بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   صـوتــيـات و مـرئـيـات (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=35)
-   -   بديل الغناء الإسلامي // (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=200789)

الضَمَـادَا ® 18-04-2010 04:58 AM

بديل الغناء الإسلامي //
 

نشكر كل من أدلى بصوته,وألقى بأهازيجه في دياجير الهوى,وكل من أضحى يغرد بصوت شجي بأبيات يعزوها غزل عفيف ,ولفافيف ماضية لأغانٍ بائتة,وكل من أشغل المسارح الغنائية,والأسماع الطاربة بلهو إسلامي..عفوا بإنشاد إسلامي(مع تحفظي على ٌقران الإسلام بذلك).ثم لينقل تجربته أنها بديل عن الغناء والطرب والموسيقى والمزمار و...
أف ثم أف من بديل هش بهشاشة عظام بالية,ويندرج ضمن طائفة الرخويات,ومن ثم تتخلله صفات بريد الزنا والفاحشة.قد ينقد علي البعض هذه الغضبة,لكن من رأى مارأيت,وسمع ماسمعت (وقد يكون البعض له الدراية الأشفى مني في ذلك) سيتجيب صاحب اللب والعقل النجيب لدعوتي..ولقد ترددت في تدوين الموضوع بالبديل حيث أن هُناك من يجعل الإنشاد أصلاً لوجوده في حياة النبي-صلى الله عليه وسلم-كأصل في بعض المواطن لابديلاً,ولكن ما جعلني أجرؤ على تسميته في عصرنا ببديل الغناء الإسلامي مظاهر سيئة,وصور مقيتة لا تكاد تجزم أنها في دائرة المُباح فضلاً عن دائرة المكروه والمُحرم,وإن التعليل بأنها بديل عن الغناء من مُحبي هذا الفن رسم لدي أنه هوىً غرق فيه المحبون, وإن مما رأيته في واقع الإنشاد هذه الأيام..
1. تفشي استخدام المؤثرات,والهرمونات الصوتية,التي قد تغير الصوت لمثل الموسيقى
2. استخدام الأبيات التي لاعلاقة لها بمقام الشجاعة,والفائدة,ومن ثم بدأ إنشاد أبيات لا علاقة لها بشيء من ذلك.
3. عدم التورع من الرجال في استخدام الدف ,واستماعه وانتشار ذلك بكثرة.
4. إنشاد أبيات كانت قد غنيت من قبل فنانين ,وذلك بهدف بديل للتائبين والعائدين.
5. ولوج بوابة الإنشاد من بعض المردان,والشباب الهاوي للتغني بالقصيد مما أوقعوا كثيراً من الشباب والشابات في الفتن والتعلق والشهوات,لاسيما في المهرجانات,والشاشات الفضائية.
6. طغيان حب النشيد واستخدامه واستماعه على أي مسموع فائدي.
7. ظهور النشيد في (كليبات)شبيهة بالأغاني الفيديويةوكذلك انتشار المهرجانات الإنشادية ,والتي تشابه إلى حد مطابق احتفالات الغناء والمجون.
8. خروج النشيد أو الإنشاد عن مبتغاه الصحيح والذي يكون في التحفيز في بعض الأعمال الميدانية,والتي تحمل جهداً وعبئاً جسدياً ,أو المشاركة في أعمال خيرية,وبرامج تعاونية وذلك مثل الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم عند حفر الخندق,وكذا استخدامه في قطع الطريق,وغير ذلك.
9. الدخول بالنشيد من باب البديل المنافس للأغنية.وهب أن ذلك صحيحاً..مع ذلك أن النشيد سيخسر جولته إن لم يستخدم المعازف والمزامير.لأن التائب لايريد بديلاً رديئاً.
10. ومن المظاهر شهرة عدد من المنشدين,وأصبح تواجدهم كثيراً في استديوهات الغناء الفنية(بحجة إخراج النشيد بجودة معينة),بل قد انتشر بعض انتاجهم في قنوات الغناء,واستديوهاته.وانتشر تعلم المُقامات في تلكم المعاهد,وذلك جراء تتبع القوم,مع علمنا أن هناك من كبار القراء من غاص في علم المقامات دون زيارة واحدة لتلكم المعاهد.
11. كذلك التشابه إلى حد كبير من المنشدين والمستمعين للإنشاد بأضدادهم في الغناء,على سبيل المثال في طريقة (الموالات),والإتيان بالترجيع المصبغ بالنشوة الجنونية,وأحياناً وجود التصفيق والتصفير,وهز الأجساد أحياناً(لاسيما مع جودة لحن المنشد,وترجيعه مع محبيه).
12. الانشغال من قبل الجادين بها,والذي أصبحت اهتماماتهم بها مما أسقط بعض القيم لديهم,وإسفافهم في بعض الأمور جراء ذلك.
13. تواجد عدد من القنوات والتي تتبنى ذلك بشدة,وقد يكون روادها أكثر بكثير من رواد القنوات المحافظة.
14. ترويج الفتاوى التي تبيح استخدام الدُف للرجال,والرقص كذلك,ومن ثم العمل بتوسيع دائرة النشيد وإضافته للفن الإسلامي,وهنا دعنا نهب أن هذا الكلام صحيحاً ؟! فأين نحن من تأطير القضايا,وسد الذرائع,وفهم المقاصد.
15. وغير ذلك مما قد أنسيته,أو لم يظهر لي سوءه .

