بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد :

أعتذر للقراء الكرام إن كنت أزعجتهم في المواضيع هذه الأيام ؛ ولكن مقصدي هو الفائدة وهذه المواضيع نحتاج إليها هذه الأيام كثيراً ، ونحن نستفيد منكم جميعاً ، فلا تحرموننا تعليقاتكم

المسألة التي سنتدارسها هنا هي ( من أراد أن يذكي الذبيحة أو الأضحية ثم نسي أن يسمي فهل تجوز هذه الأضحية أم لا تجوز ؟ )
وقع بهذا خلاف قوي بين أهل العلم ، وبالمناسبة فإن القول القوي في هذه المسألة الذي يحمل الأدلة القوية هو القول بأن الذبيحة التي لم يذكر اسم الله عليها سواءً عمداً أو نسياناً أو جهلاً ؛ فإنها تحرم ولا يجوز أكلها بل تكون كالميتة ، وهذا القول هو رواية عن الإمام أحمد واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال : وهذا قول جماعة من السلف . وهذا هو اختيار العلامة ابن عثيمين رحمه الله ، واستدلوا بأن التسمية شرط وجودي والشرط الوجودي لا يسقط بالنسيان كما لو صلى بغير وضوء ناسيا ، فإن صلاته لا تصح .
قال ابن عثيمين رحمه الله :
( فإن قيل : ما الجواب عن قوله تعالى : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)(البقرة: 286) ، وقد فعل سبحانه وتعالى ، وقوله تعالى : ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم)(الأحزاب: 5) والجاهل مخطئ ، والناسي لم يتعمد قلبه ، وقد رفع الله عنهما المؤاخذة والجناح .

قلنا : الجواب : أننا نقول بمقتضى هاتين الآيتين الكريمتين ولا نعدو قول ربنا ، فمن ترك التسمية على الذبيحة ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح ، لكن لا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته ، فإن حل ذبيحته أثر حكم وضعي حيث إنه مرتب على شرط يوجد بوجوده وينتفى بانتفائه ، وأما المؤاخذة والجناح فهما أثر حكم تكليفي من شرطه الذكر والعلم ، فلذلك انتفيا بانتفائهما .

يوضح ذلك : أنه لو صلى بغير وضوء ناسيا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح ، ولا يلزم من انتفائهما عنه صحة صلاته ، فصلاته باطلة وإن كان ناسيا لفقد شرطها الوجودي وهو الوضوء .

ويوضح ذلك أيضا : أنه لو ذبحها في غير محل الذبح ناسيا أو جاهلا فلا مؤاخذة عليه ولا جناح ، ولا يلزم من انتفائهما عنه حل ذبيحته ، فذبيحته حرام لفقد شرطها الوجودي ، وهو إنهار الدم في محل الذبح . ) انتهى كلامه رحمه الله .

ومذهب الشافعية بنقيض هذا القول وهو أن التسمية سنة وليست واجبة ، ولا شك أن الدليل الصريح يخالف قولهم رحمهم الله قال تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } وقال النبي صلي الله عليه وسلم (( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا )) رواه البخاري وغيره .

وذهب جمهور أهل العلم أن التسمية شرط إلا عند النسيان فلا بأس ، واستدلوا بأدلة منها ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ) وغيره من الأدلة ، وتقدم جواب الشيخ محمد رحمه الله على الإستدلال بهذه الآية .

ومقصدي من ذكر هذا الخلاف هو أن لا نتهاون بأمر التسمية ، ولنعلم أن الخلاف في هذه المسألة قوي ومعتبر وعلى هذا فلننبه أنفسنا ومن حولنا ممن يذكي أن يحرص أشد الحرص على أن لا ينسى التسمية أبداً ، فكما أنه لا ينسى السكين التي سيذبح بها ؛ فإذاً لا ينسى التسمية وقد جمعت النصوص بينهما ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ) ولنعلم أن ابن تيمية وابن عثيمين وغيرهم يجعلون الذبيحة التي نسي أن يذكر اسم الله عليها يجعلونها ميتة لا يجوز أكلها والله أعلم .

المشاركة الأساسية كتبها المتزن (المشاركة 519121) بارك الله فيك يا عمر وزادك الله من فضله وبركاته . سر على هذا النهج , فوالله إن فيه فوائد جمة لعل من أبرزها سعة الإدراك وتفتق الذهن على المسائل الفقهية الخلافية كما أن هذا النهج يجعلنا نتفهم الأقوال المخالفة لأقوالنا ونعذر من يختلف معنا . وأتمنى منك في المستقبل - فضلاً لا أمراً - أن تركز على المسائل الفقهية الخلافية التي يتشدد فيها مجتمعنا فلا يعذر من يختلف معه فيها !!! والأمثلة كثيرة لا تخفاك أيها الفاضل . وتقبل تحياتي 00 المتزن