الإنـسـان بـيـن طـفـولـة وطـفـولـة !!
بسم الله الرحمن الرحيم
للإنسَانِ طفولتان في حَياتهِ ، أُولاهُمَا لازِمَةٌ مُصَاحِبَة لحياته إذ هي طَورٌ مَرحَليٌ ؛
وهي طفولةُ
عُمُرِهِ وأيامِه
وهي أطولُ طفولةٍ لكائنٍ حيٍ يَدُبُ على هذه الأرض ، فهي مَهدُ أيامِهِ ، ومُستَودَعُ ثقافته
وبنائه ؛ ولا مَلامَ عليه في تلك الطفولةِ العمرية لأنها ضرورة لازمة من ضرورات حياته .
أما الطفولةُ الأخرى وهي طفولةُ العقلِ
فهي داءٌ عُضَالٌ ومرضٌ فتاك يُودِي بِكَيانِ صاحبه ، فيجعله في
غيبوبةٍ من عقلهِ ، إذ يُغَطي عَقلَهُ سحابةٌ كثيفةٌ من ضَعفِ الفِكرِ وقِصَرِ النَظَرِ ،
فعينُ عَقلِهِ لاتتخطى أقدامه في رؤيته ،
لا يمكنه أبداً أن يَستَبطِنَ حكمة مَخبُوءَةً ، ولا أن يرى آيةً شاخِصَةً لأن آفته في عقله وعلته في فكره .
لا يُمكِنُ الخُلُوصُ إلى عَقلِهِ لإثباتِ فِكرَةٍ عَمِيقَةٍ مهما كانت البَرَاهِينُ قويةً والأدِلَةُ واضِحَةً ،
وأصحابُ الطُفُولاتِ العَقليةِ هُم بَلاءُ الأُمَمِ إذا ضُرِبَت بِهِم في مَقَاتِلِهَا حِينَ يُسنَدُ إليهم ولا بدَ أمرٌ أو عملٌ ،
وصاحبُ الفكرِ العَمِيقِ يرى أن مثلَ هذه الآفةِ وليدةَ ظروفٍ بيئيةٍ تحيطُ بِصَاحِبِهَا مُنذُ نُعُومَةِ أظفارِهِ ،
وهذه الظروفُ تتمثلُ في غِيابِ التربيةِ الرشيدةِ الوَاعِدةِ التي تُعَولُ دائماً على رَبطِ الأسبابِ بالمسببات ،
وإرجاعُ كل شيءٍ إلى أصلهِ ، وعَقدُ الصِلَةِ الدَائِمةِ بين المُقَدِمَاتِ والنتائجِ ، وعدمُ إعطاءِ الناشئ
فُرصَةً أن يُفَكِرَ وأن يُشَارِكَـ وأن يُجِيلَ خَاطِرَهُ أو يُحَرِكَ فِكرَهُ ،
وثَمةَ سَببٌ آخرَ هام يؤدي إلى الطفولةِ العقليةِ ألا وهو غِيابُ المَثلِ الأعلى الذي يُمَثِلُ الأبُوةِ الرُوحِيةِ
التي تُمِدُ الأجيالَ بِمَددٍ دافقٍ من العطاءِ الدائمِ ،
فمتى غابَ المثلُ الأعلى في أذهانِ الناشئةِ ضَاعَ العقلُ وخفَ الفِكرُ وتلاشَتِ الهمَةُ التي تَجعلُ صَاحِبَهَا
يَعِيشُ لِغَايةٍ سامِيَةٍ .
ويَجِبُ على المُجتَمَعَاتِ النَاهِضَةِ أن تُعنَى أيمَا عِنَايةٍ بِوضعِ بَرامِجَ مُحكَمَةٍ لِمَحقِ هذه الآفَةِ وإبدالها
بأصحابِ عُقُولٍ حُرةٍ وأفكَارٍ مُستنيرةٍ وبَصَائِرَ ثَاقِبَةٍ .
.
.
آخر من قام بالتعديل الترياق; بتاريخ 02-06-2008 الساعة 11:44 PM.
|