مَازِلتُ أرَى كَثيرَاً مِنْ أبنَاءِ المُسلمينَ يُحَاولُ جَاهِدَاً ، لِتَجميلِ وَجْه الغَربِ القَبيحْ ، ذَاكَ الوَجهِ الذيْ غُسِلَ مِنهُ مَاءُ الحَيَاءِ والمُروءَةِ ، وَمُرِّغَ في وَحلِ السُّقوطِ والرَّذيلَة . بَلْ وَمَا زِلتُ اُكَرِّرُ أنَّ الغَربَ رُغمَ تَحَضُّرِهـِ وَتَقَدُّمِهِ في عُمرَانِهِ ، إلا أنَّهُ مُجتَمَعٌ فَقيرٌ سَاقِطٌ يُرْأفُ عَلى حَالِهِ ، تَجِدُ الغَربَ في حَيَاتِهِ المَاليَّةَ والشَّهوانيَّةَ يُسَارِعُ لِتَخطَيِّ الصُّفوف ، وَحينَمَا تَبحَثُ عَنْهُ كَمُجتَمَعٍ مُتَكَاتِفٌ مُتَرَابِطٌ ، تَفوحُ مِنهُ رَائِحَةُ النَّقَاءِ والطَّهَارَة ، تَجِدهـُ المُتَخَلِّفَ الأوَّلَ والأخيرَ في ذَلك . وَالعَجَبُ حِينمَا يَسعى كَثيرَاً مِنْ أبنَاءِ المُسلمينَ لِتَجميلِ صُورَة الغَربِ ، نَجِدُهم يُدَنِّدنونَ حَولَ أخلاقِ المُجتَمَعَ الغربيُّ السَّاقِط ، فَأيُّ أخلاقٍ لَهُم ، وَحيَاتُهم فَارِغَةٌ مِنْ الطُّهرِ الإيمَانيُّ الذيْ يَملئُ قُلوبَهُم ، غَيرَ أنَّهَا مَليئَةٌ بِالنَّجَاسَةِ والدِّيَاثَة وَحَدِّثْ ولا حَرجَ مِنْ سُوءِ الأخلاقْ ، بَهَائِمٌ بِأجسَادٍ بَشَريِّة نَسَألَ اللهُ السَّلامَةَ والعَافيَة ، وَإنْ كَانَ مِنْ أخلاقٍ سَاميَةٍ يَتَصَنَّعُهَا الغَربُ في نَفسِهِ ، لِمْ لا تُنسَبُ هَذهـِ الأخلاقُ مِنْ بَابِ أولى للإسلامِ الذيْ قَال النَّبيُ صَلى اللهُ عَليهِ وَسلَّمَ : [ إنَّمَا بُعِثتُ لأتَمِّمَ مَكَارِمَ الأخلاق ] ، حَتى وَإنْ قَصَّرنَا بِشَيءٍ مِنْ أخلاقِ الإسلامِ . " الغَربُ نِظَاميٌّ في أوقَاتِهِ وَدَقيقٌ في مَواعِدِهـِ " .. كُنتُ أعتَقِدُ مِنْ كَثرَةِ دَندَنةِ كَثيرٍ مِنْ أبنَاءِ المُسلمينَ حَولَ هَذهـِ المَقولَة ، أنَّ الغَربَ مُجْتمَعٌ قَدْ خَلقَ اللهُ عَقلَهُ عَلى سَاعَةٍ تَقودُهـُ في كُلِّ لَحظةٍ لَهُ مَواعيدَ فيهَا ، لَكنيَّ وَجدتُ حِرصَ الغَربِ عَلى مَواعِدِهم ، لَيسَ مِنْ أجلِ ذَاتِ التَّنظِيمِ والانتِظَام ، وَإنَّمَا مِنْ أجلِ عُبوديَّتِهم للمَال . وَجبَةُ العَشَاء مَثلاً لو تَأخَّرتَ عَنْهَا قليلاً ، سَتَسمَعُ الملامَةَ تَتسَاقَطُ عَليكَ مِنْ كُلِّ حَدبٍ وَصوب ، لَيسَ حُبَّاً لَكْ وَ رَأفةً بِكْ ، وَلا مِنْ أجلِ أوقَاتِهم ، وَلكِنْ مِنْ أجلِ أنَّهم دَفعوا ثَمنَ طَعَامِكَ الذي يَخشونَ أن لا تَأكُلَهُ وَتَضيعُ قيمَتَهُ مِنْ غَيرِ فَائِدة . إنَّ الغَربَ يَجِدُ نَفسَهُ في مَأزَقٍ جَرَّاءَ الإنفِلاتَ الذيْ يَربِطُ مُجتَمَعَهُ ، هو في الحَقيقةِ مُجتَمَعٌ شَهوانيٌّ لأبعدِ الحِدودِ . أَحَدُ الدَّكَاتِرَةِ لَقيتُ مِنهُ طِيبَةَ القَلبْ وَكثيرَاً مِنٍْ اللينِ في المُعامَلة ، وَأيضَاً صَاحِبُ هَيبَةٍ واحتِرَام ْ ، وفي أحدِ أيَّامِ الإجَازَةِ ، صَادفتُهُ عِندَ أحدِ مَراكِزِ الرَّقصِ والمُجونْ ، قَدْ أفقدَهـُ الشَّرابُ عَقلَه ، يَسيرُ أجَلَّكُمُ اللهُ وَيَبولُ أمَامَ أعينُ النَّاس ، وَهذا حَالُ الكَثيرينَ مِنهم .