مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 15-10-2008, 04:47 PM   #17
به بس مير نيم
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jun 2008
المشاركات: 106
بسم الله الرحمن الرحيم

الإقتصاد العالمي والجهاد الإسلامي


الحمد لله القادر القاهر فوق عباده ، ثم الصلاة والسلام على المبعوث بين يدي الساعة بالحسام ليُخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن الضلال إلى الهدى بغذن الله .. أما بعد ..

فقد بدأت بعض الصحف الغربية تلمّح على استحياء إلى سبب هذه النكبة الإقتصادية ، فأصابع الإتهام بدأت تتجه نحو الإدارة الأمريكية وسياساتها الغبية ، وكثير من البسطاء يتسائل : إذا كانت الحكومة الأمريكية أساءت التصرف في اقتصادها ، فما بال اقتصاد العالم كله يتهاوى ؟

إن الإقتصاد العالمي ، أو دعنا نقول : الحكومات في دول العالم لها ارتباطات اقتصادية كبيرة بالإقتصاد الأمريكي ، وخاصة الدول الأوروبية والعربية ، فكثير من استثمارات هذه الدول عبارة عن صكوك وطنية أمريكية ، أو استثمارات في سوق الأسهم الأمريكية ، وكثير من هذه الدول لها مصانع وشركات كبرى في أمريكا ، وبعضها دخل السوق العقاري الأمريكي منذ زمن ولها فيه استثمارات بمليارات الدولارات ، فهذه الإستثمارت في السوق الأمريكي من قِبل هذه الدول يجعلها تتأثر تأثراً كبيراً بأداء السوق الأمريكي الذي هو في حقيقته اقتصاد عالمي مصغّر ، فيكفي أن نعرف بأن أمريكا تستهلك ربع النفط المنتج على مستوى العالم ..

حينما تضعف القوة الشرائية في أمريكا ، يضعف اقتصادها وبالتالي يضعف اقتصاد الدول المرتبطة بها ، ونقصد بالقوة الشرائية : ما عند الفرد في أمريكا من أموال يستطيع بها أن يشتري فوق حاجياته الأساسية ، فهذه الأموال هي المحرك للإقتصاد الأمريكي ، لأن بها تُطلب الحاجيات التي تُصنّع في المصانع ، وبها تُطلب الخدمات التي تُقدمها الشركات ، ومنها تأخذ الحكومة الأمريكية الضرائب ، فعندما تقل هذه القوة الشرائية فإن الطلب على الحاجيات والخدمات يقل ، وبالتالي تضطر الشركات إلى تقليل انتاجها حتى لا يحصل عندها فائض لا تستطيع تصريفه ، وهذا يؤدي على المدى المتوسط إلى تقليل الرواتب أو الإستغناء عن كثير من الموظفين والعمال الذين ستقل قوتهم الشرائية بسب خسارتهم لوظائفهم ، وهذه دورة وسلسلة يصعب تداركها على المدى القصير ..

هذه المشكلة ظهرت واضحة في السوق العقاري الذي هو عصب حياة الإقتصاد الأمريكي (مع سوق الأسهم) ، فالسوق العقارية ليست أول من تأثر بالإقتصاد المتدهور ، وإنما ظهرت العوارض فيها أولاً مما حدى بالبعض إلى اعتقاد أنها سبب النكبة الإقتصادية ..

لا شك أن المذهب الربوي الذي انتهجته أمريكا هو من أهم أسباب هذه النكبة الإقتصادية ، ولكن السبب الرئيس من الناحية العملية ليس السوق العقاري وما فيه من قروض ربوية ، بل السبب الرئيس هو عدم استثمار الإدارة الأمريكية للأموال في داخل بلادها على الوجه المطلوب وعلى مدار سبع سنوات ، وهذا ما ذكرناه في مقالة سابقة ووضحناه بذكر بعض الأمثلة المبسطة ليفهمه غير أهل الإختصاص ..

المشكلة التي تواجه المسلمين اليوم هي أن أكثر اقتصاديات بلادها مربوطة بالإقتصاد الأمريكي ، وخاصة دول الخليج العربي الغنية : كبلاد الحرمين والإمارات والكويت ، فهذه الدول الغنية بالموارد النفطية كسبت كثيراً جراء ارتفاع أسعار النفط ، ولكنها خسرت من باب آخر ، فهي ليست مربوطة بالعملة الأمريكية فقط ، ولكن بالإقتصاد الأمريكي ، ولهذا عرضت هذه الدول مساعدة الحكومة الأمريكية لتجاوز هذه الأزمة ، وهذا يعني أنها ستسحب من أقوات أبناء بلادها مليارات الدولارات لتنقذ اقتصاد من يقتل المسلمين ويحتل بلادهم ، لا لشيء إلا لتسلم لها استثماراتها التي هي حكر على الأسر الحاكمة فيها !!

