![]() |
عــــــــــــــــلاج القلق
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وليِّ الصالحين، غافرِ الذنب، وقابلِ التوب شديدِ العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبدُه ورسوله، وخليلُه وخيرتُه من خلقه، عليه من الله أزكى صلاةٍ وأتمُّ تسليم، وعلى آله وأصحابه ومن سار على ملِّته واقتفى أثرَه إلى يومِ الدين. أمَّا بعد.. القــلق د. صالح بن عبد العزيز التويجري 18-6-1427هـ أيها المسلمون: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى في المنشط والمكره، في السرِّ والعلانية ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾. عباد الله: في الإجازات كم هائل من فراغ قاتل وإن تنوعت وسائل القضاء أو الاستثمار فيها زيجات وسفرات وفيها امتحان وتحدي حين يختل البرنامج في كل جانب شهوات متباينة ومصالح متعارضة وتقاطعات بين مفاهيم ثلاثة أجيال ودعاوى إصلاح, إن عمقَ الإحساس بالدنيا وحبَّها يَلزَمُه أمنٌ وسلامٌ، ويستبطن خوفا وفواتا.. أنماطٌ عدَّة من حالات الخوفِ تفرضُ نفسها على وجودِنا، فأحدُنا سريع الخطى وبالحرص على الفرصة تتزايد السرعة، وآخرُ بطيء الحركة خوفًا من أثر العجلة ومخاطرِها .. قد يدركُ المتأني بعضَ حاجتِه . إن قانون الحياة في عالم الأحياء نمط واحد في معظم الأحيان. إننا نشهد في هذا العصر حضارة كبرى لم يشهد لها التاريخ مثيلاً جعلت الإنسان يعيش في راحة كبيرة؛ لكنها قصَرَتْ خدمتها على الجانب الجسدي وأهملت الجانب العقدي الذي يتميز به الإنسان عن غيره من الكائنات، وكان أهمُّ إفرازات هذا القصور مرض القلق الذي أدّى بكثير من الناس خصوصاً في الغرب إلى الانتحار،وفي العالم الإسلامي إلى تناول العقار ولم يجدوا له حلاً غيرَ الحبوب المهدئة. حتى غدا عصراً موحشاً على كثرة مؤنسيه، مقلقاًً على كثرة مهرجيه ومروجيه. إنه مليء بكل مسببات القلق لفاقدي الهدف، ومعصوبي البصائر. إحساس بالانقباض في الصدر، وعدم الارتياح، التفكير الملح، أرق وشرود ذهن، شعور بعدم الطمأنينة، إحساس بتشنج المعدة، كما قد يشكو من الخفقان أو برود في الأطراف، وقد يتحدث القلِقُ مع نفسه، أو يقضم أظفاره بأسنانه. قلِقٌ على المال، وفزِعٌ من المستقبل المجهول. شعورٌ بالوهن عن حمل المتاعب، وميلُ الإنسان إلى التوجس حتى من أبعد الأمور احتمالاً، خوفٌ من المرض والموت، قلقٌ على الأولاد تغذية وتربية، وقد يُحدث ذلك سوءَ الظن بالله، وزعزعةَ الثقة به وبحكمته وعدله إلا من رحم الله. لقد أكَّدت الدراسات الميدانية الحديثة أن القلق والاكتئاب ينتشران بصورة فعالة بين الأطفال والمراهقين، وذلك على حدٍ سواء بين الفقراء الأغنياء، بنسبة مفزعة، وأن أولئك المصابين لديهم الاستعداد المبكر لتعاطي المخدرات والكحول أكثر بمرات من غيرهم، كما أكدت الدراسات على أن مراهقي الإناث أكثر إصابة بالقلق من مراهقي الذكور، وأكدت بعض جولات الاستطلاع أن الخوف من الفشل والتسريح والبطالة من أهم أسباب قلق العمال بصورة عامة، ويظهر أثر ذلك على صورة اضطراب وضعف المقدرة على التركيز، وخفقان القلب، وقرحة المعدة، وأرقٍ واكتئابٍ دائمين. الضعف الجنسي الوهمي , لقد أصبح القلق أنواعاً وظهرت له اصطلاحاتٌ عند الأطباء:فـ(الرهاب الاجتماعي، والقلق النفسي ، والوسواس القهري، ونوبات الهلع أو الرعب). وانتشرت العيادات النفسية، وظهر المختصون النفسيون على القنوات الفضائية.. كحاجة ملحة لعلاج هذه الظاهرة المفزعة والداء القاتل.. فهل كل قلق يكون سلبياً؟