ خَطَأ فَمِنْ نَفسي وَالشَّيطَان
عُذرَاً .. فَعُذرَاً .. ثُمَّ عُذرَاً عَلى الإطَالةِ وَرَكَاكَةِ الأسلوبِ
دُمتم بِحِفظِ الرَّحمنِ وَرِعَايَتِهِ

بروق الوسم /

رُغمَ أنَّ الحُروفَ مُؤلِمَةٌ والقَلبُ قَدْ أدمَتْهُ المَواجِعُ والجِرَاح
إلا أنَّهُ وَللأسَفِ أنَّ بَعْضَ النَّاسِ حينَمَا تَبكي عَلى حَالِهِ وَترجو لَهُ الخَيرَ
كَأنَّكَ تَطْلُبُهُ مِنْ مَالِهِ أو تَحسُدُهـُ على حَيَاتِهِ ، وَمَا كَلامُنَا واللهِ إلا رَأفَةً بِهم .

اللُّهم يَا مُقَلِّبَ القُلوبِ والأبصَارِ ثَبِّتْ قُلوبَنَا على دِينك .

شُكرَاً لَكَ أيُّهَا الحَبيب

عُذرَاً سَأقفِزُ بَعضَ الرُّدودِ وَأعودُ إنْ شَاءَ اللهَ إليهَا

اقتباس:

هل تقصد عبد الله السكيتي ..؟؟

كَتَبْتُ في البِدَايَةِ : " إمَّا في مَجلِسِ عِلمِهِ ، أو أسمَعُ أشرِطَتَهُ ، كُلُّ مُحَاضَرةٍ كَانَ يَقولُهَا كَأنَّهَا مَعانيَ جديدَةٍ "

لا أعتَقِدُ أنَّ السكيتي يَنطَبِقُ عَليهِ الكَلامُ ، فَليسَ بِصَاحِبِ مُحَاضَراتٍ ، كُلُّ مَا وَصَلَ إليهِ وَسَمِعْنَا عَنْهُ مِئذَنَةٌ أو إمَامَة .

لا تَنشَغِلوا بِمَنْ هُو بِقَدرِ مَا هوَ الهَدَفْ

دُمتم بِحِفْظِ الرَّحمنِ وَرِعَايَتِهِ