إن من أبجديات الإستثمار المالي أن تنوّع مصادر دخلك ، وأن لا تجعل كل "بيضك" في سلة واحدة ، وهذه الحكومات جعلت معظم بيضها في السلة الأمريكية ، بل ربطت سعر النفط بالدولار الأمريكي الذي ينهار منذ سنوات أمام أعينها ، وهي لا تزال مصرة على هذا الربط !! هناك بعض الدول (كالكويت والإمارات) عندها تنوع في مصادر الإستثمار ، ولعلها تستطيع تجاوز المحنة بأقل الخسائر ، أما غيرها من الدول العربية فهي تحت رحمة الإقتصاد الأمريكي ..

لقد بدأ الإقتصاد الأمريكي بالإنتكاس في لحظة انهيار الأبراج التجارية في نيويورك ، وقد تحدّث شيخ المجاهدين أسامة - حفظه الله – عن هذا الأثر الإقتصادي في شريط مرئي ، وقال بأن خسائر أمريكا من الضربات قارب – أو تجاوز – الترليون دولاراً بعد الضربات بقليل ، وهذا مبلغ كبير جداً في حسابات الدول اليوم ، ولعل البعض يتسائل : ما شأن الضربات في الإقتصاد ؟ وهل تؤثر عمارتين أو برجين في اقتصاد دخله السنوي 13 ترليون دولار !!

لعلنا نوضح الصورة ونبين معنى ومغزى هذا الكلام :

إن الإقتصاد يقوم على مبادئ عدة ، من أهمها : الأمن (التشريعي والنظامي والإستثماري) ، وهذا الأمن إذا غاب تغيب معه رؤوس الأموال ، فالتاجر لا يستثمر في بيئة لا يأمن فيها على أمواله ، وأمريكا تخوض حرباً ضد أناس يتطلعون للحصول على قنابل نووية ، وهم جادون في الأمر ، فهذا يخوّف المستثمر ويجعله يبحث عن بيئة أكثر أماناً لاستثماراته ، وقد رأينا كيف أعلنت بعض شركات الطيران الأمريكية إفلاسها بعد وقت قصير من الضربات ، فالناس حينما فقدوا الأمن فيها : تركوها لغيرها كما فعل التجار العرب عندما رأوا الإدارة الأمريكية تصادر رؤوس أموال بحجة الحرب على الإرهاب ، واستثمارات هؤلاء تقدر بمئات المليارات ، فأمريكا فقدت الأمن التشريعي بإصدارها قوانين جديدة لمحاربة "الإرهاب" ، وفقدت الأمن النظامي بسبب المجاهدين ، وفقدت الأمن الإستثماري بسبب قلة الربح والجدوى الإقتصادية الناتجة عن الأمرين السابقين ..

لقد استغلّت أمريكا الإعلام بشكل كبير لتبتز الدول بل والعالم أجمع ، فهي تخوّف الناس من سقوط اقتصادها لتدفعهم دفعاً للمشاركة في تعديها هذه المرحلة بالإستثمار فيها ، وتجد الآن تحليلات ودراسات وتصريحات كثيرة في أكثر الوسائل الإعلامية تحذّر من انهيار الإقتصاد العالمي ، وهذا التحذير مبالغ فيه جداً ، وهي مبالغة مقصودة ، تؤدي غرضين :

أولهما : تخويف الناس ودفعهم لبيع ممتلكاتهم من الإستثمارات العينية وتحويلها إلى نقدية ، وهذا يؤدي إلى تدهور قيمة العقارات والأسهم بشكل كبير وقبل كل شيء ، فالبيع بهذه الطريقة الهستيرية يزيد من العرض ويقلل من الطلب ، وهذا هو سبب انهيار الكثير من أسواق الأسهم ، وليس هناك سبب حقيقي لهذا البيع غير الخوف من القادم ، وهذا الخوف زرعته القنوات الإعلامية ، وأغلب الظن أن بعض رؤوس الأموال الكبيرة ترتقب سقوط أسواق الأسهم لتلتقطها من القاع ، وشراء الأسهم بكميات كبيرة ستعيد الثقة فيها وبالتالي سيشتري الناس هذه الأسهم بعد ارتفاع سعرها ، فهؤلاء الكبار سيثرون ثراء فاحشاً يقدر بآلاف المليارات جراء هذه الحيلة ، وسيكون هذا على حساب مدخرات الشعوب في الأرض ، ولا يعلم أحد متى تكون ساعة الصفر التي ينطلق منها هؤلاء .. إن لكل سوق حيتانه (أو أسماك القرش كما يلقبهم البعض) ، وهذه الحيتان لن تكتفي بالأسواق المحلية كما كانت تفعل من قبل ، بل هذه المرة ستكون الفريسة : العالم كله ، وربما أثرى المتنفذون في الحكومات بسبب هذه الأزمة إذا استطاعوا معرفة ساعة الصفر بطريقة أو بأخرى ، وقد تخلق بعض الحكومات ساعات صفر وهمية بضخ بعض سيولة في أسواقها حتى يطمئن الناس ويبدؤوا في الشراء ثم تبيع بعد فترة لتجني أرباحها على حساب الناس ، وقد تفعل هذا بعض المحافظ الكبيرة ..
به بس مير نيم غير متصل