مشاهدة لمشاركة منفردة
قديم(ـة) 05-08-2003, 03:35 PM   #1
الرجل المستحيل
عـضـو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2002
المشاركات: 132
الـــــُدرر الاُنسيــــة في حياتنــــا الدنيويـــــة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربنا , الخالق الرازق , كل يوم هو في شأن , مقلب الليل والنهار , عظم شأنه , وتجلت قدرته سبحانه , فله الشكر أولاً وآخراً , وله الحمد كله , لا لأحد سواه , والصلاة والسلام على نبي الهدى , عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم , وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين ...... أما بعد :-

يعيش المرء حياته غارقا في أوهامه , مستطردا في خياله , ملبيا لشهواته , متجردا من إنسانيته وغايته التي خلق لأجلها , فلسانه يخالف جوارحه , وقوله يعاكس فعله , وظاهره يخالف باطنه ؛ فيدعي أن وجهته الجنة وهو عنها بعيد , وأنه سائر إلى ربه وهو من رضوانه هارب , سيره إلى مولاه ثابت إن لم يتناقص , وإقباله عليه ضعيف , وخدمته لدينه وأمته معدومة , فوا عجبا لأمـــره , يبشر بخير وافر , ونعيم دائم , فيزهد فيه ويرغب عنه , فتارة ينسى واجباته , وأخرى يتجاهل فرائضه , وتارة أخرى يتعاظم فعلها , ولسان حاله إني ضعيف عاجز لا حيلة لدي , هذا وإن أتاه أمر من أمور دنياه , لاستجمع قواه , واستنهض همته , وحكم عقله , واستنفر جنده .

أما يكفيه حالة أمته , أما يحزنه ما آلت إليه , أما يستنهض عزمه صراخها في الليل والنهار , أما يعلم أنه هو – نعم هو وحده – قد يضيف إليها نصرا عزيزا , أو ذلا مهينا , أما يعلم أن آفة أمتنا جاءت من أن أكثر رجالها لا يصلحون ابتداء لإدراك رسالتها , كما لا يصلح المصدور للكر والفر في ميدان القتال .

إني من خلال السطور التالية أحاول أن أستنهض الهمم , وأفجر القدرات الكامنة لتتحول إلى طاقات حركية , تقودنا إلى مستقبل مشرق عبر التغيير في واقعنا . وكل ما كتبته يداي مستوحىً من كتاب ( جدد حياتك ) لمحمد الغزالي, ذلك الكتاب العجيب , الرائع في أسلوبه , القوي في طرحه , السهل في مفهومه , ولا أخفيكم أني أعدت قراءته ثلاث مرات , في كل مرة استنبط فوائد , واستخرج كنوزا لم أعلمها في قراءاتي السابقة , فجمعت ملاحظاتي , وقيدت صيودي , ورتبت تعليقاتي , فرأيت أنه من الحكمة أن أطلعكم عليها ليعم النفع , وليشتد المسير , فكانت هذه السطور .

التجديـــــــد لمنــــــــع الخرف:
أجريت دراسة غربية على عدد من مرضى الخرف العقلي ( الهوس ) – الذي غالبا يصيب العجائز – وأفادت أن نسبة كبيرة من المرضى كانت حياتهم روتينية المحتوى , فلا تجديد في أيامهم , فيومه هذا نفسه يوم أمس ويوم غد .
في كل يوم ينظم المرء مكتبه , فيضع ما له أهمية في أدراجه , ويتخلص مما لا معنى في الاحتفاظ به , وتجول الأيادي هنا وهناك ليظهر جمال المنزل ويبقى نظيفا مرتبا , وحياتنا ألا تستحق مثل هذا الجهد ؟؟؟ فما أحرى بنا أن نتعاهد أنفسنا ونصونها من كل خلل يصيبها , كيف لا والله يهيب بنا أن نجدد نفوسنا كل ليلة , ألم ينادي عباده في الليل الأخير: ( هل من داع فأستجيب له, هل من مستغفر فأغفر له ).

