![]() |
صديقتي الأربعين !
تمر الأيام وتعبر الشهور وتمضي السنون !
ذاك يوم يعلن مغيبه ، وذاك شهر ينقضي هلاله ، وتلك سنة تودع أخراها ! تتساقط الأعوام ، وتتهاوى السنين ، وتنقلب الموازين ، وتتغير الأحوال ، وتتبدل الأوضاع . الصغير يتمنى أن يكون كبيراً والكبير يحلم أن يعود صغيرا ! ما كان بالأمس بعيد المنال غدى اليوم قريبا ، كل شيء تغير ! كل حال تبدلت ! لكن الحقائق ثابتة مستقرة كثبوت الجبال وكاستقرار البحار ! في لحظة سكون بدأت أقلب ذاكرتي فيمن حولي من أصدقاء وأقرباء في أعمارهم وتاريخ سنيهم ، فألفيت عجباً وعجبت فرقاً! إنهم يتقاربون في سنوات حياتهم ، ويتقاذفون الأربعين فيما بينهم ، كلٌ يشيح بوجهه عن نطق الأربعين من أعمارهم . إنها الأربعون - رفقاء الدرب - صحاب العمر - إنها سنوات الرشد واكتمال العقل ! بها الإنسان يكون راشدا ، تكتمل قوته ويشتد عوده ، ويعظم أمره ! أحسنوا بها الظن ، وهيؤوا لهاالاستقبال ! أربعون عاماً مضى من عمرك ، تنقلت بين مراحل الحياة ، رضيعاً حيناً وطفلاً حيناً ويافعاً زمناً طويلاً ، ثم رجلاً شامخاً يشد بك العزم ، وتسند لك عظائم الأمور ! قد بلغت من العمر مراحل القوة ، وتجاوزت مراحل الضعف ،فأقبلت عليك الأربعون بكل رزانتها وعظائمها منذرةً ومحذرةً ! قد مضى بها أكثر من ثلثي عمرك ، بتقدير أعمار أمتنا ، فهي بين الستين إلى السبعين ، فلم يبق من عمرك إلا الثلث ! فهل استشعرت ذلك ، أو ألقيت له بالاً ، أو أبصرت فيه تأملا ! إن أعمارنا راحلة ، وستحط بنا يوماً المسير ! إنك تعيش في بقايا حياة ! وتسكن في بقايا زوايا ! إنها الحقيقة التي لا نريد أن نصدقها ، والواقع الذي لا نريد أن نحس به . فات من أعمارنا الكثير ، وأظن ما بقي أقل من مضى !! لماذا نتظاهر دائماً بالنسيان وندعي التغافل ! هل نستطيع أن نتماسك ونجمع قوتنا ونتذكر هذه الحقيقة وهذا الخطب ، لندع عنا التصابي والتشبب ! فما فات كفى ، ولنتعظ بمن أجله انتهى ، وأقبل على مولاه ! ! أيها الصديق العزيز ! وأيها القريب الغالي ! وأيها القارئ الفطن ! يا من في الأربعين يتقلب وفي الخيرات يتنعم ، إنها الأربعون نعم النذير ونعم البشير ، تنذرك أن عمرك طال ، وتبشرك أن عقلك اكتمل . نبينا - صلى الله عليه وسلم - بعث بعد أن تم الأربعين ، ومات وهو في الثالثة والستين ، ثلاث وعشرون سنة بعد الأربعين . سنيات قليلة تمكثها بعد سن الرشد ، فهل نجعل للرشد طريقاً، ونجعل للعقل سبيلاً ! وهل نستطع أن نترك اللهو والعبث ، ونبتعد عن كل خلل ، ونجفو كل زلل ! إن التأمل في هذه الحياة ، والتفكر في حقارة الدنيا وآلامها ، يجعل الإنسان في صدود عنها ، وإعراض عن زخارفها . أحبابي لتكن الأربعين درساً لنا في التوبة والرشد ، ولنقبل على نفوسنا تهذيباً وتطهيراً ولنطرها على الحق أطراً ، فطالما أسرتنا بشهواتها