..
[ 21 ]
::: روضة التنهاة :::
روضة التنهاة هي في رأيي أفضل متنفس ربيعي قرب مدينة الرياض ، و ذلك لأنها في فصل الربيع تكتسي باللون الأخضر الذي يضفي بهجة على النفوس ، و منها تسنشق نسمة تُريح الخاطر ، و تشرح البال ..
يُطل على هذه الروضة من الجهة الشرقية كثبانٌ رملية قد أعطت منظراً خلابا بجور تلك الروضة ..
هذا في فصل الربيع ، أما في فصل الصيف فإني قد زرتها فضاق صدري بما رأيت ، و كأنني واقف على أطلال مهجورة ، و سبحان القائل (
و ترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت و بت و أنبتت من كل زوج بهيج ) [ سورة الحج : 5، 6 ].
قبل ست سنواتٍ من الآن انطلقنا مع طلاب الحلقة إلى هذه الروضة ، اقد انقسمنا إلى نصفين ، نصفٌ كان يركب (
الجمس ) و النصف الآخر في (
حافلة ) 15 راكب ، و لما وصلنا إلى هناك مكثنا طويلاً في ابحث عن المكان المناسب ، و كعادة الأخوة القصمان كانت مطالباتهم قوية في الذهاب إلى النفود و نصب الخيام هناك ، و فعلا تمت تلبية اقتراحهم الذي طُرح بالقوة ..
ذهبنا إلى النفود ، و كانت الحافلة كبغلة مكسورة رجلها ، تمشي مرة و تكبو مرة ، و تدفع مرة ، ففيها من العيوب ما يجعلها كليلة إذا مشت في الشوراع المُعَبّدة ، فكيف يكون حالها في هذا المكان ..
و بعد مشي طويل رأينا منخفضا مناسبا لنتقي به أشعة الشمس ، و هبوب الرياح ، فقرر ذلك المكان ، و أنزلت الخيام و نصبت في لحظات ، و نصب الرياضيون شبكة الطائرة <=== إيقاله ما لعب أبد ..و أنزلنا ذبحيتنا وهي من فصيلة ( النجدي ) و كانت كبيرة الحجم كأنها عجل سمين ..
كانت البرامج ممتعة ، و المنافساتُ على أشدها ، يؤد ذلك كثرة العدد الذي خلق جواً من المنافسات و جدد النشاطات ، و في الليل زارنا أحد الأخوة ، و كاد يدخل خيمتنا بسيارته و لكن لطف الله بنا حال دون ذلك .
في الصباح الباكر من ذلك اليوم صلينا الفجر ثم أخذنا قسطاً من درس قرآني ، ثم ذهب البعض للنوم ، و بقي قلة لشرب القهوة ، ثم ذهب بعضهم للنوم ، و بقيت أنا و معي اثنان من خيار الشباب ، و لا أخفيكم أننا (
بلشنا بأرواحنا ) من الفراغ القاتل الذي كنا نشعر به ، فبحثنا عن عمل نسد به هذا الفراغ فوجدنا أن العبث بالحافلة خير معينٍ على سد هذا الفراغ ..
فنظرنا فإذا مفتاح الحافلة عند رأسِ أحد المشرفين ، فأخذناه خلسةً ، ثم (
دحدرنا ) الحافلة بعيداً لكي لا يعلم أحد بأمر تشغيلها ، و بعد ذلك قمنا بتشغيلها ، و بدأت بالقيادة بسم الله ، و كان لها صوتُ صفير أجبرنا على الإطالة في (
التطعيس ) بها ، كان الأخوان يتعلقان في الحديد الخارجي من الحافلة ، و أنا أتمتع بالقيادة ، ثم جاء الآخر ليقود ، و جاء الثالث بعدي ، إلا أن الأخير كان ( مطفوق ) للغاية ، فأراد أن يصعد مرتفعا لا تصعد منه الجيوب فـ(
ثولثت ) الحافلة في هذا المكان ، و هممنا بإخراجها إلا أن الأمور تعقدت و إلى الاستحالة أصبحت أقرب ..!
هنا أدركنا أننا ارتكبنا جرماً ، و بدأنا في التفكير إذا ما علم مدير الحلقات عن هذه الفعلة فماذا سيكون عقابنا ..؟
جاء أحد الأخوة من رعاة الإبل يريد مساعدتنا فرفضنا ذلك و ذكرنا بإننا ننتظر أحد الأخوة ليأتي فذهب ، و بقينا نحاول و لكننا ثلاثة و لم نستطع فعل شيء ..
حتى أقبلت علينا سيارة فيها مجموعة من الشباب و يظهر أنهم من شباب الحلقات ، فرحنا بهم ، لكننا خفنا أن يكونوا يعرفونننا ثم نتورط بعد ذلك ، فطلنا منهم المساعدة ، فنزلوا ليسحبون الحافلة ، و هم يتضاحكون في شكلها بين هذه الكثبان الرملية ، و هنا جاء الذي لا نريدهـ ..

حيث سألنا أحدهم :
من أي مكان أنتم ..؟
فقلنا أننا بعيدون عنكم <== خايفين يعلمون عليهم ..
فقال في أي جهة ..؟ فرددت بأننا بعيدون جدا عنكم حيث أننا في شرق مدينة الرياض .. فذكروا لنا أنهم في شرق الرياض

و بعد تداول الكلام تبين أنهم يعرفون مدير الحلقات و المسجد الذي ندرس فيه ، و بعد أيام علم مدير الحلقات بهذه الفعلة ، و حتى الآن لا يزال يُعرني بهذه القصة في المجالس
