29-03-2009, 03:13 PM
|
#1
|
عـضـو
تاريخ التسجيل: Jan 2008
البلد: أيـن ؟
المشاركات: 661
|
مُـرورٌ ..!
,
,
,
بعدَ صلاةِ المغربِ / في (أحدِ) الأيَّامِ.
كنت على موعدٍ مع صاحبٍ ليَ ما بينَ العِشَاءيْنِ، ولم أكن أحملُ ذلكَ القدر الكبير من اللهفة لهذا الموعد؛ فهوَ كغالبِِ المواعيدِ التي لا تَخُصُّني لوحدِي، وهذا ما جعلني أعيشُ متململاً متضجِّرًا من حالي وقتَذاك، فثيابي متَّسِخَةٌ، وتفكيري قَد شغلَه أمرُ عينَيَّ؛ فقد بدا عليهما النقصُ الواضح والانحرافُ الشديد _ ونعوذ بالله من شرِّ كلِّ انحرافٍ _ ، وقد انتقلتُ من التفكيرِ في أمرهما إلى الوسوسة فيه، وأصبحتُ أُقلِّب نظري يمنةً ويسرةً، وأُحدِّقُ في كلِّ شيءٍ، عسى نظرةٌ من هُنَا أعكِسُهَا للجهةِ الأخرى فيَستقيمُ انحرافُ عينيَّ!، أو تحديقٌ في نقطةٍ معيَّنةٍ يكونُ تمرينًا للعينِ فتعودُ إلى رُشدِهَا بقوةِ سوطِ التحديقِ.
الساعةُ 7:30 .. أذانُ العشاء ينهي الموعدَ، أتخلَّصُ من الوسوسة التي كُـنتُ أعيشها، أفكِّرُ ماذَا أعملُ إذَا رجعتُ إلى مأوايَ ومسكني، وقَنَاتيَ الوحيدة لبثِّ ما يُمكِنُ بَثُّهُ من كُلِّ شيءٍ لديَّ !! .. أنَا مُرهقٌ تفكيرًا لا جَسَدًا، أرِيدُ أن أتخَلَّصَ من شيءٍ لا أعرفُ ما هُوَ؟! ؛ وهذا أشدُّ ما أبكاني؛ بُكَاءً غيرَ مسموعٍ أبدًا للمارينَ عن يميني و عن شمالي؛ بل حتَّى من يقبعُ أمامي ويجعَلُ نظراته تصادِمُ نَظَراتي، فلن ينظُرَ إلى سيْلِ الدُّموعِ الجاري على وجنتيَّ.
لم يكن بكائي _ صَدِّقوا أو لا _ نتيجةَ ما يُسَمَّى دلالاً أو ترفًا زادَ عن حدِّهِ! ، ولكنَّ الذي أبكاني هوَ ... هُوَ ... هُو ... والله لا أدري ما أقولُ ، فَكَما أسلفتُ هوُ شيءٌ أريدُ التَّخلُّصَ منهُ ولا أعرفُ ما هوَ ؟!، اعذروني على عدَمِ الوضوحِ فكم أتمنَّى أن يمُنَّ عليَّ الله ببيانِ يكفي للشرحِ - ولو البسيط -؛ ولكن ما الحيلة ؟.
إنَّهُ شُعورٌ غريبٌ حَقًّا، أشعرُ برغبةٍ في الكتابة، أريدُ ألا أخرُجَ من بيتي - ولم أدخلهُ حتَّى الآن -، أريدُ ترتيبَ [ حُوسَةٍ ! ] في تفكيري؛ ولقد قرَّرتُ ألا أعملَ عملاً سوى ذهابي لصاحب محلِّ العدساتِ، لأشرَحَ لهُ حالتي ولينظُرَ في أمري.
