[ 8 ]
::: حج عام 1426 [ سنة السيل ] :::
في عام 1426 كُلفت تكليفا عائليا بالحج بأختي الكريمة ، و لما حان موعد الانطلاق بدأت لحظات الوداع بين أختي و والدتي حفظهما الله و لا يخفى عليكم أن للدموع حضوراً قويا في تلك المشاهد ..
انطلقنا في تلك الرحلة متوكلين على الله مع جمع من الأخوة في حافلة قد احتوتنا يقودنا سائق تركي متهور ، و يشرف على الحافلة الأستاذ ( أبو موسى ) ، شعرنا في بداية الطريق أننا نعرف بعضنا منذ سنين ، مشاعر صادقة ، و قلوب متلهفة للحج لهذا البيت العتيق استجابة لنداء الرب الجليل ..
يشاركنا في هذه الحملة عدد من الفضلاء ، كالشيخ : حمد القرعاوي ، و الشيخ سعد العتيق ، و الشيخ سلمان السنيدي ، و غيرهم من الفضلاء ، تمت عمرتنا بشيء من المصاعب ، فقد نزلنا بكرامتنا من الحافلة إلى المسجد الحرام لأداء نسك العمرة ، ثم رجعنا بعد انتظار طويل للحافلة ، و لكن رجعنا على سيارتين من نوع GMC ، و كنا نحن الرجال جلوس فوق السيارة نعاني من الغازات المسيلة للدموع و الشحوم ..
كانت برامج الحملة رائعة ، و أدينا أنساكنا و نحن مطمئنون و لله الحمد ، يتخلل ذلك برامج نافعة و استضافات لعدد من المشايخ ، حيث زارنا شيخنا الشيخ ناصر العمر ، و الشيخ علي بن عبدالخالق القرني و رأيته و سلمت عليه و كات سعادي لا توصف بلقائه ، و كان التنسيق جارياً مع الشيخ الوالد عبدالله الجبرين ، و الشيخ بدر المشاري ، و لكن الأخيرين لم يتمكنا من الحضور ..
حيث أن ذلك اليوم كان غريباً ، فعند تمام الساعة الواحدة ظهراً انقلب لون السماء إلى سواد شديد ، و بدأ الهلع يأخذ قلوبنا ، ثم بدأت الرعود تجلجل ، و البرق يشعشع ، ثم بعد لحظات انفتحت أبواب السماء بماء منهمر ، و بدأت المياه تتحدر علينا من كل جانب ، و تصب صبا شديداً من سفوح الجبال ، و بدأت المياه تدخل الخيام و تحمل الأحذية و المفارش ، لتلقي بها بعيداً إلى مكان لا ندري أين هو ..
الرجال في معزل عن النساء ، فالنساء في الأسفل ، و الاتصال خطير في مثل هذه الظروف ، و الصراخ يصدر من قسم النساء بشكل مزعج مخيف ، ثم رأيت امرأة تحمل على النقالة قيل لنا أنها انتقلت إلى رحمة الله ..
لا أخفيكم أن الموقف صعب ، فكيف لي أن أطمئن على أختي و أنا أرى و أسمع كل ما يجري ، و لكن الأمطار قوية و الشلالات تصب ، و تتحدر الصخور من أعلي الجبال ، و كلما خرجت جاء أحد المشرفين على الحملة ليُعيدوني إلى مكانٍ مناسب ، فأعود ، كغيري من القلقين على أهاليهم ..
جُمع أعضاء الحملة في خيمة ، و بدأ أحد المشايخ بحثنا على الدعاء و رفع أكف الضراعة إلى الله جل جلاله ، بأن يكشف عنا البلاء الذي حل بنا ، فلا تسل عن نشيج الناس و بكائهم ، والله رأيتهم يجثون على ركبهم يتوسلون إلى الله ، و يتضرعون و يستغفرون ، و البكاء و الصراخ ينتقل إلى مكان الرجال ، في موقف مهيب مخيف ..
أظلمت منى ، و أظلمت المشاعر المقدسة بسبب الخلل الكهربائي ، و جاء الأمر من الجهات العليا في الدولة ، بتخلية مشعر منى من الحجيج ، فخرج الناس من المخيم الذي أصبح موحشاً ، كأنما هو بنيان قوم قد تهدم ..!
ركبنا الحافلة ، و بشرنا القائمون على هذه الحملة ، بأن الحملة أستأجرت لنا قصر أفراح في العزيزية بمكة ، و بعد ساعة و زيادة ، أُبلغنا بأن منى الآن تعود إلى الأمان و الطمأنينة ، و بدأ الناس يتوافدون عليها من جديد ، ثم علمنا بعد ذلك أن المياهَ قد زاد منسوبها ( متراً ) في القصر الذي كنا نريد الفرار إليه ، فكدنا أن نكون كالمستجير من الرمضاء بالنار ..
لحظات لا تنسى ، والله لقد رأيت عظمة الله ، و قدرته ، و ضعف المخلوقين و أنهم لا حول لهم و لا طول ولا قوة أمام سطوة الجبار و بطشه ، فسبحان الخلاق العليم ..
من نحن ، و ماهي ممتلكاتنا ، و ما هي قوتنا ، و لم نتكبر ، و لم نعرض ؟؟!!
كم هو مسكين هذا الإنسان ، حينما يعتز بنفسه فقط ، دون أن يوكل حوله و قوته إلى ربه القوي ..؟!
أترككم و على جميل الذكريات ألقاكم ..