بريدة ستي

بريدة ستي (http://www.buraydahcity.net/vb/index.php)
-   ســاحـة مــفــتــوحـــة (http://www.buraydahcity.net/vb/forumdisplay.php?f=2)
-   -   وقفات في آيات الحج ,,, حلقات متجددة . (http://www.buraydahcity.net/vb/showthread.php?t=286254)

أبو سليمان الحامد 28-10-2011 05:31 PM

وقفات في آيات الحج ,,, حلقات متجددة .
 
الحمد لله وحده , والصلاة والسلام على من لا نبي بعده , وبعد

فهذه وقفات لغوية وبيانية في بعض آيات الحج أجعلها على حلقات هنا , لتسهل قراءتها , سائلا الله تعالى أن ينفع بها , وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم .

الحلقة الأولى :


قال الله تعالى : " {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (197) سورة البقرة



وقفات حول هذه الآية الكريمة :

الوقفة الأولى : تكرار لفظ الحج ثلاث مرات , وهو في كل موضوع يختلف دلالته عن الموضع الذي قبله .

فالحج في الموضع الأول : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ) المراد به : زَمَن الحج , وبين سبحانه أنه : أشهر معلومات , تبدأ من عيد الفطر المبارك , وتنتهي بآخر يوم من ذي الحجة , وقيل , تنتهي في اليوم الرابع عشر من ذي الحجة , وهو آخر أيام التشريق .

والحج في الموضع الثاني : ( فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ ) المراد به : الإحرام بالحج , أي من دخل في النسك , والدخول في نسك الحج يكون بالإحرام .

والحج في الموضع الثالث : ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) المراد به : أعمال الحج , أي لا رفث ولا فسوق ولا جدال أثناء أداء الفريضة .

ومع تكرار لفظ الحج ثلاث مرات إلا أن القارئ لا يحس بأثر هذا التكرار , فلا تلحقه السآمة ولا الضجر , لما يُلْقَى في رُوعِه من جلال اللفظ , وتغاير المعنى .

الوقفة الثانية : الحج ليس واجباً على الجميع كل عام , بل هو مرة واحدة على المستطيع , بدليل قوله : " فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ " والمعنى : أن مَن دَخَلَ في النُّسُكِ فَعَلَيْهِ الابتعادُ عن كذا وكذا , ويُفْهَمُ منه : أن هُناك أُنَاسٌ لن يدخلوا في النسك , ولن يفرضوا الحج .

الوقفة الثالثة : الحج تربية وتهذيب للنفس من أدران السيئات , والأخلاق الفاسدة : ( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) .

وجاء النفي هنا بلا النافية للجنس ( لا رفثَ , لا فسوقَ , لا جدالَ ) ليكون النفي أعم وأشمل لجميع الأنواع التي يمكن أن تدخل تحت أي صنف من الأصناف الثلاثة المذكورة في الآية , والنفي يستلزم النهي , ولكن جاء التعبير بالنفي بدلا عن النهي – والله أعلم - لتكون الآية تصويراً مثاليا لما يسير عليه الحجاج , فهي تنفي وجود ما يمكن أن يخلّ بحجِّهم , لتبين أن الأصل في حج المسلمين كمالُ الأخلاق , وتمامُ النسك .

الوقفة الرابعة : على كثرة عدد الحجاج إلا أنهم لن يعجزوا الله تعالى حفظا وعلما , فكل تحركاتهم وأقوالهم وأعمالهم يعلمها الله تعالى : " وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ " , فتأكد أنك مهما فعلت من الخير ولو كان يسيراً في الحج فإن الله يعلمه وسيجازيك عليه , ولن تختلط عليه الألسنة واللغات .. سبحانه وتعالى .

الوقفة الخامسة : التقوى أساس الحج .

ختم الله هذه الآية بالأمر بالتقوى , لأن الحج سبب للتقوى , فهو الطاعة العظيمة التي يطيع الإنسان فيها ربه , ولو كان فيه مشقة على نفسه .

والتقوى ارتبطت بالعبادات كلها : الصلاة والزكاة والصوم والحج .

ففي الصلاة والزكاة يقول تعالى : { هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ , الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} (3) سورة البقرة .

وفي الصوم يقول سبحانه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (183) سورة البقرة

وفي الحج هذه الآية الكريمة .

