اقرا بتمعن
"قال تعالى
(يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة . إن الله مع الصابرين" )
يتكرر ذكر الصبر في القرآن كثيراً ؛ ذلك أن الله سبحانه يعلم ضخامة الجهد الذي تقتضيه
الاستقامة على الطريق بين شتى النوازع والدوافع ؛ والذي يقتضيه القيام على دعوة الله في الأرض بين شتى الصراعات والعقبات ؛ والذي يتطلب أن تبقى
النفس مشدودة الأعصاب ، مجندة القوى ، يقظة للمداخل والمخارج .. ولا بد
من الصبر في هذا كله . . لا بد من الصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي ، والصبر على جهاد المشتاقين لله ، والصبر على الكيد بشتى صنوفه ، والصبر على بطء النصر ، والصبر
على بعد الشقة ، والصبر على
انتفاش الباطل ، والصبر على قلة الناصر ، والصبر على طول الطريق الشائك ، والصبر على التواء النفوس ، وضلال القلوب ، وثقلة العناد ، ومضاضة
الإعراض . . وحين يطول الأمد ، ويشق الجهد ، قد يضعف الصبر ، أو ينفد ، إذا لم يكن هناك زاد ومدد . ومن ثم يقرن الصلاة إلى الصبر ؛ فهي المعين
الذي لا ينضب ، والزاد الذي لا ينفد . المعين الذي يجدد
الطاقة ، والزاد الذي يزود القلب ؛ فيمتد حبل الصبر ولا ينقطع . ثم يضيف إلى الصبر ، الرضى والشاشة ، والطمأنينة ، والثقة ، واليقين .
إنه لا بد للإنسان الفاني الضعيف المحدود أن يتصل بالله القوى المتين ، يستمد منه العون حين يتجاوز الجهد قواه المحدودة . حينما تواجهه قوى الشر
الباطنة والظاهرة . حينما يثقل عليه جهد الاستقامة على الطريق بين دفع الشهوات وإغراء المطامع ، وحينما تثقل عليه مجاهدة الطغيان والفساد وهي
عنيفة . حينما يطول به الطريق وتبعد به الشقة في عمره المحدود ، ثم ينظر فإذا هو لم يبلغ شيئاً وقد أوشك المغيب ، ولم ينل شيئاً وشمس العمر تميل للغروب . حينما يجد الشر نافشاً والخير ضاوياً ، ولا شعاع في الأفق ولا معلم في الطريق ..
هنا تبدو قيمة الصلاة . . إنها الصلة المباشرة
بين الإنسان الفاني والقوة الباقية . إنها الموعد المختار لالتقاء القطرة المنعزلة بالنبع الذي لا يغيض . إنها مفتاح الكنز الذي يغني ويقني ويفيض . إنها الانطلاقة
من حدود الواقع الأرضي الصغير إلى
مجال الواقع الكوني الكبير . إنها الروح والندى والظلال في الهاجرة ، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود . . ومن هنا كان
رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا كان في الشدة قال : " أرحنا بها يا بلال " . . ويكثر من الصلاة إذا حزبه
أمر ليكثر من اللقاء بالله . إن هذا المنهج الإسلامي منهج عبادة . والعبادة فيه ذات أسرار . ومن أسرارها أنها زاد الطريق . وأنها مدد الروح .
وأنها جلاء القلب . وأنه حيثما كان تكليف كانت العبادة هي مفتاح القلب لتذوق هذا التكليف في حلاوة وبشاشة ويسر . . إن الله سبحانه حينما انتدب محمداً – صلى الله عليه وسلم – للدور الكبير الشاق الثقيل ، قال له :
" يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلاً . نصفه أو أنقص منه قليلاً . أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً . . إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً " . . فكان الإعداد للقول الثقيل ، والتكليف
الشاق ، والدور العظيم هو قيام الليل وترتيل
القرآن .. إنها العبادة التي تفتح القلب ، وتوثق الصلة ، وتيسر الأمر ، وتشرق بالنور ، وتفيض بالعزاء والسلوى والراحة والاطمئنان .
ومن ثم يوجه الله المؤمنين هنا وهم على أبواب المشقات العظام . . إلى الصبر وإلى الصلاة . . ثم يجيء التعقيب بعد هذا التوجيه : " إن الله مع الصابرين " . .
معهم ، يؤيدهم ، ويثبتهم ، ويقويهم ، ويؤنسهم ، ولا يدعهم
يقطعون الطريق وحدهم ، ولا يتركهم لطاقتهم المحدودة ، وقوتهم الضعيفة ، إنما
يمدهم حين ينفد زادهم ، ويجدد عزيمتهم حين تطول بهم الطريق . . وهو يناديهم في أول الآية ذلك النداء الحبيب : " يا أيها الذين آمنوا " . . ويختم النداء لذلك التشجيع العجيب :" إن الله مع الصابرين " .
__________________
=======================================
=======================================
========= سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم========
=======================================
=======================================
=======================================
http://www.islam-qa.com/index.php?ln...
<br />
محمد المنجد
|