بسم الله الرحمن الرحيم
{
لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ}
[المجادلة: الآية22].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – "
ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب و السنة ، أو العبادات المخالفة للكتاب و السنة ، فإن بيان حالهم و تحذير الأمة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين ، حتى قيل لأحمد بن حنبل : الرجل يصوم و يصلي و يعتكف أحب إليك أو يتكلم في أهل البدع ؟ فقال : إذا قام و صلى و اعتكف فإنما هو لنفسه ، و إذا تكلم في أهل البدع فإنما هو للمسلمين ، هذا أفضل . فبين أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم ، و من جنس الجهاد في سبيل الله ، إذ تطهير سبيل الله و دينه و منهاجه و شرعته ، و دفع بغي هؤلاء و عدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ، ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين ، و كان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب ، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب و ما فيها من الدين إلا تبعا ، و أما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء "
الفتاوى (28/231)
و اليوم في هذه البلاد المباركة ، بلاد السنة ، نرى الأعناق تشرئب للقيا هؤلاء ، من أهل الضلال من المبتدعة كالرافضة و أهل التصوف ، و إكرام أهل الأهواء من دعاة التغريب من العلمانيين و الليبراليين و غيرهم من أصحاب الزندقة و الإجرام في دين الله و شعائر الله .
يقول الحافظ اللالكائي : "
فما جنى على المسلمين جناية أعظم من مناظرة المبتدعة ، و لم يكن لهم قهر و لا ذل أعظم مما تركهم السلف على تلك الجملة يموتون من الغيظ كمدا و دردا ، ولا يجدون إلى إظهار بدعتهم سبيلاً ، حتى جاء المغررون ففتحوا إليهم طريقا ، و صاروا لهم إلى هلاك الإسلام دليلاً ، حتى كثرت بينهم المشاجرة ، و ظهرت دعوتهم بالمناظرة ، و طرقت أسماع من لم يكن عرفها من الخاصة و العامة ، حتى تقابلت الشبه في الحجج ، و بلغوا التدقيق في اللجج ، فصاروا أقرانا و أخدانا ، و على المداهنة خلانا و إخواناً ، بعد أن كانوا في الله أعداء و أضدادا ، و في الهجرة في الله أعوانا"
أصول السنة (1/19)
و قد أطبق السلف على ذم مجالسة أهل البدع و الأهواء و التلطف معهم ، و ما ذاك إلا صيانة للتوحيد ، و حماية لشعائر الله أن يُعبث بها ، فعن أوس بن عبد الله الربعي أنّه كان يقول : "
لأن يجاورني القردة و الخنازير في دار ، أحب إليّ من أن يجاورني رجل من أهل الأهواء " .
رواه اللالكائي في شرح أصول الاعتقاد (1/131 ) ، و ابن بطة في الإبانة الكبرى( 2/ 467 )..
قال الإمام الشاطبي رحمه الله : "
كل من ابتدع في دين الله فهو ذليل حقير بسبب بدعته ، و إن ظهر لبادئ الأمر في عزّه و جبروته ، فهم في أنفسهم أذلاء ، ألا ترى أحوال المبتدعة في زمان التابعين ، و فيما بعد ذلك ؟! حتى تلبسوا بالسلاطين و لاذوا بأهل الأرض ، و من لم يقدر على ذلك استخفى ببدعته ، و هرب بها عن مخالطة الجمهور "
الاعتصام للشاطبي ( 1/126) .
و هذا ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بقوله : "
إنّ الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ، و لا يصلى خلفهم ، و لا يؤخذ عنهم العلم "
. مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 28/205 )
قال يوسف ابن أسباط : "
ما أبالي سألتُ صاحب بدعة عن ديني ، أو زنيت " .
الإبانة الكبرى ، لابن بطة ( 2/459 ).
و عن سلام بن أبي مطيع أن رجلاً من أصحاب الأهواء قال لأيوب السختياني : "
يا أبا بكر ! أسألك عن كلمة " ؟ قال أيوب – و جعل يشير بإصبعه - : "
و لا نصف كلمة ، و لا نصف كلمة ".
الإبانة الكبرى ، لابن بطة (2/447 ) و شرح السنّة ، للبغوي ( 1/227 ).
