.
.
أصبَحَ حَالُ أخينَا هَذا المُستَقيمُ ، كَغَريبٍ مُحَاصَرٌ بَينَ أقوام
لا مُشَارَكاتٌ ولا كَلامٌ ، كَأنَّهُ جَمَادٌ مَركون ، كَحَاليْ سَابِقَاً
لَكني تَعَلَّمتُ أنَّ مَنْ يَصمُتُ يُؤكَل ، وَلا يُعَبَّر .
لَو لَمْ يَكُن شَابَّاً مُستَقيمَاً لَمَا رَبَطتُ نَفسيْ بِهِ ، لأنيَ أكرَهـُ الصَّداقَاتِ العَشوائَّية
والغَربُ عَلَّمنيْ أنَّ الأصدِقَاءَ اثنَين إمَّا صَديقٌ يُعينُكَ عَلى نَفسِكَ ، أو صَديقٌ يُعينُ نَفسكَ عَليك .
سِوىَ أنيَ سَحبتُ نَفسيْ مِنهُ بَعدَمَا رَأيتُه مُرتَبِطَاً بـ [ الشِّلَةِ ] التي تَأتيَ لِتَلعَبَ وَتمرحَ وَتُخَرِّب .
مَعيَ ثَلآثَةُ أشخَاصْ فَقَطْ هُم مَنْ صَاحَبتُهم وَلَنْ أُصَاِحبَ غَيرُهم ، وَاحِدٌ مِنْ دِيَارِنَا وآخَرُ مِنْ حَائِلٌ والأخيرُ مِنْ البَاديَة .
رُغمَ أنَّ حَالَنَا مِنْ بَعضِنَا ، لَكِنيَ رَأيتُهم أكَثرَ تَمَسُّكَاً مِنْ غَيرِهم بِأمورِ دينِهم ، يَسْتَأذنوا لِيَخرُجوا للصَّلاة ، ولا يَرضوا بِأي كَلامٍ فَاحِشٍ تَقولهُ تِلكَ [ الشِّلَة ] ووو إلخ .
طَلَبتُ مِنْ الجَامِعَةِ [ عَائِلَةً ] لأسكُنَ مَعَهَا ، فَاتَّصَلتِ المُشرِفَةُ بَعدَهَا بِلَحَظَاتٍ أنَّها وَجَدت مَا أُريدُ فَأرسَلتُهم لِينقلوا بَعضَ أغراضيْ إليهم .
بَعدَ خُروجيْ مِنْ الجَامِعة رَكبنَا مَعَاً لِتُريني إيَّاهَا ، مَنزِلٌ مُتَواضِعٌ وَشَابٌّ وَطِفلَةٌ ، عَائِلَةٌ لَطيفَة
قُلتُ لِمَنْ مَعيَ سَأبيتُ عِندَهُم الليَّلَةَ ، وَغَدَاً أحكُمُ عَليهم .
تَفَاجَأتُ أن لا مَرْأةَ في البَيتِ سِوى مَنْ أوصَلَتْني فَمَا زَالَتْ جَالِسَة .
سَألتُهَا مَنْ هِيَ رَبَّةُ البَيتِ ؟!!
قَالت : أنَا
قُلتُ هَلْ سَأسكِنُ عِندَكم ؟!!
