لماذا نجلد ذواتنا بسبب وافر النعم؟؟
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة جمعة
12/11/1429هـ
( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ))
د/ صالح التويجري
مطرنا بفضل الله ورحمته / اللهم اجعله صيبا نافعا الحمد لله الذي انزل في ارضنا زينتها ورزقنا شكرها واستثمارها
آية في كتاب الله تأملتها ووقفت عندها طويلا .. وحق لي أن أقف .. وذلك قوله تعالى في سورة الشورى : (( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ))
فشاهدت في مخيلتي حال الناس وجزعهم على أنفسهم وذراريهم وأنعامهم وحرثهم ، وقد جف الضرع وماتت الأرض وسط رمضاء محرقة وقيظ قاتل وجفاف شديد ..
وقد رغبوا إلى الله وضجوا بالدعاء حتى تقطعت بهم الآمال ، ..وإذا بالغيث يفجؤهم من السماء مدرارا ناشرا آثار رحمة الله في فجاج الأرض وشعابها ؛ لتحيى الأرض والنفوس والأرواح ! بعد يأسها وموتها وكم هو جميل أن تختم الآية بإسمي الله (الولي الحميد) فهو سبحانه ولي العباد وحده , الذي تكفل بهم وتولى أمرهم في كل آن .. ولذلك كان وحده المستحق للحمد في كل حال .. وكل ولي سواه فقد ينسى أو يضل أو يفرط أو يغفل ..
أما ( الولي الحميد ) فلا يضل ربي ولا ينسى ، سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم .. هو الحي القيوم .. ولذلك فإن كل من تولاه فإنه سيجده – ولا ريب – نعم المولى ونعم النصير .. ينشر رحمته لأوليائه في كل آن وفي كل مكان .. حتى في أضيق الأماكن وأحرج الساعات ..
ويمر في مخيلتي موكب الصالحين وقوافلهم السالكة السابقة في عمق الزمان .. فأتذكر إبراهيم الخليل وقد أحاط به قومه من كل جانب يتهمونه بكسر آلهتهم ويقرّرنه بذلك ويخوفونه ، فيجيبهم بثبات المحسن الظن بوليه ، كثبات الجبال أو أشد .. (( أتحاجوني في الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شيء علما أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أن أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطان فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون ))
أي الفريقين أحق بالاطمئنان والأمن وحسن الظن بمولاه ؟ من كان وليه جبار السموات والأرض الذي بيده ملكوت كل شيء ؟ أم من كان أولياؤه شركاء متشاكسون متفرقون لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرر ولا نفعا ؟ ويأتي الجواب واضحا حاسما : (( الذين أمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم )) أي : بالشرك .. (( أولئك لهم الأمن وهم مهتدون )) . فالأمن والأمان والاطمئنان الذي هو من آثار حسن الظن بالله ، كل ذلك من ثمرات التوحيد .. وأتخيل قومه وقد أحتملوه بين أيديهم وقذفوه في وسط الحميم ، فلا يزيد بقلبه المطمئن الواثق بمولاه إلا أن يقول : (( حسبنا الله ونعم الوكيل )) .
ثم أتذكر زوجه المباركة التي تركها مع صغيرها في واد غير ذي زرع وقفى دون أن يلتفت وراءه وهي تناديه .. يا إبراهيم .. يا إبراهيم .. لمن تتركنا في هذا المكان ..؟ ثم تستدرك بعد أن تعجب من إصراره ومضيه دون أن يلتفت إليها .. فتقول : آلله أمرك بهذا ؟ فيقول : نعم . فتجيب بثقة وحسن ظن بمولاها : ( إذن لا يضيعنا ) !! فلله در الزوج ولله در زوجه .. - وأستذكر في تلك القافلة الكريمة نوح في عمق الزمان وهو يقف وحيدا فريدا في وجه قومه يتحداهم وهو الفريد الغريب ، ولكن المتأمل لكلماته يعلم عظم ثقته بمولاه وحسن ظنه بنصره تعالى : (( واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون) ومن بعده هود يواجه أعتا جبابرة الأرض الذين وصفهم الله تبارك وتعالى بالقوة ، ويقف في وجههم يقول بثقة المطمئن إلى نصر وليه المحسن الظن به ، وبأنه لن يخذله : (( قال إني اشهد الله واشهدوا أنى بريء مما تشركون من دونه فكيدون جميعا ثم لا تنظرون إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم ))
وأتذكر الفتية الكرام الذين أحسنوا الظن بمولاهم فخالفوا القريب والبعيد في سبيل مرضاته ففارقوا أقرب الناس فرارا إلى وليهم سبحانه ، من الشرك والفسوق والعصيان ..
واستبدلوا لأجل مرضاته ضيق الكهف بسعة العيش الرغيد ، فما كان إلا أن وسعه الله عليهم بما نشر لهم فيه من رحمته ((فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيئ لكم من أمركم مرفقا ))
وأتأمل قوله تعالى (( ينشر لكم ربكم من رحمته )) فأعلم أن رحمة الله واسعة إذ بعضها أو قدر معلوم عند الله منها ؛ يكفي ليجعل ذلك الكهف أو ذلك السجن أو تلكم الزنزانة جنة أو روضة من رياض الجنة .وأرجع بذاكرتي إلى الآية الأولى فأتذكر كيف ينشر الله رحمته على العباد في الفضاء الرحب بإنزال الغيث بعدما قنطوا .. وكيف ينشر رحمته على الفتية في كهف خشن ضيق مظلم فيغدوا كالفضاء الرحب الفسيح .. فأسبح وأعظم مولاي ..
