فلقد جاهد النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله حق الجهاد ، منذ أنزل الله عليه قوله تعالى : (يا أيها المدثر قم فأنذر و ربك فكبر ، و ثيابك فطهر) ، فكان صلى الله عليه وسلم يواصل الليل مع النهار و السر مع الإعلان ، و ما كان يخشى في الله لومة لائم ، و لا كان يردعه عن تبليغ الدعوة تهديد قريش و وعيدها .
و استجاب له منذ البداية صدّيق الأمة أبو بكر من الرجال ، و من الصبيان علي بن أبى طالب ، و من النساء زوجته خديجة بنت خويلد . و استجاب لأبى بكر :- عثمان بن عفان ، و طلحة بن عبيد الله ، و سعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم جميعا و أرضاهم .
و تعهد صلى الله عليه وسلم أصحابه بالتربية و التعليم فكان يجمعهم في دار الأرقم بن أبي الأرقم فيعلمهم ما ينز ل عليه من القران الكريم ، و يأمرهم بحسن الأخلاق و يحذرهم من الفسق و الشرك و العصيان ، وكان صلى الله عليه وسلم قدوة لهم في جميع أقواله وافعاله.
و كان للوقت قيمة كبرى عندهم ، فكانوا يستغلون أوقاتهم في طاعة الله و في التزود من علم الرسول صلى الله عليه وسلم و فضله ، وكانت العقيدة في نفوسهم أهم من المال و الأهل و الولد ، و عندما خيّروا بين الوطن و القبيلة و رغد الحياة و بين خشونة العيش و الغربة و التشرد اختاروا صحبة رسول الله والهجرة في سيل الله .
لقد صدق الصحابة رضوان الله عليهم ما عاهدوا الله عليه ، و عندما ابتلاهم الله صبروا وضربوا أروع الأمثلة في الفداء والتضحية ، و عندما نادى منادي الجهاد كانوا يتسابقون على الموت في سبيل الله ولسان حالهم يقول (وعجلتُ إليك ربي لترضى) .
و بعد ثلاثة عشر عاماً من البذل و التضحية أكرم الله جل وعلا محمداً صلى الله عليه وسلم و أصحابه رضي الله عنهم ،
بالنصر وجاءهم من جهة المدينة .
13 عاماً كانت محسوبة بأيامها و لياليها و ساعاتها .
13عاماً لا يهنأ المسلمون فيها بلذيذ الطعام والشراب ، و لا يصرفهم عن ذكر الله حب الدنيا و التثاقل إلى الأرض .
13 عاماً من العمل الجاد ، و التخطيط الدقيق ، والتربية الرائعة .
فأين نحن اليوم - أخي الحبيب - من سيرة الرسول وأصحابه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم .
لقد انسلخ عام كامل من أعمارنا .. انسلخ بثوانيه ودقائقه وساعاته و أيامه ، فماذا قدمنا فيه من أعمال صالحة ندخرها ليوم تذهل فيه كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد .
إن الجواب أخي الحبيب على هذا السؤال مخجل ومخجل جدا ، و لكن لابد من الاعتراف بالأمر الواقع ، فالواحد منا يخرج من بيته في الصباح الباكر ، ويمضي سحابة يومه في مدرسته أو جامعته أو عمله ، و يعود إلى بيته آخر النهار وقد أضناه التعب فيتناول طعام الغداء ويرتاح قليلاً ثم يمضي بقية اليوم وأول الليل في المذاكرة أو قضاء الأمور المعيشية ، ثم ينام ، ثم يعود في الصباح و هكذا و هكذا ، إنها و الله حياة ليست فيها دقائق مخصصة لقراءة القرآن و لتعلم أحكام ديننا و ليست فيها دقائق مخصصة لقيام الليل و صلاة السنن و النوافل و ليست فيها دقائق مخصصة لحضور مجالس الذكر و المحاضرات وليست فيها أيام لصيام الاثنين والخميس وليست فيها دقائق لبذل المعروف وقضاء حوائج الناس .
أخي الحبيب، لقد شغلتنا دنيانا عن طاعة ربنا ، ونحن الذين حذرنا جل و علا منها ، قال تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {9} وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ {10} وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح و إذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) رواه البخاري .
وقال صلى الله عليه وسلم (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، و عن شبابه فيم ابلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه ، و عن علمه ماذا عمل به) السلسلة الصحيحة (946) .
سوف يسألنا مالك يوم الدين يوم الحشر عن أعمارنا ، هل أفنيناها في الأعمال الصالحة والطاعات ، أم أفنيناها في اللهو والغفلة والعبث .ويسألنا سبحانه وتعالى عن أجسامنا هل أبليناها بالصيام والقيام وغض البصر وحفظ السمع واللسان ، أم أبليناها في تناول ما لذ و طاب من الطعام والشراب .و السائل جلّ وعلا يعرف خفايا أمورنا ، و لا يعجزه شي ء في الأرض و لا في السماء .
قال تعالى : (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم) .
__________________
|