بسم الله الرحمن الرحيم
الأبناء هم رجال الغد ، و هم أمل المستقبل ، و هم عدة الأمة و عتادها ، و مدخرها الذي به تُعلق الآمال بعد الله تعالى ، و لما كانت هذه مكانة الأبناء و هذا دورهم و هذه ثمرتهم كان لزاما علينا أن نسعى بجدية للعناية بمن هذه آثارهم و مكانتهم ، انطلاقا من الإيمان بواقعنا المخزي كمسلمين ، و بضرورة إنشاء جيل مؤهل للقيادات ، و متمكن من إدراك قضايا الأمة ، و توجيهها و التعامل و التفاعل معها .
أيها الكرام .. إن التربية و التعليم في كافة محاضنها الرسمية و غير الرسمية تحتاج منا تفاعلا خاصاً مع قضايا الأمة في مثل هذه المراحل الحرجة و المناسبات الحساسة ، و إشارك الجيل همومنا كمسلمين ، و توعيتهم بالواقع الذي نعايشه حالياً بأسلوب مبسط محبب معتدل ، لأن هذا الواقع الذي نعيشه ، سيكون بالنسبة لهم من الماضي الذي يستندون إليه بعد تسلم زمام القيادات ، فيكون مرجعا لهم لمن يريد قراءة التاريخ ، و إتمام مشاريع ابتدأنها حينما كانوا أطفالا .
في هذا العصر و مع هذه الأزمة ( أزمة غزة ) استطاع الإعلام اختطاف الجيل منها في بيوتنا ، و السيطرة عليه ، و تخديره بعد بتر حبال الوصل بينه و بين أمته و إسلامه ، فهاهي الفضائيات تعج بالتحليلات السياسية البعيدة كل البعد عن نظرة الشرع حتى غُيب الخطاب الإسلامي في أغلب التعليقات على هذا الحدث ، فهذا ينظر إلى قضية غزة نظرة إنسانية بحته ، و الآخر ينظر إليها نظرة قومية عربية بحته ، و الثالث ينطلق من منطلق وطني بحت ، و الرابع وهو الأخس الذي قلب الموازين ، و زعم أنه يقف في الحياد من هذه القضية الإسلامية ، حتى رأيت ذات يوم بعض مظاهر هذا التنكر في قناة (العبرية) التي كانت صهيونية التطلعات و الآمال .
إن المربين هنا لهم الدور الأكبر بصفتهم ملاصقين لأبناء الجيل القادم ، و دورهم يمكن في الإعداد و التربية و التعليم ، و توجيه العاطفة ، و الحث على العطاء و الإيجابية ، و المربون معنيون بذلك على وجه الخصوص من الآباء في المقام الأول ، و من المعلمين في المقام الثاني ، ثم يليهم مدرسوا الحلقات و مشرفوا الأنشطة و البرامج التي تقام للشباب و للصغار على حدٍ سواء .
و أهم ما يعني جيلنا هنا ، هو تكريس الإيمان بهذه القضية ، و ربطها بالعقيدة الإسلامية التي هي الأس الأول في نظرتنا لقضية فلسطين ، و تعريف الجيل بفلسطين و مكانتها ، و قطاعاتها ، و الفتوحات التي جرت على أرضها ، و كيف استردها المسلمون ، و كيف تحقق لهم ذلك ، و كيف كان حال بيت المقدس عندما كان في قبضة أعداء الله ، و كيف كان المسلم يعيش هناك تحت سطوة العدو المحتل ، ثم نصوغ مراحل العدوان على فلسطين , كيف كان احتلالها مؤخراً من اليهود ، و من هم اليهود و ما هو تاريخهم و ما هي صفاتهم التي جاءت في الشرع و عرفت في الواقع و التاريخ ، و ماذا قدمت مشاريع السلام و مجلس الأمن و المفاوضات و الشعارات القومية و الأحزاب المذهبية لهذه القضية ، و متى انتفض الجهاد باسم الإسلام و ماذا قدم ، و من هو العدو الحقيقي لليهود في هذه الظروف ، و من هو حامي اليهود ، كلها تساؤلات قد ترد على الأذهان في هؤلاء الأبناء و لكن يجب ألا نترك للإعلام الفاسد ملء عقولهم بإجابات تلبس الحقائق و تفسد عليهم طاقاتهم و تبددها في الباطل ..
قد تقولون : بأن هذه الأسئلة و الإشارات كبيرة لم تدركها عقولهم ، و لكن أقول إن عقولهم تستوعب هذا كله و أكثر ، و لكن بإحسان الصياغة ، و تبسيط العرض ، و الاستعانة بوسائل يمكن أن تتخذ لإيصال هذه الإضاءات إلى ذهن النشء ، إضافة إلى ضرورة التربية على استشعار الدور الفردي ، و الحث على التفاعل الشخصي مع هذه القضية ، و تنبيهه على ما يمكن أن يقوم به من أدوار ، و لا أنسى الإشارة إلى مباديء التربية الجهادية بكافة أنواع الجهاد ، جهاد النفس ، و جهاد القلم ، و جهاد الإعلام ، و الجهاد بالمال ، و الجهاد بالنفس كذلك ، في توجيه عقلاني هادئ للعواطف و المواقف .
أسأل الله أن يرينا في أبناء أمتنا ما تقر به الأعين ، و أن يجعلهم أمنة لأمتهم من كيد الفجار ، و شر الأشرار ، و أن يجعلنا و إياهم من المتقين الأبرار .