وقد بين سبحانه أن التقوى خير زاد للمسلم الذي يرجو ثواب الله , وهي خير دليل على كمال عقل المسلم ( يا أولى الألباب ) .أي : يا أولى العقول .



والله تعالى أعلم .

ملاحظة : يسعدني قراءة أي نقد أو إضافة .

أبو سليمان 1/12/1432هـ


غدا أجمل* 28-10-2011 08:13 PM

وقفات مفيده
جزاك الله خير

قــراقــوش 28-10-2011 08:27 PM

جزاك الله خير أولا أخوي بل والدي كبير المحايدين

وجهدك واضح والله يوفقك لما يحبه ويرضاه.

عندي استفسار

اقتباس:

( فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ )
أنت فسرتها ووضحتها بعدها على طول وقلت :

اقتباس:

لا رفث ولا فسوق ولا جدال

فمثل الي جالسين عند البحر وحولهم خضره وأشجار قالوا لبعض واحد يصف لنا مانحن فيه ..

فقام أحدهم فقال .

كأننا والماء حولنا .. قوم جلوس وحولهم ماء:d:d


دعابه بسيطه سيدي(f)


لكن استفساري

أنا أسمع دايم العبارات هذا

رفث وفسوق وجدال

فما معناهن عربيا؟؟

ولك جزيل الشكر على مجهوداتك الواضحه






أبو سليمان الحامد 30-10-2011 01:40 AM

اقتباس:

المشاركة الأساسية كتبها غدا أجمل* (المشاركة 3253770)
وقفات مفيده
جزاك الله خير

شكرا أختي الكريمة أجمل ...

وفقك الله .

أبو سليمان الحامد 30-10-2011 01:50 AM


شكرا لك أخي قراقوش على إطلالتك فقد شرفتني ..

وأحترم نقدك عزيزي , ولكن ربما لو أعدت قراءة الموضوع لاكتشفت أنه لا يوجد تكرار ولا إعادة ,,,

أما الرفث : فقيل هو الجماع لأن الحاج ممنوع من قرب النساء , وتفسير الرفث هنا بالجماع موافق لقوله تعالى : " أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم "

وقيل : هو الكلام الفاحش , وأشده ما كان في النساء ودواعيه .

والفسوق : هي المعاصي بشكل عام وهو قول مجاهد وعطاء وطاوس وعكرمة وسعيد بن جبير وخلق كثير من المفسرين .

وقال آخرون : الفسوق هو السباب , قال به ابن عباس وابن عمر وابن الزبير والحسن والنخعي ,, ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق "

ويرى ابن جرير بأن الفسوق هو ارتكاب محظورات الإحرام خاصة .

ورجح ابن كثير القول الأول , ولعلك تراجعه لتستفيد من كلام ابن كثير , ففيه كلام نفيس .

أما الجدال فهو معروف , وهو المراء ... لأن الجدال غالبا ينتهي بالخصومة ...

تحية لك أخي العزيز .

قــراقــوش 30-10-2011 02:42 AM

مشكور على التوضيح أخوي كبير المحايدين

وبارك الله بعلمك وعملك أنت انسان مفيد والانسان المفيد يستحق ان يسمى انسانا

مشكووووور.

صاحبة الامتياز 30-10-2011 03:48 AM








~ جزاك الله خير

وجعله الله في موازين حسناتك ~





***

اِنْزِواء ، 30-10-2011 07:32 AM

جزآكـ الله خيــر . .
زآد روحي ممتع

أبو سليمان الحامد 30-10-2011 07:39 AM


قراقوش : شكرا لعودتك , وحياك الإله .

صاحبة الامتياز : شكرا لك .

راما : شكرا لك أيضا .



أبو سليمان الحامد 30-10-2011 07:40 AM


الحلقة الثانية :

قال تعالى : {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ , فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ } (97) سورة آل عمران

التعبير بالبيت هنا : فيه دلالة على ما يضيفه البيت لساكنيه أو زائريه من الأمن والأمان وطمأنينة النفس والاستقرار , فهو أول بيت تهوِي إليه القلوب { فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ } (37) سورة إبراهيم .

ومن المعلوم أن بيوت الناس لها حُرْمَةٌ وفيها الطمأنينة والسكن والأمن{وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا } (80) سورة النحل , فهذا حال البيوت التي يصنعها الناس وتضاف إليهم , فكيف بالبيت الذي وضعه الله وأضيف إليه حين يقال : بيت الله ؟؟

وقوله سبحانه : " أول بيت " اختلف العلماء على قولين :

فقال بعضهم : إنه أول بيت على الإطلاق وجد على الأرض قال به عبد الله بن عمر ومجاهد والسُّدِّي .

