في هذا الحديث الجليل ثلاثة أشراط من أشراط الساعة الكبرى وهي: الدَّجّال، وعيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام، ويأجوج ومأجوج. والحديث أيضاً يروي أحداثاً كثيرة فُصِّلَتْ في أحاديث أخرى سنأتي على ذكرها إن شاء الله تعالى.
إن القسم الأول من حديث النواس بن سمعان يتناول الدَّجَّال وأعماله وقصته مع الشاب الذي يخرج إليه، وأما القسم الثاني فيتناول نزول عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام وقتلَه الدَّجَّال، وذكر يأجوج ومأجوج. وسنتكلم بالتفصيل إن شاء الله عن كل من هذه الأحداث .
روى ابن ماجة وابن خزيمة والحاكم والضياء كلهم عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
»يَا أيُّها النَّاسُ! إنَّها لَمْ تَكُنْ فِتْنَةٌ عَلى وَجْهِ الأَرْضِ، مُنْذُ ذَرَأَ اللّهُ ذُرِّيَّةَ آدَمَ، أَعْظَمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، وَإنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَبْعَثْ نَبِيَّاً إلاّ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وأنا آخِرُ الأنْبِياءِ وأَنْتُمْ آخِرُ الأُمَمِ وَهُوَ خارِجٌ فيكُم لا مَحالةَ، فَإنْ يَخْرُجْ وأنا بَيْنَ أَظْهُرِكُم فَأنا حَجيجٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَإنْ يَخْرُجْ مِنْ بَعْدِي فَكُلٌّ حَجيجُ نَفْسِهِ، وَاللَّهُ خَليفَتي عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ، وَإنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ خَلَّةٍ بَيْنَ الشَّامِ والعِراقِ، فَيَعيثُ يَميناً وَشِمالاً، ياعِبادَ اللَّهِ، أيُّها النَّاسُ، فَاثْبُتوا فَإنِّي سَأَصِفُهُ لَكُمْ صِفَةً لَمْ يَصِفْها إيّاهُ قَبْلي نَبِيٌّ .. يَقُولُ: أَنا رَبُّكُم، وَلا تَرَوْنَ رَبَّكُم حَتّى تَموتُوا، وَإنَّهُ أَعْوَرُ، وَإنَّ رَبَّكُم لَيسَ بِأعْوَرَ، وَإنَّهُ مَكْتوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ كاتِبٍ أَوْ غَيْرِ كاتِبٍ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنَّ مَعَهُ جَنَّةً وَناراً، فَنارُهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نارٌ، فَمَنِ ابْتُلِيَ بِنارِهِ فَلْيَسْتَغِثْ بِاللَّهِ وَلْيَقْرَأْ فَواتِحَ سُورَةِ الكَهْفِ[61]. وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أنْ يُسَلَّطَ عَلى نَفْسٍ واحِدَةٍ فَيَقْتُلُها، يَنْشِرُها بِالْمِنْشارِ حَتَّى تُلْقى شِقَّيْنِ، ثُمَّ يقولُ: أُنْظُروا إلى عَبْدي هذا فَإنِّي أَبْعَثُهُ ثُمَّ يَزْعُمُ أنَّ لَهُ رَبَّاً غَيْري. فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ، وَيَقولُ لَهُ الْخَبيثُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقولُ: رَبِّيَ اللَّهُ وَأَنْتَ عّدُوُّ اللَّهِ، أَنْتَ الدَّجَّالُ، وَاللَّهِ ماكُنْتُ أشَدَّ بَصيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ.
وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَأمُرَ السَّماءَ أَنْ تُمْطِرَ فَتُمْطِرُ، وَيَأْمُرَ الأَرْضَ أَنْ تُنْبِتَ فَتُنْبِتُ. وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيُكُذِّبونَهُ، فَلا يَبْقى لَهُمْ سائِمَةٌ إلاّ هَلَكَتْ. وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَمُرَّ بِالْحَيِّ فَيُصَدِّقونَهُ، فَيَأْمُرُ السَّماءَ أن تُمْطِرَ فَتُمْطِرُ، ويَأْمُرَ الأَرْضَ أن تَنْبِتَ فَتَنْبِتَ، حَتّى تَروحَ مَواشيهِمْ مِنْ يَوْمِهِمْ ذَلِكَ أَسْمَنَ ماكانَتْ وأَعْظَمَهُ وَأَمَدَّهُ خَواصِرَ وَأَدَرَّهُ ضُروعاً، وَإنَّهُ لايَبْقَى شَيْئٌ مِنَ الأَرْضِ إلاّ وَطِئَهُ أو ظَهَرَ عَلَيْهِ، إلاّ مَكَّةَ والْمَدينَةَ، لايَأْتيهِما مِنْ نَقْبٍ مِنْ أَنقابِها إلاّ لَقيَتْهُ المَلائِكَةُ بِالسِّيوفِ صَلْتَةً، حَتَّى يَنْزِلَ عِنْدَ الكَثيبِ الأَحْمَرِ، عِنْدَ مُنْقَطَعِ السَّبْخَةِ، فَتَرْجُفُ المَدينَةُ بِأَهْلِها ثَلاثَ رَجَفاتٍ، فَلا يَبْقى فيها مُنافِقٌ ولا مُنافِقَةٌ إلاّ خَرَجَ إلَيْهِ، فَتَنْفي الخَبِيثَ مِنْها كَما يَنْفي الكِيْرُ خَبَثَ الحَديدِ، وَيُدْعى ذَلِكَ الْيَومُ يَوْمَ الخَلاصِ. قِيلَ: فَأَيْنَ العَرَبُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: هُمْ يَوْمَئِذٍ قَليلٌ...« الحَديث[62].
ورَدَ في الأحاديث السابقة صفة الدجال وكيف أن الأنبياء أنذروا أممهم منه، وفي الحديث السابق وردَ ذكر جنّته وناره.
وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
»إنَّهُ أعْوَرُ، مَعَهُ تِمْثالُ الجَنَّةِ والنَّارِ، فَالَّتي يَقولُ إنَّها الجَنَّةُ، هي النّارُ...« الحديث.
ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
»إنَّ مَعَ الدَّجَّالِ إذا خَرَجَ ماءً وناراً، فَأمّا الَّذي يَرى النَّاسُ أنَّها النّارُ فَماءٌ بارِدٌ، وَأَمّا الَّذي يَرى النَّاسُ أنَّها ماءٌ بارِدٌ فَنارٌ تَحْرِقُ، فَمَنْ أَدْرَكَ مِنْكُمْ فَلْيَقَعْ في الَّذي يَرى أَنَّها النّارُ ، فَإنَّهُ عَذْبٌ بارِدٌ«.[63]
وروى الإمام البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود عن حذيفة وأبي مسعود عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
»لأَنا أعْلَمُ بِما مَعَ الدَّجَّالِ مِنَ الدَّجَّالِ، مَعَهُ نَهْرانِ يَجْرِيانِ، أحَدُهُما رَأيَ العَيْنِ ماءٌ أبْيَضُ، والآخَرُ رَأيَ العَيْنِ نارٌ تَأَجَّجَ. فَإِمَّا أدْرَكَهُنَّ واحِدٌ مِنْكُم فَلْيَأْتِ النَّهْرَ الَّذي يَراهُ ناراً، ثُمَّ لْيَغْمِسْ ثُمَّ لِيُطَأطِئْ رَأْسَهُ فَلْيَشْرَبْ فَإنَّهُ ماءٌ بارِدٌ. وإنَّ الدَّجَّالَ مَمْسوحُ العَيْنِ اليُسْرى عَلَيْها ظَفَرَةٌ[64] غَليظَةٌ، مَكْتوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كافِرٌ، يَقْرَؤهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ، كاتِبٍ وَغَيرِ كاتِبٍ«.[65]
وقد حذَّرَ رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى من القرب منه، وذلك لشدة فتنته، فقال:
»مَنْ سَمِعَ بالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ، فَوَاللَّهِ إنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتيهِ وَهُوَ يَحْسَبُ أنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتْبَعُهُ مِمّا يَبْعَثُ بِهِ الشُّبُهاتِ«[66].
الدجال والشاب المؤمن
قد مرَّ معنا ذكر الشاب الذي يقتله الدَّجَّال، والذي يخرج إليه من المدينة، ومسالح الدَّجَّال نازلة دبر جبل أُحُدٍ، فَيَتَحَدّاه أمام الناس كلّهم مكذِّباً إياه أنه رب.
