في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة وحرارتها :
قال الله تعالى : {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}{أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} سورة البقرة ، الآية 155 - 157 .
وفي " الصحيح " عن أم سلمة مرفوعا : « ما من أحد تصيبه مصيبة فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها »
وهذه الكلمة من أبلغ علاج المصاب وأنفعها له في عاجلته وآجلته ، فإنها تضمنت أصلين إذا تحقق بهما تسلى عن مصيبته .
أحدهما : أن العبد وماله ملك لله جعله عنده عارية .
والثاني : أن المرجع إلى الله ولا بد أن يخلف الدنيا .
فإذا كانت هذه البداية والنهاية ، ففكره فيهما من أعظم علاج هذا الداء .
الــعــلاج
ومن علاجه: أن يعلم علم اليقين أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
ومنه: أن ينظر إلى ما أصيب به ، فيجد ربه أبقى له مثله أو أفضل ، وادخر له إن صبر ما هو أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة ، وأنه لو شاء لجعلها أعظم مما هي .
ومنه: إطفاؤها ببرد التأسي بأهل المصائب ، فلينظر عن يمينه وعن يساره ، فهل يرى إلا محنة أو حسرة ، وإن سرور الدنيا أحلام نوم ، وإن أضحكت قليلا ، أبكت كثيرا .
ومنه: العلم أن الجزع لا يرد بل يضاعف .
ومنه: أن يعلم أن فوات ما ضمن الله على الصبر والاسترجاع أعظم منها .
ومنه: أن يعلم أن الجزع يشمِّت عدوه ، ويسوء صديقه ، ويغضب ربه . ومنه أن يعلم أن ما يعاقب الصبر والاحتساب من اللذة أضعاف ما يحصل له من نفع الفائت لو بقي له .
ومنه: أن يروِّح قلبه بروح رجاء الخلف من الله ، فإنه من كل شيء عوض إلا الله .
ومنه: أن يعلم أن حظه منها ما تحدثه له ، فمن رضي فله الرضى ، ومن سخط فله السخط .
ومنه: أن يعلم أن آخر الجزع إلى الصبر الاضطراري ، وهو غير محمود ، ولا مثاب عليه .
ومنه: أن يعلم أن من أنفع الأدوية موافقة ربه فيما أحبه ورضيه له وأن خاصيّة المحبة وسرها موافقة المحبوب .
ومنه: أن يوازن بين أعظم اللذتين والتمتعين وأدومهما لذة تمتعه بما أُصيب به ، ولذة تمتعه بثواب الله .
ومنه: العلم بأن المبتلي أحكم الحاكمين ، وأرحم الراحمين ، وأنه لم يبتله ليهلكه، بل ليمتحن إيمانه ، وليستمع تضرعه ، وليراه طريحا ببابه .
ومنه: أن يعلم أن المصائب سبب لمنع أدواء المهلكة ، كالكبر والعجب والقسوة .
ومنه: أن يعلم أن مرارة الدنيا هي بعينها حلاوة الآخرة ، وبالعكس ، فإن خفي عليك هذا ، فانظر قول الصادق المصدوق : « حفت الجنة بالمكاره ، وحفت النار بالشهوات »
وفي هذا المقام تفاوتت عقول الخلائق ، وظهرت حقائق الرجال .
انظر مختصر زاد المعاد – فصل (في هديه صلى الله عليه وسلم في علاج حر المصيبة) للإمام محمد بن عبد الوهاب رحمة الله. وهذا الكتاب مجلد صغير نفيس جداً .