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والضحاك : إنه أول بيت وضع للناس مباركاً , فالأوليّة في قوله ( أول ) متعلقة بالحال ( مباركاً ) تعلقا معنويا وليس إعرابياً .

ورجح ذلك ابن كثير .

وقوله " للناس " اللام فيه للتعليل أي لهداية الناس جميعاً , فالبيت وضع من أجلهم .

وإما أن تكون لشبه الملك أي أن البيت لهم يتعبدون فيه .



" للذي ببكة " : اللام الداخلة على الاسم الموصول تفيد التوكيد , ويؤتى بها بعد ( إنَّ ) زيادة في توكيد الخبر , وتسمى المزحلقة .

ببكة : البكُّ هو الزحام والضيق , وسميت بذلك لازدحام الناس فيها , وقد سمى الله مكة في القرآن بعدة أسماء : " مكة , وأم القرى , والبلد الأمين , البلدة " ولكن التعبير هنا جاء بفلظ ( بكّة ) لأن الحديث سيكون عن الحج وفرضيته على الناس , وهو موسم الزحام والضنك , فناسبَ اللفظُ الحال والسياق .

" مبارَكاً " حال من الاسم الموصول " الذي " , وقد بارك الله في البيت الحرام من جميع النواحي , فجعله قبلة للمسلمين حتى قيام الساعة , وجعله مكانا لنزول وحيه , ومبعث خير أنبيائه , ومبنى خليله .

والبركة في هذا البيت باقية إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها , بركة في الدين والمال والنفس والصحة والوقت .

" وهدى للعالمين " هدى : معطوفة على مباركاً , ولعله من عطف الخاص على العام , لأن الهداية جزء من البركة , من بركة البيت الحرام أن جعله الله هداية للناس , يصلون إليه , وينبع منه نور الوحي , ويأوي إليه سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .

وقدم البركة على الهداية لأن البركة في البيت الحرام من عند الله تعالى ولهذا عبر عنها باسم المفعول , أي أن الله تعالى جعله مباركاً , وأما هدى فهو مصدر أسند إلى البيت نفسه , أي وهدىً هو للعالمين , وتقديم ما كان من عند الله أولى وأجل .

وكلاهما من عند الله ولاشك , ولكن المسألة هنا مسألة لغوية , فالمبارك اسم مفعول أسند لما لم يسم فاعله , وأصل فاعله لو سمي هو الله تعالى , فوجب تقديمه .

وأما هدى , فمصدر مبني للمعلوم , وفاعله ضمير يعود على البيت , فوجب تأخيره

والله تعالى أعلم بالصواب .

قوله تعالى : " فيه آيات بينات "

الضمير في كلمة ( فيه ) يعود إلى البيت , والآيات البينات : هي العلامات الظاهرات على شرف هذا البيت وقدسيته , ومنها : مقام إبراهيم , والحجر الأسود , والحطيم , وزمزم , والمشاعر كلها .. [ تفسير البغوي ]

قوله سبحانه : " مقام إبراهيم " للعلماء في إعرابها أربعة أقوال :

الأول : أنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير : " منها مقامُ إبراهيم " .

الثاني : أنه خبر لمبتدأ محذوف تقديره : " بعضها مقام إبراهيم " .

الثالث : أنه بدل بعض من كل من كلمة ( آيات ) .

وهذه الأعاريب الثلاثة ترجع إلى معنى واحد , وهو أن المقام بعض الآيات وليس كلها .

الرابع : أنه عطف بيان ,, وهذا إعراب الزمخشري . ومعناه حينئذ إن الآيات هي المقام نفسه . لأن عطف البيان يأتي بيان لما قبله فيكون هو هو .

وضعف العلماء القول الرابع لاعتبارات معنوية بأن المقام جزء من الآيات وليس هو الآيات كلها , ولاعتبارات نحوية بحتة مذكورة في كتب النحويين .

" ومن دخله كان آمناً " الضمير في " ومن دخله " يعود إلى البيت , وليس إلى المقام , فالمراد أن من دخل البيت فهو آمن , وهذا استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هََذَا بَلَدًا آمِنًا } (126) سورة البقرة , وكما قال عليه الصلاة والسلام عام الفتح : " من دخل البيت فهو آمن " .