أقول بعد هذا العرض أن الإنشاد ليس بحرام ولا عيب إن وافق الشرع المطهر,وخلا من المحاذير المنافية للنصوص الشرعية والقيم الإسلامية ثم العادات المحافظة ,وأنقل هنا فتوى الشيخ ابن جبرين-رحمه الله-(المصدر-موقع الشيخ)حيث قال في إجابته عن حكم النشيد الإسلامي:" اعلم أن الشعر كلام فحسنه حسن وقبيحه قبيح، وهذه الأناشيد من الشعر فينظر إلى معانيه ومحتوياته، فإن كان فيه حماس وغيرة على الدين وذكر لمحاسن الإسلام وذم للكفر والمشركين وهجاء لأعداء الدين فإنه جائز، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت على هجاء المشركين، وأخبر أنه عليهم أشد من وقع النبل ولا يضر كونه ينشده موزونًا ومقطعًا بدون موسيقى، وأما إن احتوى على هجاء المسلمين، أو القدح في الدين، أو ذكر العورات والفواحش، أو مدح الفسقة، أو الدعاية إلى المُحرمات والمنكرات فهو حرام نثره ونظمه. والله أعلم. وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم"ا.هـ
إذا فهم ذلك فإنه لا بديل للغناء والطرب بشيء من صوره,هذا جهل مركب في فقه البديل,بل البديل يكن أكمل ,وأعظم ,وأوفى..قال عز من قائل:"ورتل القرآن ترتيلاً"

وكتبه
سعيد بن محمد آل ثابت
(يمنع وضع البريد الإلكتروني)

الرومي 20-04-2010 04:14 PM

اشكرك على الموضوع الذي يحكي واقع الانشاد الحالي جزاك الله خير وجعله الله في موازين حسناتك لأن الموضوع كامل والكامل وجه الله اشكرك مره اخرى

رونق 20-04-2010 05:42 PM

موضوع جميل جدا

وهذا هو الملاحظ حقيقة

أبوحســام 21-04-2010 02:02 PM

كلام رائع ومنطقي ماقصرت
بارك الله فيك

عبدالله الهبدان 21-04-2010 02:05 PM

وجهة نضر

وتحترم


مشكور

طموح انسان 22-04-2010 12:20 PM

شكراً يا أخي فقد أصبت الحقيقية
 
شكراً يا أخي فقد أصبت الحقيقية

ولكن أخلف بعض الشئ ....تنوع اللحن والكوبيات أمر ضروري , فيجب أن لانجعل النشيد محصور في جانب معين ( فالتنوع والتنويع مطلووووب هنا ) وأريد أن أؤكد مرة أخرى بأن اللحن ليس له علاقة بالنشيد ..كما أن النشيد ليس له لحن معين وثابت أي ( سلم موسيقي معين ) ..

فلا تربط اللحن بالغناء ...فإذا حاولنا حصر الأناشيد في موووضوع معين قد نصاب بالملل ...كأن نحصر النشيد في الشجاعة والنصر أو القوة والجبرووت ...لا ..يجب أن نتفائل في الحياة ..يجب أن نلملم مشاعرنا كي نتغنى بها ...فالحياة مشاعر إن لم تكن تعلم ذلك ...

أما من ناحية التسجيل في استديوهااااااااات المغنين فعاااااااادي جداً لأن الغرض المطلوب هو الحصول على دقة وجودة عالية ...جانب آخر يجب أن ننافس وبشدة الغناء بالنشيد كي نتغلب على هذا الفن الساقط كما يسمية البعض ...


شكراً لكم (( فتى الحجاز ))



شكراً سيدي ,,,




" وجهة (((( نـــظـــر )))) ونحترمها ركز ياعزيزي عبدالله الهبدان في الإملاء في كلمة ( نظر - وليس نضر ) ...

