مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 05-07-2008, 11:27 AM   #2
شمس صحو
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2008
المشاركات: 22
يا إخوان الهجمة على الهيئة شرسة إنتظروا إلى عبث جريدة الوطن
كتاب اليوم

حمزة قبلان المزيني
هذا ما حدث لمصطفى!
يكرر بعض المدافعين عن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" عبارةَ "أن أخطاء منسوبي الهيئة تضيع في بحر حسناتهم" كلما وجَّه أحد نقدا مهْما كان صحيحا لأداء أعضاء الهيئة العاملين في الميدان!
وتهوِّل الهيئة من "إنجازاتها" بإيراد إحصائيات سنوية تذكُر فيها أنها "تعاملت" مع مئات الآلاف من القضايا، وتزيد على هذا تباهيها بالإعلان أنها "أنهت" أكثر من تسعين بالمئة منها بـ"السِّتر" على مرتكبيها.
وبمقارنة بعض القضايا الخطيرة التي كانت الهيئة طرفا فيها ووصلت إلى الإعلام، توحي القضايا التي "سترت" عليها بأنها لا تصنِّفها خطيرة، وإلا لما "سترت" على مرتكبيها.
كما تذكر تقارير الهيئة أن معظم عملها يتركز على مراقبة المخالفات "العقدية والعبادية". ولما كان أكثر هذا العمل يتركز على مراقبة إغلاق المتاجر أوقات الصلاة ومطاردة الذين تتهمهم بأنهم "لا يصلون" فهذا يوحي بأن النسبة الكبرى من هذه القضايا تتعلق بهذين الأمرين.
ومن الحقائق الواضحة أن الهيئة تستهدف ثلاث فئات "ضعيفة" أكثر من غيرها، وهي الشباب والنساء والعمال غير السعوديين.
وأشهد أنني قلما حضرتُ مجلسا تُذكر فيه الهيئة إلا ويروي بعض الحاضرين بعض القصص التي تمثل تجاوزات غير مقبولة من بعض أعضاء الهيئة العاملين في الميدان على إحدى هذه الفئات.
وسأورد هنا أربع قصص كان بعض العمال غير السعوديين (وهم أضعف الضعفاء الثلاثة!) ضحايا فيها، وكنت شاهدا على واحدة منها، وروى لي بعضها بعض الثقات من ضحايا هذه التجاوزات، وبعضُ الأصدقاء الموثوقين. وحدثتْ ثلاث منها في مجمعات "ورش إصلاح السيارات".
وأولها ما حدث لمصطفى، الذي ورد اسمه في عنوان هذا المقال. فيعمل مصطفى "ميكانيكيًّا" للسيارات ومشرفا على إحدى الورش في أحد المجمعات في الرياض. وقد تعاملتُ معه لسنوات، وأشهد أنه على قدر عال من الأمانة واللطف والدقة في العمل. ويشهد له جيرانه والعاملون معه وإمام المسجد الذي لا يبعد عن "ورشته" إلا أمتارا قليلة بأنه من المواظبين على الصلاة في المسجد، وهو "ملتزم" من حيث الشكل وله لحية وافرة!
وقد روى لي ما حدث له مع الهيئة على الشكل التالي، وهو ثقة عندي، ولا أشك أنه صادق في روايته:
يقول "كنت عائدا من خارج المجمع الصناعي الذي توجد فيه "الورشة" التي أعمل فيها. ووافق ذلك ما بين الأذان والإقامة لصلاة الظهر في أحد الأيام. فدخلتُ إلى "الورشة" وتوضأتُ وخرجت قاصدا المسجد. وفوجئت وأنا خارج والماء لا يزال يقطُر من يديَّ، بأحد أعضاء الهيئة يترجل من "الجمس" ويمسك بي ويدفعني إلى الركوب متَّهما إياي بأني لا أصلي. فقلت له إن الإمام لم يكبِّر بعد، وأنا في طريقي إلى المسجد، ويمكنك أن تسأل إمام المسجد إن كنتُ أواظب على الصلاة أم لا. لكنه لم يلق بالا لما قلتُ ودفعني للركوب في السيارة مع عدد آخر من العمال. وأخذنا إلى أحد مراكز الهيئة ومن ثم إلى مركز الشرطة. وهناك أخذوا مني جوالي وأغلقوه ومنعوني من الاتصال بزوجتي، وزجوا بي في غرفة تضم عددا من العمال، بعضهم بتهمة عدم الصلاة وبعضهم بتهم أخرى. ثم حققوا معي واتهموني بأني لا أصلي. وفي آخر الأمر طلبوا مني أن "أبصم" على ورقة لا أدري محتواها. ثم سمحوا لي بالخروج قبل أذان المغرب بقليل.