يومـــــك هو حياتك , لا أمس ولا غد :
قال الأديب الإنجليزي توماس كارليل : ( ليس لنا أن نتطلع إلى هدف يلوح لنا باهتا من بعيد , وإنما علينا أن ننجز ما في أيدينا من عمل واضح ) . فالعيش في حدود اليوم يمد الإنسان بقوة ؛ فهو يذهب عنه أسى الماضي وقلق المستقبل , ويجسد هذا القول قول رسولنا – صلى الله عليه وسلم – : ( من أصبح آمنا في سربه , معافا في بدنه , عنده قوت يومه , فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ).
وقد قال أبو حازم – وهو عبد فقير – : ( ليس بيني وبين الملوك سوى يوم واحد , فأمس فلا يجدون لذته , وأنا لا أجد مشقته , وغدا كلانا منه على وجل , وإنما هو يومنا هذا ) .
ولا أدري لماذا يحمل الإنسان نفسه قلق وهم المستقبل وهو لا يدري أيعيشه أم لا , وهذا لا يعني أن يترك الإنسان تخطيط حياته , وإنما المقصود هنا الخوف والقلق من المستقبل , وقد قيل:
سهرت أعين ونامت عيون .......... في شؤون تكون أو لا تكون
إن ربا كفاك بالأمس ما كان .......... سيكفيك في غد ما يكـــــون

الجبــــــال تبـــــــــــارز الأعاصيــــــر:
قد يصاب المرء في نفسه أو أهله أو ماله , وقد يتفرق عنه المحبون , وقد ينساه الأهلون , فهل يعني هذا أنك انتهيت , وأن قواك استنفذت , لا .... ألا ترى كيف تصبر البذرة حولا كاملا إلى موسم الربيع القادم فتشق طريقها عبر التراب وتخرج شجرة خضراء مثمرة فكأن لم يصيبها قحط قط . وما أروع هذه الأبيات للشاعر محمد مصطفى حمام:
علمتني حيــاتي أن حيـــاتي ................ إنما كانت امتحانا طويـــــــلا
قد أرى بعده نعيمــا مقيمـــــا ................ أو أرى بعده عذابا وبيـــــــلا
عل خوفي من الحساب كفيل ................ لي بالصفح يوم أرجو الكفيلا
عل خوفي يردنـــي عن أمور................ خبثت غاية وساءت سبيــــلا
وعد الله من ينيب ويخشــــى ................ بطشه رحمة وصفحا جميــلا
وبحسبي وعد من الله حـــــق ................ انه كان وعده مفعـــــــــــولا

هــــــل تبيــــع راحتـــــك بنجــــــاح :
مع ازدياد الكفاح المستميت للحصول على أكبر حظ ممكن من حطام الدنيا , فان ضريبة ذلك هي الصحة والراحة , فمرض الضغط وتصلب الشرايين والذبحة الصدرية نتيجة شبه حتمية في هذه الحالة , فأي نجاح هذا ثمنه , وأي مكسب هذا غُرمه , وقد يظن المرء أنه بذلك سعيد , وأن حياته جميلة , وقال ابن الرومي في ذلك:
يحسب الحظ كلـــه بيديـــه ................ وهو منه على مدى الجوزاء
ليس في آجل النعيم له حظ ................ وما ذاق عاجل النعمــــــــاء
ذلك الخائب الشقي وإن كــا................ ن يظن أنه من السعـــــــداء
أليس السباق الرهيب في أمور الدنيا قرينٌ للحسد والغش والكذب والخداع والطمع , ولهذا وجه الرسول – صلى الله عليه وسلم – أمته : ( إن هذا المال خضر حلو, من أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه , ومن أخذه باستشراف نفس لم يبارك له فيه , وكان كالذي يأكل ولا يشبع...) .

........... وللموضوع بقيـــــــــة .
الرجل المستحيل غير متصل