(( الحلقة الثالثة عشر ))
عَبْدُ الرّحْمَنِ النّاصِر
ــــ قَالَ الذَّهبيُّ: هُوَ / عبدُالرحمنِ بنُ محمَّدِ بنِ عبدِاللهِ بنِ
محمَّدِ بنِ عبدِالرحمنِ بنِ الحَكَمِ بنِ هِشامِ بنِ عبدِالرحمنِ الدَّاخِل ،
وُلِدَ عامَ ( 278 ) وتولَّى الحكْم عامَ ( 300 )
وَتُوُفَّيَ عامَ ( 350 ) هـ
ـ تُوُفِّيَ جَدُّه عبدُالله فَوَلِيَ عبدُالرحمنِ الأمرَ مِنْ بَعْدِه ،
وَكَانَ ذلكَ مِنْ غَرَائبِ الوُجُودِ ؛ لأَنَّ أَعْمَامَه وأَعْمَامَ أَبِيهِ
كَانوا عَلى قَيْدِ الحَياةِ ؛ وكَانَ عُمُرُه اثْنَتَيْنِ وعشْرينَ سنةً .
ـ اسْتقامَ لَهُ الأَمْرُ ، وَابْتَنَى مَدينةَ الزَّهْراءِ فَجاءَتْ
مِنْ أَحْسِنِ بِنَاءِ مدِينَةٍ عَلى وَجْهِ الأرضِ .
ـ قَال ابنُ خَلِّكَان : ( وَهِيَ مِنْ عَجَائبِ الدُّنْيِا )
وَالأُورُبِّيُونَ يُسَمُّونَها جَوْهرةَ العَالَم .
ـ كان النّاصرُ ذَا دِينٍ مَتِينٍ ، وحُسْنِ خُلُقٍ ، وكانَ فِيه دُعَابَة ،
وكانَ مَهِيباً شُجَاعاً صَارِماً .
ـ لَمْ يَتَسَمَّ بَأَمِيرِ المؤمنينَ أَيْ لَقَب ( الخِلافَةِ ) أَحَد ٌمِنْ أَجْدَادِه ،
إِنَّما كانَ يُخْطَبُ لهمْ بِالإِمارةِ فَقَط ، فَلَمَّا كانَ سنة ( 327 ) هـ
وبَلَغَهُ ضَعْفُ الخِلافةِ العَبَّاسِيَّةِ بالعِرَاقِ تَسَمَّى بأَميرِ المؤمنينَ أَيْ ( الخلِيفَة ) .
ـ وَقَدْ عُدَّتْ أَيَّامُ السُّرورِ التي صَفَتْ للنَّاصرِ
فَكانتْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يوماً تقْرِيباً .
ـ مَلَكَ الأَنْدَلُسَ خَمْسِينَ سنةً وستَّةَ أَشْهُر ، ولَمْ يَزَلْ يَغُزُو
حتى أَقامَ العِوَجَ ، ومَهَّدَ البِلادَ ، ووضَعَ العَدْلَ ، وكَثُرَ الأَمْنُ ،
ولَمْ تَزَلْ كَلمتُه نَافِذَةً ، وصَارتْ الأندلسُ أَقْوى ما كانتْ
وأَحْسَنَها حالاً ، وَصَفَا وَجْهُهُ للرُّومِ ، وَغَزَاهُم بِنَفْسِه اثْنَتَيْ
عَشْرَةَ غَزْوَةً وَدَوَّخَهُم وَوَضَعَ عَليهِم الخراجَ وَدَانَتْ له مُلُوكُها .
ـ وإذا ذُكِرَتْ الأَندلسُ ومَفَاخِرُها وَازْدِهَارُها وَعُلماؤُها
وحَضَارتُها ومُفَكِّرُوها وغيرُ ذَلكَ مِن المجْدِ ،
فَإِنَّما كَانَ ذَلكَ في عَهْدِ عَبْدِِِالرّحمنِ النَّاصرِ وما بعدَه .
ـ فقَدْ أَنْشَأَ المكْتَبَاتِ العَامةَ الضَّخْمةَ ، وَجَلَبَ لها الكتبَ
منِ كلِّ الفُنونِ ومن كُلِّ مَكَانٍ ، وَبَلَغَتْ عَدَدُ الكُتُبِ الموجُودةِ
في مَكْتَبةِ الحَكَمِ فَقَط أَكْثر مِن أَرْبَعِينَ أَلْفَ كتابٍ ،
وَيُوجَدُ في قُرْطبةَ وَحْدها أَكْثَر مِن سبعينَ مَكتبةً عامَّةً .
ـ وَاسْتَقْطَبَ العلماءَ و المُهَنْدِسِينَ والأَطباءَ والمفَكرِّينَ ،
حتى صَارَتْ قُرْطُبةُ مَنارَةَ الدُّنْيَا ، وأَرْسلَ الملوكُ مِن
المسلمينَ والأُورُبِّيِّينَ الوُفُودَ لِيَنْهَلُوا مِنْ كَافةِ العلُومِ المخْتَلِفَةِ .
فَرَحِمَهُ اللهُ رَحْمَةً واسِعَةً .
في الحلقة القادمة إن شاء الله سوف يكون الحديث
عن أقوى مَنْ حكم الأندلس ، عن :
الحاجب المنصور