أما القصة الثانية فرواها لي أحد سائقي "السطحات"!! فقد "تعطلتْ" سيارتي في الأسبوع الماضي في مكان بعيد مما اضطرني لإحضارها إلى "ورشة مصطفى!" على ظهر "سطحة"! وركبت إلى جانب سائقها "السوداني". ولا أتذكر ما الذي جاء بذكر الهيئة؛ لكن سائق "السطحة" روى لي أنه كان قادما من خارج الرياض بعد مغرب أحد الأيام. وكان قد جمع العشاء مع المغرب لأنه كان مسافرا. وعند أذان العشاء جاءه أحد أعضاء الهيئة وأمره بأن يتوجه إلى المسجد، فأخبره بأنه قد جمع العشاء مع المغرب. فلم يقبل منه عضو الهيئة هذا العذر وبدأ يشدد عليه ويعنِّفه حتى بدأ بضربه. ثم قال "فما كان مني إلا أن استللت "مطواة" كانت في جيبي، وطعنتُه بها! فجاءت الشرطة وأخذوني إلى التحقيق ثم إلى السجن لأقضي أياما فيه، وأخذوا عضو الهيئة إلى المستشفى. وبعد مدة تنازل عني عضو الهيئة بعد أن دفعت له عشرة آلاف ريال".
أما القصة الثالثة فيرويها لي أحد الأصدقاء الثقات. وملخصها أن الماء كان مقطوعا عن المسجد المجاور لمنزله قبل صلاة المغرب في أحد الأيام، وقيل للعمال الذين يعملون في بعض الدكاكين المجاورة للمسجد، وهو يعرف أحدهم معرفة حقة ويشهد بأنه من المواظبين على الصلاة في المسجد، بأن عليهم أن يتوضؤوا في مكان آخر. فذهبوا إلى "شقة" قريبة يسكنها أحدهم فتوضؤوا وجاؤوا إلى المسجد. فقابلهم "جمس الهيئة" وهم خارجون من "الشقة" فأُركبوا فيه عنوة بتهمة أنهم لا يصلون. وأخذوا إلى مركز الهيئة وحقِّق معهم إلى ما يقرب من العاشرة مساء. وكان أحدهم تركيًّا يعمل حلاقا. فسألوه عن مهنته ولما أخبرهم بأنه حلاق احتجزوه إلى الساعة الثانية بعد منتصف الليل بتهمة أنه ـ فوق جريمته المتهم بها ـ يحلق لحى المسلمين!
أما القصة الرابعة فكنتُ شاهداً عليها. فقد "تعطلت" سيارتي مرةً فاضطررت إلى الذهاب إلى إحدى "الورش" لأصطحب معي "ميكانيكيًّا" لإصلاحها. وبعد أن أصلحها أعدتُه إلى "ورشته"، حيث دخل ليتوضأ، وكان ذلك بعد أذان العشاء مباشرة. وفجأة خرج علينا "جمس الهيئة"، وهو ملآن بالعمال الذين أخذوا بتهمة عدم الذهاب إلى الصلاة. فوقف "الجمس" على مدخل "الورشة"، وكان يجلس في المقعد الأمامي شاب لا يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، ويضع رِجْله "البضة" المكشوفة على "طبلون" السيارة، ويأمر هذا "الميكانيكي" بلهجة قاسية بأن يتوجه إلى الصلاة وإلا أركبه في "الجمس". أما أنا فلم يقل لي شيئا! فقلت له إن هذا الشخص في طريقه إلى الصلاة وأنا سبب تأخيره. فتردد قليلا ثم انصرف بمن معه من العمال (ويبدو أن عدم إصراره على إركاب الميكانيكي أنه لم يعد هناك متسع في مؤخرة "الجمس" للمزيد!). ثم أشار "الميكانيكي" إلى أحد العمال في مؤخرة "الجمس" وقال إن هذا من أكثر العمال الذين يعرفهم مواظبة على الصلاة في المسجد.
