..
[ 11 ]
::: ما دعوت لوالديَّ إلا تذكرته ! :::
إن أعظم منفعة ينتفع بهذا الإنسان في هذه الحياة الدنيا هي العلم ، و الفضل الأول لأهل العلم الذين تعلم منهم الإنسان ، و الفضل يتأتى إذا قُرن هذا العلم بالتربية و التوجيه و التسديد و الإفادة من تجارب الحياة ..
لا أريد أن أغرق في المقدمات ، فربما طال بنا المقام و نحن نتحدث عن شيخنا الجليل أبو بدر : ناصر بن سُيلمان العمر ، إنني حينما أتحدث عن هذا الشيخ فأنا في حيرة ولا أدري كيف أبدأ و كيف أنتهي ، و ما ذاك إلا لفضله الكبير عليَّ ، و الأثر الذي اكتسبته و اكتسبه غيري منه ..
الشيخ ناصر العمر عنده ما عند غيره من السجايا و الصفات و لكنها تظهر في الشيخ ناصر جلية واضحة أحياناً ، و لا يكاد يختلف اثنان أن التفاؤل من أبرز ما يمكن أن يُعرف به الشيخ ، و هنا أنا أنبه إلى أن الشيخ لا يتفاءل تفاؤل المنهزمين ، بل يحذر منه ، و تفاؤل المنهزمين هو من الأحلام التي لا تغني الإنسان شيئا ..
الدقة في الوقت ، من أبرز صفات الشيخ ، فهو حريص على الاستفادة من كل لحظة ، و استغلال كل دقيقة ، و من ارتبط معه في موعد علم هذا الأمر ، حيث أنه يخبرك بأنَّ موعدك نصف ساعة ، و ما قبلها و ما بعدها ليس لك ، و كان إذا أراد تمديد الوقت في درسه يعتذر و يستأذن من طلابه أحيانا ، و يقوم بعمل تصويت في المسجد ، و هذا من أدبه حفظه الله ..
التورع عن الحديث عن الأشخاص ، و هذا منهجه من قديم كما يقول ، و قد انتقده البعض فبين وجهة نظره ، و قال بأن هذا هو الأسلم ، و كان يأبى ذكر أحدٍ عنده ، و قد كان ذاتَ يومٍ يتحدث عن نقض فتوى لأحد المشايخ فذكر أحد الحضور اسم ذلك الشيخ ، فعنف عليه و شدد ، و عاتبه في ذلك .
مما يتجلى لي من صفات الشيخ أنه يستفيد من كل أحد ، و هذا واضح فإنكم تلاحظون أنه حفظه الله دائما يُكرر في محاضراته و دروسه و لقاءاته أنه استفاد من جميع من المشايخ و طلبة العلم و كأنه ينسب الفضل إليهم دون نفسه ، أو أحيانا يقول إنما أنا جئت و ألقيت فقط ، و هذا تواضعٌ منه حفظه الله .
كنت ذات يوم أستعرض أشرطة الشيخ ناصر القديمة ، فلفت عنواني شريط ( ضبط النفس ) ، و هي محاضرة قديمة جداً ألقاها الشيخ و كأنه يشعر بالذي سيحدث ، فكان يتحدث بحرارة عن هذا الموضوع و عن المزالق التي تحدث جراء عدم ضبط النفس ، و هذا لا يزال هذا عند الشيخ حتى اليوم متحليا به و داعيا إليه ..
في عام 1426هـ ، و في العشر الأواخر من رمضان ، كان إخواننا في الفلوجة يُعانون السحق الظالم من الصليبيين الغاصبين ، و كانت الطائرات و القنابل و المدرعات تصبحهم و تمسيهم ، و كان الشيخ معتكفاً في مسجدهِ كعادته كل سنة و بعد صلاة التراويح تكون له كلمة أو سلسلة من الدروس النافعة كـ ( و كانوا لنا عابدين ) ، ( ما بدلوا بتديلا ) ،
فلما صلى ذات يوم التراويح ، قام ليحدث عن حال أخواننا في الفلوجة ، فلم يقدر على الحديث ثم مكث طويلاً وهو يبكي ، وهو يقول : والله لا أدري من أين أبدأ و كيف أتحدث .. ثم تكلم بكلمات يسيرات ، و اعتذر عن إكمال الحديث و انصرف ..
إنها الغيرة و المشاعر الصادقة التي لم يستطع إخفاءها ..
حفظ الله أعلام الهداية من كل مكروهـ ، و نفع الله بهم و بنا جميعاً .
ألقاكم عى خير ..
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ..