بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   ســاحـة مــفــتــوحـــة (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   عـابرٌ لايجيد البقاء .. رحمه الله (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=159518)

أبو زياد الصالح 12-07-2009 06:36 PM

عـابرٌ لايجيد البقاء .. رحمه الله
 



العابرون على الدنيا خِفَافا ,,
الراكعون الساجدون على فحيحِ الرمل ,,
الْمُسَبِّحُون المستغفرون على أطراف أناملهم البيضاء!
الصائمون وفي كفوفهم فتات الخبز إمساكًا وإفطارًا ,,

الدموع التي تتنزّى عن الهطول ,, تَكْبُرُ تَكْبُرُ حتى تتحوَّلَ لسكاكين حزن ومواويلَ وجع
لأن الفجيعة أكبر ,، لأن الجرح أكبر ,, لأن محمدًا أكبر ,,
ما كان عادِيًّا في موته ولا في حياته ولا في مولده,,
ما كان وفيًّا لدنياه ,, ولا ليُسْرَاه ,,, ولا لهواه ,,

هو رجل السَّحَرِ والهزيع ,, رجل السجاجيد الليلية ,, رجلٌ يتشقَّقُ الفجر فوق رأسه الحاسِرِ خشوعًا وإخباتًا,,
رجلٌ ما التوتْ يده أمام الفقراء,, ولا اتسختْ جيوبه بِعَفَنِ الدنيا ,, وما أقام صُلْبَهُ على غير التمرات ,,

ما اختار أن يكون رجلَ الوجاهات ,, ولا افتتاحياتِ الأعمدة ,, ولا الْمُتَصَدِّرَ ضخامةً على كراسي الدرجة الأولى ,,
يشق طريقه بخطا متسارعة، مابين بيته ومسجده، والْمُتَوَجِّعين على الأسِرَّةِ البيضاء ,,
ما فَقَدَهُ مريض,, ولا سألتْ عنه أرملة,, ولا طلبه مُعْسِرٌ ,, يسبق الفَقْدَ والسؤالَ والطلبَ ,,
يحضر قبل المصائب مُخَفِّفًا ,,وأثناءها مُصَبِّرًا ,, وبعدها مُذَكِّرًا ,,
رجل اللحظات الاستثنائية ,, يستنزف نَفْسَهُ من أجل أن يُعِيد ابتسامةَ طفلٍ وبراءَتَه ,,
قلب أخذت منه المصائب أشواقَهُ ,, طحنته.. عَجَنَتْهُ.. قلّبته ,,فما ظَفِرَتْ منه بغير ابتسامة رضا، ولسانٍ ما ردد غيرَ (حَسْبُنَا اللَّهُ ونِعْمَ الوكيل)

رجل المواعيد الدقيقة عند شواهد القُبُور ,, وفي الغُرَفِ الخلفية لمسجده التي ما أَخْلَفَهَا لأربعين عامًا ,,
رجل الاتكاء على محرابه أمام الثانين الرُّكَب يبنون معرفتَهُم داخل عمره ,, داخِلَ قلبه ,, داخل صَوْتِهِ المبحوح ,,
يرحلون ويبقى ,, يتوارثون الأمكنة، ويُعِيد الاتكاءَ في نفس المكان ,,
ما كان يحتاج لِمُكَبِّرَات الصوت.. فالمحاريب والسرايا والبطحاء اعتادتْ صوته ,,ألِفَتْه، أصبحت هي ذرات نحيبِه وبُكَائِهِ وصلاته ,,

الخميس ,, الجمعة.. كل الذين تماسكوا أمام هيبةِ الموت ,, سقطوا ,, انهاروا أمام ضريحٍ حَمَلَتْهُ ألوف القلوب ,,
ما كانوا يحتاجون لحمله أكثرَ من رجلٍ نحيلٍ يحمل هو الآخَرُ رجلًا نحيلًا ,,
حتى في الموت كنتَ تُظَلِّلُهم بجسدك الْمُسَجَّى من لهيب الشمس,, كنتَ مُتَخَفِّفًا من لوثات الدنيا وتَعَبِها ,, كنتَ أخفَّ أخفَّ من سواعدهم السمر ,,
ما حَمَلْتَ معك غير وجاهة حُبِّ الناس لك,, أُلْفَةِ الفقراءِ بين يديك ,, رائحةِ المصاحف الْمُعَتَّقَة بك ,,
ثمة أزمان لا تتوقف إلا لأناسٍ يعرفون معنى السَّحَر.. معنى التسابيح الليلية ,, مهابةَ النزول الإلهي ,,

