الرد على شبهة لا جهاد إلا بولي أمر :
أولاً : إعلم أن جهاد الدفع لا يشترط له شرط بل يدفع العدو ما أمكن ..
قال عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: بأي كتاب أم بأي حجة أن الجهاد لا يجب إلا مع إمام متبع؟! هذا من الفرية في الدين، والعدول عن سبيل المؤمنين، والأدلة على بطلان هذا القول أشهر من أن تذكر، من ذلك عموم الأمر بالجهاد، والترغيب فيه والوعيد على تركه... وكل من قام بالجهاد في سبيل الله، فقد أطاع الله وأدى ما فرضه الله، ولا يكون الإمام إماماً إلا بالجهاد، لا أنه لا يكون جهاد إلا بإمام.
وقال بعد سرده لحديث أبي بصير ومقاتلة قريش مستقلاً بلا إمام: فهل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخطأتم في قتال قريش لأنكم لستم مع إمام ؟؟! سبحان الله ! ما أعظم مضرة الجهل على أهله عياذا بالله من معارضة الحق بالجهل والباطل .ا.هـ.
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ سَيْفًا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ لَوْ رَأَيْتَ مَا لَامَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَعَجَزْتُمْ إِذْ بَعَثْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ فَلَمْ يَمْضِ لِأَمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لِأَمْرِي" .فلامهم صلى الله عليه وسلم -حين خالف أميره أمره- على السمع له والطاعة بعد مخالفتة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وتركه للأمر النبوي، ولا أوجب اليوم من مدافعة الكافرين الصائلين على ديار المسلمين، والحكام اليوم قد خالفوا القرآن والسنة بتركهم للجهاد، وقد عجزوا وأعجزوا الأمة عن القيام بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم في تطبيق الشريعة والحكم بالإسلام، ودفع الكافرين.
قال ابن تيمية: وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ إمَامٌ وَاحِدٌ وَالْبَاقُونَ نُوَّابُهُ فَإِذَا فُرِضَ أَنَّ الْأُمَّةَ خَرَجَتْ عَنْ ذَلِكَ لِمَعْصِيَةِ مِنْ بَعْضِهَا وَعَجْزٍ مِنْ الْبَاقِينَ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَكَانَ لَهَا عِدَّةُ أَئِمَّةٍ: لَكَانَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ إمَامٍ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَسْتَوْفِيَ الْحُقُوقَ... وَكَذَلِكَ الْأَمِيرُ إذَا كَانَ مُضَيِّعًا لِلْحُدُودِ أَوْ عَاجِزًا عَنْهَا لَمْ يَجِبْ تَفْوِيضُهَا إلَيْهِ مَعَ إمْكَانِ إقَامَتِهَا بِدُونِهِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ تُقَامُ عَلَى أَحْسَنِ الْوُجُوهِ، فَمَتَى أَمْكَنَ إقَامَتُهَا مِنْ أَمِيرٍ لَمْ يُحْتَجْ إلَى اثْنَيْنِ وَمَتَى لَمْ يَقُمْ إلَّا بِعَدَدِ وَمِنْ غَيْرِ سُلْطَانٍ أُقِيمَتْ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي إقَامَتِهَا فَسَادٌ يَزِيدُ عَلَى إضَاعَتِهَا...
ويُستشهد على عدم اشتراط الإمام في الجهاد بحديث "أبي بصير" والذي قال فيه النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَيْلُ أُمِّهِ مِسْعَرَ حَرْبٍ لَوْ كَانَ لَهُ أَحَدٌ" ، فما رجع لرسول الله صلى الله عليه وسلم بعد خروجه وأصحابه والتحاقهم بالجبل وإغارتهم على قريش واغتنامهم لأموالها وأسرهم لرجالها، فما رجع في مسائله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليستأذنه ويستفتيه.
وعمدة الاستدلال على عدم اشتراط الإمام في الجهاد، وجواز أن يتأمر أحد الناس برضا الجماعة عليه، إذا لم يوجد إمام لفوات المصلحة وتحقق المفاسد، ما فعله الصحابة رضوان الله عليهم في غزوة مؤتة حين اصطلحوا على خالد بن الوليد، رضي الله عنه بعد مقتل القادة الثلاثة، وقد أقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعلهم، فأخذ حكم التشريع.
أخرج البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ وَقَالَ مَا يَسُرُّنَا أَنَّهُمْ عِنْدَنَا" ، وفي رواية أخرى للبخاري: "حَتَّى أَخَذَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ" .
قال ابن حجر في الفتح : لما قُتِل ابن رواحة ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم الأنصاري، فقال اصطَلِحوا على رجل، فقالوا: أنت لها، فقال: لا، فاصطلحوا على خالد بن الوليد وروى الطبراني من حديث أبي اليسر الأنصاري قال: أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب عبد الله بن رواحة، فدفعها إلى خالد بن الوليد، وقال له أنت أعلم بالقتال مني.
وقال: وفيه جواز التأمر في الحرب بغير تأمير، قال الطحاوي: [هذا أصل يؤخذ منه على المسلمين أن يقدموا رجلا إذا غاب الإمام يقوم مقامه إلى أن يحضر].
وقال: قال ابن المنيَّر: [يؤخذ من حديث الباب أن من تعيّن لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية تثبت لذلك المعيَّن شرعا وتجب طاعته حكما] كذا قال، ولا يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه.
وقال ابن قدامة في المغني : فإن عدم الإمام لم يُؤخَر الجهاد لأن مصلحته تفوت بتأخيره وإن حصلت غنيمة قسمها أهلها على موجب الشرع، قال القاضي ويؤخر قسمة الإمام حتى يظهر إمام احتياطا للفروج، فإن بعث الإمام جيشا وأَمَّر عليهم أميرا فقُتل أو مات، فللجيش أن يؤمروا أحدهم كما فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في جيش مؤتة لما قتل أمراؤهم الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أمَّروا عليهم خالد بن الوليد، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فرَضِيَ أَمرهم وصَوَّبَ رأيهم، وسمى خالدا "سيف الله"....
والله أعلى وأعلم ..
|