وفي يوم بدر ، نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المشركين وهم ألف وأصحابه ثلاثمائة وتسعة عشر رجلاً ، فاستقبل نبي الله صلى الله عليه وسلم القبلة ، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه ( اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آت ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض ) فما زال يهتف بربه ، ماداً يديه مستقبل القبلة ، حتى سقط رداؤه عن منكبيه ، فأتاه أبو بكر ، فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من ورائه ، وقال : يا نبي الله كفاك مناشدتك ربك ، فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله عز وجل ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ ) فأمده الله بالملائكة . أخرجه الإمام مسلم في صحيحه (1763) من طريق عكرمة بن عمار ، عن سماك الحنفي ، عن ابن عباس ، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما 0
وأخذ العدة ، والتزود من الطاعة لا يبعث على الإعجاب ، ولا يولد الغرور فنحن نحارب هذا وذاك ، فلا نغتر بالقوة والكثرة ، ولا نزهد في القلة ، ولذلك لما سارت جنود الله ، وصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مناجزة أعداء الله تعالى ، وبلغ المسلمين أن هرقل بالبلقاء في مائة ألف من الروم ، وانضم إليهم من لخم وجذام ، وبلقين وبهراء ، وبَلي ، مائة ألف ، فلما بلغ ذلك المسلمين ، أقاموا بمعان ليلتين ينظرون في أمرهم وقالوا : نكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنخبره بعدد عدونا ، فإما أن يمدنا وإما أن يأمرنا بأمره فنمضي له ، فشجع الصحابي الشجاع المقدام عبد الله بن رواحة رضي الله عنه الناس وقال: يا قوم والله إن الذي تكرهون للذي خرجتم له تطلبون الشهادة وما نقاتل الناس بعدد ولا قوة ولا كثرة ، إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين إما ظهور وإما شهادة ) فأدرك هذا الصحابي الجليل رضي الله تعالى عنه ببصيرته النافذة ، وعقله الراجح الزكي ، أن القوة والظفر ، ليست بالقوة العسكرية فحسب ( إنما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به فانطلقوا فإنما هي إحدى الحسنيين ) 0
وحين أعجب الصحابة رضي الله عنهم ، بكثرتهم ، يوم حنين كانت الدائرة عليهم في أول الأمر ، كما قال الله تعالى ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ . ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ . ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) 0
وحين عصى الرماة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر بقوله ( إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هزمنا القوم وأوطأناهم ، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم ، فهزموهم ، قال : فأنا والله رأيت النساء يشتددن ، قد بدت خلاخلهن وأسوقهن ، رافعات ثيابهن ، فقال أصحاب عبد الله بن جبير : الغنيمة أي قوم الغنيمة ظهر أصحابكم فما تنتظرون ؟ فقال عبد الله بن جبير: أنسيتم ما قال لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالوا : والله لنأتين الناس فلنصيبن من الغنيمة ، فلما أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم فلم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم غير اثني عشر رجلاً ، فأصابوا منا سبعين ... أخرجه الإمام البخاري في صحيحه (3039) من طريق أبي إسحاق ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه 0
فهذا الذنب غير العمد كان سبب الهزيمة ، ويا ليت شعري أين موقع هذا الذنب بجانب المنكرات المعاصرة ، والموبقات القائمة ، والعلل المتناثرة 0
ونحن نستحث المسلمين على طاعة الله ، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ومجانبة الذنوب والمعاصي ، والاستعداد لملاقاة الصليبيين بالقوة والإيمان ، والتوبة الصادقة0
ونتوجه في هذه الفتوى بمخاطبة (1) العلماء في كل مكان ، للقيام بما أوجب الله تعالى عليهم من الصدع بالحق ، وتوعية الناس ، وتعليمهم وتوجيههم وتبصيرهم بخطط أعدائهم ، وربطهم بالكتاب والسنة ، وتحقيق عقيدة الولاء والبراء وفرضه في دنيا الواقع وحثهم على الاستعداد لمقاومة اعتداء الصليبيين بعزيمة الصادقين وهمة المخلصين والنأي بأنفسهم عن طريق الذين لا يعلمون من التثبيط والتخذيل والإرجاف ، فإن هذا من أكبر مؤشرات الهزيمة والذل والهوان ، وعامل كبير لسقوط الحركات الإسلامية والدعوات الجهادية ، كما أن عليهم تجنب الخلاف والتفرق فليس هذا مجاله ووقته فالأمة الإسلامية اليوم تعيش في ظل هذه الظروف العصيبة ، والأجواء المتكدرة ، وقد تداعت الأمم عليهم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، وعلى هذا الصعيد المظلم فقد آن الأوان ، وتأكد الوجوب على أن يوحدوا صفوفهم ، وينبذوا النـزاع والخصام فالصليبيون الماكرون يعقدون المؤتمرات والندوات ، وينشئون المراكز والمؤسسات للمؤامرة على الإسلام ، وعلى إبادة أهله ، ونحن لا نـزال نتنازع في أمور فرعية ، ونتشاجر في مسائل اجتهادية ، قال تعالى ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) وقال تعالى (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ) 0
