بريدة ستي - خطبة بعنوان (الحبس ورعاية السجناء) في 24/8/1425هـ

الحمد لله نحمده . .
عباد الله لا يتصور مجتمع خالٍ من الشرور ، فهناك جرائم الأفراد ضد بعضهم ، وشعوب ضد أخرى ، والأقوياء ضد الضعفاء ، وقد جاء الإسلام بتشريع يمتاز بالسمو والدوام ، غايته تنظيم الحقوق بين الناس وفقاً لقاعدة العدل ، وقبل العناية بنظام العقوبات جاءت النصوص في بيان أهمية التربية وتهذيب الضمير والسلوك عن طريق ما شُرع من العبادات ، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والصوم شرع لعلكم تتقون ، حتى اختفت الجريمة المعلنة وانكمشت مظاهر المجاهرة ، وما ذاك إلا بسبب التدابير الواقية ، ومن ضمنها مشروعية الحبس ، والتي تجمع بين العقوبة والتهذيب . . وقد جاءت نصوص الشريعة وأعمال الصحابة كمستند للإجماع على الحبس لما فيه من المصالح ما لا يخفى ، ولو لم يكن الا حفظ المصالح رحمة بالمجتمع من انتشار الفوضى ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " إن قامة الحدود من العبادات ، كالجهاد في سبيل الله فينبغي أن يُعلم أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده، فيكون الوالي شديداً في إقامة الحدود لا تأخذه رأفة في دين الله . .
ومنها إقامة العدل ، فالناس سواسية أمام شرع الله في إقامة الحدود ، الشريف والوضيع ، ولا يخفى أمر المخزومية حين سرقت وتدخل الشفعاء ، فأنكر ذلك رسول الله  قائلاً : " أتشفع في حد من حدود الله . . " البخاري .
ومن مقاصدها استصلاح الجاني إذ فيها تطهير له فالحدود كفارة كما في البخاري : " ومن اصاب من ذلك شيئاً فعوقب به فهو كفارته . . " وكذلك التوبة النصوح ، فكم هم الذين خرجوا من السجون أسوياء ، وثمة شريحة نشاز يتعاطفون مع السجناء . . وماذا لو خطف لهم طفل ، أو سرقت سيارة أو كسر متجر ، ناهيك عن صور الردة والجرأة على مسلمات الإسلام ، وعند الحديث عن الحبس والسجون لا بد من وقفات :
منها : ليس السجناء كلهم مجرمين ففيهم المدين وصاحب المشكلة ، وليس الطلقاء براء من العيوب ، فكل أعرف بنفسه وإن لم تطله يد الرقيب .
وماذا عن العناية بأسر السجناء ، سواء الطلاب في المدارس ، أو الأسر في الأحياء ، أو متابعة قضاياهم في الدوائر الحكومية ، وما ذنب الأسرة حين تُقصى أو تدان ، ولا تزر وازرة وزر أخرى .
وماذا أُعد للسجناء في المعاقل ، وخلف القضبان ، فالعناية بالتربية والتعليم والمواعظ والبرامج الشرعية ، والأعمال المهنية التي تستوعب أوقات فراغهم ، وتُذهب عنهم السآمة والعقد النفسية ، وما الأسلوب الذي تتم فيه الزيارة سواء الخلوة الشرعية بين الزوجين ، أو لقاء الأسرة بوليها . والعمل على كسر الحاجز النفسي بين الأسرة ووليها والعكس .
ومثله الترفيه كأحد مطالب النفس البشرية ، وتطوير رسالة الباحث الاجتماعي لتؤدي دوراً فاعلاً في السجون .
وماذا أعددنا لهم بعد الخروج ، فالفرح بتوبتهم وتطهيرهم من الذنوب وفتح المجال دون سوط الماضي ، وتمكينهم من الأعمال التي يرفعون بها زلتهم ، ويُشغلون بها أنفسهم ، وهكذا ما الذي أعد لهم من مواقع تتابع سلوكهم وتأخذ بأيديهم ، وما الإشادة بتوبة الغامدية إلا تنويهاً بمنـزلتها وإن قتلت رجماً ، وما قوله  : " لا تعينوا الشيطان على أخيكم " لمن أُتي به فجلد، فقال أحد من حضر أخزاه الله ما أكثر ما يؤتى به . . إلا صور من عظمة هذا الدين الذي يرحم حين يعاقب ويحسن حين يحاسب ، والشماتة شؤم يلاحق الشامتين ، فاشكروا الله على العافية واسألوه لإخوانكم الخلاص من البلوى ، ما أنت يا ابن آدم إلا غرض تصوّب إليك سهام الأقدار . . إن أخطأك هذا أصابك هذا ، حين يتخلى عنك الحفظة ويجري عليك القضاء .
