[الـصـمـصـام]

أخي الفاضل ..

أريد أن أوضح بعض الملاحظ المتعلقة بهذا الأمر :

أولها : أن الوظائف الشرعية أو المهام الشرعية مما ينبغي الإكثار منها ، و كثيرٌ منها واجد كفائي يتعين على الكل العمل بها عند التخلي عنها .
ثانياً : بالنسبة لإمامة المسجد فمن يعتقد أنها و ظيفة فهو واهم ، و هذا أمر لا يُسلم به عند التحقيق شرعاً و نظاماً ، فيجوز أخذ الرزق في العبادات التي تقام جماعةً إذا لم يقم بها أحد على رأي شيخ الإسلام بن تيمية و عدد ممن وافق هذا الرأي من الفقهاء ، كما أن الوازارة - و زارة الشؤون الإسلامية - تؤكد أن الإمامة ليست بوظيفة يُتقاضى عليها راتباً ، و إنما فيها مكافأة يسيرة لا تتجاوز الألف و الخمسمئة ريال .
ثالثاً : تدريس الحلقات و العمل في المكاتب الدعوية و الاحتساب الحر من خلال الانكار باللسان و القلم و القيام على الجمعيات الخيرية و المؤسسات الدعوية ، يحتاج إلى إنسان يضحي بماله و جهده ووقته و عرضه من أجل القيام على تلك المشاريع ، و أنا أقول و عن قرب و ممارسة لبعض هذه الأعمال أنها لا يُتوقع منها أي مردود مادي دنيوي ، و أن الباحث عن المال لا يمكن أن يأتي إلى هذه المؤسسات و الجهات لعدم المزايا التي تناسب ذوي المادة ، بل إن العاملين فيها ينفقون من جيوبهم من أجل قيام هذه المؤسسات ..
رابعاً : لا أنكر وجود بعض الاستغلاليين الذين ( يتظاهرون بالالتزام) و لا يمكن أن أسميهم ملتزمين ، و إنما ملتحين فقط ، لأنهم يخونون الأمة من خلال ما يرتكبونه من تغرير بقيامهم بإمامة أكثر من مسجد ، و قد وجِد هذا و لو لم يوجد لما تحدثت به .
خامساً : بالنسبة لاستشهادك الغريب بحديث ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله .... ) الحديث .
بأنه لم ينص على الحليق ، فكذلك لم ينص على المسلم ، و إنما قال ( القوم ) و القوم شاملة لكل قوم و مطلقة في النص لم تحدد ، فعلى قياسك سنكون حرفيين نعطل عقولنا عن فهم المقاصد الشرعية ، و نقوم بإمامة كل من صدق عليه أنه حافظ لكتاب الله ..!
سادساً : ما ذكرته من أن الملتزمين وحدهم هم من يمتهنون أكثر من همنة فهذا لا أسلم به ، حيث أنني أعرف من غير أولئك من يمتهن أكثر من مهنة ، و لا أعتبر في هذا محذوراً بل أطالب بامتهان كل مهنة متاحة و عدم التقصير فيها و الجمع بين المهن ( فيما يتقنه الإنسان ) و يقوم عليه خير قيام يُعد من المحامد و المفاخر ، و يكون به المرء شاغلاً لحيز كبير في أمته و مجتمعه و بلده ، و لكن الذي يُعاب على البعض التشتت ، أو امتهان مهن لا ناقة له فيها و لا جمل ، أو ممارسته لهذه المهنة بعد تحقق فشله فيها ، و لا شك بأن هذا من المعائب .
سابعاً : ما ذكرته أخي الفاضل من هذه المهن فهي لا تنافي صفات الالتزام و الاستقامة ، و لا يُستغرب من المستقيم حقيقة أن يكون قائماً بهذه الأعمال ، و لكن المعاب الذي لا يقبل اقترافه بحال أن يأتي السكّير النكّير الذي عهد منه التلون و التقلب ، و الخيالة و الدناءة ، و الدعوة إلى المخازي ، ثم يفتي و ينصح للأمة و يقوم علماءها و دعاتها و رجال الفكر و القياديين الذين يمثلون الدين ، فهذا اختراق سافر لمبدأ الوظيفة ..

أسأل الله أن يُلهمني و إياك رشدنا ، و أن يحبب إلي و إليك الإيمان و يزينه في قلوبنا ..