كم في المقابر مَن غشّه الحتف ظنّه ، فاراً منه إليه ، فكان تيّاهاً صلفاً ، يشمخ على كبراء الأمّة وسادتها ، ويختال على النّاس بأنّه عالمٌ وهو متعارف ،
حتى صار عدوّ في وطنه ، وإن سُميّ (مواطن) ، قلبه يتقلّب كريشة في فلاة ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.
وألقى الشيطان عليه نصيحة أنْ آمِنْ بالذي آمنت به جموع الملحدين . ولا جرم بمثل شخصه (...) لاهثاً وراء الشهرة البذلة أنْ يتّبعها كإتّباع
العاهر للقوّاد ، فكان آية للنّاس ، وموضعاً لوعظهم.
وبقيَ للموت قلائل لا يرهبون شخصه ، خفقت بطونهم سائحين في مخمصة ، وغارت أعينهم حتى عمشت وفسدت ، وتقلصت الشّفاه لهجاً بذكر
مَن وعدهم : (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيّامِ الْخالِيَةِ).
وسلّوا السّخائم بالعطايا ، فإن لم يجدوا ما يجودون به ، أطلقوا وجوههم ، وتلطّفوا بنفوسهم مع العالة ، وطلبوا للناس الخير ، فاتّفقت
الألسنة على حبهم ، ومَن يُحبّه الله أوغل في عشقه خلْقه.
آخر من قام بالتعديل الكامل; بتاريخ 18-09-2008 الساعة 02:56 AM.
|