وهل كل قلق حقيقي أم وهمي؟ وهل له أصل في الشريعة؟ وهل يمكن استثمار القلق؟ إن القلقَ المفيدَ الذي يحمل على الإنتاج والتوقي والإقدام لا يعد مرضاً؛ بل هو قلق طبيعي إيجابي؛ لكن ثمة قلق مرهق مؤرق يحدث الضعف ويورث العجز، ويوقف الإنتاج، ويوهن القوى، ويعمي القلب.. هذا هو المرض الفتاك.. ولا بد من معرفة أسبابه ودوافعه.. وقد يكونُ مع المستعجلِ الزَّللُ وربما فاتَ قوماً جُلُّ مَطلبِهم من التأني وكان الأمرُ لو عَجِلُوا عباد الله: إن من أهم أسباب هذا الداء: ضعف الإيمان، والإسراف في المعاصي: يقول الله جل وعلا: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾[طه:124]. ويقول سبحانه: ﴿ فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنعام:125]. وفي مسند الإمام أحمد عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " مَنْ كَانَ هَمُّهُ الْآخِرَةَ جَمَعَ اللَّهُ شَمْلَهُ، وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ وَمَنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ الدُّنْيَا فَرَّقَ اللَّهُ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنْ الدُّنْيَا إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ". المسند (20608)، ومن أسبابه كما يقول المختصون: كثرة المصائب، أو عدم الارتقاء للمنزلة الاجتماعية المرغوبة، أو عدم القدرة على تأمين مستوى معيشي مناسب، أو النزاع والشقاق في الأسرة، أو الخوف على الرزق، أو التصور المقلوب في جمع المال إذ يتصور الكثير أن جمع ثروة كبيرة سبب للسعادة وزوال القلق، كل ذلك من أظهر أسباب القلق، وكل ذلك يدفع إلى الهم والغم ويفقد الصبر والسكينة. قال بعض السلف: " مَا دَخَلَ هَمُّ الدَّيْن قَلْبًا إِلَّا أَذْهَبَ مِنْ الْعَقْلِ مَا لَا يَعُودُ إِلَيْهِ" (عون المعبود 3/463) ولذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن". أخرجه البخاري (2679)من حديث أنس. بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات الذكر الحكيم ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.. الخطبة الثانية: الحمد لله ولي الصالحين ، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وعلى آله وصحبه والتابعين. عباد الله: إن غالب الأمراض النفسيّة تأتي من أفكار تتأثر بها أعصاب الإنسان، فتتغيّر بها نظرته إلى الحياة، ويضطرب سلوكه بوجه عام، وعلاج المرض يكون بعلاج أسبابه، عن طريق تصحيح العقائد والأفكار، وقد صحّ ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإنّ في الجَسد مُضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسَدتْ فسد الجَسد كلُّه، ألا وهي القلب"(أخرجه البخاري (50) فالقلب مستقَرُّ العقيدةِ، ومبعثُ الوجدانِ، والدينُ الإسلامي علاجٌ للأمراض العقليّة والنفسيّة؛ بل والجسدية أيضاً، فهو يُزيل الشكَّ، ويثبِّت اليقين، فالعبادة وقراءة القرآن وذكر الله والدعاء من أنفع أنواع العلاج للأمراض النفسيّة، والرسول صلّى الله عليه وسلم كان إذا حزبه أو أحزنه أمر فزع إلى الصلاة كما في الحديث: "وجُعلَت قرّة عَيني في الصلاة" (أخرجه النسائي عن أنس(3878)وصححه الألباني السلسلة الصحيحة(1107))، وقد ورد في السنة النبويّة أدعية لتفريج الهَمِّ والكرب وإزالة الخوف والقلق وكل ذلك يجتمع مع الإيمان بأن الله حكيم في قوله وفعله، والرّضا والصبر بما قدر الله. