عزيزي ناصر الكاتب ..
تقول ..
(( قلتُ : حين يسمع بعضُ شبابنا مثل هذه الكلمات يعترضُ ـ وبدافع الفطرة السليمة ـ ولله الحمد ـ على قائلها محتجاً بضرورة أن يحفظ الإنسان عقله من التشويش وسموم الأفكار ، ليصفوا له دينه ، وتبقى له عقيدته . ولأن المعضلات من شأن أهل الاجتهاد ، والاجتهاد من اختصاص أهل العلم الراسخين .
ولسنا على قدر كافٍ من الحصانة العلميَّة ؛ فنخوض في تلك البحار !. ))
كلام أوافقك عليه بشرط .. أن يسعى الشخص على ان يكون ذا قدر كاف من الحصانة العلمية ... لا أن يقول ( انا اخشى على عقلي ) ولا يسعى لتحصين عقله ...
تقول ..
(( يسمع الشاب المسكين هذا الكلام البرَّاق ، ويخفى عليه ما به من توهم وإيهام ، ودجلٍ وسخف أحلام ))
أنت لم توضح أين هذا الـ ( التوهم والدجل وسخف الأحلام ) ...
نعم أليس المثقف العاقل ابن التوحيد .. لا تؤثر فيه جبال من كتب ما اسميتها ( افكار سامة ) مع انها ليست سامة بقدر ما هي تعبير لاصحاب لم يروا نور الاسلام بسببنا نحن .. ؟؟
اليست عقيدتنا صحيحة لا نشك فيها واقتناعنا فيها شرط لقبول اعمالنا .. وهل المثقف العاقل صاحب المبدأ ... يطلع على عقائد وافكار اخرى دون ان يطلع على عقيدته .. فان فعل ذلك فهو ليس بعاقل ... وقد وصفناه بالعقل ومن ثم هل هو متثبت فيها لدرجة ان تكون اسا لارائه وافكاره .. ان لم يكن كذلك قهو ليس بصاحب مبدأ .. وقد وصفناه بأنه صاحب مبدأ ...
اذا يحق لكل صاحب مبدأ ومثقف وعاقل .. أن يطلع على ما شاء فلن يضره شيء .. الا ان كان متظاهر بالعقل وبالمبدأ ...
تقول ..
(( فتستهويه كتب التنظير والتقعير ، ويشده ما بها من أمثال تلك العبارات : « إنَّ ذلك لا يكون إلا ـ الحقُّ أنَّ .. ـ فليس إلا .. ـ يجب علينا أن نعلم .. ـ يقول المستشرق الكبير ... ـ يقول شكسبير ـ يقول فيثاغورس ـ يقول مارك توين ـ يقول لين بوتانغ ـ يقول ول ديرويت .. ـ استراتيجية التفكير ـ منظومة الفكر ـ حرية الرأي ـ أحادية الرأي ـ ليس المهم أن نتفق ...». ))
ان استهوته فهو ليس بذلك المثقف العاقل ابن التوحيد ..
اما الاستشراق ففيه خير كثير بقدر ما فيه من شر كثير .... اذ لا نكذب ان قلنا ان المستشرقين حافظوا على تراثنا .. كما انهم بثوا فيه ما يثوا بناء على نظراتهم ... وكل ناقد متى ما اخرج موضوع نقده عن زمانه ومكانه .. كان مخطئا في حكمه .. وهذا سبب خطا المنصفين منهم .. اما المتحاملين ومن كانت لهم غاية قبل البحث فهذا ليس ذنبهم ان يبثوا السموم ولكن ذنب من يتلقفها منهم ... وهنا ياتي دورنا في التحذير منهم واظهار مهازلهم .. ولكن وبناء على كلامك تركنا الكل يكتب وتركنا القاريء يقرا مكتفين بسبه واطلاق الفاظ بليغة عليه ..
وشكسبير أديب لا أعلم ما نسبته إلى المذاهب الهدامة والافكار السامة .. ام ان كل مشهور لا بد من شر ورائه ..
وفيثاغورس قد اكل عليه الزمان وشرب بل انه لا توجد له مؤلفات انما هي نقولات من هنا وهناك نستفيد منها في الرياضيات وافكار فيزيائيه باطلة الان .. وهو مشعوذ اقرب منه فيلسوف ..
اما مارك توين .. فهو أديب كذلك .. روائي وصف حالة المجتمع الغربي .. وهل الوصف يعني نشر الافكار السامة ...
ولين بوتانغ .. هذا لا أعرفه ...ولم أجده بين الفلاسفة ولا المستشرقين ولا رواد المفكرين ...
وول ديورانت ... مفكر محايد الى ابعد درجة صحيح انه ظلم الاسلام ولكن طلمه له من زاوية رؤيته التي تختلف جذريا عن زاوية رؤيتنا فهو ينظر للحظارة من اسس ليست هي اسس الحضارة الاسلامية .. وليست له افكار خاصة بقدر ان اشهر كتبه تعتبر خطابات للمثقف البدائي .. وتعريف للثقافة والحضارة ..
حسنا .. بعد هذا كله ... ان من ذكرت لا بد للمثقف العربي من قراءة كتبهم ... فلا بد له من الاطلاع على من كتبوا عن حضارته ودينه ( المستشرقين ) ولا بد له من الاطلاع على الحضارات الاخرى خصوصا الحضارة الحاكمة الان من خلال ادبهم وفلسفتهم وتاريخهم ( شكسبير وغيره ) وكل هذا بعد ان يعرف عقيدته وحضارته .. ( المناعة والتحصين العقلي ) ... اما سياسة الانعزال الفكري ومنع الواقعية .. فهذه نرفضها ..