والتعبير بقوله : " كان " وهي تفيد الكينونة المطلقة التي لا ترتبط بزمن معين , وقوله ( آمناً ) جاءت بصيغة اسم الفاعل , وصيغة الاسم تدل أيضا على الثبوت والاستمرارية , وهي صفة ثابتة في الحرم بإذن الله تعالى , ولهذا من أراد أن يخرق هذه الصفة الثابتة فإن الله تعالى يصب عليه العذاب الأليم : " { وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاء الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (25) سورة الحـج



ثم لما ذكر الله تعالى ميزات هذا البيت العتيق ( أول بيت وضع للناس , مبارك , هدى , فيه آيات بينات , فيه مقام إبراهيم , من دخله كان آمنا ) أنزل الله تعالى فرضية الحج إليه والزيارة لهذا البيت العتيق الذي هذه صفاته , فصارت صفة سابعة له .

ومعنى قوله : " ولله على الناس " أي ولله فرض واجب على الناس .

وهذا الأسلوب من أقوى أدلة الوجوب والفرضية , كما تقول : لله عليّ أن أفعل كذا , فهذا أسلوب نذر عظيم .

حج البيت : الحج هو الزيارة في اللغة .

والبيت : ( ال ) هنا للعهد الذكري : أي البيت المذكور آنفاً .

ولأن زيارة البيت لن تكون بميسور الناس كلهم جاءت رحمة الله هنا بالتخصيص بعد العموم " من استطاع إليه سبيلا " أي أن الحج لا يجب إلى من وجد الاستطاعة , ووجد السبيل الموصل إلى البيت العتيق .

و( مَنْ ) هنا من قوله : " من استطاع " بدل بعض من كل من كلمة " الناس "

والتعبير بالناس هنا , والحج واجب على المسلمين فقط , ولا يجوز إلا من المسلمين فقط دليل على أن المسلمين هم الناس الحقيقيون وحدهم كما قال الشاعر :

وإن الذي حانت بفَلْجٍ دماؤهم ,,, هم القوم كل القوم يا أم خالدِ



( ومن كفر فإن الله غني عن العالمين ) :

أي ومن كفر بالبيت العتيق كُفْراً بأهميته , وكُفْراً بوجوب الحج إليه , وكفراً بعظمته , فإن الله تعالى غني عنه , كما قال سبحانه : {إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ } (7) سورة الزمر .

وناسب أن يذكر غنى الله تعالى عن الكافرين هنا بأن الله تعالى لم يوجب الحج على العباد لأنه محتاج إليهم سبحانه , بل ليعبدوه ويوحدوه , والحاجة في النهاية عائدة إليهم , فهم الفقراء إليه , وإلا فهو الغني جل جلاله , ولو اجتمع الناس قاطبة على عبادته فلن ينفعوه بشيء , ولو اجتمعوا كلهم على الكفر به لم يضروه بشيء .



والله تعالى أعلم .

مـغـتـرب 30-10-2011 02:23 PM

فوائد جميلة ووقفات مباركة
نفع الله بك
وجزاك الله خيراً

أبو سليمان الحامد 30-10-2011 08:05 PM


شكرا لك أخي مغترب على إطلالتك وتشريفك .



أبورامي 30-10-2011 10:44 PM

جزاك الله خير

أبو سليمان الحامد 02-11-2011 02:04 AM

شكرا لك أخي أبا رامي .