قَالت : نَعم
عَلى مَا كُنتُ أعتَقِدُ وَأسمَعُ أنَّهُ مِنْ الممنوعِ ذَلك ، وَأنَا مُكرَهـٌ حَقيقَة أنْ أسكُنَ عِندَهَا
حَاولتُ أنْ أسحَبَ نَفسيَ مِنْ هَذهـِ العَائِلَة ، فَقُلتُ حَاليَّاً لا أملِكُ المَالَ سَأعودُ لِمنزلي السَّابق
غَيرَ أنَّهَا أسقَطتنيْ في مَحجَرٍ لَمْ أستَطِعُ الفِرَارَ مِنه فَقَالت :
لَنْ تَسكنَ مَعنَا مُقَابِلَ شَيء ، فَالبيتُ بَيتُك
بَحثتُ عَنْ حِيَلٍ غَيرَ أنَّ البَابَ مُوصَدٌ أمَامي
ضَاقَتْ بيَ نَفسيْ وَأنَا أبحَثُ عَنْ مَفَرٍّ منهم
حَتى وَالِدُ هَذهـِ العَائِلَة ، كَانَ يُلَبي كُل مَا أُريد
كُنتُ مَرَّةً أتَّصِلُ بِصَاحبي الذي يَذهَبُ وَيغدو مَعيَ ، لِيَشتريَ بَعضَ الأغرَاضْ
غَيرَ أنَّهُ قَاطَعنيْ عَنْ ذَلِكَ وَلنْ يَأتيَ بِهَا لي سِوَاهـُ .
ذَهبتِ اللَّيلَةُ الأولى بَطيئَةٌ عَليَّ ، فَاستَئذَنتُهم لَيلَةً لأبيتَ عِندَ صَاحبي
لأنَّ يومينِ إجَازَةً ، وَلنْ آخُذَ رَاحتي عِندَهم ، وَهُم أيضَاً لَنْ يَأخذوا حُريَّتهم بوجودي .
لَمَّا بَدأتِ الدِّرَاسَةُ دَخلتُ عَليهَا في مَكَتبِهَا ، وَشَرَحتُ لَهَا الأمرَ مِنْ أوَّلهِ لآخرِهـِ
فَهم صَنعوا خَيرَاً بي وَلَنْ أنَسى فَضلَهُم ، لَكنْ مَاذَا سَيقولُ عنيَّ مَنْ يَعلَمُ أنِّيَ سَاكِنٌ مَعَهم .
أرسَلتي بِلَحظَتِهَا لِعَائِلةٍ قَريبَة مِنهم ، شيخٌ هَرِمٌ وامرَأةٌ قَدْ بَلَغت مِنْ الكبر عِتيَّاً
خِلتُ نَفسي أنني سَأفتَحُ دَارَ عَجَزَةً في غُربَتي .
سَلَّمتُ للأمرِ ، فَهم أهونُ مِمَّنْ سَبَق
ميزَةُ العَائلَةُ التي تَتَكوَّنُ مِنْ كِبَارِ سِنٍّ أنَّهُم لا يَشربونَ كَثيرَاً في الليلِ
وَإذا شَربوا لا َيشربونَ في بُيوتِهم .
لَمَّا قُمتُ بِالصَّبَاحْ قَالتْ : مَاهيَ الأصواتُ في الليلِ ؟!!
قُلتُ لَهَا أني قُمتُ لأصَليَ الفجرَ .
قَالتْ أتَقومونَ مِنْ نَومِكُم مِنْ أجلِ صَلاةِ ؟!!
فَأخبَرتُهَا أن مَا بينَنَا وَبينَ غَيرِنَا رَابِطُ الصَّلاة ، فَكمَا أنَّنَا نَقومُ مِنْ أجلِ العَملِ مِنْ بَابِ أولى أن نَقومَ للصَّلاة . لأنَّ العَمَل لأنفُسِنَا والصَّلاةُ لِخَالِقَنَا
فَقَالت : لَمْ أسمَعُ أحَداً مُنذُ أن بَدأتُ اُسَكِّنُ طُلاباً مَعيَ عَربٌ أو غيرِهم أنَّهُم يَقومونَ مِنْ أجلِ صَلاة 
وَجدتُ نَفسيَ مُتَحيَّراً أمَامَ كَلامِهَا ، أأقولُ أنَّ هَؤلاءِ مُفَرِّطون ، أم أنَّ هَؤلاءِ فَرَّغوا أمورَ دينِهم في قُمَامَاتِ المَطَارِ عِندَ وُصولِهم .
