قبل أن أقدم لكم الدليل الثاني من السنّة النبوية المطهرة ..
أود أن أطرح ثلاثة أسئلة فقط حتى تكون نقاط رئيسية واضحة لنا جميعاً ونعود إليها في حال الخلاف .. :
1 – في مصطلح الحديث .. هل إذا عارض لفظ الصحيحين شيء .. يقدم لفظ الصحيحين ؟
2 – من الأولى بالصواب في الرواية عن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .؟
3 – ما المقرر تقديمه إذا غلب العرف على اللغة ؟ .
الدليل الثاني من السنّة الشريفة ... :
* جاء في (الجامع الصحيح المختصر للإمام البخاري): [حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا حسين بن الحسن قال: حدثنا بن عون عن نافع عن بن عمر قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا وفي (نجدنا؟!)، قال: قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا وفي (نجدنا؟!)، قال: قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان]
في البداية ... هذا الحديث الشريف عن الرسول عليه الصلاة والسلام .. يخبـرنــا عن أحداث مترابطة في زمــن الفتـــن وأسبابها ... ويحدد الإتجاه .. ويسمي منطقة بعينها ... و( يربــط ويقرن الفتنــــة ) ... بــ ( قــــرن الشيطــان ) .. وكل منها يحتاج إلي تبيان وتوضيح .. الشاهد من هذا الحديث هو تتبع مكر وكيد أعداء الله عز وجل المتسببين في .. فتن كقطع الليل المظلم .. وهذه قد غفل عنها الكثير في محاولة إثبات أين تقع نجد .. وهذه قد تكون بفعل فاعل .. لصرف النظر وتشتيت الإنتباه عن معنى قرن الشيطان ... وبوضوح وصراحـــة أكثر ......
حتى لا يكتشف ويفتضح حقيقة أمر ( سحرة بني إسرائيل قرن الشيطان الحقيقي ) ، :
في البداية دعونا نأخــذ أقـــوال بعــض العلمــاء في معنى ( قــــرن الشيطـــان ) فقط من خلال شرحهم لهذا الحديث لأنها الشاهد من هذا البحث . لنعــرف هذه الفتنــة التي يسببهــا هذا الشيطـــان ومن معـــه .. ونترك جهة ( المشرق ونجدنا ) لاحقـــاً ...
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (13/46)
(قوله قرن الشيطان ويحتمل أن يريد بالقرن ... قوة الشيطان ... وما يستعين به على الإضلال ... وهذا أوجه.......... ).
وفي تحفة الأحوذي (10/315).. :
( ( قــرن الشيطان ) أي .. حزبه ... وأهل وقته وزمانه ... وأعوانه ... ذكره السيوطي وقيل يحتمل أن يريد بالقرن ... قوة الشيطان وما يستعين به على الإضلال ).
وهذا يعني بالتالي وجود .. شيطان له قوةً وجند .. يُـستعان به ... من قِبــل فئة من الناس مشركة تستعين به ... وفئة أخرى من الناس مؤمنة يراد بهذه الإستعانة .. إضلالها .. بالقوة .... سواء كانت قوةً ظاهريةً بالإجبار أو باطنيةً بالمكر والحيلة .. المهم هو .. إضلالهـــا بالقوة ...
وهذا يعني بالضرورة وجود ثلاثة عناصر في معنى ( قرن الشيطان ) .. :
1 – الشيطـــان . وقوته وقواته ... وخطواته ومكره ..
2 – فئة تستعين بالشيطان . ( ولا يستعين بالشيطان إلا السحــرة ) ...
3 – فئة يراد إضلالها ... في غفلــة منها .. بالمكر والخيانة..
ونستشـف من هذه الأقـــوال .. الخاصة في معنى ( قــرن الشيطــان )..
بما أن الإضـــلال .. يتـــم بالكيد والمكــــر والخيانــة ... وليس بالحرب المتعارف عليها ... والتي تكون من خلال حرب مواجهة ..
