أليس لزاما على الكون العظيم أن يخر مغشيا عليه ....
وهذا القمر ألا يملك من الحياء ما يجعلها يتوراى خلف الغيوم ...
ووجوه تبتسم لو هي أدركت .. أن هذا اليوم يذكرنا بما مضى لانتحبت وبكت ...
حق لكل كاتب أن يكتب قائلا ... فليرحمك الرحمن يا عبد الرحمن .....
من هو عبد الرحمن بدوي ؟؟
ولادته وقريته :
* في عام 1917 – الموافق لقيام الثورة الروسية على يد لينين واحتلال بريطانيا لبغداد والقدس ووراثة الملك فؤدا اخاه حسين على عرش مصر – في الرابع من شهر فبراير الساعة الثانية صباحا ... ولد عبد الرحمن بدوي في قرية اسمها ( شرباص ) في محافظة ( دمياط ) .. وكان ترتيبه في العائلة الخامس عشر .. يقول عن بداية حياته ...
(( بالصدفة أتيت إلى هذا العالم .. وبالصدفة سأغادر هذا العالم ..
واية ذلك انه لو لم تتطاير ورقة وتتساقط على الارض فينحني والدي لالتقاطها ، لكان قد ودع الحياة في ذلك اليوم من شهر اكتوبر سنة 1913 فقد استأجر أحد خصومه قاتلا جاء إلى حيث يجلس في بيت العمدية في مساء ذلك اليوم ثم أطلق عدة رصاصات في اتجاهه وفي هذه اللحظه عينها تطايرت هذه الورقة الرسميه التي كان يراجعها ( وهي من أوراق المحكمه الشرعيه ) فانحنى لالتقاطها فلم يصب الرصاص إلا الطرف الأعلى من العمامة واستقر في باب كان خلفه ...... ))
(( ولو فتشت تاريخ حياة أي إنسان لوجدت أن نوعا من الصدفة هو الذي تسببب في ميلاده : صدفة في الزواج ، صدفة في الالتقاء بين الحيوان المنوي في الرجل والبويضة في الانثى ، الخ الخ . وواهم إذن من يظن أن ثم ترتيبا أو عناية أو غاية . إنما هي أسباب عارضة يدفع بعضها بعضا فتؤدي إلى إيجاد من يوجد إعدام من يعدم ))
* عاش السبع سنوات الأولى من حياته في قريته الزراعية يساعد ابيه – وكان صاحب اراض كبيره - على الزراعه واللعب ومراقبة المناظر الطبيعيه الخلابه .. فكان تأثير هذه الطفولة ملازما اياه على طول حياته يقول عن هذه الفترة : (( وسيكون لهذا أثره في توجيه تصرفاتي الحالية في مستقبل عمري حين توفر لي من المال ما أستطيع أن املك به أراضي زراعيه . لقد صرت مرتبطا كل الارتباط بالأرض الزراعية أكاد أمتد بجذوري فيها وأحمل لها في نفسي قداسة وعبادة ))
* لم يكن في قريتهم مدرسة بل كانت المدرسة في عاصمة المحافظة ( فارسكور ) وكانت تشترط للدخول فيها ان يجتاز الطالب امتحانا في القراءة والكتابه والحساب واللغة الانكليزية .. ولاجل هذا التحق لمدة عامين بمدرسة صغيره في قريتهم عبارة عن فصل واحد يقوم فيها مدرس تطوعا بالتدريس ويشاركه اخر في إجازة الصيف .. يقول عن هذه المدرسة : (( فقد كان لمدرسة ( سيد أفندي ) – إسم المدرس – هذه فضل كبير على المتعلمين في هذه القرية سواء منهم من سيكتفون بالشهادة الابتدائيه التي سيحصلون عليها في مدرسة فارسكور ومن سيواصلون الدراسة حتى الليسانس والماجستير والدكتوراه ))
.................................................. .................................................. ............
