مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 13-03-2009, 04:02 AM   #9
د / ماسنجر
طائر .. أتعبته الهجرة
 
صورة د / ماسنجر الرمزية
 
تاريخ التسجيل: Apr 2008
البلد: مَع حِبر الأحـرُف
المشاركات: 822





( 3 )

حَدِيْثُ المَسَاءِ .. لِبَدْرِ السَّمَاء ،


لا أراني الآن .. إلا إنساناً ممسكاً بيراعه الذي لم يفارقه ، متنقلاً مابين قلبه وفكره وشؤون مشاعره وأحاسيسه و مابين الحياة كلها من : زهورها وورودها ، بساتينها وأشجارها ، أنهارها ووديانها وشلالاتها وبحارها ، صحراءها وأراضيها ، ترابها وأحجارها وجبالها ، مساكنها من أكواخٍ وبيوتٍ وقصورٍ وعَاليات ، سماواتها ونجومها وكواكبها ومجراتها وشمسها وقمرها ، وهوائها وغبارها وحرارة أجوائها وبرودة نسيمها ، وألوانها وأشكالها وسكّانها على أرضها بكل أصنافهم وفروعهم وأجناسهم ، وسِحنة كل شخصٍ منهم ، بأوصاف شخصياتهم وتعدد خواطرهم وأفكارهم و خوالجهم ودواخلهم وما في صدورهم .. حتى أصلُ إليّ .

و عندما أصلني .. أجد قلبي فاتحاً يداه وبكل عطفٍ ولطفٍ وشفقة يردد : تعال .. تعال لِج بداخل نفسك وسر مابين جوانبها فهي فسيحة واسعة مدّ البصر ، وكل مسافةٍ و ركنٍ وزاوية ومقدار الذراع بقياس الأصابع .. وكل أصبع من تلك بحجم أربع حبات شعيرٍ مصفّفة ومرتبة بطناً إلى ظهر ، وموضع حبة الشعير .. أثمن من الصّريفَ و السَّيرَاء و الشَّمُّور والنُّظار و الهِبْرِزِيْ . فرددت بكل حُزنٍ وحَزن : وهل سأبحر غير إبحاري وتنقلي في لحظاتي الخاليَة مرةً أخرى في محيط نفسي ؟ ، تلك النفس التي لا أحد يدري ما بها سواي .. ولا يشعر بكل ما تشعر به إلا إياي .. ولا يتوجّع من قرص آلامها إلا أنت ، ثمّ أطرق رأسه إطراقةً وكأن هموم البشر كلهم أحياءاً وأمواتاً سكنته .. ورفع بصره إلي بعد أن قال بحُرقة : أرجوك .. أرجوكَ يا مالكي .. لا اعتقد أن هناك في تلك الحياة أغلا عند الإنسان من نفسه ..! ، لقد أصمتني بعد كلمته القاتلة ، كأني أرى المقانبُ تنتهسني وتبعثر أحشائي ، بل كأن أضلاعي اشتجرت تُريد الخلاص مني لتفارقني .

قلت له بعد أن أبرزت مقلتاي : إن كانا لا يحملان داخلهما تجاههما شيء .! فأيُّ إنسانٍ يرفض أن يدور في نفسه ليعبر ممراتها ويرى أجزاءها ويتفقد أحوالها ..؟! ، بل أيُّ نفسٍ تستحمل صاحبها الذي حملها منذ أن كان في رَحِم أمه تسعة أشهرٍ قبل الحياة وسنين بعد ولادته ؟ ، و أيُّ قلبٍ يطيب له البقاء مابين جفاء نفسٍ لإنسانها وصبرُ إنسانٍ على نفسهِ ؟ وعكسهُ ، و أي خاطر .. يروق له أن يجول ويتسنّم في سماء الهاجس والفكر ؟ ، بل أي عين لا تتعب من تدفق الدموع وذرفها من أجل ذلك الإنسان ونفسه ؟ ، و أي دمعةٍ تتسلى بسيلانها على وجنتهِ كل ما يحين ذلك ؟ إلى أن ينتهي بها الطريق معلنةً فراق محيّاه ، و أي وجنة لا تملّ من المآقي ؟ ، و أي حاجب لا يُزعجه ذلك المنظر وهو يرى المدامع من عينه تسقط على الوَرق ؟ ، بل أي ورقةٍ .. لا يُثقلها صَبغُ حرفه بقلمه ؟ ، و أيُ كلمةٍ تستحمله أن ينطقها جهراً .. أو سراً ليعبّرها ؟ ، بل كيف يطيق لها أن تخرج من فكره إلى هذه الحياة ؟ ، و أي يَراع يصبر عليه عندما يكتب ؟ ، وأي سبابةٍ وإبهام لا يملاّن من استخدامه لهما من أجل ذلك ؟ ، ثم ابتسم ابتسامة الرضا وانزاحت عن وجهه ظلمة سوداء واعتدل ثم انشأ يقول :

مازال مقام نفسك يا مالكي ثمين جداً .. فلا تبيع به أو تساوم ، لم يجيء باعتقادي حتى اعتقد أن الشمس تستطيع أن تعيش وحيدة ، أو أن القمر يستطيع العيش وحيداً لأن ذلك مستحيل .. فكيف يجيء بهِ أنك تستطيع إنهاء لحظةً من دقائقك اليسيرة بلا نفسك الشاعرية ؟ ، أما تعلم أنها قد جعلت منها لك حديقةً غناءه .. إذا أفل ضوء الشمس عن محياك جعلت من أزهارها نوراً يضيء لك كضوء الشمس .. ! ، ومن ورودها عِطراً يسير بك ويخرج منك فوّاحاً .. ! ، قلت : بلى ، ولكن أود أن أخبرك حديثاً يُنهي كل ما دار بيننا ، قال : لك ذلك ولكن بالتفصيل ، قلت : لن أطيل حتى أتحدث بالتفصيل ، أردفت : إنك أنت ونفسي أغلا عندي من أي شيء ثمينٍ في هذه الحياة .

أرأيت أيها القمر مالذي دار بيني وبين ذلك الحزين ؟ ، لقد جعلتني وبلا شعورٍ مني أسبح في الكون وأمضي إلى طرقٍ لم أكن بها من قبل ، لا أدري ماهو السر .. هل هو في جمالك وشعاعك ؟ ، أم في استماعك إلي وصمتك للإنصات لحديثي ؟ ، أم لكونك معي صاحباً في كل لحظةٍ من الليل ؟ .. لا أدري حقاً .. لا أدري .



__________________
[POEM="type=1 font="bold large 'Traditional Arabic', Arial, Helvetica, sans-serif""]على مهلك .. ترى ذكراك ماتت = وأغصان الفراق اليوم حيّه
عيوني .. عن لقاك اليوم صامت = وحبّك زال عن دنياي ضيّه[/POEM]

سَلمان
د / ماسنجر غير متصل