بأن قــرن الشيطـــان ... يعني ...
إجتماع مجموعة كبيرة من المجرمين في عبادة الشيطان والتقرب إليه لتستعين به في عمل واحد مشتــرك ، وفي ظل عمل جبار ومكــر عظيــم وجماعـــي ومنظم .. على قلب رجل واحد ، لغايـة محـــــددة ...وهـــدف واحـــد .. يتمثل في إفساد وإضـلال مجموعـة أخرى من النــــاس ... مؤمنــة .. بخبــــث وغــــــدر .... من خــلال عملهم الجماعي المنظــم والمستمر... لذا تكـــون قـــوة تأثير هذه الشياطيــن .. أضعافاً مضاعفـــة بشكل غير طبيعي .. ومتجـــذرة ومفعولهـــــا أشد وأفتــــــك ... لـ إستمراريــة هذا العمل بـ إنتظــام وسلاسة فتــرة طويلــــة ( أجيال متعاقبة )..... على نفــس النهــج والمنـــوال .. بالسعي في الإضـــلال ،
وهذا ما يشبــه القـــرن الشيطاني ... لكثرة وقـــوة وطــول مدة أعمـــال السحــــــر من عقـــد ونفـــث وغيرهمـــــا ..... وإستخدامها في محاربة الله ورسوله وعباده المخلصين .. على مدار الساعة وطوال الوقت .. عشرات السنين ...
وهو ما يتفـــــق مع أفعال سحرة بني إسرائيل الذين أتكلم عنهم في بلاد الحرمين الشريفين .... خصوصاً أن الإضلال يتم في الخفاء والمكر ...
ولا يوجد من يستعين بالخفـــاء والغـــدر ... بقـــوة الشياطيــن ... إلا السحــــرة المجرمون ....!
وهنا نقــول .. بما أن الحديث الشريف يتحدث عن ( قــرن شيطــان ) وهو ما يحدث بالضبط من الأباليس المجرمون سحرة بني إسرائيل وهو ما أتحــدث عنــه ، وعـــن استعانتهم بالشياطين بقوة غير طبيعية للإضـــلال والإفســاد ( كما قال ابن حجر وما جاء في تحفة الأحوذي ) يصعب توصيفها بشكل مفصــل أو حتى وصفها بشكل تقريبي ،،، في تدمير الأمة الأسلامية ممثلة في أهل الجزيرة العربية عن طريق (( برمجــــة )) سلوكيات وعقليات أفراد المجتمع وقيادته من حيث لا يشعر للإنحلال والفساد والكفر ...
واستخدامهم السحر ليس للسحر المادي فقط أو فعل عمل معين بناء على طلب شخص معين .. أنما يتم إستخدام السحر والشياطين من أجل تدمير أمة بأكملها ونشر مختلف الفتـــن المتعددة الصور والأشكال بمكر ودهاء من خلال عمل جبار وخفي تديره أيادي خبيثة بشكل جماعي ومنظم.. في مختلف الأتجاهات وعلى كافة الأصعدة ،
شخص يعمل له السحر ليقوده للتطرف ، وآخر ليكون تعصبه ليس للدين أنما للقبيلة ، وآخر للانحلال وآخر للفساد والفاحشة وتدمير الأسر أو وضعها في حالة من الأغتراب الأسري والطلاق ... وهلم مجره ..من الأفعال الأجرامية والشيطانية .
