الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الأعمال الواجبة الفاضلة بل هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها ، والله تعالى خلقنا لعبادته وطاعته ليبلونا أينا أحسن عملاً كما قال تعالى:
{الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: من الآية2].
وحدُّ العمل الصالح الحسن المقبول عند الله ما كان خالصاً صواباً ، كما قال الفضيل بن عياض:
أخلصه وأصوبه ، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون ( خالصاً صواباً ) ، والخالص أن يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة.
وإذا كان حدُّ العمل الصالح ما اجتمع فيه هذين الأمرين العظيمين ؛
أحدهما: أن يراد به وجه الله.
والثاني: أن يكون موافقاً لشرع الله ، فالآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعي إلى الله يجب أن يتوفر في عمله هذين الأمرين ، ( الإخلاص ) و ( صلاح العمل ) ،
ولا يكون عمله صالحاً حتى توجد فيه الشروط التالية:
1ـ العلم والفقه قبل الأمر والنهي ، فإن فقد العلم حلَّ محله الجهل والضلال واتباع الهوى ، وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: «
العلم إمام العمل وتابعه » وقال عمر بن عبد العزيز: «
من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح » وبالعلم والفقه يحصل الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام ،
والعلم في هذا المقام لابد منه ويكون في ثلاثة أمور:
أحدها: العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما.
ثانيهما: العلم بحال المأمور وبحال المنهي.
ثالثهما: العلم بإتيانه بالأمر والنهي
بالصراط المستقيم الذي هو أقرب الطرق إلى حصول المقصود، وهو الصلاح ولهذا قيل: «
ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر ».
2ـ الرفق مع الأمر والنهي ، فإن الاستجابة والانقياد والإذعان من المأمور والمنهي لا تكاد تتخلف إذا قارن الرفقُ الأمرَ والنهيَ والدعوةَ إلى اللهِ ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «
إنَّ الله رفيق يحبُّ الرفق في الأمر كله ، ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف » [رواه مسلم،عن عائشة]. وقال في حديث آخر: «
ما كان الرفق في شيءٍ إلا زانه ، ولا كان العنف في شيءٍ إلا شانه ». [رواه مسلم،عن عائشة].
3ـ الحلم والصبر على الأذى بعد الأمر والنهي ، فإنَّ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر والداعية إلى الله لابد أن يحصل له أذى ، فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح ، ولهذا أمر الله الرسل ـ وهم أئمة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ـ بالصبر ، كما قال تعالى لخاتم الرسل:
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: من الآية35].
بل الأمر بالصبر مقرون بتبليغ الرسالة حيث افتتح الله آيات الإرسال إلى الخلق بالأمر بالنذارة ، ونفس الإنذار أمر بالمعروف ونهي عن المنكر ، وختمها بالأمر بالصبر، قال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِر ْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ، وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ} [المدثر:1-7]. فدلَّ ذلك أن الصبر يجب بعد الأمر والنهي ، وفي وصية لقمان لابنه الأمر بالصبر في قوله تعالى:
{يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17]. وقد أمر الله بالصبر في آيات كثيرة كقولِهِ تعالى:
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا }[الطور: من الآية48]. وقولِهِ:
{وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} [المزمل:10]. وقولِهِ:
{فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ}[القلم: من الآية48]. وقولِهِ:
{وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّه} [النحل:127 ]. وقولِهِ:
{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود:115].
فهذه الأمور الثلاثة لابد منها لكل داعٍ إلى الله وآمرٍ بالمعروف وناهٍ عن المنكر:
العلم ، والرفق ، والصبر. وجاء الأثرُ عن بعض السلف: «
لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا من كان فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ».
المصدر: كتاب: ( القول البيّن الأظهر في الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) للشيخ: عبد العزيز بن عبد الله الراجحي.