روى البخاري ومسلم -واللفظ للبخاري- عن الصحابي أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً طويلاً عن الدَّجَّال، فكان فيما حدّثنا قال:
»يأتي الدَّجَّالُ ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أنْ يَدْخُلَ نِقابَ المَدينَةِ، فَيَنْزِلُ بَعْضَ السِّباخِ الَّتي تَلي المَدينَةَ، فَيَخْرُجُ إلَيْهِ يَوْمَئِذٍ رَجُلٌ هُوَ خَيْرُ النَّاسِ أوْ مِنْ خِيارِ النَّاسِ فَيَقولُ لَهُ: أشْهَدُ أنَّكَ الدَّجَّالُ الَّذي حَدَّثَنا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَديثَهُ، فَيَقول الدَّجَّالُ: أَرَأَيْتُمْ إنْ قَتَلْتُ هذا ثُمَّ أَحْيَيْتُهُ هَلْ تَشُكُّونَ في الأَمْرِ؟ فَيَقولونَ: لا. فَيَقْتُلُهُ ثُمَّ يُحْيِيهِ، فَيَقولُ: وَاللَّهِ ما كُنْتُ فيكَ أَشَدَّ بَصيرَةً مِنِّي اليَومَ. قال: فَيُريدُ الدَّجَّالُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَلا يُسَلَّطُ عَلَيْهِ«[67].
وروى الإمام مسلم في الصحيح عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
»يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فَيَتَوَجَّهُ قِبَلَهُ رَجُلٌ مِنَ المُؤْمِنينَ، فَتَلْقاهُ المَسالِحُ[68]، مَسالِحُ الدَّجَّالِ ، فَيَقولونَ لَهُ: أَيْنَ تَعْمِدُ؟ فَيَقُولُ: أَعْمِدُ إلى هَذا الَّذي خَرَجَ. قال: فَيَقولونَ لَهُ: أَوَ ما تُؤْمِنُ بِرَبِّنا؟ فَيَقولُ: ما بِرَبِّنا خَفاءٌ! فَيَقولونَ: أُقتُلوهُ. فَيَقولُ بَعْضُهُم لِبَعْضٍ: أَلَيْسَ قَدْ نَهاكُمْ رَبُّكُمْ أَنْ تَقْتُلوا أَحَداً دونَهُ؟ قال: فَيَنطَلِقونَ بِهِ إلَى الدَّجَّالِ، فَإذا رَآهُ المُؤْمِنُ قالَ: ياأيُّها النّاسُ، هَذا الدَّجَّالُ الَّذي ذَكَرَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قال: فَيَأْمُرُ الدَّجّالُ بِهِ فَيُشَبَّحُ[69]، فَيَقولُ: خُذوهُ وَشُجُّوهُ[70]، فَيُوسَعُ ظَهْرُهُ وَبَطْنُهُ ضَرْباً. قال: فَيَقول: أَوَما تُؤْمِنُ بي؟ فَيَقولُ: أَنْتَ الْمَسيحُ الكَذَّابُ. قال: فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُؤْشَرُ بِالْمِئْشارِ مِنْ مَفْرَقِهِ[71] حَتّى يُفَرَّقَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ. قال: ثُمَّ يَمْشي الدَّجَّالُ بَيْنَ القِطْعَتَيْنِ، ثُمَّ يَقولُ لَهُ: قُمْ، فَيَستَوي قائماً. قال: ثُمَّ يَقولُ لَهُ: أَوَما تُؤْمِنُ بي؟ فَيَقولُ: ما ازْدَدتُّ فيكَ إلاّ بَصيرَةً. قالَ: ثُمَّ يَقولُ: ياأَيُّها النّاسُ، إنَّهُ لايَفْعَلُ بَعْدي بِأَحَدٍ مِنَ النَّاسٍ. قال: فَيَأخُذُهُ الدَّجَّالُ لِيَذْبَحَهُ، فَيُجْعَلُ ما بَيْنَ رَقْبَتِهِ إلَى تَرْقُوَتِهِ[72] نُحاساً فلا يَسْتَطيعُ إلَيْهِ سَبيلاً. قال: فَيَاًْخُذُ بِيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَيَقْذِفُ بِهِ، فَيَحْسِبُ النَّاسُ أَنَّما قَذَفَهُ إلى النَّارِ، وَإنَّما أُلْقِيَ في الجَنَّةِ. فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَذا أَعْظَمُ النّاس شَهادَةً عِندَ رَبِّ العالَمينَ«.[73]
وبهذه الأحاديثِ التي ذَكرناها تفسر لنا الحديث المختصر الذي رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
»يَأْتي المَسيحُ مِنْ قِبَلِ المَشْرِقِ وَهِمَّتُهُ المَدينَةُ حَتّى يَنْزِلَ دُبُرَ أًحُدٍ، ثُمَّ تَصْرِفُ المَلائِكَةُ وَجْهَهُ قِبَلَ الشَّامِ، وهُنالكَ يَهْلِكُ«،[74] أي يَقتله المسيحُ عيسى بن مريم صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