***********
أما مناقشة السند .. فقد تبرع به أحد طلبة العلم بارك الله فيه ونفع به بأن قدّم لهذه القضية المهمة والخطيرة بحث ودراسة لهذا الحديث .. تأييد منه لما أقول .. فجزاه الله عنا وعن الإسلام والمسلمين خير الجزاء .. وهو بحث منشور ..:
(( وقد جاء النص صريحاً بأنها العراق كما عند أبي نعيم في الحلية عن توبة العنبري عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن عمر إن رسول الله قال " اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا فرددها ثلاث مرات فقال الرجل : يا رسول الله : وفي عراقنا ؟ ( وفي رواية عند الطبراني في الكبير 1\201\3) وفي عراقنا فقال الرسول بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان " رواه الطبراني وصححه الألباني وقال صحيح على شرط الشيخين ))
الحديث الرئيس في هذه المسألة:
* كما هو في (الجامع الصحيح المختصر للإمام البخاري): [حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا حسين بن الحسن قال: حدثنا بن عون عن نافع عن بن عمر قال: اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا وفي (نجدنا؟!)، قال: قال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا قال: قالوا وفي (نجدنا؟!)، قال: قال هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان]
* وكما هو في (الجامع الصحيح المختصر للإمام البخاري): [حدثنا علي بن عبد الله حدثنا أزهر بن سعد عن بن عون عن نافع عن بن عمر قال: ذكر النبي، صلى الله عليه وسلم، اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا قال: اللهم بارك لنا في شأمنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا يا رسول الله وفي نجدنا فأظنه قال في الثالثة: (هناك الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان)]
وهو كذلك بنحو هذا اللفظ، بذكر (نجدنا)، برواية كل من: حسين بن الحسن، و أزهر بن سعد، كليهما عن بن عون عن نافع عن بن عمر، في عامة كتب الحديث، كما هو في الملحق.
* ولكن جاء في (مسند الإمام أحمد بن حنبل): [حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا سعيد حدثنا عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا مرتين فقال رجل وفي (مشرقنا) يا رسول الله فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم، من هنالك يطلع قرن الشيطان ولها تسعة أعشار الشر)]
* وهو بنحوه في (المعجم الأوسط): [حدثنا أحمد بن طاهر قال: حدثنا جدي حرملة بن يحيى قال: حدثنا بن وهب قال: حدثني سعيد بن أبي أيوب قال: حدثني عبد الرحمن بن عطاء عن نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا فقال رجل وفي مشرقنا يا رسول الله فقال اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا فقال الرجل وفي (مشرقنا) يا رسول الله فقال اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا إن من هنالك يطلع قرن الشيطان وبه تسعة أعشار الكفر وبه الداء العضال)]، ثم قال الإمام الطبراني: (لم يرو هذا الحديث عن عبد الرحمن بن عطاء إلا سعيد بن أبي أيوب تفرد به بن وهب).
قلت: ولكن عبد الرحمن بن عطاء ليس بالقوي، فلا يعارض به الثقات الأثبات من أمثال ابن عون (وعنه أبو بكر أزهر بن سعد السمان، وحسين بن الحسن). والظاهر أن أحاديث وآثار مختلفة تداخلت في ذهن عبد الرحمن بن عطاء فنشأ هذا المتن المنكر، ولعله هو الذي استبدل لفظة (نجدنا) بلفظة (مشرقنا)، وهو استبدال مقبول محتمل، لأن نجداً المعروفة تقع في مشرق المدينة!
* وجاء أيضاً في (المعجم الكبير): [حدثنا الحسن بن علي المعمري حدثنا إسماعيل بن مسعود حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عون عن أبيه عن نافع عن بن عمر ان النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك في يمننا فقالها مرارا فلما كان في الثالثة أو الرابعة قالوا يا رسول الله وفي (عراقنا) قال: إن بها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان]
قلت: وهذا أيضاً لا شئ: عبيد الله بن عبد الله بن عون ليس بذلك المشهور، وليس هو من أكابر أهل الحديث، ولم يخرج له الستة، ولا الإمام أحمد، وقال البخاري عنه في التاريخ الكبير: (معروف الحديث)، وقال أبو حاتم في (الجرح والتعديل): (صالح الحديث) فقط، فلا يعارض به الثقات الأثبات المشاهير من أمثال: أبي بكر أزهر بن سعد السمان، وحسين بن الحسن!