ناصرالكاتب 27-04-2010 02:52 AM

بسم الله الرحمن الرحيم


النشيد الراحل والغناء الحاضر
د. عبد العزيز بن محمد آل عبد اللطيف


قد لا يُستغرب أن يكون التصوف مورداً لغناء المجون والفجور؛ إذ قد شهد بذلك من عاينَ مجالس الصوفية، وتحلَّى بطرقها، كما اعترف زكي مبارك قائلاً:
«قد لاحظت أن مجالس الصوفية كانت تنقلب أحياناً إلى مجالس فنية، فهي مجالس تُعقد ظاهراً لذكر الله، والغرض منها الغناء..
وكانت مجالس الذكر مدرسة لتخريج المغنين.. فالصوفية تفرَّدوا بين رجال الدين بالتشيُّع للموسيقا والغناء، فأقبلوا على الغناء، وتفرَّدت الطريقة المولوية باستجازة العزف على الآلات الموسيقية على اختلاف أنواعها أثناء مجالس الذكر»[1].
ولا عجب أن الروافض يعوِّلون على تأجيج العواطف الرعناء وتحريك مشاعر البكاء والعويل؛ فدين القوم أكاذيب في المنقول، وحماقات في المعقول؛ فلا يمكن أن يروج الكذب والشطح إلا بامتطاء هذه العاطفة الهوجاء، والمشاعر العــــوجاء، والعـــارية من الدليل والبرهان.. وهذا ما أوصى به خامنئي شيعته - بمناسبة عاشوراء عام 1426هـ - قائلاً: «إن مجالس العزاء[2] مستمرة إلى يومنا هذا، ولا بد من أن تستمر إلى الأبد؛ لأجل استقطاب العواطف؛ فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق»[3]!
لكن العجب أن يضاهي أولئك ويسلك سبيلهم طوائف من متسننة هذا العصر؛ فما كان يُسمَّى إنشاداً - في الماضي القريب - قد أضحى غناءً ومجوناً.. فالترخُّص الـمُفْرِط في النشيد أفضى إلى الافتتان بالمؤثرات الصوتية، والولع بمعالجة الأصوات وَفْق تقنيات الحاسوب، والهيام بالآهات والترنُّمات..!
فهذا الركام المتتابع من الانفلات أوقع ولوغاً في غناء الفجور، وسماع المعازف، فانحدر بعض المنشدين إلى خمر النفوس ورقية الزنى والمجاهرة باستعمال ألحان وموسيقى المجون.. بل تفوَّه أحد المنحدرين بأن إظهار الموسيقى هو مقتضى الصراحة!
وهكذا البدع والانحرافات تبدأ شبراً، ثم تكون ذراعاً، ثم تصير باعاً، فأميالاً وفراسخ.. وكما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل»[4].
ومن المعلوم أن البقل ينبــت في الأرض شيــئاً فشيـئاً لا يحسّ الناس بنباته[5].
وهذه الأناشيد الموسيقية تحرِّك الشهوات الكامنة في النفس، وتثيرها تلك الأصوات والمعازف «فالنغمات المرتبة على النسب التلحينية هو المؤثر في الطباع فيهيجـها إلى ما يناسبها، وهي الحركات على اختلافها»[6].
فالأصوات الملحّنة تهيِّج وتحرِّك من كل قلب ما فيه من محبة مطلقة لا تختص بأهل الإيمان، «وكل إناء بالذي فيه ينضح»، فقد تحرِّك محبة الله تعالى، أو محبة الأوثان، والصلبان، والأوطان، والنسوان..[7].
كما أن هذه الأصوات المطربة يزداد أثرها وتعظم حركتها عند النسوان والصبيان والحيوان؛ لأنه ثوران الطباع، فيشترك فيه الإنسان والحيوان، وكلما ضعف العقل قويت حركة النفوس وتواجدها فرحاً أو حزناً.. لكنها حركة ووجد بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير[8].
قال ابن تيمية: «وأما التحرك بمجرد الصوت فهذا أمر لم يأت الشرع بالندب إليه، ولا عقلاء الناس يأمرون بذلك، بل يعدُّون ذلك من قلة العقل، وضعف الرأي، كالذي يفزع عن مجرد الأصوات المفزعة المرعبة»[9].
وتحاكي الأناشيدُ الحاضرة الغناء المعهود، بل تماثله مماثلة القُذَّة للقُذَّة، بحيث يتعذر على أرباب الإنشاد والمونتاج التفريق بينهما فضلاً عن غيرهم!
فهذا النشيد الموسيقي والغناء:
رضيعا لبان ثدي أم تقاسما
بأسحم داج عَوْضَ لا نتفرقُ
ومع هذه المماثلة الظاهرة إلا أن بعضهم يصرُّ على تفريق موهوم بين إنشاده وغناء المجون، فليحذر من هذا التحايل البغيض والذي اتسع خرقه، وتتابع نقضه، فتلبَّس أصحابه بسماع الغناء الحرام مع المخادعة والاحتيال.
قال أيوب السختياني: يخادعون الله، كأنما يخادعون الصبيان. ولو أتى الأمر على وجهه لكان أهون عليّ[10].
وها هو ابن القيم يحذِّر من التوثُّب على محارم الله - تعالى - باسم الحيل، فيقول: «فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلصه من الله ما أظهره مكراً وخديعة من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يوماً تُبلى فيه السرائر، ويحصّل ما في الصدور.. هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهـــم كانــوا يلعبــون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون»[11].
ويتعلَّل بعض المولعين بالنشيد المتهتك بأن أصل النشيد مباح، فهي أصوات بشر وشجر ونحوهما، وتم تركيبها ومعالجتها حسب تقنيات الحاسوب.. وهذا تعليل عليل؛ إذ العبرة بالحقائق، ومآلات الأمور، فقد استحال هذا النشيد إلى غناء ومعازف، كما لو استحال العنب إلى خمر، وهذه المعالجة الحاسوبية أوقعت في تلاعب بالأصوات وتغييرها من صوت بشر وشجر وماء.. إلى صوت معازف وموسيقى..
فهذا الغناء الحاضر مركب من تلك الأصوات بعد تعديلها ومعالجتها.. فالعبرة بالنتائج وعواقب الأشياء، كما قال ابن الجوزي: «ولما يئس إبليس أن يسمع من المتعبدين شيئاً من الأصوات المحرمة كالعود نظر إلى المعنى الحاصل بالعود فدرجه في ضمن الغناء بغير العود وحسَّنه لهم، وإنما مراده التدرج من شيء إلى شيء. والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج، وتأمَّل المقاصد»[12].
وكما يُحكى عن إياس بن معاوية (ت 122هـ) أن رجلاً قال له: ما تقول في الماء؟ قال حلال. قال: والتمر؟ قال: حلال. قال: فالنبيذ تمر وماء! فقــال له إيــاس: أرأيــت لو ضربتُكَ بكفٍّ من تراب أكنتُ أقتلكَ؟ قال: لا. قال: فإن ضربتُكَ بكفٍّ من تبن أكنتُ أقتلكَ؟ قال: لا. قال: فإن ضربتُكَ بماء أكنتُ أقتلكَ؟ قال: لا. قال: فإن أخذتُ الماء والتبن والتراب فجعلتها طيناً، وتركته حتى جفَّ، وضربتُكَ به أقتلك؟ قال: نعم! فقال: كذلك النبيذ.
ومقصوده أن القاتل هو القوة الحاصلة بالتركيب، والمفسد للعقل هو القوة المسكرة الحاصلة بالتركيب[13]. فكذا النشيد الحاضر بعد التركيب؛ فقد تغيَّرت صفاته السابقة، وانمحت آثاره السالفة.
وأخيراً: فإن فتنة الأصوات والصور المحرمة قد وَلِعَ بها كثير من أرباب التعبُّد المحدث، وإن كانت فتنة الصور أشد فتكاً، ولئن سلم فئام من المتديِّنة من شراك الصور الفاتنة، لكن أسرتهم الأصوات الملحنة؛ فإن غناء المجون وفتنة الأصوات سبيل الولوج في فتنة الصور، فالغناء رقية الزنى..
قال ابن القيم: «أهل الأصوات طرقوا لأهل الصور الطريق، ونهجوا لهم السبيل، وطيَّبوا لهم السير، فساروا وجدّوا بهم إلى مطارح الجمال، فطاب لهم اللعب، ووصفوا لهم سمر القدود وورود الخدود وسواد العيون وبياض الثغور، ونادوا (حيَّ على الوصال)، فأجاب القوم منادي الهوى إذ نادى بهم بحيَّ على غير الفلاح، وباعوا أنفسهم بالغبن، وبذلوها في مرضاة الصور الجميلة»[14].
والمقصود أن هذا النشيد «المستنسخ» من الغناء حافل بمفاسد ظاهرة؛ كالصدِّ عن سماع القرآن، والإعراض عن التفقه في دين الله تعالى، واستثارة العواطف الرعناء، وتحريك الشهوات من مكانها، والتحايل على المحرمات، ومشابهة لحون أهل الفسق والفجور.. فهل من توبة نصوح عن ذاك الغناء؟!
ولقد أحسن القائل:
«برئنا إلى الله من معشر
بهم مرض من سماع الغنا
وكم قلتُ يا قوم أنتم على
شَفا جُرُف ما به من بِنَا
فلما استهانوا بتنبيهنا
رجعنا إلى الله في بِنَا
فعشنا على سنة المصطفى
وماتوا على تِنْتِنا تِنْتِنا[15].
[hr]#120101[/hr]