وملذاتها ! دعونا نقتص من أنفسنا ونتغلب عليها حتى نكون وإياها في الملاذ الآمن والملجأ الوادع ! لتكن العزيمة شعارنا ، وليكن الحزم حاكمنا ! أُخيَّ ! أربعون عاماً عشتها في رحاب الدنيا ، صحيحاً قوياً معافىً ، قضيتها في رغد من العيش وسعة من الرزق ! اعمل شكراً بعد توالي هذه النعم ، واسعَ حمداً على تتابع هذه المنح . لا تدري كم بقي لك من أنفاس ! ولا تعلم كم تمكث من أيام ! لا تغتر بقوتك ، ولا تعتز بجبروتك ، فأنت مقبل على وهن ، وقادم إلى ضعف !! أُمهلت عمراً مديداً وزمنا طويلاً ، فهل أنت من المعتبرين ! وهل تكون من الناجين ! آهٍ لعمرٍ مضى ! وآهٍ للذةٍ ذهبت ! تدارك - أيها المبارك - ما بقي لك من حياة ، فربما ساعات الأجل دنت ، ولعل يوم الرحيل قد اقترب ! آن أوان الإنابة ، وحان وقت الأوبة ، وبدأ زمن التوبة ، ضع حداً لوقت اللهو، و أحسن فيما بقي ، يغفر لك ما قد سبق . بع لذة زائلة بجنة عالية ، قطوفها دانية ! جعلتُ وإياك ووالدينا متقابلين فيها ! |
المرايا لاتكذب ، لهذا لانقف أمامها كثيرا، فهي صريحة أكثر من اللازم ، تعطينا الحقيقية عارية
فنأخذها ونلبسها ما يحلو لنا . ينتابني إشفاق تجاه أولئك الذين يصرخون في وجوه أعمارهم ، ويريدون العودة قسرا إلى الوراء بكل ما أوتوا من زيف وأصباغ . أخي ياسر .. يبدو أنك كتبت هذا النص على مرحلتين ، وليس شرطا أن يفصل بينهما زمن ، فقد تتغير حال الإنسان الشعورية وهو لم يضع القلم بعد . في أول النص أنت أديب ، وفي آخره خطيب ، ليتك اخترت أحدهما ، وأنت قادر . أخيرا.. اعترافك ورضاك بصداقة الأربعين .. دليل نضج وسكون في أعماقك . (f) |
كلماااات تٌجري الدمع تأثرا .. ـ ماشاء الله ـ
احسن الله اعمالك ومابقي من عمرك على الطاعه والسعادة .. |
موضوع يستحق الشكر
|
موضوع في قمةة الروعةة ~~ ويستحق التميـز ~~ |
اقتباس:
تقدم بنا العمر ! قدمنا إلى القبر ! فالحذر واجب والزمان مغادر ! تحياتي لمرورك العطر |
جزاك الله خير
|
(( معاني 17 ))
المرايا لاتكذب ، لهذا لانقف أمامها كثيرا، فهي صريحة أكثر من اللازم ، تعطينا الحقيقية عارية كلمات أديب ، وأحسنت الاختيار ، وأتقنت النقد ! ولا تعارض أخي الكريم بين خطيب وأديب في نظري لك أجمل تحية |
اقتباس:
أثابك الله على دعائك وتقبل الله منك تحياتي لك |
بارك الله لي ولك ولجميع المسلمين فيما بقي من العمر ,, اثابك الله كلام جميل تذكير عزمت العشر على الرحيل فهل من مستدرك |
اقتباس:
أنت من يستحق الشكر والتقدير ، لك تحيتي وتقديري |
اقتباس:
شرفني مرورك وثناؤك ، دمت عزيزاً |
كلام جميل لكن من يستطيع تقبل نفسه بالعمر هذا هو بوابة عبور لمرحلة عمريه جديده علينا بعيد عن الشباب والحيويه
|
مشكور والله يعطيك العافية موضوع رائع |
الساعة الآن +4: 10:14 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.