بداية الغربه وبداية الدراسة :
* في عام 1924 – الموافق لإلغاء الخلافة العثمانيه في تركيا ومغادرة الخليفة عبد المجيد والموافق ايضا لحل الملك فؤاد البرلمان المصري والموافق لفتح الملك عبد العزيز للحجاز وعلى الصعيد العالمي يوافق وفاة لينين واستلام ستالين الحكم في الاتحاد السوفيتي – دخل المدرسة في فارسكور وكان المدجرسين فيها شديدو الاخلاص لعملهم وكان قساة في تدريسهم ويستخدمون كل انواع الضرب .. الذي يعلق عليه الدكتور : ( غير أن هذه الشدة نفسها هي التي افادت في تقويم التلاميذ وحملتهم على الجد والاجتهاد في المذاكرة ولا احسب أن قسوة هؤلاء المدرسين كانت بدافع الساديه ( = حب القسوة ) او الاستعلاء بل كانت في الاغلب الأعم للافراط في الحرص على التحصيل )) ... فدرس النحو والصرف وحفظ عيون الادب العربي من شعر وخطب ورسائل .. وانهى الدراسة فيها عام 1929 – الموافق لاتفاق ( لاتران ) بين الكرسي الرسولي وايطاليا وحلت بالعالم في هذا العام أزمة إقتصادية صاحب ذلك انهيار اسواق المال في بورصة نيويورك – وكان ترتيبه حين تخرجه هو ( 354 ) من مجموع الحاصلين على الضهادة الابتدائيه في القطر المصري وكان عددهم حوالي المائة ألف ....
* وفي السنه الثانيه الابتدائيه يقول بدوي : ( وإبان السنة الثانيه انبعث في نفسي نزعة حادة إلى الأدب بل وإلى التأليف ! ) .. فأرسل لشقيقه بأن يوافيه بكتاب ( ماجدولين ) للمنفلوطي فيقول عنه : ( فوافاني به ورحت التهمه التهاما وأستظهر الكثير من صفحاته ذات النفحة الشعرية واستعدت قراءته عدة مرات خلال ذلك العام ( 1927 ) وانا في سن العاشرة ) وكان لهذا الكتاب شيء خاص في نفسه على الرغم من اطلاعه على روائع الادب العالمي بل على الرغم من اطلاعه على الاصل لهذه الراوية التي ترجم منها المنفلوطي قصته ..
يقول : (( ولم تنقص قراءتي لأصله الفرنسي من اعجابي بتلخيص المنفلوطي هذا لرواية ( تحت الزيزفون ) تأليف ( الفونس كار ) . صحيح ان الفارق كبير بين الاصل والتلخيص وان العديدي من الصفحات الموجودة في تلخيص المنفلوطي لا مناظر لها في الاصل الفرنسي والعكس بالعكس . ولكن المنفلوطي بنزعته الرومنتكيه المثاليه لم يشأ ان يبقي على ما في الأصل الفرنسي من أعمال شائنه منسوبه الى بطل الروايه ( استيفن ) حتى تظل صورته مثاليه رفيعه زاهية الالوان جامعة لأجمل الشمائل . إن المنفلوطي لم يكن يترجم وما كان له ان يفعل ان ذلك لانه لم يكن يعرف أية لغة اجنبية وانما كان يشارك المؤلف الاجنبي الذي يلخص له كتابه في التأليف والصياغة .
ومن خلال ( ماجدولين ) عرفت اسم ( جيته = شاعر ألماني ) - الذي سيصبح بعد ذلك أعظم الشعراء عندي كما عرفت ( بيتهوفن = موسيقار الماني ) وأحواله البائسه وعظمه في موسيقاه وان لم يتيسر لي انذاك ان أسمع هذه الموسيقى التي سأولع بها كل الولع في عنفوان شبابي وسائر عمري .
إن لاسلوب المنفلوطي سحرا لا يعرفه إلا الشباب المرهف احساسه ))
وبعد هذه القصة اخذ في العام التالي ( 1928 ) في قراءة المجلات الادبيه التي ياتي بها اخوه بعد انقضاء كل عام دراسي لتكون قوته في العطله الصيفيه فكان يقرا لكل من محمد حسين هيكل وطه حسين وعباس العقاد وعبد القادر المازني ..
وعن ذوقه بين هؤلاء يقول :
(( لكن ومنذ اللحظه الاولى انصب معظم اعجابي على طه حسين ثم محمد حسين هيكل . أما العقاد فلم يثر في نفسي أي إعجاب ، وقد لازمني هذا الشعور نحوه طوال حياتي ..
لقد كنت بعد قراءة فصل او كتاب لطه حسين أشعر بحرارة تسري في مشاعري وحماسة للخلق الفني المبكر تزداد كل يوم أوارا وتعاطف وجداني وفكري يخيل إلي ان طريقه هو طريقي المقبل .
اما العقاد فلم اكن اشعر بعد قراءته الا بالبرود والسأم ومهما غالبت نفسي على قراءة مقالاته فان شعوري بالنفور كان يزداد تمكنا من نفسي .
كان اسلوب طه حسين كالنهر المنساب في ايقاع عذب رقيق بينما كان اسلوب العقاد كالسيل المتشنج في انحداره من جبل أجرد .. ))
يتبع ،،،
__________________
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا **** تجاهلت حتى ظن أني جاهل ...
أبو العلاء ..
|