قُلتُ لَهَا أنَّ كُلٌّ مُحَاسَبٌ في عَمَلِهِ ، وَلنْ يُحَاسَبُ أحدٌ عَنهم .
** ** **
رُغمَ سَكني عِندَ هَذهـِ العَائِلَة إلا أنَّ العَائِلَةَ الأولى مَا زَالت مُتَعَلِّقَةٌ بيْ ، كَثيرَاً مَا يدعونَنيْ لِقَهوَةٍ بَعَدَ العَصرِ ، ولا يَدعوننيِ للعَشَاءِ سِوى في أيَّامِ الإجَازَةِ ، لِيطلبوا لِيَ طَعَاماً حَلالاً .
ابنُهم صَاحِبٌ ليْ ، حَتى أنَّهُ انقَطعَ عَنْ أصحَابِهِ مِنْ أجليْ ، ولا أُخفيكُم أنيَ تَعلَّمتُ مِنهُ اللُّغَةَ مِنْ مُخَالَطَتِهِ
ابَتُهم الصُّغرَى كَثيرَاً مَا أصطَحِبُهَا مَعيَ حِينمَا أخرُجُ للسُّوقِ وَغيرِهـِ ، فَهيَ تُسلِّينيْ بَعضَ الشَّيء في وَقتِ غَيَابِ أخيهَا .
في إحَدَى الأيَّامِ كَانَتْ بِصُحبَتيْ هَذهـِ الطِّفَلةِ وَدَخَلَ وَقتُ صَلآةِ المَغربِ ، فَأدخَلتُهَا مَعيَ في مَكَانٍ يُصَلُّونَ فيهِ ، وَأجلستُهَا بَينمَا أنَا أُصَلِّي .
عُدتُ للبَيتِ بَعدمَا أوصَلُتهَا ، وَكَانتِ الأمورُ عَلى مَا يُرام .
لَمَّا صَحيتُ كُنتُ عَلى مَوعدٍ مَعَ أخيهَا لِنَخرُجَ للفُروسيَّةِ مَعاً فَهوَ يُجيدُهَا وَأنا مُتَدَني المُستوى فيهَا
طَلبتُ مِنْ وَالِدِهـِ أنْ يَجعَلَ ابنَتَهُ تَسيرُ مَعَنا ، غَيرَ أنَّهُ رَافِضٌ بِِشدَّةٍ ،رُغمَ نَظَرَاتِ الأمِّ وَابنَهَا ليْ فحَاولتُ أنْ أقطَعَ الأمرَ وَأستَأذِنُهم .
قَالَ ليْ ابنُهم : أنَّ أبي سَألَهَا أينَ ذَهبتم وَمَا اشتَريتُم ، فَأخبَرَته عَنْ كُلِّ شَيءٍ وَكَانَ مَسرورَاً
غَيرَ أنَّ مَلامِحهُ تَبَدَّلَتْ حِينمَا أخبَرَتهُ أنَّكَ أدخلتُهَا مَعَكَ في المَسجد .
سَأعودُ لأكمِلَ بِإذنِ الله
[ وَعُذرَاً قَدْ أتَأخَّر ] .
.
__________________
إِنَّ دَمْعيْ يَحْتَضر ، وَ قَلبيْ يَنْتَظِرْ ، يَا شَاطِئَ العُمرِ اقْتَرِبْ ، فَمَا زِلْتَ بَعيدٌ بَعيدْ
رُفِعتْ الأشْرِعَة ، وَبدتْ الوُجوهـُ شَاحِبَةْ ، وَدَاعَاً لِكُلِّ قَلبٍ أحببنيْ وَأحبَبْتُهُ ..!!
يَقول الله سُبحَانَهُ [اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ ]!!
يَا رَب إِنْ ضَاقَتْ بِيَ الأرجَاءُ فـ خُذْ بِيَديْ ..!
آخر من قام بالتعديل قاهر الروس; بتاريخ 14-02-2009 الساعة 03:49 PM.
|