إننا اليوم نواجه خللاً كبيراً في مفهوم المولاة و المعاداة في الله ، حبا لله ، و طاعة له ، و إن كنا نرى هذا المرض وهو مجالسة المبتدعة و أهل الأهواء و التلطف لهم قد بدا يدب في أوساط طلبة العلم بل و بعض المشايخ من أهل الدعوة و الاحتساب ، من دون سبب معتبر ، و إنما هي اللقاءات الإعلامية ، و الاجتماعات السياسية ، و نحن في هذه البلاد ، قلعة التوحيد و عاصمة السنة لسنا بحاجة إلى التلطف مع هؤلاء ، فقد أكرمنا الله بالتمسك بالسنة و ظهورها و لله الحمد و المنة ، يعيننا على ذلك قوة الإيمان ، قوة السلطان ، فلم التخلي عن ذلك .؟.يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "
إذا كانت المحبة والإرادة أصل كل عمل وحركة.. عُلِم أنَّ المحبَّة والإرادة أصل كل دين، سواء كان ديناً صالحاً أو ديناً فاسداً "
جامع الرسائل، قاعدة في المحبة(2/193).
إن هؤلاء المميعين للولاء و البراء من خلال لقاءاتهم و اجتماعاتهم المنشورة فإنهم يُغررون بالعامة ، و يُهونون عليهم ، بأسماء لا يقبلها الدليل ، و لا تُسوَّغ بالتعليل ، و إنما هي جري وراء أوهام و حديث نفس و أمانٍ يزينها شياطين الإنس و الجان باسم الوحدة الوطنية ، أو الائتلاف و نبذ الفرقة ، و أذكر في هذا كلمة لشيخا الجليل عبدالعزيز الطريفي يقول "
إذا اختلفنا على الله فعلى ماذا نتفق ..؟ " فإن كان هناك من لقاء لغرض الدعوة فليكن بمعزلٍ عن الإعلان له ، و التهريج من أجله ، و إن انتشر هذا اللقاء فليُبين السبب الذي دعا إليه ، كي لا يغترّ الناس ، أو يظن بهذا الشيخ أو العالم أمر السوء .
إن دين الله عزيز ، فلا ينبغي تدنيس أنفسنا و عزتنا بالالتفات إلى هؤلاء ، بل يجب قمعهم و كبتهم و إخماد نار بدعتهم ، و هذا الأمر مناط بكل فرد ، من كبيرهم إلى صغيرهم ، و لكل صاحب شأن ما يناسبه من المسؤوليات ، فالحاكم له دور و العالم له دور و طالب العلم له دور ، و الإعلامي له دور ، و كل يشارك في كبت هؤلاء ..
:::أما أنت أيها المبارك فلعلك تتساءل ما هو دوري :::
فأقول : أخلص وجهك لله ، و اجتهد في طلب العلم فما قمعت بدعة و لا أخمدت فتنة إلا بهذا العلم ، فاحرص على التفقه في دينك ، و أخص بذلك علم العقيدة و التفقه في السنة ، فالأيام حُبلى ، و إن كان هناك اليوم من يقوم بمجابهة هؤلاء الضُلال ، فإن الكفاية لم تقم ، و لا يزال الناس يتلقفون هذه الشبهات ، و يغترون بهذه الشهوات ، فكن أنت الطود الشامخ دون كل من يريد مساسا بدينك أو عرضك أو وطنك ، و من يُريد مقارعة هؤلاء فليجد في طلب العلم ، حتى يأتي ذلك اليوم الذي يشهر سلاحه في وجه أهل البدع و الأهواء , والزنادقة المارقين ..
و ختاماً أذكر ما يناسب هنا من الكتب التي ينتفع بها الإنسان لمن أراد التوسع ، فيقرأها على شيخ أو يجمع عدداً من أخوته لدراستها و تدارسها ، و بطلع على بعض ما شرحه العلماء منها . و من ذلك : الرد على الجهمية و الزنادقة ، و أصول السنة ، كلاهما للإمام أحمد ، و شرح السنة للبربهاري ، و الإبانة الكبرى و الإبانة الصغرى لابن بطة العكبري ، و السنة للمروزي ، و السنة لعبدالله بن الإمام أحمد ، و عقيدة السلف لأبي عثمان الصابوني ، و الباعث على إنكار البدع لأبي شامة ، و شرح أصول اعتقاد أهل السنة للالكائي ، و الاعتصام للشاطبي .
أسأل الله تعالى أن يهدينا لصراطه المستقيم ، و أن يحيينا عليه ، و يتوفانا عليه غير مبدلين و لا مغيرين ولا مفتونين .
أخوكم / عبدالله