ومعادتك لالفاظ الفكر الحالية واعتبارها انها من الغزو الفكري .. فاقول لك .. لكل عصر كلماته وطريقته الخاصة .. واعتراضك هذا لا مجال له .. ومن يفتتن بمثل هذه ..
فهو اكيد شخص لا تنطبق عليه المواصفات التي ذكرناها .. مثقف عاقل صاحب مبدأ ...
تقول ..
(( فيدخل المسكين في الدوَّامة ، ويجمع من خليط الأفكار ، ومتناقض الأقوال ؛ ما يضيُّع عليه دينه ، ويصرفه عن الثقافة الرصينة ، والعلم المؤصَّل .
لكنه قد يحصل على لسان طليق ، وأشتات من المعارف ؛ تعطيه القدرة على التحليل والتنظير حتى ليخيل للسامع أنه على علم، وما هو إلا متعالم مغرور ، جريء على القول على الله بغير علم ؛ فيقع في مهالك عظيمة . نسأل الله السلامة . ))
وردك هذا لا ينطبق على الكلام الذي ترد عليه .. انت ترد على من قال .. (( المثقف العاقل ! صاحبُ المبدأ ! ابن التوحيد ....الخ ))
وصفات الشاب الذي تذكر ليست من هذا النوع ابدا ... فلماذا تضع نوذجا غير نموذج ما ترد عليه ؟؟
تقول ...
(( ورحم الله من قال « يأتي عليكم زمان يكثر فيه الخطباء ، ويقل العلماء ».
قال العلامة ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى : « فيجب أن يُعتقد أنه ليس كل من كثُر بسطه للقول ، وكلامه في العلم ؛ كان أعلم ممن ليس كذلك ، وقد ابتلينا بجهلة من الناس يعتقدون في بعض من توسَّع في القول من المتأخِّرين أنه أعلم ممن تقدَّم ! ». [بيان فضل السلف على علم الخلف]. ))
اما مسألة الزمان ... فكيف حكمت انه هذا هو الزمان الذي تكثر فيه الخطباء ... وعلى اي اساس بنيت هذا الحكم .. ؟؟
اما مقدمة ابن رجب .. فهي صحيحة ليس كل متكلم اعلم من ساكت .. ولكن كل متكلم بعلم لديه علم .. والساكت لا يعلم هل هو عالم اعلم من المتكلم او جاهل يستمع اليه ...
اما اخر قوله من تفضيل الخلف على السلف ... فامتنا كالغيث لا يعلم الخير في اولها او اخرها ... مع القطع بافضلية السلف ... كما مثلها ابن تيمية بطرفي الثوب ..
تقول ..
(( وهل خطر الفلسفة ينحصر فيما يتعلق بالكلام في الذات الإلهية ـ تعالى الله ـ ؟!
لا ؛ والله ! ))
بل بلى كل بحوث الفلاسفة في ما رواء الطبيعة هي التي لا يحتاج لها المسلم لانه يملك عقيدة راسخة قائمة على اليقين لا على الظن ...
تقول ..
(( قال الفخر الرازي ـ الذي لم يترك طريقاً ولا فناً من فنون علم الكلام إلا وطرقه ، رجع عنه وبين حقيقته فقال : ـ « لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فما رأيتها تشفي عليلاً ولا تروي غليلا ...» إلى أن قال : « ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي ».[مقدمة تحقيق " تحريم النظر في كتب أهل الكلام" ؛ لدمشقية. وأحال على: سير أعلام النبلاء: (21/501) فراجعه ففي تجربة الرازي وأمثاله ـ كالجويني ، والغزالي ، والشهرستاني ـ عبرة !]. ))
انت تقول ان الفلسفة لا ينحصر خطرها على الكلام بالذات الالهية ... وتأتي بالفخر الرازي والجويني والغزالي والشهرستاني .. وهم من أصحاب علم الكلام والفلسفة اليونانية .. بل فلسفة أرسطو .. فقط ..
وعلم الكلام علم يحاول بحث العقيدة الاسلامية بحثا فلسفيا يعتمد على اصول فلسفية ..
والفلسفة اليونانية ... تركيبها وتشكلها يعتبر علم ما وراء الطبيعه من أهم العلوم عندهم ...
فأمثلتك وضحت خطرا انت تحاول ان تاتي بامثلة على اخطار اخرى غيره ...
تقول ..
(( وآخر قرر لطلابه عمل دراسة لبعض أسفار أهل الكتاب .!! ضارباً بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك عرض الحائط ))
أولا .. ما دليلك على أنه نهي عن دراسة كتب اهل الكتاب ؟
ثانيا .. ألم يحصل عبد الله بن عمرو بن العاص زاملتين في معركة مليئة بكتب اهل الكتاب ...
وعبد الله بن عباس الم يكن لديه علم من اهل الكتاب ...
ثالثا .. اهل الكتاب يدرسون كتبنا .... افلا ندرس كتبهم ونعرف اساساتها ...
واخيرا .. شكرا لك على هذا المقال الذي قليلا ما نقرأ مثله ..
واعذرني على الإطالة ..
__________________
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا **** تجاهلت حتى ظن أني جاهل ...
أبو العلاء ..
|