من الخير للمريض أن يعترف بمرضه , فلن يجد توفيقًا وهو مستتر بعباءة الكتمان , متدثر بالأعذار , ومسوّف في كل حين , فما يدري متى يتوقف انتشار مرضه , فلو كان من المستدركين لما مات في مرضه الذي اكتشفه ولم يعالجه .
إن المجتمع كما جسم الإنسان , وخير المجتمعات من عرفه المقيمون فيه حق المعرفة , فالمرء الحكيم هو من يعرف نفسه حق المعرفة , وكل مجتمع متضلع بالكتمان عن سوءاته ليس بمجتمع يرنوا إلى التطور والرقي , حيث إنه كما الماء الراكد , فلا يلبث كثيرًا حتى يكون آسنًا بلا جدال .
يطالعنا الإعلام اليوم بمخالفات سلوكية أخلاقية متعددة , وقد يضيق حرجًا وذرعًا كثير من الناس حيال هذا الزخم من الانحرافات , فتراه لا يريد إلا أخبارًا حسنة , وعنوانات مشوقة , ويحسب أنه بمنأى عن المصائب , لكنه حين تأتيه مصيبة في نفسه أو أهله من مثل هاتيك الانحرافات ؛ نراه يرفع عقيرته مناديًا بالندب والامتعاض , ويعيب على الجهات ذات العلاقة والاختصاص من أنهم مقصرون حتى الثمالة !
من الخير للمجتمعات أن تذكر عيوبها قبل محاسنها , وأن تنبه الرأي العام بما يدور في السر قبل العلانية , وألا تكون مجتمعات نعامية تدخل رؤوسها في جحورها تحسب أن الخطر سيزول حين تلاشت الرؤية البصرية , فما رأيت أسوأ من مجتمع يتباهى أصحابه بأنه مجتمع مثالي أو قريب من المثالية , ناسين أو متناسين أن سنة الكون تجمع الخير والشر في إناء واحد , وتضم النور والظلمة في مجلس واحد , فالأشياء تُعرف بأضدادها .
جرائم اللواط والزنا والسرقات والقتل والأفلام الخليعة , وجرائم النصب والاحتيال بله القضايا الجنائية المتعددة ؛ كلها يجب أن تظهر على السطح , وأن يكون الفرد على اطلاع بما يجري في مجتمعه , فإن فار التنور راح ينادي بالعلاج , فيصنع القرار بنفسه لدى المسئولين .
حين يعرف المواطنون الأدواء في مجتمعهم لا يعدمون أن يجدوا الأدوية المناسبة , فترى الواحد منهم إذا اشتكى تعرف من منطوقه مقدار معرفته بما يجول في أرض واقعه , فكأنه الذي يحجر على الماء بكفيه كيما لا يذهب , وإن تركه عرف الماء طريقه من غير اقتياد !
لسنا بمعزل عن العالم اليوم , فإن كثيرًا من أبناء وبنات مجتمعنا يعيشون ازدواجية قد عقمت الأيام والليالي بالمجيء بمثلها , حيث إنهم يرون ما لا يليق من إعلام مركز , سيما تلك القنوات التي تعرض مسلسلات الجريمة , أو القنوات التي يتم تشفيرها , فإن نظر إلى مجتمعه لقي الزجر وإيقاع العقوبة , فحالهم كما حال الشاعر حين قال :
ألقاه في اليم مكتوفًا وقال له - - - إياك إياك أن تبتل بالماء
إن الانحرافات اليوم أسبابها سهلة التناول بهيئة مهولة , وهي تكاد تكون كما مقاسات الثياب حسب الأجساد , فلكل مرحلة عمرية انحرافات يتعاطاها مثله , فالصغار لهم اللواط , والكبار لهم الزنا , والفقراء لهم المال السائب وحتى الذي في حرز , وصاحب الجريمة لا يفكر في العقاب حين يحتاج , فالنحلة تقتل نفسها في حال الدفاع حين تلسع وهي تعلم أن لسعتها يعني موتها ! !