الحلقة الثالثة :
قال تعالى : {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ , وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} (26-27) سورة الحـج .
( وإذْ ) إذْ : هنا ظرف لما مضى من الزمان وهو معمول لفعل محذوف تقديره : " واذكرْ إذْ بوأنا " وهذا العامل يقدر في مثل هذه الآيات , والدليل على هذا التقدير قوله تعالى : {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ } (26) سورة الأنفال .
( بَوَّأْنا ) أي هيّأْنا , وجَعَلْنا ووطَّأْنا , والمراد : سهَّلْنا لإبراهيم تحديد مكان البيت , وهيّأنا له العثور على مكانه بعد أن رفع بعد الطوفان ( كما يقول أهل التفسير )
( مكان البيت ) أي مكان الكعبة , والبيت المراد به هو الكعبة كما قال تعالى : {جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } (97) سورة المائدة .
( أنْ لا تشرك بي شيئاً ) أنْ هنا تفسيرية لعلة التّبْوِئَة وتحديد مكان البيت , والمراد أن تيسير الله لإبراهيم مكان البيت يراد به الإخلاص لله تعالى ونبذ الشرك .
وقوله ( شيئاً ) نكرة في سياق النهي فتكون عامة لكل ما يمكن أن يُشْرَكَ به مع الله تعالى , فالآية تنهى عن كل الشرك صغيره وكبيره , ظاهره وباطنه .
قوله تعالى : " وطهِّرْ بيتي .. ) المراد تطهيرها من الأوثان والأصنام , وقيل من كل دَنَسٍ , وفي إضافة البيت إلى ضمير المتكلم العائد إلى الله تعالى تشريف لهذا البيت , وبيان علة التطهير من الشرك , وأنه بيت الله تعالى , المنَزَّهِ عن الشرك سبحانه .
( للطائفين ) للذين يطوفون بالبيت .
( والقائمين ) أي القائمين في للصلاة والعبادة .
( والركع السجود ) جمع : راكع وساجد , والمراد المصلِّين .
فهذه ثلاثة أوصاف للمصلين : " القائمين , الركع , السجود "
وهذا دليل عظيم على فضل الصلاة بشكل عام , وفضلها قرب البيت العتيق بشكل خاص .
والتعبير باسم الفاعل هنا " الطائفين , والقائمين , والركع السجود " دال على ثبوت الصفة في هذا البيت , لأن اسم الفاعل يدل على الدوام , وهذا دليلٌ على أن البيت لا يخلو من طائف أو قائم أو راكع أو ساجد .
وهل الطواف بالبيت أفضل أم الصلاة عنده ؟
خلاف بين أهل العلم .
فالذين قالوا بأفضلية الطواف استدلوا بتقديم الله له هنا وفي سورة البقرة " { وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (125) سورة البقرة .
ولأن الطواف لا يمكن أن يكون إلا بالبيت , فمن كان قرب البيت فالطواف به أولى لأنه لن يتمكن من الطواف في غير هذا الموضِع , في حين أن الصلاة تتم في أي مكان في الدنيا .
والقائلون بأفضلية الصلاة بأن الله تعالى خصها بثلاثة أوصاف " القائمين , والركع السجود " .
وما كان مذكورا بثلاثة أوصاف أفضل مما ذكر في وصف واحد .
وتوسط بعضهم : فقال إن كان من أهل الأمصار فالطواف له أفضل , وإن كان من أهل مكة فالصلاة له أفضل .
والخلاف مذكور في كتب الفقه والتفسير كما أشار إليه ابن كثير في تفسيره عند آية البقرة .
والآية ردٌّ على قريش الذين ملؤوا البيت أصناماً وأوثاناً , بأن الله تعالى أمر إبراهيم وهو الذي بنى البيت بأن يطهرها من كل رجس , وأن يطهرها من الأصنام والأوثان , فكيف تدنِّسُونَه بها , وأنتم الذين تزعمون تعظيمَهُ وسدانتَه ؟
فلما تجهز البيت بناءً وتطهيراً لقاصديه جاء دور العبادة العظمى التي يحتضنها البيت العتيق , إنه الحج الأكبر , والزيارة العظمى لهذا البيت الكريم لأداء الأنساك تعبدا لله وتقربا إليه , وحيئنذٍ أمر الله تعالى نبيّه إبراهيم أن ينادي الناس بالحج .
( وأذِّنْ ) أمرٌ بالأذان , وهو في اللغة الإعلام , أي قُمْ بدور الإعلام الصوتي لجميع الناس بأن الله تعالى شَرَعَ لَهُمْ الحجّ فليحجوا .
ومن إكرام الله تعالى لخليله إبراهيم أن جعل الناس يستجيبون لهذا النداء العظيم , الذي بلَّغه الله الآفاق , فأصبحوا يأتون أفواجا من كل مكان .
ولذلك قال : " يأتوك " أي إذا أذَّنْتَ فإن المحصلة لهذا العمل أنهم سيأتونك على الحال التي وصفتها الآية .