الخميس ,, الجمعة ,,الـسـ ...
بكوا عليك كأطفالٍ ,,كيتامى ,, ولأن الدمع في المقابر له رائحةٌ مختلفة ,,له شكلٌ مختلف ,,له لونٌ آخر ,,
فقد وحَّدْتَ رائحة الرحيل في عيونهم، كعابر يُلَمْلِمُ لفافته من هذه الدنيا ويرحل ,,
بعدك ضاعتْ مفاتيح أرامل كنت وحدك مَنْ يعرفها ,,أُغْلِقَت أبواب فقراء كنتَ الوحيدَ الذي يَلِجُها ,,
وأنت ما أنت ,, يا أبا فهد ؟ بيادِرُ سنابل في وجه العواصف ,, في وجه الحزن والقهر ,, في وجْهِ من سَرَقُوك فَرَحَك وأشياءَك وحواصِلَكَ الثمينة ,,

37 عامًا وأنت تحمل ( آمين ) مألوفةً في سمعيك ,,
37 عاما والسجدة والإنسان والمزمل والمدثر تنثال من حُنْجُرَتِك حزينةً في مسامعهم ,,
37 عاما وتُرْبَةُ مسجدك تتزاحَمُ أيُّهَا يتعلق بجبينك ,,, ما كنتَ تزيل هذه التربة ,, وكأنك بها تتساوى مع أصْلِكَ الطاهر ,,,
37 عاما ما رأَتْ عيناك ظَهْرَ مُصَلٍّ ,, وما سبقك أحدٌ لتكبيرة الإحرام ,,
67 عاما والأعوام والأشهر تختارك ,, أردتَ أنتَ أنْ تُخَلِّدَ هذا العام وهذا الشهر برحيلك ,, فلْيُدَوِّنُوه على أيام الهجير ,, أيامِ البيض ,,
أنكَ مَرَرْتَ منها صائِمًا مُصَلِّيًا
67 عاما وأنت تسبق أحزانَك وأيامك لله ,, ما خَذَلَتْكَ قدم ,, ولا تلوَّثَتْ لك يد ,, وما اجتالَتْكَ الليالي السود لِتُؤَخِّرَك عن موعد اللقاء ,,
67 عاما وأنت تحمل أحزانك على كتفيك ,,كعابِرٍ لا يجيد البقاءَ ,, كعابِرٍ أتعبه حَمْلُ أحبابه للمقابر ,,
وكأنك يا أبا فهد تُوَدِعُ مع كل حبيب بَضْعَةً منك ,, حتى لم يبقَ منك غير نَفَسٍ وجسد، فاخترت اللَّحَاقَ بهم على حافة الكوثر ,,

(أنس) ابنك.. ابن الخمسة والعشرين يومًا وقتَ ضَمِّكَ له الضمة الأخيرة ,, بقي طريح رائحتك (ينغنغ) أمه، متى يرجع أبي!
(بلال) الصغير لبس نعليه علّه أن يُسمعك خشختهما في الجنة ,,
وبقية الصغار يتقاسَمُون أوقات الانتظار متى تعود ,,؟!!

أتساءل كيف سيمر رمضان والعيد على زَوْجَتَيْك ,,
كيف تستجمع ذاكرتُها (أم فهد) وهي تُخَضِّبُك بعطر الصلاة شابًّا وشيخًا,,
وكيف هي (أم سفيان) وهي تقاوم وجعها، وتُهَدْهِدُ حواصِلَ صغارها بذكراك ,,,
أي قلب يحتمل أسئلتهم التي لا تحتمل غيرَ وضْع كَفِّهَا على عينيها ,,

ثمة أناس لا يختارون الفجيعة العادية,,الرحيلَ العادي ,, الموتَ الذي ينزل هكذا بعد شيخوخة أو مرض ,,
لابد أن تستشهد المدينة غرقًا بدموعها على رحيلهم المفاجئ ,,
لسنابل الجنة ,, ارحلْ يا جميلُ ببياضك ,, ببسمتك ,, بِطُهْرِك ,, الحقْ بأحبابك ,,

ومن يعرف باب السماء ليلا ,, لن تنكره السماءُ وقْتَ الرحيل,,

على حافة قبرك لَمْ أبكِكَ ياحبيبي ,,
لأن (الحزن الكبير لا دموع له)

رحم الله الشيخ الزاهد محمد بن فهد الرشودي

ــــ
صالح الفوزان

المسفهل 12-07-2009 07:10 PM

.
.
.

أحرف باكية صادقة أشعلت بنا القشعريرة والدمع فلله درّك

رحم الله الشيخ [ محمد بن فهد ] والعزاء في سيرته العطرة ، والمحبة المزروعة في الصغير قبل الكبير ، والزهد والورع والطاعة التي عرفنا صدقها رغم إخفاءه لها .



[ ابو زياد الصالح ] كلما مرّ عليّ إسم الشيخ في رثاء أو إخبار كلما مرّ عليّ موضوعك الذي ناشدت به أولوا الأمر بإطلاق سراح الشيخ قبل أكثر من ثلاث سنوات :

http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=59192

.
.
.

