مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 19-07-2008, 12:49 PM   #7
ابو ملك
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: May 2003
المشاركات: 39
وانظر كذلك إلى الأثر العظيم المهم من آثار الاستغفار وهو دفع العذاب ورفع المصائب ، مصداقاً لقول الله عز وجل : { وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم و ما كان الله يعذبهم وهم يستغفرون } .

وقد ورد في معنى ذلك آثار وأحاديث فيها ضعف لكن المعنى الذي في الآية واضح بين أن الاستغفار من أسباب رفع العذاب وعدم نزول نقمة رب الأرباب سبحانه وتعالى .

وهذا رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يبين هذا في حديثِ صحيحِ عظيم يخطئ بعض الناس فهمه ويسيؤن تصوره واستخدامه وهو حديثه عليه الصلاة والسلام الذي يقول فيه كما في صحيح مسلم : ( والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا فتستغفروا لذهب الله بكم ولجاء بقومِ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر الله لهم ) .


ليس في الحديث دعوةُ لمقارفة الذنب والاستغفار من بعد ، وإنما في الحديث تصويرُ لطبيعة الإنسان في غفلته ووقوعه في زلته وطبيعة ما ينبغي أن يكون عليه المؤمن إذا وقع في الخطأ أن يبادر بالاستغفار ؛ فإن لم يفعل ذلك لم يكن متحققاً بمعنى العبودية لم يظهر مظاهر التذلل والخضوع لم يبتهل لرب الأرباب لم يعظم ربه - سبحانه وتعالى - لم يعرف حقيقة أسماء الله الحسنى التواب الغفار الرحيم إلى غير ذلك من أسمائه العظيمة الجليلة الحسنة فلذلك جعل الله عز وجل بتبليغ رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن الغفلة عن هذا الاستغفار مع ما هو مقرر من طبيعة وقوع العبد من طبيعة غفلته أنها نوعُ مما يستحق به العقاب ونوع مما يظهر جحود أولئك القوم الذي لم يقروا ولم يظهروا ولم يبرزوا عبودية الله .


ألا ترى شعائر الإسلام وهي تعلن العبودية لله وتظهر تذلل العباد لله في صلاة الاستسقاء في الصلوات الخمس في غيرها من الأمور التي يريد الله عز وجل ويحب أن يظهر تذلل عباده له وتضرعهم إليه وابتهالهم وافتقارهم إلى ما عنده سبحانه وتعالى .


وأثر سابعُ أيضاَ يتعلق بهذا القلب الذي كثرة فيه في هذا العصر الظلمات وتكالبت عليه الشبهات ، وغشيته الشهوات ، وتزينت له المحرمات وواجهته كثيرٌ وكثير من الفتن العظيمة ،كيف نحافظ على وضاءته ؟ كيف نحسن صيانته ؟ أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الترمذي وحسنه من حديث الأغر من حديث أنسِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن العبد إذا أخطأ خطيئةَ نكتة في قلبه - أي جاء أثرها من سوادها وظلمتها وانعدام تأثر القلب بالآيات وانعدام تأثر القلب بالمواعظ والشواهد الحية في واقع الحياة - نكتة فيه نكت فإن نزع واستغفر صقلت فإن عادت زيد فيها حتى تعلو قلبه وذلك الران الذي قال الله عنه : { كلا بل ران على قلوبهم } ) .


فهذه فائدةُ عظمى من فوائد هذا الاستغفار أيضا فنحن عندما نتأمل في هذه النصوص ، وفي تلك التطبيقات العملية في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام على ما كانوا عليه من الفضل والسبق في أعمال الخير وعلى ما كانوا عليه من الترفع من الدنايا والبعد عن الخطايا والبكاء على الذنوب ، ودوام التوبة والاستغفار رأينا سوء حالنا وأدركنا خطر وضعنا فنحن الذين نكثر الذنوب وكأنا قد أمنا العقوبة عليها ، ونلهو ونسهو عن التوبة والاستغفار وكأننا قد استغنينا عنها .


