العربية تشكو جفاء أبنائها " سلسلة نزهة في رياض القرآن 1 "
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. أما بعد ..
فنستعين بالله عز وجل بادئين نزهتنا الماتعة – إن شاء الله – في أرجاء بحور العربية الزاخرة بالدرر واللآلئ ، نغوص في أعماقها لنستخرج دررها الثمينة ، وأصدافها العجيبة ، فنسأل المولى – جل في علاه – التوفيق والإعانة .
رأيت أن نفتتح سلسلتنا بهذه المقدمة المختصرة لعلها أن تكون مدخلاً مناسبًا لموضوعاتنا القادمة ، فأقول :
إن المتأمل في حال الناس اليوم يرى ضعفًا شديدًا في جوانب العربية ، بل مما يؤسف حقًا أن نرى هذا الضعف عند أساتذة حصلوا على شهادات لم تشفع لهم بتعديل اعوجاج ألسنتهم وأقلامهم .
وحين تقلب إحدى الصحف لن تجد عنتًا في الوقوف على بعض الأخطاء النحوية أو الأسلوبية أو الإملائية ، وهذا والله مما يندى له الجبين .
إن أمة جاهلة في لغتها لن ترقى إلى منازل الأمم الأخرى التي بلغت من الحضارة مبلغًا عظيمًا ، وينبغي أن نتكاتف جميعًا لنقضي على هذا القصور الواضح ، وذلك بالتنبيه على الأخطاء التي نقع فيها .
أيها الأحبة ..
لا أبالغ إن قلت إن المرء لن يعرف العلوم الأخرى إلا بمعرفة العربية ومقاصدها وغاياتها ، فلن يستطيع عالم من العلماء تفسير القرآن الكريم إلا إذا كان حاذقًا بالعربية عارفًا بكلام العرب ومقاصدها ، وكذلك الفقيه لن يستطيع استنباط الأحكام الفقهية من النصوص إلا باستحضار معلوماته في اللغة العربية .
وشاهد ذلك قوله تعالى : " إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ "
فلو جئنا برجل لا يعرف العربية لفهم الآية على غير مرادها ، والفيصل في فهم الآية وغيرها الحركات الإعرابية ، فلو قرأ قارئ الآية برفع لفظ الجلالة لتغير المعنى كليًا .
ويقول الله تعالى : " وإذ ابتلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات .. "
لن يعرف معنى الآية إلا شخص عارف بالعربية ، وتغير حركة واحدة تقلب المعنى .
ومن لطائف العربية وجمالها أن جملة واحدة تتوارد عليها المعاني المختلفة بسبب تغير أواخر كلماتها ، وهذا من الخصائص التي تتميز بها لغتنا العظيمة ، ومنها قولنا : " ما أحسن زيد " .
فهذه الجملة نستطيع أن نعبر من خلالها عن ثلاثة معانٍ مختلفة ، وهذا بيانها :
" ما أحسنَ زيدًا " تدل هذه الجملة على تعجب المتكلم من حُسْنِ زيدٍ .
" ما أحسنَ زيدٌ " تدل هذه الجملة على نفي إحسان زيد .
" ما أحسنُ زيدٍ " تدل هذه الجملة على الاستفهام عن حسن زيد .
فـ ( ما ) في الأولى تعجبية ، وفي الثانية نافية ، وفي الثالثة استفهامية .
ومما يروى أن ابنة أبي الأسود الدؤلي قالت لأبيها : " ما أحسنُ السماءِ " ، فقال أبوها : نجومُها ، فقالت : ما أردت السؤال يا أبتِ إنما أردت التعجب من جمالها ، فقال أبو الأسود : إذن قولي : " ما أجملَ السماءَ " .
يوم الأحد الموافق 16 / 12 / 1429 هـ .
آخر من قام بالتعديل الهادئ; بتاريخ 14-12-2008 الساعة 06:21 PM.
|