ولم يأت هذا عن سالم بن عبد الله عن أبيه إلا في روايتين، فيهما نظر:
* أولاهما كما هي في (المعجم الأوسط ج: 4 ص: 245): [حدثنا علي بن سعيد قال: حدثنا حماد بن إسماعيل بن علية قال: حدثنا ابي قال: حدثنا زياد بن بيان قال: حدثنا سالم بن عبد الله بن عمر عن ابيه قال: صلى النبي، صلى الله عليه وسلم، صلاة الفجر ثم انفتل فأقبل على القوم فقال اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا اللهم بارك لنا في شامنا ويمننا فقال رجل (والعراق) يا رسول الله فسكت ثم قال: اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مدنا وصاعنا اللهم بارك لنا في حرمنا وبارك لنا في شامنا ويمننا فقال رجل (والعراق) يا رسول الله قال: (من ثم يطلع قرن الشيطان وتهيج الفتن)]
قلـت: زياد بن بيان، وإن كان صدوقاً عابداً، كما نص عليه الحافظ، إلا أنه ليس من أهل الحديث المشاهير، وليس له من الحديث إلا هذا الحديث أعلاه، وحديث مرفوع آخر : (المهدي من ولد فاطمة)، وقد أنكر الإمام البخاري رفعه، وأثر في التسليم عن أبي بكر الصديق، رضوان الله وسلامه عليه، فليس هو بالذي ينهض لمقابلة الإمام الثقة الثبت المشهور عبد الله بن عون.
وشيخ الطبراني علي بن سعيد بن بشير، أبو الحسن الر ازي، حافظ مختلف فيه: تكلم فيه الدارقطني، وغيره. ولكن هذا لا يضر لأن الإمام ابن عساكرأخرجه في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 131) بسنده إلى محمد بن عبدوس: حدثنا حماد بن إسماعيل بن علية به إلى منتهاه. كما أخرجه بإسناد آخر إلى سليمان بن عمر بن خالد الأقطع حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن علية به إلى منتهاه. ونسبه الألباني في (السلسلة الصحيحة، ج: 5 ص: 302)، عند دراسة الحديث رقم (2246) أيضاً إلى كل من: الربعي في (فضائل الشام ودمشق)؛ وأبي علي القشيري الحراني في (تاريخ الرقة) من طريق: العلاء بن إبراهيم حدثنا زياد بن بيان به.
وعلى كل حال فإن سالم بن عبد الله، على وثاقته وجلالة قدره، لا يتقدم على نافع. وجمهور الأئمة على تقديم نافع على سالم في حالة الخلاف، وإن كنا نرجح أن الخطأ هنا إنما هو من زياد بن بيان، ولعله سمع كلام سالم لأهل العراق، أو علم به، فظن أن سالماً يعتقد انطباق الحديث على العراق أو أن (نجداً) المذكورة في الحديث تعني (العراق)، فتساهل في لفظ الحديث ورواه بالمعنى حسب فهمه.
* وربما استند البعض، كما فعل الألباني، على ما جاء في (مسند الشاميين): [حدثنا عبد الله بن العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي حدثني أبي أخبرني أبي حدثني عبد الله بن شوذب حدثني عبد الله بن القاسم ومطر الوراق وكثير أبو سهل عن توبة العنبري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك في مكتنا وبارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا اللهم بارك لنا في صاعنا وبارك لنا في مدنا فقال رجل يا رسول الله وعراقنا فأعرض عنه فرددها ثلاثا وكان ذلك الرجل يقول وعراقنا فيعرض عنه ثم قال: بها الزلازل والفتن وفيها يطلع قرن الشيطان]،
قلت: لم يبين عبد الله بن شوذب من أي الثلاثة (عبد الله بن القاسم ومطر بن طهمان الوراق وأبو سهل كثير بن زياد) أخذ اللفظ، لا سيما وأن مطر بن طهمان الوراق معروف بكثرة الخطأ. فيحتمل أن يكون هذا هو لفظه، أو تداخلت الألفاظ في بعضها البعض، وما كان هكذا فلا تقوم به حجة قاطعة، خصوصاً وأن مدار البحث يدور حول لفظة واحدة بعينها، فلا بد إذاً من المبالغة في تحرير الألفاظ، والتشدد في ذلك.
