![]() |
=:: نصيحة جامعة في أهمية الحسبة للعلامة : ابن إبراهيم ::=
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن إبراهيم إلى إخواننا المسلمين ، جعلنا الله وإياهم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه . آمين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو القطب الأعظم في الدين ،والمهم الذي ابتعث الله له الأنبياء والمرسلين ، فلو طوي بساطه وأهمل علمه وعمله لفشت الضلالة ، وشاعت الجهالة ، وخربت البلاد ، وهلك العباد ، قال الله تعالى :(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون((122) فنعوذ بالله من اندراس هذا المهم العظيم ، واستيلاء المداهنة على القلوب وذهاب الغيرة الدينية . إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو عنوان الإيمان ،ودليل السعادة والفلاح ، قال الله تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ، ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ،ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم((123) وقال تعالى :(ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون((124) وقال تعالى :( كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ، ولو آمن أهل الكتاب لكان خيراً لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون((125) . وقال تعالى :( لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى بن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون . كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون((126) وهذا غاية في التغليظ ، إذ علل استحقاقهم اللعنة باستهانتهم بأمر الله ، وتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وروى أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ثم يلعنكم كما لعنهم "(127) . وعن حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليشكن الله أن يبعث عليكم عذاباً من عنده ثم تدعونه فلا يستجاب لكم"(128) وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :" إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه . وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أوحى الله إلى جبريل عليه السلام أن اقلب مدينة كذا وكذا بأهلها . قال : يارب إن فيهم عبدك فلاناً لم يعصك طرفة عين . قال : فقال اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر في ساعة قط" وعن جرير مرفوعاً " ما من قوم يكون بين أظهرهم من يعمل بالمعاصي هم أعز منه وأمنع لم يغيروا عليه إلا أصابهم الله بعذابه " رواه أحمد وغيره . وفي مراسيل الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم :" لا تزال هذه الأمة تحت يد الله وفي كنفه مالم يمالئ قراؤها أمراءها ، ومالم يزك صلحاؤها فجارها ، ومالم يهن خيارها أشرارها ، فإذا هم فعلوا ذلك رفع الله يده عنهم ، ثم سلط عليهم جبابرتهم فيسومونهم سوء العذاب ثم ضربهم الله بالفاقة والفقر " وذكر ابن أبي الدنيا ، عن إبراهيم ابن عمر الصنعاني ، قال : أوحى الله إلى يوشع بن نون : إني مهلك من قومك أربعين ألفاً من خيارهم ،وستين ألفاً من شرارهم . قال : يارب هؤلاء الأشرار ، فما بال الأخيار؟ قال : إنهم لم يغضبوا لغضبي ، وكانوا يواكلونهم ، ويشاربونهم .وذكر الإمام أحمد من حديث ابن عمر مرفوعاً :" لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم فيسومونكم سوء العذاب ثم يدعوا خياركم فلا يستجاب لهم " " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليبعثن الله عليكم من لا يرحم صغيركم ولا يوقر كبيركم" . وفي الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ماطفف قوم كيلاً ولا بخسوا ميزاناً إلا منعهم الله القطر . وما ظهر في قوم الزنا إلا ظهر فيهم الموت وما ظهر في قوم الربا إلا سلط الله عليهم الجنون . ولا ظهر في قوم القتل يقتل بعضهم بعضاً إلا سلط الله عليهم عدوهم . ولا ظهر في قوم عمل قوم لوط إلا ظهر فيهم الخسف . وما ترك قوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا لم ترفع أعمالهم ولم يسمع دعاؤهم" . وفي الصحيح من حديث أبي سعيد ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" من رأى منكم منكراً فليغيره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان " وفي رواية " وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردلٍ" وعن النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" مثل المداهن في حدود الله والواقع فيها : مثل قوم استهموا على سفينة ، فصار بعضهم في أسفلها وصار بعضهم في أعلاها ، فكان الذي في أسفلها يمر بالماء على الذين في أعلاها فتأذوا به ، فأخذ فأساً فجعل ينقر أسفل السفينة ، فأتوه فقالوا : مالك . قال : تأذيتم بي ولا بد لي من الماء . فإن أخذوا على يديه أنجوه ونجوا أنفسهم . وإن تركوه أهلكوه وأهلكوا أنفسهم " رواه البخاري . والأحاديث في الحث على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كثيرة جداً . فاتقوا الله عباد الله . وهبوا من رقدتكم ، واستيقظوا من غفلتكم ، وقوموا بأمر ربكم ، ومروا بالمعروف ،وانهوا عن المنكر ،وتناصحوا فيما بينكم ، وتواصوا بالحق ، وتواصوا بالصبر . وكل إنسان مسئول بحبسه ، وعلى قدر طاقته واستطاعته ، ففي الحديث :" ما منكم من أحد إلا وهو على ثغرٍ من ثغور الإسلام ، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبله " . وعلى الآمر بالمعروف أن يستعمل أنجع الوسائل لإزالة المنكر وتغييره قال الله تعالى :(أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن"(129) . كما أن عليه أن يصبر ويحتسب إذا أوذي في الله أو أسمع ما يكره قال تعالى حاكياً عن لقمان في وصيته لابنه :(يابني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور) (130) . والقائم في هذا الأمر ستكون له العاقبة الطيبة والذكر الجميل قال تعالى :(والعاقبة للمتقين((131) . وعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقوم بذلك على الغني والفقير ، والقريب والبعيد ،والشريف والوضيع ، ولا يخاف في الله لومة لائم . ففي حديث عائشة رضي الله عنها : " إنما هلك بنو إسرائيل أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد . وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " . وتحرم الشفاعة لأهل الجرائم ، فعن ابن عمر مرفوعاً :" من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره " . وفي الموطأ :" إذا بلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع" وفي الصحيح من حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :" لعن الله من آوى محدثاً" . أعاذنا الله وإياكم من أسباب غضبه وأليم عقابه ، وهدانا وإياكم الصراط المستقيم .وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين . ( 18/9/1376هـ) (132) ________________________________________ (121) يقترن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالجهاد في أحكام ، ويفترقان في أحكام ، فلذلك أفردت الجهاد بمسائله ،وقدمت مسائل الأمر بالمعروف اتباعاً لبعض المؤلفين . وبعضهم يجعله في أول " كتاب الجهاد" . (122) سورة الروم ـ آية 41 . (123) سورة التوبة ـ آية 71 . (124) سورة آل عمران ـ آية 104 . (125) سورة آل عمران ـ آية110 . (126) سورة المائدة ـ آية 78 . (127) وفي هذا المعنى أحاديث رواها الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وغيرهم . (128) أخرجه أبو داود والنسائي . (129) سورة النحل ـ آية 125 . (130) سورة لقمان ـ آية 17 (131) سورة الأعراف ـ آية 128 . (132) ويأتي في "النصائح العامة" أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الواجبات على الوجه الشرعي ، واقامة الحدود والتعازيز على المنهج المرعي في الفتوى الصادرة بتاريخ(14/9/73هـ و 13/3/78هـ) ويأتي في (باب الغضب) أن انكار المنكر فرض كفاية ، إذا قام به من يكفى فذاك ، والا تعين على جميع من علم به ، ولكن بشرط أن لا يترتب على اتلاف ما ذكر منكر أكبر منه . |
الساعة الآن +4: 07:08 PM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.6
Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.