العلامات الدّالّة على خروج الدّجّال
وَهنا يَرِدُ سؤال: هل سيكون قبل خروج الدَّجَّال علامات تدلُّ على قرب خروجه؟ الجواب: نعم. فقد جاء في الحديث الطويل الذي رواه ابن ماجة وابن خزيمة والضياء عن أبي أمامة مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
»وإنَّ قَبْلَ خُروجِ الدَّجَّالِ ثَلاثُ سَنَواتٍ شِدادٍ، يُصيبُ النَّاسَ فيها جوعٌ شَديدٌ، ثُمَّ يَأْمُرُ اللَّهُ السّماءَ السَّنَةَ الأولى أَنْ تَحْبِسَ ثُلثَ قَطْرِها، وَيَأمُرُ الأرْضَ أَنْ تَحْبِسَ ثُلُثَ نَباتِها، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّماءَ في السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ مَطَرِها، ويَأْمُرُ الأرْضَ فَتَحْبِسُ ثُلُثَيْ نَباتِها، ثُمَّ يَأْمُرُ السَّماءَ في السَّنَةِ الثَّالِثَةِ فَتَحْبِسُ مَطَرَها كُلَّهُ فلا تَقْطُرُ قَطْرَةٌ، ويَأْمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَباتَها كُلَّهُ فَلا تَنْبُتُ خَضْراءُ، فَلا يَبْقى ذاتُ ظَلْفٍ إلاّ هَلَكَتْ، إلاّ ما شاءَ اللَّهُ. قيلَ: فَما يُعيشُ النَّاسَ في ذَلِكَ الزَّمانِ؟ قالَ: التَّهْليلُ والتَّكْبيرُ والتَّحْميدُ، وَيُجْزِئُ ذَلِكَ عَلَيْهِم مَجْزَأَةَ الطَّعامِ«.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والحاكم بسند صحيح عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
»فِتْنَةُ الأَحْلاسِ[75] هَرَبٌ وحَرْبٌ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَنُها مِنْ تَحْتِ قَدَمِ رَجُلٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، ولَيْسَ مِنّي، إنَّما أوْلِيائي المُتَّقونَ. ثُمَّ يّصْطَلِحُ النَّاسُ عَلى رَجُلٍ كَوِرْكٍ عَلى ضِلعٍ[76]، ثُمَّ فِتْنَةُ الدُّهَيْماء[77]، لا تَدَعُ أحَداً مِن هَذهِ الأمّةِ إلاّ لَطَمَتْهُ لَطْمَةً، فَإذا قيلَ انْقَضَتْ تَمادَتْ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فيها مُؤْمِناً وَيُمْسي كافِراً، حَتّى يَصيرَ النّاس إلى فُسطاطَيْنِ[78]، فُسطاطِ إيمانٍ لا نِفاقَ فيهِ وفُسْطاطِ نِفاقٍ لا إيمانَ فيهِ، فَإذا كانَ ذاكُمُ فَانْتَظِروا الدَّجَّالَ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ«.[79]
وَمِنْ عَلاماتِ خُروجِ الدَّجَّال ما رواه أحمد وأبو داود عن معاذ رضي الله عنه، عن رسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ:
»عُمْرانُ بَيْتِ المَقدِسِ خَرابُ يَثْرِبَ، وَخَرابُ يَثْرِبَ خُروجُ المَلْحَمَةِ، وَخُروجُ المَلْحَمَةِ فَتْحُ القُسْطَنْطينِيَّة، وفَتْحُ القُسْطَنْطينِيّة خُروجُ الدَّجَّالِ«. [80]
فَعمران بيت المقدس يكون على أيدي المسلمين بعد تحريره من يهود بإذن الله تعالى. وتكون الأرض المقدسة أرض الخلافة في ذلك الوقت بدليل قولِه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن حوالة :
»يا ابن حوالةَ! إذا رَأَيْتَ الخِلافَةَ قَدْ نَزَلَتِ الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ فَقَدْ دَنَتِ الزَّلازِلُ والبَلايا والأُمورُ العِظامُ، والسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ لِلنّاسِ مَنْ يَدي هَذِهِ مِنْ رِأْسِكَ«.[81]
خلوّ المدينة من أهلها
ويهاجر المسلمون إلى بلاد الشام لجهاد أعداء الله من يهود ونصارى، ويخرج أهل المدينة من المدينة، لا رغبة عنها بغيرها، وإنما جهاداً في سبيل الله، حتى لايبقى فيها أحد، فتغشاها السباع والعوافي وتبقى كذلك حتى تقوم الساعة.
