[ 4 ]
::: تواضع لي فخجلت منه [ لحظات مع الكبار ]:::
انطلقت ذات مساء إلى مركز الأمير سلطان لأمراض القلب لزيارة أحد الأقارب المنومين هناكـ ، فلما دخلت تعجبت من كثرة الداخلين الزوار على غير عادة عهدتها ، و لفت انتباهي وجود عدد من المشايخ و الشباب الذين ظهروا بمظاهر تسر الناظرين ، و ذلك من خلال تمسك و إحياء للسنن الظاهرة ..
ركبت المصعد الكهربائي فإذا معي في المصعد : الشيخ محمد العريفي ، و الشيخ راشد الزهراني ..!
انطلقتُ إلى بُغيتي و زيارة ذلك القريب ، فأخبرني أن والدنا الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين منوم منذ أيام من أجل القلب ، فقلت لعلي قبل الذهاب أمر به و أسلم عليه ، و أمثال هؤلاء رؤيتهم شرف ، و السلام عليهم و النظر في حركاتهم و سكناتهم مما يربي الإنسان على خلقهم ..
سألت عن غرفة الشيخ ، فأرشدتني الممرضة إلى مكانها ، و ذهبت هناك ..
فلما أقبلت إذا بي أرى جمعاً من الناس جلوس في غرفة كأنها مجلسٌ عربي ، و رأيت الشيخ في زاوية المجلس لابسا شماغه ، دخلت و سلمتُ بصوتٍ عالٍ ، ووالله لم يقف لي إلا الشيخ و هذا من نبله و أصالته ، في الحقيقة لم أكن أتوقع أن يقف الشيخ من أجلي ، فانتظرت لعله رأى أحداً خلفي يُريد الدخول ، ممن هو أعلى مني شأنا ، و التفت عن يميني و عن شمالي ، لعله قام من أجل غيري ..!
و لكنه حفظه الله ما قام إلا لي ، فأصبحت في موقف محرجٍ ، فسلمت عليه و قبلتُ رأسه ( بالغصب ) ، لأنه لا يرتضي لأحد أن يقبل رأسه ، إلا بشق الأنفس .
و بعدما رجعت ، لقيت أحد أقاربه ممن أعرفهم ، فقال لي أنه في ذلك اليوم و في تلك اللحظة كان يتأهب للخروج لإلقاء درسٍ فقهي لبعض الشباب في أحد المساجد ، فألقى درسه ثم رجع إلى المستشفى ، و قد اتصل به الأمير سلمان ، و سماحة المفتي ، و ألقوا إليه العتاب الشديد ، لأنه أهمل صحته و خرج مخالفاً لتوجيهات الأطباء ..
فاعتذر الشيخ ابن جبرين منهما ، و قال : قد وعدتهم و لا بد أن أنجز ما وعدت ..!
و من هُنا أخبركم أنني والله ما رأيت أعظم جهاداً منه في محبته لنشر العلم ، و رحابة صدره ، و صبره على الجلوس الطويل من أجل تعليم الناس ، و يشهد لهذا رحلاته المتتابعة إلى القرى و الهجر النائية ، حتى أن كثيراً من أهل القرى و الهجر يعرفونه جيداً لأنه لم يغب عنهم ، و يمكث عندهم يعلمهم و يفقههم ، فهو يحمل روح الشباب ، و يتحمل ما يعجر عنه الرجال الأصحاء ، و هكذا العالم الرباني كما نحسبه ..
فأين من يفرط في وقته ، و يضيع عمره ، و يبخل على الناس بعلمه من هذا الشيخ الجليل ..
و قد حصرت ذات يوم عدد الكتب التي يقوم بشرحها في اليوم الواحد ، فتعجبت لما علمت أنه يشرح ثلاثين كتابا في اليوم الواحد ، في فنون مختلفة ، فتراه يتحدث في الفقه و علم المعتقد و الأصول و الحديث و التفسير ، و النحو ، و الأدب ، و التاريخ ، فهو موسوعة في شتى الفنون ، و هكذا كان علماء السلف ..
حفظ الله شيخنا ووالدنا الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين ، و أبقاه الله ذخراً و فخراً ..