وها أنا ذا أركبُ سيَّاتي، وأتشَبَّثُ بمِقوَدِهَـا، وألوي أُذُنَها برفقٍ، لتستَجيبَ في الحالِ مصدِرَةً صوتًا يترجِمُ الإصرَارَ والعزمَ الذي تعيشُهُ الآن، وها هيَ تقطِفُ ثَمَرةَ المقاومة بقوَّةٍ، وتشتَغِلَ بهدوءٍ، وصوتُهَا كصوتِ من أعيَاهُـ التَّعبُ وكثرةُ المُحاولاتِ، ولعلَّ هذا نتيجةَ الجهدِ الذي بذَلتْهُ في الإصرارِ لتُـعمِلَ محرِّكَاتِها؛ وبصبرٍ وقُوةٍ وجلدٍ .. ها هيَ أصبَحتْ نشيطةً تعمَلُ بكُلِّ جدٍّ واجتهادٍ، واستعادت عافيَتها كأن لّم تبذِلْ جهدًا ولو يسيرًا، ورغمَ ذلكَ؛ إلا أنَّ هناكَ ما عَكَّرَ صَفوي، ونغَّصَ بهجتِي، ألا وهوَ صوتُ مركبتيَ الحنون، الذي لا يفتَأ يُزعجني و [يُطرطر !!]، فلعلَّ خشوعًا وخشيَةً جعلَ هذا الصَّوتَ سمةً جليَّة لها، وإنَّ لهُ لأزيزٌ أشدُّ من أزيزِ المرجلِ مضَاعَفًا، وهوَ بسبب رجلٌ أهبلٍ صادفتُه في إحدى الحَواري، وكانَ يمشي بعنفوانٍ وجُنونٍ فما إن رأيتُهُ حتَّى التحمت قدمي بمكبسِ المكابحِ، فتوقَّفتُ حالاً، وقد لاذَ هوَ بنفسِ الفعلِ؛ ولكنهُ لم يقف بل مضى بنفسِ السرعة إلا أنهُ يصدِرُ صوتًا مروِّعًا نتيجة احتكاكِ أقدامِ سيَّارتهِ بالأرضِ، ولم يكن لِيَتوقَّفَ إلا على أنوارِ سيَّارتي وخدشها خدشًا بسيطًا وقد أزاحها عن مكانِها قليلاً، لتزيدَ من صُداعِ رأسي بصوتِها المزعِجِ الذي لا يُفَارِقُها، ويتَنَقَّلُ معها في كلِّ مكانٍ، وفي أيِّ حينٍ.
ثوبِيَ المتَّسخ وتأخري حتَّمَ عليَّ أن تكونَ صلاةُ العِشَاءِ في مسجِدِ محطَّةٍ لتوَفُّرِ الجماعاتِ المتتاليَة، وهذا ما حدثَ بالضبطِ؛ ولكن قبلَ أن أدخُلَ المسجدَ بعدَ فراغي من دورةِ المياهِ، رنَّ هاتفي, إنَّهُ أخي ( قَرارُ الجوابِ ) - هكذا أرادني أن أسمِّيه في هاتفي - وبعدَ السَّلامِ طلبَ منِّي أن أحضِرَ أمِّي من المسجد الفلاني لانتهاء المحاضرةِ التي حضرتها في ذلكَ المسجد، أجبتُهُ بـ: طيِّب!. أغلقتُ السماعة والتحمتُ بصفِّ المصلِّينَ الذينَ أظُنُّهم في ثالثِ جماعة لصلاةِ العشاء.
توجَّهتُ إلى أمِّيَ في مكانها؛ لقد كنتُ أقودُ على مضضٍ وكرهٍ - للقيادة نفسها ، لا لسببـها ! - وبعدَ وصولي لهَا ركِبَت ثمَّ قفلنَا راجعينَ، لقد كانت إشارةً معتوهةً تلكَ التي وقفنا عندها على بعد ما يقارب الخمس مئة مترٍ، لقد كانَ نصفُ الشَّارعِ للذينَ يوقفون سيَّاراتِهم عند الدكاكينِ في جانبِ الطريقِ، النصفُ الآخرُ مكتظٌ بالمركباتِ التي تتربَّصُ بالشَّقِّ الصَّغيرِ؛ ما إن تراهُ إحداهنَّ حتَّى تزأرَ في عزِّة وكبرياءَ رافعةً أنفها للأعلى لتتقدَّمَ، ولكن على الفورِ يتلاشى كبرياؤها بكبسةٍ للمكابحِ من قائدها تجعلها تُطأطِؤ رأسَها خجلاً وفشلاً وذلكَ لأنَّ مركبةً أخرى أقوى وأصبرُ وأشجعُ منها قد سبقتها إلى ذلكَ الشَّقِّ الصَّغيرِ، وتبقى هيَ مُعَلَّقةً بينَ مسارينِ مزدحمين؛ فلا هيَ ذهبت للمسارِ الآخرِ وتقدَّمت، ولا هيَ بقيَت في مكانِها؛ بل تعلَّقت كمن لا عقْلَ لهُ ولا ثِقَل، زِيَادةً على هذا فقد برقت في عينيِّ أنوارُ ثلاثِ مركباتٍ تستأذنُ في الرجوعِ لتَخرُجَ من أحَدِ الدَّكاكينِ، عندها يلوحُ لي بالأفقَ البعيدِ لونٌ أخضر، إنَّهُ لون الإشارةِ وقد أذِنَت بالمسيرِ للمركباتِ، لقد رأيتُ ذلكَ اللونَ وانبسطت أساريري لهذا، ولكن للأسفِ فلم يحدِثُ هذا اللونُ أيَّ تغَيُّرٍ في مكاني فما زلتُ فيه ولم أتحرَّك، ولم يتحرَّك من بجانبي أو أمامي؛ حتَّى إذا احمرَّ لونُ الإشارة بدأو بالتحركِ شيئا بسيطًا .. بسيطًا جدًّا بالنسبة لوقتِ الإشارة، حتى وصلنيَ الدورُ وتقدَّمتُ ما كتبَ اللهُ ليَ أن أتقدَّمَ، ثمَّ توقفتُ وسحبتُ ما يسمَّى بـ(الجلنط)؛ ولكن قبلَ ذلكَ وخلالَ ذلكَ التحرُّكِ البسيطِ، فقد كانَ كلٌّ من أصحابِ الركبات يُحاولَ استثمارَ فرصةِ التقدُّمِ القليلِ ليُغيِّرَ من مساره إلى المسارِ الأكثر سرعةً، والأكبرَ تقدُّمًا، فتجِدُهُ يشدُّ لِجامَ مركبتِهِ معَ جذبِهَا لليمينِ ليذهبَ إليهِ، فما يكادُ يدخُلُ فيه حتَّى يتوقَّفَ هذا اليمين، ويكونُ الأيسَرُ قد بدَأَ بأخذِ حظِّهِ من التَّقدُّمِ، فيُسرعُ وبِمُغَامرةٍ عنيفةٍ ليَدخُلَ في المسارِ الأيسَرِ، ليتوقَّفَ بسرعةٍ هُوَ الآخر، فيَذَرُ نفسهُ كـالمعلَّقةِ، لا إلى هؤلاءِ ولا إلى هؤلاءِ، يتوقَّفُ هُوَ ويتوقَّفُ الكُلُّ، ونبدأ من جديدٍ نرقبُ ذلكَ الأفق البعيد جِدًّا، وبعدَ مُضِيّ زمنٍ ليسَ بالقليلِ - والشريط في المسجِّلِ يكادُ ينتهي - إذ بذلك الأفقِ البعيدِ يلوِّحُ لنـَا أنِ ائتوا وتقدَّمُوا فالمجالُ مفسوحٌ لكُم وحدكم؛وكالعادةِ وبعدَ احمرار الإشارةُ يبدأ القومُ في التَّقدُّمِ الذي كانَ في هذهِ المرةِ أكثَرُ بكثيرٍ من سابقه، وأنا في المسار الأيمنِ حيثُ أني أطلُبُ اليمينَ من التقاطُعِ الكبيرِ؛ وما إن تقدَّمنا قليلاً حتَّى اعترضَ لنـَا أصحاب الأنوار الصفراءِ الخلفيّةِ ممن يريدون الخروجَ من الدَّكاكينِ والمحلاتِ المزدَحِمةِ، والنَّاسُ عن يسارنا يمشونَ ويُسرعونَ كأنَّما هم في طريقٍ سريعٍ، وبعدَ فواتِ الأوانِ تخلَّصْتُ من الراجعين وتسللتُ عن طريقِ الأحياء الدَّاخلية إلى الشارِعِ المرادِ وأتممتُ المسيرَ؛ حتَّى إذا انخرطتُّ في الطريقِ المؤدي إلى بيتنَا، كانتِ الحفريَّات على يسار الشارع محدثةً قَرَفًا عنيفًا، ولمَّا وصلتُ أوَّل إشارةٍ في هذا الطريق كانَ البعدُ المهولُ المرَوِّعُ عنها بعثني على تجميعِ ما تبقَّى من صبري وتجلُّدي خوفًا من حُدُوثِ إيِّ مكروهٍ - لا قدَّرَ الله -، فإشارةٌ خرقاءَ، ومواطنٌ يتخبَّطُ بينَ المساراتِ مغامرًا كأنَّما هربَ من القَصاصِ، و أعمالٌ وحفريَّاتٌ أبطأ من فتحِ بلادِ فارسَ والرُّومِ، لكفيلةٌ بأن تُطيرَ عقلكَ من رأسِكَ غيرَ آبهٍ بتصرُّفاتِكَ.
فما بالُ قومنا لا يُداوونَ هذا الداءَ العُضَالَ فيهِم ؟ فإنَّما الخطأ مشتركُ بينهم؛ فلو تعاونوا لنجحُوا ، ويَدُ اللهِ معَ الجماعة!.
.
.
.
و بعدُ ،، أحسُّ بأنَّ عقلي يفكرُ بالطيَرانِ، ما هذا ؟ لقد وصلتُ بالثرثَرةِ حدًّا لا طاقةَ ليَ به ؛ فكيفَ بالقارئ الذي لن يّخرجَ من إحدى حالتينِ؛ إمَّا البؤسُ أو الكآبة ؟ ؛ لذا سوفَ أتوقَّفُ فاسِحًا لكم المجالَ لأرى غيضًا من فيضِكُم، أو غير ذلكَ؛ لا يهُم!.
والسـّلامُ عليكم أيُّها الإخوة ورحمةُ الله وبركاته ،،
|
|
|