بسم الله الرحمن الرحيم
جموع غفيرة من كل عرق و لون ، لغات مختلفة ، نساء و رجال و شيوخ و رضع .. مشهد لا يمكن أن تراه إلا في مهوى الأفئدة و مهبط الوحي .
لم أرَ منظراً مهيباً كما شاهدت في عمرتي الرمضانية !
كنا وقوفاً في المسعى من شدة الزحام و تارة نمشي الهوينى ، وقوارير الماء التي نحملها قد نفدت ما بين شرب و سكب على وجوهنا من شدة الحر .
ومن خلفي نساء كبيرات في السن يبكين و بصوت متهدج يسألن الله الإعانة على هول المطلع ، يوم نقف أمام الله وقد دنت الشمس و الخليقة جمعاء قد اصطفت ، و لا نخفي من أعمالنا شيئاً !
وعن يميني و شمالي أخوات لسن من بلدي ، ولا يتحدثن العربية ، وبأدب وود الكون لفتن انتباهي إلى رقبتي وجزء من شعري وقد بانا ، فحجابي مبعثر من شدة الزحام و لا أدري أأعدله والعالم خلفي يدفعني أو أثبت غطاء وجهي جيداً أو أرفع عباءتي الطويلة كيما أستطيع المشي !!
وسبحان الله ، أتى كل هؤلاء بلهفة الدنيا و صبابة العشاق و وجد المشتاق وحنينه إلى البيت العتيق !
والله وحده يعلم كم أمضوا في جمع المال الكافي ، ومتى استلموا فيزا العمرة ، وما الذي حدا بهم إلى تحمل النصب و التعب لاسيما أن فيهم الشيخ و الرضيع و المريض ؟!
بل ما الذي أتى بهم من أقصى الدنيا ؟!
[ دونما مقابل مادي ] !
إنه درس سماوي لقساوسة الكنائس و أرباب الجمعيات التبشيرية و التنصيرية ، الذين يشترون الناس لدينهم !!
إنها آية قدسية علوية دعا فيها إبراهيم ربه : [ ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات .. ] .
إنها راية توحيدية تجمعنا و تؤلف بين قلوبنا ، وأجدها في قمة الروعة عند الأخوات بعد المغرب ، فهذه توزع الماء البارد على النساء و تلك تدور بالحلوى على الأطفال و ثالثة تعطي من حولها من الشاي و القهوة .. في بشاشة تسودهم جميعاً !
لا طوائف لا قبائل لا أنساب .. مسلمون موحدون وكفى !
فالحمد لله رب العالمين .
عفة و حشمة ووقار جمع نساء الحرم ، وبخاصة التركيات ؛ تجدهم إما بخمار واسع أسود أو معطف فضفاض ساتر أو بقميص قد التفت عليه أقمشة طالعة و نازلة !!
أشكال جديدة علينا ، تختلف و يجمعها الستر ، تبارك الله .
إنها صورة مع ألف تحية لإعلامنا الذي نافس الذباب في الوقوع على المستقبح !!
لقد تكفل البيت العتيق بإظهار الجانب الأكبر المشرق لطهارة الأتراك .
سواسية صففنا للصلاة خلف الكلباني – حفظه الله - ، وهو وحده عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد !
لا زلت حتى هذه اللحظة أتذكر قصة توبته ، كيف كان –كأغلبنا- لاهٍ ، عاصٍ ، حياته بين الفضائيات و السهرات ، ونفسه تعاتبه و تزيد في لومه !!
إلى أن تاب و أعزه الله بالقرآن الكريم ، فأصبح يصدر في المجالس و يشار إليه بالبنان ، وما هو إلا عبد أسود –كما يقول عن نفسه من شدة تواضعه - !!
تعاهد القرآن فثبت في صدره ، و إن الشهور لتمر وهو ثابت ، فلا يحتاج إلى مراجعة نظرية ، ومن ثم أعزه الله أكثر و رزقه من حيث لا يحتسب و عين إماماً للحرم رغم وجود المرشحين من الأئمة ذوي الشهادات العلمية !
قالها النبي صلى الله عليه وسلم : [ إ ن الله يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ] .
هي عبر كثيرة في بيت الله الحرام ، لو سردتها ما انتهيت ، و لكن ما أقل الاعتبار !!
وما أطول الأمـــل !

رنـد .. 