إنها معاملة الولي الحميد لأوليائه الذين وثقوا به ثقة من أحسن الظن به ، وعدمت تهمتهم له ، وصدّق بوعده ووثق بضمانه ، وسكن قلبه عن الاضطراب فهو مطمئن إليه .. ولذلك يقول سبحانه وتعالى كما في الحديث القدسي الذي يرويه البخاري ومسلم. . ( أنا عند ظن عبدي بي ) فتأمل ما أرحمه وما أعدله من مولى .. فمن ظن بمولاه ظن السوء أنه خاذله وأنه مسلمه فسينال بعدل الله عقوبته على ذلك حسرة وخذلانا ..
ومن أحسن ظنه بمولاه وعلم أنه نعم المولى ونعم النصير ، ونزهه وسبحه عن أن يشبهه بسائر الأولياء المتفرقين ؛ الذين يخذلون أتباعهم ويغفلون عنهم وينسونهم ويضلونهم فكل منهم بئس المولى وبئس العشير .. وبقدر ما يكون العبد حسن الظن بالله حسن الرجاء له ، صادق التوكل عليه فإن الله لا يخيب أمله البتة ، فإنه سبحانه لا يخيب أمل آمل ولا يضيع عمل عامل .. بارك الله
الخطبة الثانية
الحمد لله
رذاذ وطل ورش وطش وديمة ومزنة ونضح وبغش ودث ورك ورهمة وهطل وهتان وغيث وحيا وعباب ووابل وصنديد وجود وودق اسماء لكل الاجواء الممطرة ايامنا هذه نرى الناس يستبشرون ونراهم يسارعون الى اكنانهم وبالامس كان آخرون يقنطونهم ويتربصون بهم الايام السوداء فكنزون الاعلاف املا بالدهور وتربصا بزيادة الأسعار وما هي إلا لحظة فتح من الله 0( ما يفتح الله للناس من رحمة فال ممسك لها ,,)فيا ترى ما هي ثمار الأمطار بعد إن قطعت تسلل القنوط إلى القلوب حين أخذت الأرض زينتها أملا باستغنائنا عن أمراض العلاف واو دوائها فيعم الربيع وتدر الضروع والناس بانتظار البانها وأدهانها وابقالها وأحاديث الكمأة وأنواعها تجلت آيات الله في الأرض القاحلة فسبحان من يحيي
العظام وهي رميم
تجلت آيات الله في ضعف العباد في الحالتين خوف القحط وخوف الغرق وحين ينزل الغيث ينقسم الناس إلى مؤمن وكافر فمن قال مطرنا بفضل الله ورحمته فهو مؤمن ومن قال مطرنا بنوء كذا فهو كافر وبين من يستعين بالنعم على الطاعات ومن يعبث بها عبث المجانين " ذو العقل يشقى بالنعيم بعقله وأخو الجهالة بالنعيم يلعب "
وما صور الغفلات في الفلوات عنا ببعيد حين ينطلق الشباب على سجاياهم معبرين عن فقر شديد في التربية ناهيك عن صور التعدي على المرافق العامة من المراعي والمنتزهات يعكس الإستخفاف بحقوق الآخرين والاستعداد النفسي لتنازلات مخلة بالأداب العامة
....مواسم الأمطار تجلت حقيقة الإمكانات واختلاف الحسابات في كثير من القطاعات الطوارئ استنفرت قواها من الأمن بجميع أجهرته والبلديات ومصلحة المياه والصحة مما جعل الناس يعيشون مزيداً من استهلاك الوقت يطلقوا ألسنتهم في سب ذواتهم فمن المسؤل في كل القطاعات إلا نحن وأبناؤنا فلم جلد الذوات والإسراف في التشنيع على أجهزتنا إن أمر الله إذا جاء لا يوقفه أحد ولكن نتواصى بالصبر واستثمار الأحداث والدروس والعبر وفي تضاعيفها بصائر تضيء لنا قراءة المستقبل على ضوء الحاضر ولن تجدي الشماتة والإسقاط إلا تكريس الفشل .....عباد الله لا أحد يزايد على أهمية الفرح وصور الابتهاج ولكن نحن بحاجة إلى فقه الفرح ومخرجاته وصور التعبير عن المشاعر فنحن أمام حركات عشوائية لا صلة لها بالفرح هي أقرب إلى الهلوسة والجنون إسراف وصخب وتبرج وهملية
لا عقل فيها أين الجهات ذات العلاقة والشراكة الميدانية من مواقع تجمعات الناس والشباب أليست جديرة بأن تنضم إلى بعضها فوزارة الشؤون الإسلامية وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووزارة الشؤون الاجتماعية اضافة إلى الأمنية نثق بأن في هذه الجهات رجالات لو اجتمعت لتفتقت أذهانهم عن مناشط رائعة تبصرة وذكرى وترفيه وحماية للمرافق العامة من العبث فمقدرات الأمة أمانة في أعناقنا جميعا ولدينا من الإمكانات والآليات ما يحقق ضمانات اجتماعية رائدة في ظل روح النخوة والفزعة والنشامة مع خلط فج في المغامرة والطيش والسفه وعنتريات شبابية غير مرشدة فمن لهذه الطاقات المفلوتة والثروات المهدرة والأوقات المزجاة لقد أنزل الله من السماء ماء طهورا فلنتدارك النعم بالشكر حتى نجني ثمارها ..... وصلوا
__________________
1) الملاحظات.
2) اقتراح موضوع خطبة مع دعمه بوثائق أو مراجع.
الرجاء التواصل عبر البريد الإلكتروني:
saleh31@gmail.com
حفظكم الله ...
|