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ" أخرجه ابن ماجه (3809) ، و عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ". أخرجه مسلم (4909). وصدق الله ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ [الرعد: 28]. أيها القلِقُ: عش حاضرَك. استفد من تجارب الماضي وخطِّط لتوقعات المستقبل، واجه المخاوفَ فمعظمُها لا حقيقةَ له. كن شجاعاً في مواجهة المصاعب. تقبَّل الواقعَ فرؤيتُك هي واقعُك. تذكرْ أخطارَ القلق، أشغل نفسك بالمفيد "متى توفر الوقت للتفكير بسعادتك أو بشقائك فإنك في الغالب تشقى"! وجه اهتماماتك إلى الناس والعمل والأهداف الطموحة. تعلم فن النسيان: "وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ" أخرجه مسلم عن أبي هريرة (4816). لا تتخذ موقفاً من كل حادثة تمُر. دع الأمورَ تجري في أعنتها.. استصغر الحوادث المؤلمة والمزعجة. اصنع الابتسامة. تدرب على الاسترخاء . أصِّل معاني الحب: كيف تحب ربك، ودينك، ووطنك، ونفسك، وأهلك، والمسلمين؛ بل والحياة. ابدأ بالذكر في بداية اليوم؛ ذكر نفسك بالإيجابيات التي تملكها وبث في نفسك روح التفاؤل والإيجاب. استمر في فعل ذلك أياماً. أخي القلِق: تفاءل: حتى ولو أحاطت بك السلبيات؛ فالتفاؤل من الإيمان والتشاؤم من الشيطان، وبالتفاؤل تبنى النفوس. أوجد الحماس في الأعمال اليومية والمتكررة، وابتكر وأبدع. تحدث عن النجاح: وامدح الناجحين. أوجد البيئة الإيجابية: انتبه لمن تصاحب.. رافق الناجحين.. تجنب السلبيين.. بث الإيجابية في الآخرين. جدد ما حولك: اخرج من المألوف شارك الناس: لا تكن متفرجاً.. تبادل وجهات النظر.. لا تحقر أحداً أبداً. خطِّط للنجاح: ضع برنامجاً لغاياتك وأولوياتك وطموحاتك.. خطط حتى ولو لم تنفِّذ.. كن طموحاً.. لا تستجب للمغالطات: انتبه للمغالطات الاجتماعية وجمّع من الأمثال العربية والإعلام وبعض أقوال المشاهير. اهتم بنفسك واسمح لها أن تتمتع.. اصدق مع ذاتك: لا تكذب ولا تخادع. التزم بالصلاة واصطبر عليها.. تعلم الخشوع.. اجعل وقت الصلاة للصلاة.. لا تشغل فكرك بغير ذلك، أكثر من النوافل حتى يحبك الله. وليكن الدعاء بيقين.. واصحبه بالعمل الصالح وصدق المقصد وحسن المطلب والإلحاح المستمر حتى يتحقق المراد. ابدأ بالذكر عند أول فكرة سلبية.. التوكل وحسن الظن: اعمل بهدوء، وتقبل وأحسن الظن بالله.. كن راضياً ولا تتذمر من الحوادث.. قل "ربما "، أو تبسم..لا تيأس من روح الله. "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ". |
جزاك الله خيراً......................
|
جزاك الله خيرا دكتور صالح ونفع الله بك
|
بارك الله فيكم ياشيخ ونفع بك الإسلام والمسلمين ..
ولي طلب يا شيخي أن تكتب لنا قراءتك للأحداث الراهنه في لبنان وفلسطين والعراق لنستضيء بآراء العلماء الناصحين ونكون على بينه من أمرنا وبالواجب المحتم علينا .. تحياتي وأشواقي :) |
الساعة الآن +4: 11:57 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.