روى الحاكم بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:
»لَتَتْرُكُنَّ المَدينَةَ عَلى خَيرِ ما كانَتْ، تَأْكُلُها الطَّيْرُ والسِّباعُ«.[82] ورواه الشيخان و أحمد بزيادة، قالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
»يَتْرُكونَ المَدينَةَ على خَيرِ ما كانَـتْ، لا يَغشاها إلاّ العَوافي -يريد عوافي السباع والطير-، وآخِرُ مَنْ يُحْشَرُ راعِيانِ مِنْ مُزَيْنَةَ يُريدانِ المَدينَةَ، يَنْعِقانِ بِغَنَمِهِما، فَيَجِدانِها وَحْشاً، حَتّى إذا بَلَغا ثَنِيَّةَ الوَداعِ خَرَّا علَى وُجُوهِهما«.[83]
وعن عبد الله بن عمرو قال:
»يأتي عَلى النّاسِ زَمانٌ لايَبْقى فِيهِ مُؤْمِنٌ إلاّ لَحِقَ بالشَّامِ«.[84]
هَلاك المَسِيحِ الدَّجَّال
وأما قتل الدَّجَّال فيكون على يد نبي الله عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام - كما مرَّ في حديث النواس المتقدم - بعدما تصرف الملائكة وجهه عند أنقاب المدينة إلى الشام وهناك يهلك عند باب لدّ الشرقي في أرض فلسطين، أعادها الله للمسلمين.
الدجال عند أهل الكتاب
إن بني يهود مذ كذبوا بالمسيح عليه السلام وكفروا به وبرسالته وهم ينتظرون مسيحهم الدجال، والذي يزعمون أنهم سيعيد إليهم مجدهم وحكمهم للأرض المباركة، وعندها ستستلم الأمم كلها لبني إسرائيل، شعب الله المحتار!
اختلفت الروايات عن هذه الشخصية وتناقضت، وهذه طبيعة دين اليهود والنصارى. بل إن بعضهم من يعتبر الدجال شخصية أسطورية من اختراع الأحبار وكتّاب الملاحم والأساطير. وبما أن دين أهل الكتاب في »تطور« مستمر فإن بعضهم انحرف كثيراً عن جادة الصواب وقال بأن »الدجال« هو عبارة عن رمز يشير إلى أن كلَّ من عادى ويعادي النصرانية يُعتبر »دجالاً« . وقد تفنن بعضهم وشط في تفننه عندما وصف مثلاً »الخميني« بأنه هو الدجال، (ولنا الحق أن نحتفظ برأينا عن الخميني!) وقد ضمت لائحة »الدجاجلة« بعض زعماء عرب وشخصيات نصرانية. بل إن بعضهم زعم أن أحد البابوات هو الدجال بعينه. فكل ما لا يرضي هوى هؤلاء الضالين يعتبر أنه الدجال الذي أخبرت به كتبهم »المقدسة«.[85]
وقد ذكره الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام- الدجال لأقوامهم، فنحن نعلم يقيناً أن موسى وبقية أنبياء بني إسرائيل قد ذكروا لأقوامهم الدجال وفتنته، مصداقاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما من نبي إلا وأنذر قومه الدجال. أنذره نوح والنبيون من بعده.."