ربما يهب أحد المدافعين ليقول، كالعادة، إن هذه حوادث "فردية"، ولا يمكن تعميمها. لكن كثيرا من القراء سيسردون قصصا مشابهة كثيرة عن تجاربهم أو تجارب من يعرفونه مع بعض أعضاء الهيئة.
ويبدو، كما قلت أعلاه، أن سبب ضخامة الأرقام التي توردها الهيئة في تقاريرها عن عدد من قبضت عليهم إنما يعود إلى مثل هذه التصرفات العشوائية التي تسجَّل على أنها "وقوعات" مع أن كثيرا من المقبوض عليهم فيها ليسوا مذنبين حقا.
ويبدو واضحا أنه لو كانت الهيئة أكثر احترافا وموضوعية في عملها في تتبع من يتأخرون عن الصلاة وإغلاق المتاجر وقت الصلاة لنقص عمل الهيئة بما يقرب من ثمانين بالمئة، لكن هذا النقص ربما يهدد الامتيازات المالية التي تتمتع بها ويقلل من حضورها الذي تستمد منه هيبتها.
وربما يقول بعض المدافعين عن الهيئة إن هذه الحوادث الفردية تصدر من أشخاص بأعيانهم من منسوبي الهيئة، وهي ليست مسؤولة عن ذلك. وكنت أشرت في مقال سابق إلى أن مثل هذه الاعتذارات دليل على غياب روح المسؤولية الجماعية التي يجب أن يشعر بها الأفراد جميعا في المؤسسة عن تصرفات أي عضو آخر فيها. والأخطر في هذا الاعتذار أنه ربما يكون سببا في استمرار مثل هذه التصرفات التي تشحن النفوس ضد الهيئة.
أما "التعهدات" التي يُجبَر من تقبض عليهم الهيئة على توقيعها فتمثل إقرارا من المتهمين بما اتهموا به. وهم لا يستطيعون أن يخرجوا من هذه المشكلة إلا بعد أن يخضعوا لهذا الإجراء. لكن هذا يمثل اعترافا بالإكراه حقيقة.
ومن المؤكد أن المحاكم الشرعية في المملكة لا تأخذ بأي اعتراف يؤخذ من المتهم عن طريق الإكراه. كما لا يعتد أي قانون بهذا الإجراء ولا يعده دليلا في أية محاكمة، كما أنه يخالف أبسط حقوق الإنسان.
ومن هنا فإن تثبيت الإدانة على من تقبض عليهم الهيئة بهذا الإجراء لا يمكن النظر إليه إلا أنه تجاوز للحدود الشرعية في القبض والتحقيق والحكم.
وهناك حقيقة بسيطة تغيب عن الهيئة، وهي أنها تقبض على المتهمين بعدم الصلاة قبل الصلاة. وهذا إجراء بالإدانة قبل حدوث "الجريمة". لذلك فالسؤال هو: كيف يدان المقبوض عليهم مع أن "الجريمة" التي يتهمون بها لم تقع بعد؟!
لهذا كله فإن من مصلحة شعيرة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" أن تتخلص الهيئة من بعض المظاهر التي يتسبب بها حب بعض المنتسبين إليها للتسلط، وفرض الرأي الشخصي، وأخذ "الضعفاء" بالظنة.

* أكاديمي وكاتب سعودي
شمس صحو غير متصل