بارك الله لي ولكم في القرآن . . .

الخطبة الثانية
الحمد لله . .
ومن خلال زيارة السجون تفاجأ بأشخاص أوقفوا عند خلاف يحسمه مبلغ من المال زهيد أو ديون يسيرة غُيِّب فيها ربُّ أسرة عن العائلة ، فهل تحال هذه الحالات إلى الجهات الخيرية لدراستها ودعمها عبر ضوابط تضمن التهور والمحاباة ، مما لا علاقة له بالمعاصي والجنايات.
وماذا قدم عن مذكرات السجناء لتكون دروساً بأيدي الطلقاء .
أما عند تجربتي فقد أمضيت أكثر من عشرين سنة زرت فيها معظم سجون المملكة ورأيت أثر الوعي الاجتماعي على واقع السجون . . وكل سجين يدعي أنه مظلوم ، وفيها من صور التنظيم والبذل والدعوة وتواصل أهل الخير ما يسر الناظرين ومن رجال الأمن داخل السجن وصبرهم على السجناء ونفسياتهم وحساسية العمل معهم ما يشكرون عليه ، أما عن تصنيف السجناء فهو مطلب لا يزال ملح في عزل المجرمين عن المعسرين أو الشرفاء . . ومثله صاحب الزلة الأولى عن صاحب السوابق لئلا تنتقل العدوى ، وفي ظل الحديث عن الجهود المبعثرة في كل جانب فإن من بوادر الخير إعلان اللجنة الوطنية لرعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم ، لتكون من طبيعة عملها الجانب العلاجي والوقائي ورعاية شؤون الأسرة في تأمين حاجاتها عند غياب عائلها ، وهكذا تقديم الرعاية اللاحقة للسجناء والمفرج عنهم ، وهي تستهدف في أنشطتها السجناء ونزلاء الإصلاحيات ودور التوقيف ، والمفرج عنهم ، وأسر السجناء لتحقيق الأهداف السامية من وضع برامج إصلاحية داخل السجون ، وتذليل المشكلات المادية والمعنوية لأسر نزلاء الإصلاحيات والسجون ، ومساعدة المفرج عنهم ليعودوا أعضاء صالحين وتأهيلهم اجتماعياً ونفسياً ومادياً ومهنياً ، وتهيئة المناخ المناسب وتقبله في وسط أسرته ومجتمعه ، وهي أعمال جاءت بها الشريعة كأحد حقوق الفرد في المجتمع المسلم ، وتكريم الإسلام له ، وما يمتاز به المجتمع المسلم من تلاحم وتراحم ، والنظر إلى المخطئ على أنه مرشح للتوبة والرجوع وتذليل السبيل لذلك ، وأن لا يُعيَّر بذنب تاب منه أو جوزي به ، لتُخفف الصدمة ولوعة المعاناة التي قد تواجه السجين حين يخرج إلى أسرة تشتت وتفككت والوحشة من المجتمع ووخز الضمير وميادين البطالة المفتحة ، والصعوبات المادية المتلاحقة ، وملاحقة عناصر الفساد لإغراقه مرة أخرى في حمأة الرذيلة .
واللجنة الوطنية إذ تعلن وتطرح نفسها لتستند في كل ما مضى إلى أصول الشريعة وفتاوى العلماء ، ومنهم مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ حفظه الله حين أفتى بجواز دفع الزكاة لهذه اللجنة لتتولى الإشراف على أسلوب دفعه وتوزيعه ، وحسابها في بنك الراجحي بريدة ( 51412 ) فرع السادة .
لذا نهيب بإخواننا ونحن على مقربة من الشهر الكريم الوقوف مع هذه اللجنة وتشجعيها والتواصل معها في تنفيذ برامجها وما رسمته من أهداف.
وليعمل كل فرد على حصانة نفسه من الموبقات الإجرامية، أو المغامرات المالية أو الهيشات التي مآلها الحجر لمصلحة نفسه أو غيره ، والاجتهاد في التواصل مع أولادكم وكشف عواقب الانحراف ودعم كل عمر خيري وإصلاحي يكفل للمجتمع النـزاهة والسلامة ، عافانا الله وإياكم من الفتن . وصلوا وسلموا......