(*) أستاذ مشارك في قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض.
[1] التصوف الإسلامي، 193 - 195؛ بتصرف.
[2] يعني: حماقات أتباعه من النحيب وضرب الصدور وإسالة الدماء..
[3] موقع علي الخامنئي مركز العهد الثقافي بدمشق 4/2/2006م.
[4] أخرجه ابن بطة في الإبانة الكبرى، 2/704.
[5] انظر: الاستقامة لابن تيمية 1/393، وإغاثة اللهفان 1/374، ومدارج السالكين 1/497.
[6] الاعتصام للشاطبي 1/280.
[7] انظر: العبودية لابن تيمية ص 71، والاستقامة 1/261.
[8] انظر: الاستقامة 1/306، 373. ومجموع الفتاوى 2/242، 10/76. والاعتصام 1/280.
[9] الاستقامة 1/374، وانظر: مجموعة الرسائل الكبرى لابن تيمية 2/313.
[10] انظر: مجموع الفتاوى 30/223.
[11] إعلام الموقعين: 3/163؛ باختصار.
[12] تلبيس إبليس، ص 249.
[13] السماع، ص 362 = باختصار. وانظر: الاستقامة: 1/346.
[14] انظر: الاستقامة لابن تيمية: 1/244.
[15] إغاثة اللهفان 1/346.