حتى بعض كتابات يهود تشير أن الدجال منهم، وأن أبويه يهوديان. وقد ذكر Wilhem Bousset في كتابه أن: »من المحتمل أيضاً أن المسيح الدجال سيظهر من المناطق الشرقية من أرض فارس، حيث [توجد] قبيلة دان من الجنس العبري«.[86]
وقبل الشروع في الكلام عن نزول عيسى بن مريم عليه وعلى أمه السلام، يحسن بنا أن نتكلم هنا عن محمد بن عبد الله المهدي ، لأن مجيئه يكون قبل نزول عيسى عليه السلام، حيث يقود الأمة الإسلامية بالعدل والإحسان، ويقيم شرع الله تعالى، وتعود خلافة راشدة بعد أن ملئت الأرض ظلماً وجوراً. ويصلى عيسى بن مريم عليه السلام خلفه، ويحثي المال للناس حثياً ولا يعدّه لهم... إلى آخر تلك الصفات والأعمال التي وردت في أحاديث صحيحة.
--------------------------------------------------------------------------------
|المسيح الدجال | المهدي محمد بن عبد الله | نبي الله عيسى بن مريم عليه السلام | يأجوج ومأجوج |
| بقية أشراط الساعة |
ملحق الأحاديث الضعيفة في أشراط الساعة الكبرى
--------------------------------------------------------------------------------
[1] لسان العرب: مادة دجل، بتصرف.
[2] حديث الجساسة أخرجه أيضاً الترمذي مختصراً في (الفتن 2179)، وأبو داود في (الملاحم 3767)، وابن ماجة في (الفتن 4064)، وأحمد (25852، 25853، 26066، 26083، 26083) [راجع صحة الأحاديث في صحيح السنن وغيرها).
[3] سير أعلام النبلاء: 2/442
[4] قال العلماء: قولها: فأصيب، ليس معناه أنه قتِل مع النبي صلى الله عليه وسلم ويتأيّمت بذلك، إنما تأيمت بطلاقه البائن، كما ذكر الإمام مسلم في صحيحه حيث روى عن الشعبي أنه سأل فاطمة عن المطلّقة ثلاثاً أين تعتدّ؟ فقالت: طلّقني بعلي - تعني إبن المغيرة - ثلاثاً، فأذن لي النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن أعتدّ في أهلي، وساق الحديث (شرح النووي لصحيح مسلم 18/82-83) .
[5] بيسان: بلدة في غور نهر الأردن.
[6] زغر: بلدة في الجانب القبلي من الشام. ولعلها أخذت نفس اسم بلدة صوغر المذكورة في التوراة التي بأيدي أهل الكتاب حالياً.
(1) شرح النووي لصحيح مسلم (18/79-83).
[8]وَحْشَة.
[9]المصدر السابق (18/50).
[10]أنظرْ شرح النووي لصحيح مسلم (18/46-57).
[11] المصدر السابق (18/45)
[12] نفسه (18/54)
[13]شرح النووي لصحيح مسلم (18/85-86).
[14]شرح النووي لصحيح مسلم (18/50)، ولَبِسَني: أي حَيَّرَني أو أَغاظَني.
[15]قَدَح كَبير.
[16]المصدر السابق (18/51-52).
[17]المستدرك (4/527).
[18]شرح النووي لصحيح مسلم(18/57-58)
[19]يأرِز: أي يعود وينقبض.
[20]مختصر صحيح مسلم (72).
[21]السلسلة الصحيحة (2457).
[22]أنقاب ونِقاب: جمع نقب ، وهو الفتحة بين الجبال .
[23]السبخة: أرض ذات ملح و نزّ لاتكاد تنبت.
[24]حاشية السندي على البخاري (4/232).
[25]الأفحج: هو الذي تتدانى صدور قدميه ويتباعد عقباه.
[26]جعد: أي شديد جعودة الشعر.
[27]حجراء: أي غائرة.
[28]صحيح الجامع (2459).
[29]الصحيحة (2457).