وهذا الحسن البصري يخاطبنا مرةً أخرى ، ويقول مخاطباً لذلك الجيل الذي كان فيه ولذلك العهد لذي كان فيه من الخير والصلاح ما فيه يقول : " لقد أدركت أقواماً - يعني الصحابة الكرام رضوان الله عليهم - كانوا أخوف ألا تقبل منهم حسناتهم منكم من ان تحاسبوا على سيئاتكم " يقصد الذين يحدثهم : لستم في خوفِ من المحاسبة على السيئات وأنتم تعلمونها وأنتم ترونها وأنتم تقعون فيها ، وقد كان القوم من قبلكم قد أمنوا هذا ؛ لأنهم لم يقعوا في تلك المعاصي ولكنهم عندهم خوفُ أعظم وهو ألا تقبل منهم الحسنات ، فأين نحن من هذه القلوب الحية والمواقف التي كانت في سير أسلافنا رضوان الله عليهم بل أين نحن من أمرِ أعظم وأجل من هذا أين نحن من هذه الرحمة الواسعة والنعمة العظيمة التي يقدمها الله لنا ويسوقها إلينا ، ثم نغفل عنها كأن لا نعظم ربنا كأن لا نفتقر إليه كأن لا ندرك عبوديتنا له - سبحانه وتعالى - كأن قدر أدبرنا بظهورنا وأعرضنا بغفلتنا وسهونا وشهواتنا عن باب ربنا الذي فتحه لنا ، وعن دعائه الذي دعانا إليه من الاستغفار والتوبة الدائمة إليه ، ولذلك قد قال أهل العلم في معنى هذه الأحاديث إن الله - عز وجل - قد فتح الباب لعلمه بطبيعة العبد وأنه يحتاج إلى ذلك الاستغفار ؛ فإنه قد ورد في الصحيح عند الإمام مسلم :
( أن عبداً أذنب ذنباً فقال يا رب أذنبت ذنباَ فاغفرلي فقال الله - عز وجل - لملائكته : علِمَ عبدي أن له رب يغفر الذنب ويؤاخذ به فاستغفرني أشهدكم أني قد غفرت له ، ثم أذنب ذنباَ فقال يا رب أذنبت ذنباَ فاغفرلي فقال الله - عز وجل - : علم عبدي أن له رب يغفر الذنب ويؤاخذ بالذنب أشهدكم أني قد غفرت له ، ثم ثالثةَ فيعاد القول فليعمل عبدي ما شاء فإني أغفر له ) . . ( يا ابن أدم لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لقيتك بقرابها مغفرة ) .
لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه **** من جود كفيك ما علمتني الطلب
وهذا مصداق قول الله - عز وجل - في قصة أدم أن الله - عز وجل - هو الذي علّمه الكلمات : { فتلقى أدم من ربه كلماتِ فتاب عليه } .
علّمه الاستغفار حتى يغفر له فضل من الله سبحانه وتعالى عظيم لماذا ؟
لأنه يعلم طبيعة الإنسان وغفلته وما يقع منه من سهوِ : { ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير } .


الخطبة الثانية
أما بعد أيها الأخوة المؤمنون :
عباد الله أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله ؛ فإن تقوى الله أعظم زادِ يقدم به العبد على مولاه ؛ وإن من التقوى دوام الأوبة ومتابعة التوبة والإكثار من الاستغفار فإنها أبواب الرحمة الربانية التي فتحها سبحانه وتعالى فضلاً منه ومنةً على عباده ولم يجعل لذلك حداً ينتهى إليه ولا وقت يتوقف عنده فكيف بنا نغفل عن هذه الأبواب وعن هذه النعم وكيف بنا نغفل فنغوص في أوحار المعاصي لا ندرك ما يوقفنا هذا الهوي وهذا الانزلاق ولا ندرك الأسباب التي بإذن الله عز وجل نتوصل بها إلى الاستمساك بأمر الله والاعتصام به من تلك الزلات ومن وساوس الشيطان ونزغات الهوى ومضلات الفتن .
قد جعل الله لنا سبل النجاة ورسم لنا طريق السلامة فأين نحن منها قد غفلنا عنها والله سبحانه وتعالى قد جعل الفضل عظيما حتى لا يتاعظم مذنبَ ذنبه .
لكن هذا الاستغفار يحتاج إلى أن ندرك معانيه وأن نعرف حقيقته فإن الله عز وجل قد قال في سياق الآية القرآنية :
{ ولم يصروا على ما فعلوا } .


