مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 04-08-2008, 03:26 PM   #2
أسامة النجدي
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2006
المشاركات: 22
ينبغي لهذه المشاركة أن تكون - بإذن الله - الجزء الثاني المكمل للموضوع الأساسي وفيها تكملةٌ للنقص وتبيانٌ لما قد يُشكل على البعض .


" 2 "



إن الفكرة التي أدافع عنها لا تتجزئ لجزئين، فأنا لا أنفي عن الأرض دورانها حول الشمس واثبته لها حول محورها !

فالأدلةُ التي وردت ظاهرها ثبات الأرض ثباتاً كاملاً، فلا تدور ولا تميل ولا تميد، لا حول الشمس ولا القمر ولا المحور .


ولكن بقي هناك دليلٌ واحد اختلف المتأخرون في تفسيره وأشكل على بعض الناس فهمه، ألا وهو قوله تعالى : " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرُّ مَرَّ السحاب صُنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون " ، واستدل بعض أهل العلم المتأخرين بهذه الآية الكريمة على دوران الأرض واعتبروها من الإعجاز العلمي في القرآن .

وقبل أن أسوق أدلتي وأُبيّن حُجّتي فيها لابدّ من قول كلماتٍ بسيطةٍ تكون تمهيداً لذلك، أقول :

إن هذه الآية لم يُختلف في تفسيرها إلا بعد أن " أثبت " - وضعوا تحت أثبت مئة خط - أثبت علماء الفلك دوران الأرض - بنظرياتهم طبعاً - فقال بعض العلماء المتأخرين -غفر الله لهم - أنها آيةٌ في الإعجاز العلمي في القرآن وأنها تدل على دوران الأرض .


فلاحظوا معي :

أولاً / الآية بقيت قروناً على تفسيرٍ واحد وهو أن الأية تتحدث عن يوم القيامة وأحداثها، أذكر منه تفسير ابن كثير لهذه الآية .
يقول ابن كثير في قوله تعالى : " وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمرُّ مرَّ السحاب " : أيّ تراها كأنها ثابتةٌ باقية على ما كانت عليه وهي تمر مر السحاب أي تزول عن أماكنها
كما قال تعالى : " يوم تمور الأرض مورا وتسير الجبال سيرا "
وقال تعالى : " ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا فيذرها قاعاً صفصفاً لا ترى فيها عوجاً ولا أمتا "
وقال تعالى : " ويوم تُسيّر الجبال وترى الأرض بارزة "
وقوله تعالى : " صُنع الله الذي أتقن كل شيء " أي يفعل ذلك بقدرته العظيمة
" الذي أتقن كل شيء " أي أتقن كل ما خلق وأودع فيه من الحكمة ما أودع
" إنه خبيرٌ بما تفعلون " أي هو عليم بما يفعل عباده من خير وشر وسيجازيهم عليه أتمّ الجزاء . انتهى كلام ابن كثير

هذا التفسير ونحوه هو التفسير الذي قال به علماء أهل السنة منذ عصر الصحابة رضوان الله عليهم، ما الذي تغيّر إذاً ؟ وهل كانوا مُخطئين ؟


ثانياً / أن التفسير والتأويل الجديد لهذه الأية جاء بناءاً على اكتشاف علماء الفلك أن الأرض تدور وما قال به أحدٌ قبل ذلك، واعتبروها آيةٌ في الإعجاز العلمي .
هم قدّموا قول علماء الفلك على قول علماء السُنّة واعتبروا تفسير العلماء بأن هذه الآية في الأخرة تفسيرٌ خاطئ، بينما قول علماء الفلك وافتراضاتهم أمرٌ لا جدال فيه ولذا أتوا بتفسيرٍ جديدٍ للأية يوافق ما توصلت إليه نظريات وأبحاث علماء الفلك .

* المتقدمون من العلماء يقولون بأن الآية تتحدث عن أحداث يوم القيامة، والمتأخرون يقولون أنها تتحدث عن الحاضر وأن الجبال تتحرك بتحرك الأرض ودورانها حول نفسها .

