مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 20-02-2003, 02:36 PM   #3
المارد
عـضـو
 
صورة المارد الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Jul 2002
البلد: من أرض الله الواسعة
المشاركات: 338
أخي الحبيب، إن الكثير من أبناء المسلمين في معظم البلاد العربية و الإسلامية يحتفلون بذكرى الهجرة في كل سنة ، ولكن للأسف الشديد القليل جداً منهم الذي يعرف الحكمة التي انطوت عليها حادثة الهجرة ، فالله عز وجل في كتابه العزيز قد انحى باللائمة على جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في مكة يصلون و يصومون فقط ، و لا يستطيعون أن يفعلوا أكثر من ذلك من مظا هر الدين لأنهم كانوا تحت سلطة قريش و لا قوة لهم عليها ، ثم هم لم يهاجروا إلى قلعة الإسلام ليكونوا من جنودها ويظهروا شعائر دينهم بكل راحة ، فأنزل الله فيهم قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنّا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا) .
فالحكمة أخي الحبيب من الهجرة هي أن الإسلام لا يكتفي من أهله بالصلاة و الصوم فقط ، بل يريد منهم مع ذلك أن يطبقوا كل أوامر الله عز وجل و أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم الظاهرة والباطنة في أنفسهم وفي كل أمور حياتهم اليومية كما قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة و لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) و السلم هو الإسلام ، و قال تعالى : (قل إن صلاتي و نسكي و محياي ومماتي لله رب العالمين) .
أخي الحبيب، إن الهجرة باقية لم تنتهي بعد ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ، و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) رواه ابوداود و النسائي ، صحيح الإرواء ( 1208 ) .
و عن عبد الله بن عمير عن أبيه عن جده ، أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أفضل الهجرة ؟ قال : (من هجر ما حرم الله) . مشكاه المصابيح ( 3833 ) .
و قال صلى الله عليه وسلم في حجه الوداع : (ألا أخبركم بالمؤمن ؟ من أمنه الناس على أموالهم و أنفسهم . و المسلم ؟ من سلم الناس من لسانه ويده . و المجاهد ؟ من جاهد نفسه في طاعة الله . و المهاجر ؟ ( وهنا الشاهد ) من هجر الخطايا و الذنوب) السلسلة الصحيحة (549) .
فلابد من الهجرة من ترك الصلاة مع الجماعة و النوم عن الصلوات إلى الصلاة على وقتها مع الجماعة في الصف الأول . و لابد من الهجرة من قراءة المجلات والجرائد التافهة إلى قراءة القرآن الكريم و تدبر آياته .
و لابد من الهجرة من سماع الأغاني و التلذذ بالغيبة إلى سماع القرآن والمحاضرات المفيدة .
ولابد من الهجرة من النظر المحرم في المجلات و الأسواق و القنوات إلى النظر في كتاب الله و سنه رسوله و سيرته و عظمة الله في مخلوقاته .
و لا بد من الهجرة من الكذب و الغيبة و الكلام البذيء إلى ذكر الله عز وجل و دعائه و التلذذ بمناجاته .
و لا بد من الهجرة من الجلسات الفارغة و التافهة إلى مجالس الذكر و حضور المحاضرات النافعة .
و لا بد من الهجرة من أصدقاء السوء سواء ً كانوا من الأقارب أو من زملاء الدراسة و العمل ، الذين يصدون الإنسان عن سلوك طريق الالتزام والهداية ، إلى الإخوة الصالحين الذين يدلون على الخير و يعينون المسلم عليه .
و باختصار لا بد من الهجرة من كل ما يغضب الله ، إلى كل ما يرضي الله ، و من كل معصية يبغضها الله إلى كل طاعة يحبها الله .
أخي الحبيب، أن بداية العام الهجري الجديد فرصة لكل واحد منّا لكي يفتح صفحة جديدة مع الله عز و جل ، صفحة بيضاء نقية ، يعاهد الله فيها أن يسلك طريق الالتزام و الهداية ، يعاهد الله فيها أن يكون كتاب الله عز وجل جليسه ، و ذكر الله عز و جل أنيسه ، و قيام الليل و صيام النهار سبيله ، و الأخ الصالح في الله نديمه .
صفحة يعاهد الله فيها أن يترك كل معصية تبغضه ، و كل أغنية ماجنة من القرآن تحبسه ، و كل نظرة محرمة للقلب تقتله ، وكل جليس سيئ من الله يبعده .
بهذا و هذا وحده نحيي ذكرى الهجرة الشريفة ، و نحقق مقاصدها ، و هذا هو الفلاح الذي يدعونا إليه المؤذن خمس مرات في كل يوم عندما يدعونا إلى الوقوف بين يدي الله عز و جل .
اللهم أجعل عامنا القادم أفضل من عامنا الماضي بتوفيقنا لطاعتك و ترك معصيتك يا رب العالمين ، اللهم اجعل عامنا القادم فرصة لقبولنا في قافلة العائدين إليك والمنيبين إليك يا ذا الجلال و الإكرام ، و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم .
__________________

المارد غير متصل