وقفة مع نهاية العام الهجري 1423هـ
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ،ومن يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا اله إلا الله واشهد أن محمد عبده و رسوله صلى الله عليه وسلم …أما بعد:
أخي الحبيب، لقد وقفت أمام يوميتي لأنزع آخر ورقة بها ، آخر يوم من عمر العام المنصرم 1422هـ ، و على غير عادتي تثاقلت يدي هذه المرة و هي تمتد إليها ، و انتابني إحساس نبه في وجداني شعوراً ، ما كنت أعيره إهتماماً على مدى أكثر من 350 يوماً قد انتهت ، لقد أحسست بإشفاق عليها ، و قد تراءت لي كأنها تحتضر ، و ترنو إلى يدي في فزع وذل ، كأنها تطلب مني أن أمهلها لحظات تودّع فيها هذه الحياة ، فعدلت عن نزعها ، و رحت أتأمل هذه الورقة الأخيرة ، و اعترتني رهبة عندما عرفت أنني في الحقيقية بنزعها قد نزعت حزمة من أيام عمري ، لأطوي بها سجلي الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ، وبما فيها من خير وشر .
أخي الحبيب، إن هذه اليومية المحتضرة تشبه عمر أي مخلوق ، وإنها تتناقص أيامها مثلما تتناقص أعمارنا يوماً بعد يوم ، وكما يتناقص بتراكمات الحقب والسنين عمرُ الزمان ، وكل المخلوقات في تناقص مطرد حتى تنتهي إلى الزوال (كل من عليها فان *ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام) ، إن كل المخلوقات تنتهي أعمارها ، و تمضي حيث شاء الله لها ، و تطوى ، إلا هذا المخلوق (الإنسان) فإنه الوحيد الذي يبقى متبوعاً بعد رحيله من هذه الدنيا ، وموقوفاً للحساب والجزاء .
عدت من ذهولي ، و أخذت استحث ذاكرتي القاصرة ، علّها تسترجع بعض ما رسب وعلق بها من أحداث العام المنصرم ، قبل أن تغمرها دوائر النسيان ، و وقفت طويلاً أستعرض ذلك الشريط الطويل (العمر) ، يا سبحان الله العظيم ، إنه شريط عجيب حقاً ، فقد اكتظ اكتظاظاً ، و أفعم إفعاماً ، لقد اكتظ بالحوادث المختلفة ، و الأحداث المتابينة ، و الأعمال الحقيرة والجليلة ، عنّي و عن غيري ممن لا حصر لهم ، من الذين مرّوا أمام عدسة هذا الشريط بالصوت والصورة .
لقد تذكرت هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وما كان فيها من أحداث ، وما أحوجنا - أخي الحبيب – و نحن نستقبل عاماً هجرياً جديداً أن نعيش بقلوبنا و عقولنا و مشاعرنا وواقعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في هجرته من مكة المكرمة إلي المدينة المنورة و التى حوت على الكثير من الدروس والعبر منها على سبيل المثال لا الحصر ، قيمة الزمن وأهميته .
__________________
|