[30]رواه الشيخان ومالك وأحمد عن ابن عمر.
[31]صحيح الجامع (1606).
[32]الصحيحة (1863).
[33]رواه الشيخان عن ابن عمر.
[34]دابق والأعماق: مكانان من أعمال مدينة حلب؛ وهذا يكون بعد أن يغدر النصارى بالمسلمين بعد هدنة تكون بينهم.
[35]وفي رواية: سُبوا بالضمّ.
[36]قال النووي: في معناه قولان، أحدهما أنه خفّض بمعنى حقّرَ، وقوله: رفَّعَ، أي عظّمه وفَخّمه. فمن تحقيره وهوانه على الله تعالى عوره، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: هو أهون على الله من ذلك، وأنه لايقدر على قتل أحد إلا ذلك الرجل، ثم يعجز عنه وأنه يضمحل أمره ويقتَل بعد ذلك هو وأصحابه. ومن تفخيمه وتعظيم فتنته والمحنة به هذه الأمور الخارقة للعادة .. (شرح النووي لصحيح مسلم 18/63).
[37]أي في طَريق.
[38]أَفْسَدَ.
[39]ماشِيَتُهُم.
[40]أَعْلاها.
[41]أَكثره امتلاءً.
[42]أَسْمًنَهُ.
[43]مقدار رمية الصيد.
[44]أي ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران.
[45]الّلد: بلدة غرب بيت المقدس، قرب الرملة.
[46]أي: لا قُدرَة.
[47]ضُمَّ.
[48]يَدْعو.
[49]التغف: دود يخرج في أعناق الإبل فيقتلها.
[50]قَتْلَى.
[51]زهمهم: أي دسمهم.
[52]البخت: الإبل.
[53]لايَكُنُّ: لايُعْصَمُ.
[54]كَالمِرْآة.
[55]قِشْرَتها.
[56]اللَّبَن.
[57]جماعة كثيرة.
[58]الأَقارب.
[59]يتجامَعون أمامَ النَّاسِ ولايَكْتَرِثونَ.
[60]شرح النووي لصحيح مسلم (18/63-70).
[61]في الحديث: "من حفظ عشرَ آياتٍ من سورةِ الكهف عُصِمَ من فتنة الدجال" رواه مسلم (المختصر 2098).
[62]صحيح الجامِع (7875).
[63]رواه البخاري عن حُذَيفة، صحيح الجامع (2196).
[64]لحمة من جانب الأَنفِ تغطِّي العينَ.
[65]مختصر صحيح مسلم (2046).
[66]رواه أحمد وأبو داود والحاكم بإسناد صحيح عن عمران بن حصين، المشكاة (5488).
[67]حاشية السندي على صحيح البخاري (4/232).
[68]المسالح: الجنود.
[69]يُمَدُّ عَلَى بَطْنِهِ.
[70]اجْرَحُوهُ في رأسِهِ.
[71]وَسَط رَأْسِهِ.
[72]التَرْقُوَة هي العَظْمُ مابين ثَغرة النَّحرِ والعاتِقِ.
[73]شرح النووي لصحيح مسلم (18/72-73).
[74]صحيح الجامع (7995).
[75]هي الأكسية التي على ظهر البعير، شبهها بها للزومها ودوامها (اللسان).
[76]كورك على ضلع: مثل يضرب، والمعنى: يصطلح الناس على رجل لا نظام له ولا استقامة لأمره (المشكاة 3/ص1487).
[77]فتنة الدهيماء: أي الفتنة السوداء المظلمة، والتصغير فيها للتعظيم (اللسان).
[78]جاءت هنا بمعنى الفريقين.
[79]المشكاة (5403).
[80]صحيح الجامع (4096 )
[81]رواه الحاكم في المستدرك (4/425 ) وقال : صحيح الإسناد.
[82]المستدرك (4/426).
[83]الصحيحة (2/683)
[84]رواه الحاكم في مستدركه (4/457) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
[85] انظر كتاب: Naming the Antichrist, by Robert C. Full, Oxford Universtiy Press, 1995
[86] The Antichrist Legend, p. 172, by Wilhem Bousset, NY, AMS Press, 1982
المصدر:
موقع مجلة الفسطاط....الأعور الدجَّال قاتله الله