ناصرالكاتب 27-04-2010 02:54 AM

فلذة الأكباد وانغماسهم في الإنشاد


صلاح الدين بن علي بن عبد الموجود



إن مما عمت به البلوى واشتد به الخطب ما نزل على أبنائنا وفلذات أكبادنا من تغريب وصرف عن رب البريات وإشباع للنفس والرغبات ومن ذلك الانهماك في سماع القصائد والإنشاد بما استجد من أصوات رخيمة ونغمات مريبة وأهات تدغدغ الغرائز وتحرك المشاعر فتعطي للقلب سكرة كسكرة الغناء الماجن وإدمان على سماعها كالإدمان على سماع القينات وزاد الأمر خطورة وجعل العقلاء يقفون أمام هذا الأمر المهم والخطب المدلهم ما انتشر من أجهزة الهواتف النقالة وتحديد نغماها وملؤها بهذه النغمات وهذه الأناشيد مما كان له عظيم الأثر على شبابنا وفتياتنا مما جعل القلوب تنشغل عن كلام علام الغيوب وصار الشباب يدندن بها ليل نهار وإن مل من السماع ترى قلبه يترجم على لسانه بهذه الفتنة وإلى الله المشتكى.
وقد صاحَب بعض الإنشاد اعتناء بجمال الصورة، وتنميق المظهر، وحلق شعر الوجه؛ بل أفضى الأمر إلى استعمال المعازف في ذاك النشيد المتفلت، ويضاف إلى ذلك تقنيات الصوت ومؤثراته، والتي جعلت الأسماع لا تكاد تميّز بين غناء المجون وهذا النشيد.
وقد ألمح ابن الجوزي إلى ذلك وحذّر من مغبة هذا الصنيع فقال: «ولما يئس إبليس، أن يسمع من المتعبدين شيئاً من الأصوات المحرمة كالعود، نظر إلى المعنى الحاصل بالعود، فدرجه في ضمن الغناء بغير العود وحسّنه لهم، وإنما مراده التدريج من شيء إلى شيء. والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج، وتأمّل المقاصد» تلبيس إبليس، ص (249).
والانهماك في كثير من هذه الأناشيد يورث عاطفة وانفعالاً عند بعض الناس، لكن دون بصيرة أو فقه، فهو يحِّرك المشاعر، ويؤجج العواطف. وقد استخوذ على الصوفية سماع القصائد فقلّ علمهم وعزّ فقههم،
وَيُذْكَرُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ، أَنَّهُ قَالَ : أَعَزُّ الْخَلْقِ خَمْسَةُ أَنْفُسٍ : عَالِمٌ زَاهِدٌ وَفَقِيهٌ صُوفِيٌّ . وَغَنِيٌّ مُتَوَاضِعٌ . وَفَقِيرٌ شَاكِرٌ . وَشَرِيفٌ سُنِّيٌّ . مدارج السالكين (2 / 330)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَلِهَذَا غَلَبَ عَلَى مُنْحَرِفَةِ الْمُتَصَوِّفَةِ الِاعْتِيَاضُ بِسَمَاعِ الْقَصَائِدِ وَالْأَشْعَارِ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ فَإِنَّهُ يُعْطِيهِمْ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ حُبٍّ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ تَابِعًا لِعِلْمِ وَتَصْدِيقٍ ؛ وَلِهَذَا يُؤْثِرُهُ مَنْ يُؤْثِرُهُ عَلَى سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَيَعْتَلُّ بِأَنَّ الْقُرْآنَ حُقٌّ نَزَلَ مَنْ حَقٍّ وَالنُّفُوسُ تُحِبُّ الْبَاطِلَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَوْلَ الصِّدْقَ وَالْحَقَّ : يُعْطِي عِلْمًا وَاعْتِقَادًا بِجُمْلَةِ الْقَلْبِ وَالنُّفُوسُ الْمُبْطِلَةُ لَا تُحِبُّ الْحَقَّ . وَلِهَذَا أَثَرُهُ بَاطِلٌ يَتَفَشَّى مِنْ النَّفْسِ فَإِنَّهُ فَرْعٌ لَا أَصْلَ لَهُ ؛ وَلَكِنْ لَهُ تَأْثِيرٌ فِي النَّفْسِ مِنْ جِهَةِ التَّحْرِيكِ وَالْإِزْعَاجِ وَالتَّأْثِيرِ . لَا مِنْ جِهَةِ التَّصْدِيقِ وَالْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ ؛ وَلِهَذَا يُسَمُّونَ الْقَوْلَ حَادِيًا لِأَنَّهُ يَحْدُو النُّفُوسَ أَيْ يَبْعَثُهَا وَيَسُوقُهَا كَمَا يَحْدُو حَادِي الْعِيسِ . وَأَمَّا الْحِكْمَةُ وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ وَالْجَدَلُ الْأَحْسَنُ ؛ فَإِنَّهُ يُعْطِي التَّصْدِيقَ وَالْعَمَلَ فَهُوَ نَافِعٌ مَنْفَعَةً عَظِيمَةً . مجموع الفتاوى (2 / 43)
فالأجيال العاكفة على سماع النشيد لا تنال بذلك فقهاً، ولا تحقق علماً بدين الله ـ تعالى ـ، وإنما هو ترنّم وتواجد، وانفعال عاطفي.
ـ والولع بسماع النشيد يزهّد في سماع القرآن العظيم، «ولذا تجد مَنْ أكثر مِنْ سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه» اقتضاء الصراط المستقيم (1/484).