تميـّـز



دعبل نجد 12-07-2009 07:12 PM


إنا لله وإنا إليه راجعون . . .

شكر الله لك ما خطته يمينك , وغفر الله لشيخنا . .

شهلول 12-07-2009 07:51 PM


*
*
*

أشكركـ أخي جزيل الشكر على هذه الحروف التي تتدفق وفاءً وعرفاناً
وكما قيل [ لا يعرف الفضل لأهل الفضل إلا ذووه ]

وإني أقترح على تلاميذه ومحبيه أن يدوّنوا سيرة هذا الفذ
محمد الفهد في مؤلف خاص فيه سيرته ومسيرته وعلمه
ومشايخه وتلاميذه وأقرانه وأعماله وصفاته التي اشتهربها

رحمه الله وغفرلنا وله ولوالدينا وللمسلمين,, آمين




,,
//
,,

بركات 12-07-2009 08:00 PM

لا أستطيع أمام هذه الأحرف إلا أن أقول : لا فض فوك .

رحم الله الشيخ وأسكنه فسيح جناته .

أرسلان 12-07-2009 09:07 PM

(سلامٌ عليكم أيُّها العلماءُ الأجلاّءُ في العلماء العاملين , وسلامٌ عليكم في عبادِهِ الصالحين , وسلامٌ عليكم في الذَّابين عن تراثهم إلى يوم الدين)

هذا أقل القليل في حقك أرحل ياشيخنا الغالي فوالله ماعهدناك إلا صادعا بالحق لاتخاف في الله
لومة لائم ..

ماعهدناك إلا ناصحا ومربيا ..

ماعهدناك إلا شيخا صادقا وعالما معلما ..

ماعهدناك إلا زاهدا لم تركض خلف دنيا دنيئة ..

اللهم اغفر له وتجاوز عنه يا أكرم الأكرمين

بوركت أخي كتبت فأبدعت وأجدت -حفظك ربي-

| يحيــى فقيـــه | 12-07-2009 09:29 PM



كتب الله أجرك . وغفر الله لك ذنبك .
ورحم الله الشيخ رحمة واسعة وجعل عمله زيادة له في الدرجات .
معجب بهذا القلم فلا تبخل به على محبيك .

صاحب سمو طبعي 13-07-2009 02:17 AM

صالح

والله

لقد الجمت اللسان
وادمعت العين
واخفقت القلب

سائل قلمك حبرا فاثمر ما اثمر

والله لا اجد ما اقول

فمن عرف الشيخ عرف فحوا ما تقول

فصبرا والله المستعان

اابوراكان 13-07-2009 08:46 AM

سلمت أناملك يابازياد
والله لم استطع إكمال المقال من البكاء
رحم الله شيخنا رحمة واسعه

لعمرك ما الرزيت فقد مالاً .......ولا شاة تموت ولابعيرُ

ولكن الرزيت فقـــد فـذاً.......... يموت لموته خلقً كثير

عبدالله الصالح 13-07-2009 09:24 AM

الصمت أبلغ من الكلام ..

لافض فوك .. ربّ سطر نثر خير من ألف بيت من الشعر ..

والشيخ رحمة الله عليه يستحق مثل ذلك وزيادة لوقوف لها .. ولكن!!

رحمة الله عليه وعلى والدي وجمعنا بهم في مستقر رحمته ...

كن بخير أيها الألمعي ..

اخو دريحم 13-07-2009 11:50 AM

جددت الموجع ابا زياد

ورحم الله الشيخ رحمة واسعة

نسيـــم الريـــــف 13-07-2009 01:49 PM



من رأى منكم الرفاق وقد حملو5 فوق الأعناق وحرارةُ الشمس لا تُطاق عرف سر ماكُتب في الأوراق,,,,

رحمة الله عليه وعلى والديه وجمعنا بهم في مستقر رحمته ...

طير غيمار 14-07-2009 09:26 AM

لله درك , ودر أبيك ..

صدق حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم : (إن من البيان لسحرا) .

وأي شيء يسحر الألباب إن لم تسحره تلك الكلمات , وأي فصاحة هنا إن لم تدعى فصاحتك ..

رحم الله شيخنا , وأسكنه فسيح جنانه , ورحمك الله أنت على هذا التأبين الخالد ..

فـعليك مني السلام أبا زياد ..

وأدام الله قلمك سيالاً ..

المربوع 14-07-2009 10:00 AM

والله ان العين لتدمع
وان القلب ليحزن
ولا نقول الا مايرضي ربنا
انا لله وانا اليه راجعون
وانا على فراقك ياشيخ لمحزونون


الساعة الآن +4: 08:11 AM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.