* وجاء في (حلية الأولياء، ج: 6 ص: 133) ما يقوي مخاوفنا، إذ قال الإمام أبو نعيم الأصبهاني: [حدثنا عبدالله بن جعفر حدثنا إسماعيل بن عبدالله حدثنا الحسن بن رافع الرملي حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن توبة العنبري عن سالم بن عبدالله عن أبيه أن عمر قال إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم بارك لنا في صاعنا وفي مدنا، ... إلخ)، فرددها ثلاث مرات، فقال الرجل: (يا رسول الله ولعراقنا)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان)].
وهذا إسناد منقطع مدلس، ثم قال الإمام أبو نعيم: (كذا رواه ضمرة عن ابن شوذب عن توبة ورواه الوليد بن مزيد عن ابن شوذب عن مطر عن توبة)، ثم ساقه: [حدثنا عبدالله بن محمد بن جعفر حدثنا عبدالله بن جامع الحلواني حدثنا عباس ابن الوليد بن مزيد حدثنا أبي حدثنا ابن شوذب حدثني عبدالله بن القاسم ومطر وكثير أبو سهل عن توبة عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال اللهم بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في مكتنا وبارك لنا في شامنا وبارك لنا في يمننا وبارك لنا في صاعنا ومدنا فقال رجل يا رسول الله وفي عراقنا فأعرض عنه فقال فيها الزلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان]
وقد أخرج الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 130) إسناد بن شوذب المدلس، فقال: [أخبرنا أبو الفرج جعفر بن أحمد بن محمد بن عبد العزيز العباسي المكي بمدينة الرسول في مسجده بين قبره ومنبره، أنبأنا الحسن بن عبد الرحمن بن الحسن أنبأنا أحمد بن إبراهيم بن فراس أنبأنا أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن عبد الله الديبلي حدثنا أبو عمير عيسى بن محمد بن النحاس حدثنا ضمرة عن ابن شوذب عن توبة العنبري عن سالم، أراه عن أبيه بنحوه]، ثم قال الإمام ابن عساكر: (كذا أخبرنا أبو جعفر، وكان أول كتابه قد ذهب، فكتب إسناده من لا يعرف فقال فيه: أخبرنا الديبلي؛ وإنما يرويه ابن فراس عن العباس بن محمد بن الحسن بن قتيبة عن أبي عمير؛ ورواه غير أبي عمير عن ضمرة بغير شك: أخبرناه أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر الزاغوني ببغداد أنبأنا محمد بن أحمد بن مسلمة حدثنا أبو طاهر المخلس ...). ثم أخرج إسنادين مختلفين إلى العباس بن الوليد بن مزيد البيروتي بمثل حديث الطبراني في (مسند الشاميين).
ودرسه الألباني في (السلسلة الصحيحة، ج: 5 ص: 302)، الحديث رقم (2246)، فنسبه إلى ما ذكرنا أعلاه من المراجع باستثناء (مسند الشاميين) الذي فاته، كما نسبه أيضاً إلى كل من: الفسوي في (المعرفة، ج: 2 ص: 746)؛ والمخلص في (الفوائد المستقاة، ج: 7 ص: 2)؛ والجرجاني في (الفوائد، ج: 2 ص: 164). ثم قال الألباني: (من طرق عن توبة العنبري عن سالم عن أبيه أن النبي دعا، فقال: فذكره. قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين).
فنقول: هذا في أحسن أحواله تدليس شنيع، فكل الطرق تنتهي إلى عبد الله بن شوذب ثم تصعد مدلسة منقطعة، أو عن ثلاثة من الرواة لا يدرى لفظ من منهم هو، وبعضهم ليس بالمتقن: فكيف يكون هذا على شرط الشيخين؟؟!!