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الحراني : سَمِعْت الشَّافِعِيَّ يَقُولُ : خَلَّفْت بِبَغْدَادَ شَيْئًا أَحْدَثَتْهُ الزَّنَادِقَةُ يُسَمُّونَهُ التَّغْبِيرَ.- آلة من الآلات التي تقرن بتلحين الغناء- يَصُدُّونَ بِهِ النَّاسَ عَنْ الْقُرْآنِ وَهَذَا مِنْ كَمَالِ مَعْرِفَةِ الشَّافِعِيِّ وَعِلْمِهِ بِالدِّينِ فَإِنَّ الْقَلْبَ إذَا تَعَوَّدَ سَمَاعَ الْقَصَائِدِ وَالْأَبْيَاتِ وَالْتَذَّ بِهَا حَصَلَ لَهُ نُفُورٌ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَالْآيَاتِ فَيَسْتَغْنِي بِسَمَاعِ الشَّيْطَانِ عَنْ سَمَاعِ الرَّحْمَنِ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ } " وَقَدْ فَسَّرَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ مِنْ الصَّوْتِ فَيُحْسِنُهُ بِصَوْتِهِ وَيَتَرَنَّمُ بِهِ بِدُونِ التَّلْحِينِ الْمَكْرُوهِ وَفَسَّرَهُ ابْنُ عيينة وَأَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُمَا بِأَنَّهُ الِاسْتِغْنَاءُ بِهِ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ فَالْأَوَّلُ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ فَإِنَّهُ قَالَ : { لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ } " وَفِي الْأَثَرِ : " إنَّ الْعَبْدَ إذَا رَكِبَ الدَّابَّةَ أَتَاهُ الشَّيْطَانُ وَقَالَ لَهُ : تَغَنَّ فَإِنْ لَمْ يَتَغَنَّ . قَالَ لَهُ : تَمَنَّ " فَإِنَّ النَّفْسَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ شَيْءٍ فِي الْغَالِبِ تَتَرَنَّمُ بِهِ . فَمَنْ لَمْ يَتَرَنَّمْ بِالْقُرْآنِ تَرَنَّمَ بِالشِّعْرِ . وَسَمَاعُ الْقُرْآنِ هُوَ سَمَاعُ النَّبِيِّينَ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْعَارِفِينَ وَالْعَالِمِينَ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } الْآيَةَ . وَقَالَ : { وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ } الْآيَةَ . وَقَالَ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ } الْآيَتَيْنِ وَقَالَ : { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ } الْآيَةَ . وَقَالَ : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } الْآيَةَ . وَهَذَا " السَّمَاعُ " هُوَ الَّذِي شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَ الصَّلَاةِ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اجْتَمَعُوا أَمَرُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ يَقْرَأُ وَالنَّاسُ يَسْتَمِعُونَ . { وَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَبِي مُوسَى وَهُوَ يَقْرَأُ . فَجَعَلَ يَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِهِ . وَقَالَ : مَرَرْت بِك الْبَارِحَةَ وَأَنْتَ تَقْرَأُ . فَجَعَلْت أَسْتَمِعُ لِقِرَاءَتِك فَقَالَ : لَوْ عَلِمْت أَنَّك تَسْمَعُ لَحَبَّرْته لَك تَحْبِيرًا . } أَيْ : لَحَسَّنْته تَحْسِينًا " . وَكَانَ عُمَرُ يَقُولُ لِأَبِي مُوسَى : ذَكِّرْنَا رَبَّنَا فَيَقْرَأُ وَهُمْ يَسْتَمِعُونَ لِقِرَاءَتِهِ . { وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ مَسْعُودٍ : اقْرَأْ عَلَيَّ الْقُرْآنَ . فَقَالَ : أَقْرَأُ عَلَيْك وَعَلَيْك أُنْزِلَ قَالَ : إنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي . فَقَرَأْت عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ حَتَّى إذَا بَلَغْت هَذِهِ الْآيَةَ : { فَكَيْفَ إذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا } ؟ فَقَالَ : حَسْبُك فَنَظَرْت فَإِذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ بِالدَّمْعِ } فَهَذَا هُوَ السَّمَاعُ الَّذِي يَسْمَعُهُ سَلَفُ الْأُمَّةِ وَقُرُونُهَا الْمُفَضَّلَةُ . وَخِيَارُ الشُّيُوخِ إنَّمَا يَقُولُونَ بِهَذَا السَّمَاعِ . وَأَمَّا الِاسْتِمَاعُ إلَى الْقَصَائِدِ الْمُلَحَّنَةِ وَالِاجْتِمَاعِ عَلَيْهَا . فَأَكَابِرُ الشُّيُوخِ لَمْ يَحْضُرُوا هَذَا السَّمَاعَ كالفضيل بْنِ عِيَاضٍ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ وَأَبِي سُلَيْمَانَ الداراني وَمَعْرُوفٍ الكرخي وَالسَّرِيِّ السقطي وَأَمْثَالِهِمْ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ : كَالشَّيْخِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَالشَّيْخِ عَدِيِّ بْنِ مُسَافِرٍ وَالشَّيْخِ أَبِي مَدْيَنَ وَالشَّيْخِ أَبِي الْبَيَانِ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ : فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَحْضُرُونَ هَذَا السَّمَاعَ وَقَدْ حَضَرَهُ طَائِفَةٌ مِنْ الشُّيُوخِ وَأَكَابِرِهِمْ ثُمَّ تَابُوا مِنْهُ وَرَجَعُوا عَنْهُ . وَكَانَ الجنيد - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَا يَحْضُرُهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ . وَيَقُولُ : مَنْ تَكَلَّفَ السَّمَاعَ فُتِنَ بِهِ وَمَنْ صَادَفَهُ السَّمَاعَ اسْتَرَاحَ بِهِ أَيْ مَنْ قَصَدَ السَّمَاعَ صَارَ مَفْتُونًا وَأَمَّا مَنْ سَمِعَ بَيْتًا يُنَاسِبُ حَالَهُ بِلَا اقْتِصَادٍ فَهَذَا يَسْتَرِيحُ بِهِ . وَاَلَّذِينَ حَضَرُوا السَّمَاعَ الْمُحْدَثَ الَّذِي جَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ مِنْ إحْدَاثِ الزَّنَادِقَةِ لَمْ يَكُونُوا يَجْتَمِعُونَ مَعَ مردان ونسوان وَلَا مَعَ مصلصلات وَشَبَّابَاتٍ وَكَانَتْ أَشْعَارُهُمْ مُزَهَّدَاتٍ مُرَقَّقَاتٍ . فَأَمَّا " السَّمَاعُ " الْمُشْتَمِلُ عَلَى مُنْكَرَاتِ الدِّينِ فَمَنْ عَدَّهُ مِنْ الْقُرُبَاتِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ . وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا جَاهِلًا بَيَّنَ لَهُ خَطَأَ تَأْوِيلِهِ وَبَيَّنَ لَهُ الْعِلْمَ الَّذِي يُزِيلُ الْجَهْلَ . مجموع الفتاوى (11 / 532)