من أقرب للصواب ؟
القول الذي أنتصر له وأقول بصوابه هو قول العلماء الأوائل، وأن الآية تتحدث عن الأحداث المصاحبة ليوم القيامة، وذلك لشواهد عدّة :
1- أن الجبال من أظهر الأدلة وأوضحها على ثبات الأرض، فكيف يُستدل بها على تحركها ؟
وغالباً ما تُذكر في القرآن بألفاظٍ مثل : أوتاد و رواسي !
وما فائدة الأوتاد والمراسي إلا التثبيت ؟
قال تعالى : " وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم " أي حتى لا تضطرب بكم وتتحرك وتهتز .
وقال تعالى : " ألم نجعل الأرض مهاداً والجبال أوتاداً " أي تُثبتها كما تُثبت الخيمة بالأوتاد .
وآياتٍ أخرى كثيرة نحو ذلك تصف الجبال بالأوتاد والرواسي .

فالوتد يقوم بتثبيت الخيام والمرساة تقوم بتثبيت السُفن، والجبال تقوم بتثبيت الأرض .

ما يقول العلماء التجريبون في الجبال ؟
هذا دليلٌ ظاهر لأهل الإسلام أن هؤلاء العلماء على خطأ وضلال، فالجبال هي من صنع الله وهو الذي ألقاها في الأرض ونصبها بقدرته جلّ في علاه .
قال تعالى : " والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي "
وفي السُنّة : حديث الرجل الذي أتى يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإسلام، فقال : يا رسول الله! مَن رفع السماء؟ قال: الله، قال: مَن بسط الأرض؟ قال: الله، قال: مَن نصب الجبال؟ قال: الله، قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أرسلك إلينا رسولاً؟ فتربع وقال: اللهم نعم. قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأمرنا بخمس صلوات في اليوم والليلة؟ قال: اللهم نعم. قال: أسألك بمَن رفع السماء، وبسط الأرض، ونصب الجبال، آلله أمرك أن تأخذ من أغنيائنا صدقة فتردها على فقرائنا؟ قال: اللهم نعم .

إذن فالجبال هي من صنع الله .
أما العلماء التجريبيون يقولون بأن الجبال كانت نتيجة لما يُسمى " زحزحة القارات " وهي نظرية افترضها العالم ألفريد فاجنر في القرن العشرين، تقول بأن القارات تتحرك بشكل بطيء فتتقارب وتتشكل الجبال، وبناءاً على هذه النظرية فإن هناك جبالاً ستختفي وجبالاً أخرى ستظهر جديدة !

2- نأتي للمهم هنا وهو قول الله تعالى : " وترى الجبال تحسبها جامدة وفي تمرّ مرّ السحاب " وهل يدل على دوران الأرض وحركتها ؟
بكل تأكيد وبما لا يقبل الشك أنها لا تدل على حركة الأرض وأنها تتحدث عن الأخرة .
سأقوم بتفسير الآية بناءاً على تفسير أهل العلم واللغة .
أولاً : " تحسبها جامدة " جامدة لا تعني ثابتة، بل تعني أنك تحسبها بقيت على حالتها القديمة الحالة الصلبة القاسية التي عهدتها عليها، لكنها يوم القيامة تكون كما يقول الله تعالى : " يوم تكون الجبال كالعهن المنفوش " وتكون " كثيباً مهيلاً " ويكون هذا بعد النسف والدك والمور فتكون كالصوف المنفوش يظن الرائي أنها جامدة بينما هي قد تحولت إلى كثبان رملية تسير وتمرّ كما يمرّ السحاب .

ثانياً : أن الأية تحدثت عن المرور لا عن السير، والمرور يلزم أن يتعدى المار ما مرّ عليه، بينما السير والحركة لا تلزم ذلك، فإن قلنا أن الجبال تمر يوم القيامة مثلما يمر السحاب باعتبارها دُكّت ونُسفت وأصبحت كالصوف أو كالكثبان الرملية تتحرك وتُرى رأي العين كان ذلك أصوب وأقرب من التأويل الذي يقول أن الجبال الصلبة هذه التي جعلها الله بقدرته أوتاداً و رواسي تسير وتتحرك .
فالحركة والسير والمرور للجبال كلها وردت في أحداث يوم القيامة، ولم ترد في غير ذلك .

عوضاً أن ابن عباس وابن كثير وغيرهم الكثير فسّروا الأية بأنها تتحدث عن يوم القيامة !
فهل نأخذ بالظاهر من الكتاب والسُنّة وما تؤيده الأدلة الأخرى وأقوال أهل العلم المتقدمين أم ناخذ بقول علماء الفلك والجيولوجيا ؟

وآسفٌ على الإطالة .
والحمد لله رب العالمين
أسامة النجدي غير متصل