(2) ونتوجه بمناشدة شباب الأمة بالصدق في موطنه ، وتراحمهم ، وتعاطفهم وتوحيد صفوفهم ، والإعداد والاستعداد لمواجهة عدوان الصليبيين ، فقد أمر الله بذلك في قوله ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ... ) وقوله تعالى ( وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً ) 0
وأؤكد على ضرورة ربط هذا بالإخلاص لله ، والتعلق به في السراء والضراء وكثرة ذكره ، وحمده ، وشكره ، فما خاب من لجأ إلى ربه ، واعتصم به ، وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابن عباس بقوله ( يا غلام إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي (2516) من طريق ليث بن سعد ، عن قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس ، وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح ونحث هذه الطلائع المجاهدة على التواصل بالعلماء المتقين ، والدعاة الناصحين ، والوقوف على توجيهاتهم فهم أعلم بالدين ، وأبصر بالواقع وتجاربه ، وأرعى للمصالح والمفاسد ، وأقدر على معرفة خير الخيرين ، وشر الشرين 0
(3) وعلى التجار وأصحاب الأموال ، ومن آتاهم الله تعالى بسطة في المال والثروة أن يتقوا الله تعالى في الأمة ، فيدفعوا سهماً من أموالهم اتقاء بأس الذين كفروا ، وأعداء المؤمنين والإنسانية !، فإنه لا سبيل لكسر العدو الصائل بعد تقوى الله تعالى والتوكل عليه إلا بأموال المؤمنين الصادقين ، فقد أمر الله بذلك في قوله ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) وجاء الترغيب بذلك في قوله (مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) 0
وفي صحيح مسلم من طريق الأعمش ، عن أبي عمرو الشيباني ، عن أبي مسعود الأنصاري قال : جاء رجل بناقة مخطومة ، فقال : هذه في سبيل الله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لك بها يوم القيامة سبع مائة ناقة ، كلها مخطومة ) 0
وجاء الأمر بجهاد المشركين بالنفس والمال قال صلى الله عليه وسلم (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ) رواه الإمام أحمد في مسنده (12246) وأبو داود (2504) والنسائي (3098) من طريق حماد بن سلمة عن حميد ، عن أنس 0
والذين يمتنعون عن بذل الزكوات والصدقات في وقت محنة المجاهدين ووقت تطاير الرؤوس ، وتقطع الأشلاء ، يُعَدُّون مفرطين ، ولا تلتمس لهم الأعذار في هذه الغلطة ، فقد توهن في صفوف المجاهدين ، وتعزز زحف الصليبيين ، وهذا ذنب كبير وخذلان مبين 0
وترابط المسلمين ، ولا سيما في هذا الوقت ، وتعاونهم على اختلاف ميولاتهم واجب ، وهو السبيل إلى تصحيح الأوضاع ، وتوزيع الأدوار في المواجهة ، فالتجار بأموالهم ، والعلماء بأقوالهم وأقلامهم ، وأئمة المساجد بقنوتهم حتى ترتفع النازلة ، والشباب بدمائهم ، والنساء بشيء من أموالهن ودعائهن ، وتحريض أبنائهن ومن تحت أيديهن ، وأهل الرأي والمشورة وأصحاب الرياسات بجاههم و ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) 0
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ( من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا ، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا) متفق عليه من طريق حسين المعلم ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه 0
وأما الذين يقفون في صف الصليبيين بأموالهم ومشاعرهم وأنفسهم ، ويناصرون رأس الكفر العالمي على الشعوب الإسلامية في أفغانستان والعراق وكردستان وغير ذلك فهم منافقون يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة ، ومراتب هؤلاء وأحكامهم مبينة في غير موضع ، والذين يعتذرون بالإكراه يخادعون أنفسهم ، وينظرون في مصالحهم ، ولم يرخص أحد من الفقهاء في قتل المسلمين في سبيل حفظ النفس ، فليست دماؤهم وأرواحهم بأرخص من دمائكم وأرواحكم ، وليست دماؤكم وأرواحكم بأغلى من دمائهم وأرواحهم0
والذين يعتذرون عن مناصرتهم للصليبيين ، بطاعة الحكام ، لا يستهدون بهدى الله ولا يلتمسون الحق من مظانه ، وقد أجمعت الأمة الإسلامية بكل فصائلها ، ومذاهبها أنه لا طاعة لمخلوق – مهما كان قدره - في معصية الخالق 0
ونحن في مواطن كثيرة نبين بأن هذه الحرب صليبية ، يريدون القضاء على الإسلام وإبادة أهله ، أو ردهم عن دينهم ، وقد جاء في تصريحاتهم ( لن تتوقف جهودنا ، وسعينا في تنصير المسلمين ، حتى يرتفع الصليب في سماء مكة ، ويقام قداس الأحد في المدينة ) ونؤكد على أن الذين يتعاونون معهم تحت أي غطاء ، خونة منافقون يحمون قيم الغرب وحضارتهم ، ويسيرون على خطاهم في طمس هوية الأمة ، وقتل طلائعها المجاهدة ، قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) وقال تعالى ( بَشِّرْ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً . الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمْ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً ) وقال تعالى ( تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) 0
أخوكم
سليمان بن ناصر بن عبد الله العلوان
16/1/1424هـ
snallwan@hotmail.com
www.al-alwan.org