الأخ والصديق محمد أبو سليمان نبأنا عن حلقته الأولى في برنامجه " ظواهر أدبية " , وقد سعدت بموافقة التلفاز على قبوله العرض من صديقي , كانت سعادتي قد حفلت بأمرين :
- أولهما أن المقدم صديق عزيز , وسعادته من سعادتي , سيما أنه من مدينتي بريدة , وإني لأفرح لأبنائها كفرحي لنفسي , فالغريب يحن لموطنه , فما يفعل المقيم ؟
- وثانيهما أن البرنامج هو من الكيانات التي تخصصت فيها , فالأدب بنوعية - القديم والحديث – له منـزلة في القلب , وعلوق ما بعده علوق , وشغف لا أفتر عن تذوق شذاه كما النسائم .
قلت في العنوان إن الصديق لم يوفق في استهلال أولى حلقات برنامجه , وكنت أرى هذا الاختلاف في شطرين اثنين :
- أولهما أن الضيف يعد من أنصار القديم وإن كان تخصصه في الأدب العربي الحديث , ومن عادة أنصار القديم أن يقدسوا القديم لقدمه , ولا يبغون عنه حولاً , وقد رصدت الأيام شواهد له , فمنها أنه لا يرى الشعر التفعيلي , ولا يؤمن بقصيدة النثر , ولا يحكَّم في الشعر النبطي , ولا يعرف للحداثة مخرجًا صالحًا , ولا يـنـزع إلى تبسيط اللغة العربية , كأن تكون الكتابة مفهومة لرجل الكوخ ناهيكم عن رجل الشارع العادي .
إن أنصار تقديس القديم هم تبع للناقد العباسي المعروف بابن قتيبة الذي نادى بأنه يجب على الشاعر المتأخر أن يسير على سنن الشعراء القدامى , فلا يقف على القصر العامر . . . كما أورده في كتابه الشعر والشعراء . . . , فهو يريد أن نقف على الأطلال , وأن نقلّد القدامى فلا نخرج عن سننهم قيد أنملة , فكان أن قال أحمد أمين : " اللهم إن هذه دعوة لم يفسد الأدب غيرها " ؛ ذلك لأنها تدعو إلى تجميد الأدب , وتحض على الاتباع دون الإبداع ! !
- وثانيهما عنوان الحلقة , فهو عنوان مستهلك , وقد قُتل بحثًا , فالأدب الإباحي معروف منذ العصر الجاهلي , على يد امرئ القيس , وعنترة بن شداد , فالأخير لم ينسَ عبلة وهو في خضم المعركة , فلمعان السيوف كبارق ثغرها المتبسم ! ثم فتر في عصر صدر الإسلام , ثم عاد بقوة في العصرين الأموي والعباسي , وقد حفل عصرنا الحديث بطرق العنوان حفولاً ينقطع نظيره , وأخص أنصار حزب أسموه الأدب الإسلامي ! وقد أعذر صديقي أبا سليمان إن كان اقتراح العنوان من الضيف , فحسب المرء ما يجيد من مكروره !
على أنه كم كان بودي أن ينبري صديقي إلى اختيار ضيف من البواكير , ضيف يتابع الجديد , ضيف محايد , فلا ينتصر للقديم انتصار طالب النصر للنصر ذاته , ولا مولع بالجديد يقدسه كما قدّس أنصار القديم ذيّاك القديم .
وأن يختار عنوانًا يشغل الواقع الأدبي المعاش اليوم , كأن يتناول قضية جور المثقف العربي الناشئ , أو كأن يتناول سبب غلبة الرواية على الشعر , أو كأن يتناول غياب دور الجامعات في الحركة الثقافية , أو كأن يتناول فتور القراء عن قراءة نتاج الأدباء المحليين أو العالميين . . . إلخ .
أسأل الله أن يوفق الصديق والأخ العزيز المربي محمد الضالع , والله من وراء القصد .