قال أهل العلم فيه دليلَ على أن الاستغفار المقبول هو الذي يقع به الإقلاع عن الذنب مع استحضار الندم في القلب والاستغفار باللسان .
وليس مجرد ذكر هذه الكلمات كما نسمع في أدبار الصلوات أصوات الصفير بحرف السين أس أس ولا نسمع استغفاراً يستحضره القلب ولا ندرك حقيقة ما نحن فيه من هذه المعاني .
وانظر إلى ذلك الاستغفار المأثور في أدبار الصلوات فهذه الصلاةلا شيء فيها يستغفر منه إن الاستغفار يبين لنا حقيقتنا فنحن نستغفر في عبادتنا مما وقع فيها من تقصير وما وقع فيها من قصورِ عن الكمال ومما وقع فيها من غفلةِ وسهوة قلبِ وعدم استحضار المعاني التي يجب استحضارها في تلك الصلاة أو تلك العبادة .
وكل ذلك جبرَ وكل ذلك إعانةَ فإن في هذا الاستغفار تلك الفوائد العظيمة والمنافع الجليلة والأبواب الواسعة .


أخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه عن سول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة والجلالة أنه قال :
( يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا بن آدم لو لقيتني بقراب الأرض معصيةً ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لقيتك بقرابها مغفرة ) .
فأي فضلِ أعظم من هذا فهل يقابل هذا الفضل من الله بالاستهتار من العباد والغفلة ومزيد المعصية من المسلمين رغم ما أعطاهم الله عز وجل .


وانظر إلى جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم كيف يجعلك تتعلم كيف تستغفر الله ومن أي شيءِ تستغفر الله إن بعض الناس اليوم إذا قلت له قل:
" استغفر الله " ، قال : وأي شيءِ فعلت ؟ .


سبحان الله ! أما كان في قلبك خاطر سوء أما مرة بك نيةَ غير سليمة أما تلفظت بكلمة غير حسنة أما فعلت فعلاً أما نظرت نظرةً كلنا ذاك الرجل المذنب .
فهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو بهذا الدعاء الخاشع الجامع الذي يرويه الإمام مسلم من حديث أبي موسى الأشعري عن رسولنا - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يدعو فيقول :
( اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطأي وعمدي وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني اللهم أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيءِ قدير ) .


فنسأل الله - عز وجل - دوام المغفرة واجعلوا القلوب حجةً حاضرة واجعلوا لكل ذنبِ أو غفلةِ استغفاراً وتوبة فإن الله سبحانه وتعالى يقبل ذلك ويجعل من وراء ذلك خيراً في تفريج هموم الدنيا وتكثير أسباب الرزق فيها ويجعل من وراء ذلك خيراً في دفع العذاب ورفع المصائب عن المسلمين فإنهم ما استغفروا الله إلا رفع الله عز وجل عنهم من البلاء كما ورد في الأثر : إن الدعاء والقضاء ليعتلجان فيما بين السماء والأرض ؛ فإنه لا يرد القضاء إلا الدعاء بقضاءِ قد أحكمه الله - عز وجل - وكتبه في اللوح المحفوظ .


فانظروا - رحمكم الله - إلى ما تبتغون من أمور الدنيا ، وإلى ما يعرض لكم من مصائبها فاعلموا أن أعظم الأسباب هي أسباب الطاعة وأسباب الإنابة والاستغفار لله سبحانه وتعالى .
ياكثير العفو عن من كثر الذنب لديه
جاءك المذنب يرجو الصفح عن جرم لديه
أنا ضيفٌ وجزاء الضيف إحسانٌ إليه


والله - عز وجل - لا يخيّب من دعاه ولا يرد من رجاه ؛ لأنه - سبحانه وتعالى - قد فتح الأبواب ، وجعل رحمته أوسع وأعظم من غضبه وأسبق من غضبه سبحانه وتعالى .
لئن ضاق عني عفوك الواسع الذي **** أريد لإســرافي فإني لتالف
ابو ملك غير متصل