وقال في موطن آخر: فَإِنَّ السُّكْرَ بِالْأَصْوَاتِ الْمُطْرِبَةِ قَدْ يَصِيرُ مِنْ جِنْسِ السُّكْرِ بِالْأَشْرِبَةِ الْمُطْرِبَةِ فَيَصُدُّهُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ وَيَمْنَعُ قُلُوبَهُمْ حَلَاوَةَ الْقُرْآنِ وَفَهْمَ مَعَانِيهِ وَاتِّبَاعَهُ فَيَصِيرُونَ مُضَارِعِينَ لِلَّذِينَ يَشْتَرُونَ لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ . مجموع الفتاوى (11 / 643)
فالقلوب أوعية، فإن كان الوعاء مملوءاً بحبّ القصائد والأناشيد، فأين يقع حبّ القرآن وذكر الله ـ تعالى ـ في ذلك الوعاء؟!
وقال ابن الجوزي ـ في نقده الصوفية ـ: «وقد نشب حبّ السماع بقلوب خلق منهم، فآثروه على قراءة القرآن، ورقت قلوبهم عنده مما لا ترق عند القرآن، وما ذاك إلا لتمكن هوى باطن تمكن منه، وغلبة طبع...» تلبيس إبليس، ص (276).
إِذَا أَشْكَلَ عَلَى النَّاظِرِ أَوِ السَّالِكِ حُكْمُ شَيْءٍ هَلْ هُوَ الْإِبَاحَةُ أَوِ التَّحْرِيمُ ؟ فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَفْسَدَتِهِ وَثَمَرَتِهِ وَغَايَتِهِ ، فَإِنْ كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى مَفْسَدَةٍ رَاجِحَةٍ ظَاهِرَةٍ ، فَإِنَّهُ يَسْتَحِيلُ عَلَى الشَّارِعِ الْأَمْرُ بِهِ أَوْ إِبَاحَتُهُ ، بَلِ الْعِلْمُ بِتَحْرِيمِهِ مِنْ شَرْعِهِ قَطْعِيٌّ ، وَلَاسِيَّمَا إِذَا كَانَ طَرِيقًا مُفْضِيًا إِلَى مَا يُغْضِبُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مُوصِلًا إِلَيْهِ عَنْ قُرْبٍ، وَهُوَ رُقْيَةٌ لَهُ وَرَائِدٌ وَبَرِيدٌ ، فَهَذَا لَا يَشُكُّ فِي تَحْرِيمِهِ أُولُو الْبَصَائِرِ ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالْحَكِيمِ الْخَبِيرِ أَنْ يُحَرِّمَ مِثْلَ رَأْسِ الْإِبْرَةِ مِنَ الْمُسْكِرِ لِأَنَّهُ يَسُوقُ النَّفْسَ إِلَى السُّكْرِ الَّذِي يَسُوقُهَا إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ ثُمَّ يُبِيحُ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ سَوْقًا لِلنُّفُوسِ إِلَى الْحَرَامِ بِكَثِيرٍ ؟ فَإِنَّ الْغِنَاءَ كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هُوَ رُقْيَةُ الزِّنَا ، وَقَدْ شَاهَدَ النَّاسُ أَنَّهُ مَا عَانَاهُ صَبِيٌّ إِلَّا وَفَسَدَ ، وَلَا امْرَأَةٌ إِلَّا وَبَغَتْ ، وَلَا شَابٌّ إِلَّا وَإِلَّا ، وَلَا شَيْخٌ إِلَّا وَإِلَّا ، وَالْعِيَانُ مِنْ ذَلِكَ يُغْنِي عَنِ الْبُرْهَانِ ، وَلَاسِيَّمَا إِذَا جَمَعَ هَيْئَةً تَحْدُو النُّفُوسَ أَعْظَمَ حَدْوٍ إِلَى الْمَعْصِيَةِ وَالْفُجُورِ ، بِأَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي لِأَهْلِهِ ، مِنَ الْمَكَانِ وَالْإِمْكَانِ ، وَالْعُشَرَاءِ وَالْإِخْوَانِ ......الخ . مدارج السالكين (1 / 496)
وهذا الواقع يوجب على الأمة أن تتربى على أخذ الدين بقوة، والتمسك بالسُّنة والعض عليها بالنواجذ، والحذر من تتبع الرخص والحيل المحرمة والأقوال الشاذة، وإحياء واعظ الله في قلوب أهل الإسلام، والتذكير بالوقوف بين يدي الجبار جل جلاله، الذي يعلم السر وأخفى، قال ـ عزَّ وجلَّ ـ: {بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14 - 15].
وقد يقع في نفوس البعض أن الأناشيد تكون من أسباب الدعوة إلى الله ولكن الدعوة إلى الله بالكتاب والسنة لا بالأناشيد.
فالخطأ أن يظن أن نشيد الشعر من وسائل الدعوة، فليس هناك وسيلة للدعوة إلا كتاب الله عز وجل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا نص مجمع عليه وليس فيه أي إشكال، لكن لك أن تنشد الشعر من باب دفع السآمة وجلب الترويح عن النفس، أو من باب الاستجمام؛ لأن النفوس ضعيفة، فإذا خفف عنها بالمباح استجمت وقويت. وكان حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في صحن بيت الله الحرام، فإذا كثرت عليه المسائل وكثرت عليه المباحث الفقهية والمسائل والنوازل قال: (روحوا عنا). فيأتي بأغزل بيت في الشعر الذي كان يتحاكاه العرب ويتحدث به، ويظرف مع أصحابه رضي الله عنهم ورحمهم الله، وهذا كله في بيت الله الحرام؛ لكي يبين أن هناك أموراً أذن الشرع بها ولا بأس بها. فهذا من باب الترويح، لكن لا