والفعل ( يأتوك ) مجزوم بحذف النون لأنه جواب الطلب ( أذِن ) , وجاء الجواب مضارعاً للدلالة على تجدد هذا الإتيان , وأنهم سيأتون ويأتون في كل وقتٍ وآن , وأنه سيذهب أناس ويأتي آخرون حتى يرث الله الأرضَ ومن عليها .
وفي التفسير أن إبراهيم عليه السلام سأل ربه : كيف يؤذن في الناس كلهم وصوته لا يبلغهم , فأخبره الله تعالى أن عليه الأذان وعلى الله البلاغ .. رواه ابن جرير عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما .
وهذا فيه دليل عظيم على فعل الأسباب , وأن الله تعالى يجري على عباده أسباب الأعمال , حتى ولو كانوا أضعف من القيام بها كلها , ولكنه سبحانه يعلمهم العمل والدأب وعدم الاتكال , وإنما بالتوكل على الله والقيام بما نيط بهم من عمل ولو كان يسيراً .
ومثل هذا قوله تعالى لمريم : {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} (25) سورة مريم
فالله تعالى قادر على أن يساقِطَ الرطبَ على مريم ولو لم تهز النخلة , ولكنه أراد لمريم أن تفعل السبب فتهز النخلة ولو باللمس , لأنه كيف بامرأة فيها المخاض وآلام الطلق والولادة أن تهز جذع نخلة , ومن المعلوم أن جذع النخلة من أقوى جذوع الأشجار الموجودة على وجه الأرض .
ومع ذلك أمرها بأن تهز قدر استطاعتها , لما ذكرنا , وهو ما فسره الفاروق بقوله لمن بات في المسجد لا يعمل ولا يسعى في الرزق : أما علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ؟
( رجالاً ) أي يمشون على أرجُلِهم , فهي جمع ( راجِل ) وهو الماشي , وليس جمع ( رجل ) كما يتوهم بعض العامة . وإعرابها ( حال منصوبة ) .
( وعلى كل ضامر ) الضامر هي الناقة الهزيلة ,, من ضمور البطن أي هزاله , وقد تكلق الضامر أيضا على الفرس , والمراد به هنا أنهم راكبون .
وقوله ( على كل ضامر ) حال بعد حال , فكأنه قال : يأتوك ماشين وراكبين .
( يأتين ) الجمع هنا يراد به النوق أو الخيول الضامرة , لأنه جمعَ فقال " كلّ ضامر " .
من كل فج : الفج : هو السبيل والطريق , وجمعُه : فِجاج كما قال تعالى : {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} (31) سورة الأنبياء .
عميق : أي بعيد .
وهذه النتيجة ( مجيء الحجاج راكبين وماشين من أقطار بعيدة ) استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين قال : " {رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} (37) سورة إبراهيم .
وفي الآية دليل على فضل عبادة الحج , وأن الله تعالى أوجبها على الأنبياء من قبل محمد صلى الله عليه وسلم , فهذا إبراهيم أبو الأنبياء وسيد الحنفاء يأمره بالله بالحج وأن يأمر الناس به , وأولى الناس باستجابة دعوته هم الأنبياء من بعده ومن ذريته .
وفيه دليل على فضل السير إلى الحج إما ركوبا وإما مشيا , لأنه استجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام حين أمره ربه بذلك , وإجابة نداء إبراهيم الذي نادى بأمر الله تعالى هو استجابة لأمر الله تعالى أولا وأخيرا , ولهذا شُرعَ للحاج أن يقول ملبيا الدعوة : " لبَّيْكَ اللهم لَبَّيْكَ "
أي إجابة لك بعد إجابة .
فالمسلم حين يلبي لله تعالى عليه أن يستشعر نداء إبراهيم عليه السلام في هذه الآية , ونداء محمد صلى الله عليه وسلم " أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا " رواه مسلم .
والتلبية لنداء الحج هنا مشابهة لتلبية نداء الصلاة حين يقول المنادي : حَيَّ على الصلاة , حَيَّ على الفلاح , فيقول السامع : لا حول ولا قوة إلا بالله .
فالحج والصلاة وشعائر الإسلام كلها قائمة على توحيد الله تعالى وطاعته والانقياد لأوامره , ونبذ الشرك والكفر .

نسأل الله تعالى أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم , وأن يرزقنا الفقه في دينه , إنه قريب مجيب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

كتبه الفقير إلى عفو ربه : علي بن سليمان الحامد .
5/12/1432هـ



الساعة الآن +4: 05:18 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.