فهذه اللفظة: (عراقنا) في هذه الرواية إذاً في أحسن أحوالها شاذة ، وإن كان الأرجح أنها منكرة، فهي لا تثبت أصلاً، ولا تجوز نسبتها إلى نبي الله، عليه وعلى آله صلوات وتسليمات وتبريكات من الله، ولا بحال من الأحوال .
وشذت رواية عن نافع عن بن عمر لا يعتد بها، لا سنداً ولا متناً:
* كما هي في (مسند الشاميين): [حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة حدثنا أبو فروة يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي حدثني أبي عن أبيه حدثني أبو رزين الفلسطيني عن أبي عبيد حاجب سليمان بن عبد الملك عن نافع عن بن عمر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا وفي مكتنا وفي مدينتنا وفي شامنا وفي يمننا!)، فقال رجل: يا رسول الله: وفي العراق ومصر؟!)، فقال: (هناك يطلع قرن الشيطان؛ وثم الزلازل والفتن)]، وقد أخرجه الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 135) من عدة طرق كلها إلى محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي هذا عن أبيه، وفيما أعلم لم يتابعهما أحد في العالم على هذا قط.
قلت: وهذا إسناد ساقط، بل هو ظلمات بعضها فوق بعض:
يزيد بن سنان الرهاوي، وكذلك ابنه محمد بن يزيد بن سنان الرهاوي ضعاف.
و أبو رزين الفلسطيني مجهول، ولعله مسرة بن معبد اللخمي الفلسطيني مختلف فيه: ذكره بن حبان في الثقات، وقال: (كان ممن يخطى)؛ ثم ذكره في الضعفاء فقال: (لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد: يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات).
وشذ حديث عن ابن عباس، لا يعتد به، لا سنداً ولا متناً:
* وهو في (المعجم الكبير): [حدثنا محمد بن علي المروزي حدثنا أبو الدرداء عبد العزيز بن المنيب حدثنا إسحاق بن عبد الله بن كيسان عن أبيه عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال: دعا نبي الله، صلى الله عليه وسلم، فقال: (اللهم بارك لنا في صاعنا ومدنا وبارك لنا في مكتنا ومدينتنا وبارك لنا في شامنا ويمننا!)، فقال رجل من القوم: (يا نبي الله، وعراقنا؟!) فقال: (إن بها قرن الشيطان، وتهيج الفتن. وإن الجفاء بالمشرق!)]، وقد أخرجه الإمام ابن عساكر في (تاريخ دمشق، ج: 1 ص: 138) من طريق الطبراني هذه,
ولكن: عبد الله بن كيسان، هو أبو مجاهد عبد الله بن كيسان المروزي، وهو كثير الخطأ، لا تقوم به حجة. وابنه إسحاق بن عبد الله بن كيسان أضعف منه، وهو (منكر الحديث) كما قال الإمام البخاري، لا سيما إذا روى عن أبيه.
قلت: فظهر بذلك أن قول الهيثمي في (مجمع الزوائد) عند تعقيبه على هذا الحديث: [رجاله ثقات] خطأ . وبذلك تكون لفظة (عراقنا) في الحديث لفظة منكرة (رواية)، أي من حيث الإسناد، لمخالفة الضعيف للثقات، وهي كذلك منكرة (دراية)، أي من حيث المتن، بقرينة لفظة (المشرق)، والعراق ليس بمشرق المدينة أصلاً، كما حررناه أعلاه، على فرض ثبوت الحديث عن ابن عباس أصلاً، وهو لا يثبت بمثل هذا الإسناد الساقط!!
أما الاستدلالات الفارغة كمسألة فتنة المعتزلة وغيرهم فكل هذا لا يسوى ما فعله الملعون مسيلمة الكذاب من تقتيل للصحابة في اليمامة وإدعاء بالنبوة مع سجاح.
|