نعتقد أنه لابد أن ندعو بهذا الشيء، أو أن هذا الشيء طريق للدعوة، إنما نقول: يجوز ويباح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يمكنه أن يسكت عن حرام أقر ذلك، وقيل بين يديه فأقره عليه الصلاة والسلام ولم يحرمه ولم يمنعه. لكن الذي ذكره أهل العلم -رحمهم الله- وقرروه: أنه من حيث الأصل يجوز إنشاد الشعر، لكن من يتتبع السنة ويتتبع هدي النبي صلى الله عليه وسلم ويفقه النصوص يجد أن الأحاديث وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم بإنشاد الشعر في حال السآمة وفي حال الملل، أنشد الشعر بين يديه في السفر أثناء سير الإبل، وهذا يعرفه كل من يعرف الإبل، الإبل لا يمكن أن تسير إلا بحادٍ، وإذا حدا الحادي مشت الإبل وسرت واستجمت، ولذلك كان هذا بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى قال: صلوات الله وسلامه عليه: (رفقاً بالقوارير )، وأنشد الشعر بين يديه صلوات الله وسلامه عليه في بناء المسجد؛ لأن البناء فيه ثقل على النفس، والبناء فيه أثر على النفوس، ولذلك روح النبي صلى الله عليه وسلم بالمباح، وأنشد الشعر بين يديه في حفر الخندق كما جاء عنه عليه الصلاة والسلام في السير. إذاً: كأن هذا الإنشاد من باب الترويح عن النفس ومن باب الاستجمام. فعندنا أمران: الأمر الأول: ألا ندخله ونقحمه على الدعوة ونقول: هذا الأمر من وسائل دعوتنا. فهذا أمر ينبغي أن يتنبه له الإنسان؛ أن الدعوة لا يمكن أن تكون إلا بكتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح رضوان الله عليهم ورحمهم الله أجمعين. أما بالنسبة للترويح عن النفس فروح بالمباح ولا حرج في ذلك، و تقول: أفعل هذا من باب الترويح عن نفسي، فقد روح عن نفسه من هو أفضل منا، والإنسان مخلوق ضعيف، فلا بأس أن يروح عن نفسه بالذي أذن الله به وأحله لعباده. لكن الإكثار من هذا الشيء والمواظبة عليه يؤثر على النفس، ويضعف الإيمان في القلب؛ لأن الإنسان إذا أكثر من اللهو المباح فإن هذا يضعف إيمانه، ولذلك يجوز المزح، فإذا أكثر منه ربما أمات قلبه -نسأل الله السلامة والعافية- إنما يأخذ منه بقدر.
أفدْ طبعكَ المكدوح بالجد تارة بجمٍ وعللّهُ بشيءٍ من المزْحِ
ولكنْ إِذا أعطيتَهُ المزحَ فليكنْ بمقدارِ ما تعطي الطعامَ من الملحِ
فتعطي النفس شيئاً من الاستجمام والراحة في هذه الحدود، إلا أن الشعر الحماسي، وهو الذي يقوي النفوس، ويشحذ الهمم للجهاد، أو يحكي مآثر السلف، أو نحو ذلك مما يقصد به النصرة على الأعداء وإيراث الحماسة في النفوس؛ فإن هذا إذا كان الإنسان يضع هذا الشعر قربة لله سبحانه وتعالى، ويقوله قربة لله عز وجل فإنه يثاب على ذلك؛ لأن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه أنشد الشعر الحماسي في صحن بيت الله الحرام، وأنشده بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم من باب إغاظة الأعداء، فإغاظة أعداء الإسلام مقصودة شرعاً، فمن قصد بذلك إغاظة عدو الله وتربية النفوس على الحماسة وعلى الخير والبر ومآثر الإسلام، فإن ذلك لا شك أن له أثراً على النفوس. ولقد نص الله في كتابه على أن الشعراء يتبعهم الغاوون، ثم استثنى سبحانه وتعالى فقال: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ [الشعراء:227] فانظر إلى قوله: (يتبعهم الغاوون إلا الذين آمنوا) أي: أنهم إذا كانوا من أهل الإيمان فقالوا الشعر نصرةً للإسلام اتبعهم المهتدون ولا يتبعهم الغاوون، ومن هنا: نص النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه كعب بن مالك وحسان بن ثابت وقالا: إن الله أنزل في الشعر ما أنزل، فاستثناهما النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل فيهما قوله: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا [الشعراء:227]. فإذاً: لابد لطالب العلم أن يعلم أن التحليل والتحريم يحتاج إلى نص، وأن النصوص إذا أسفرت واتضحت بجواز شيء لا يستطيع المسلم أن يتحمل بين يدي الله مسئولية تحريم ذلك الشيء، وأن النصوص إذا حرمت شيئاً لا يستطيع أحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتقحم نار الله على بصيرة فيحلل للناس ما حرم الله عليهم. فإذاً: قد وردت النصوص في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم على إباحة الشعر المأذون به شرعاً، وجاءت السنة الصحيحة تثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الإنشاد، ووقع بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم فأقره، فنجد ذلك من باب المباح المأذون به شرعاً، وأما بالنسبة للتوسع فيه فنقول: توسع في المباح، ما لم يكن يراد به إيراث الحماس الذي يقصد منه إلهاب النفوس على طاعة الله وتقويتها وتشجيعها على الخير.


الساعة الآن +4: 05:19 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.