قُلتُ سَابِقَاً وَمَا زِلتُ أُرَدِّدُ واللهِ مَسَاكِينْ ، إذَا لَمْ يَجدوا مَفَرَّاً تَعَلَّقوا في المُعَرَّفَاتْ رَاضٍ عَنْ نَفسيْ تَمَامَاً أنْ أكونَ قَاهِرُ نَفسيْ ، وَلا أكونُ مِسكينَاً يَستغفِلُ عُقولَ الآخَرينْ أمَّا أنَّكَ لا تَتَبِّعُ شَخصَاً بِعَينِهِ ، فَإنيْ أشُكُّ بِهَذهـِ كَثيرَاً ، لَكِنَّي مُؤمِنٌ بِأنَّ الأعوَرَ يَحَاوِلُ أنْ يُخفي عُوارهـُ مَعْ أنَّهُ شَيئَاً ظَاهِرَاً فيهِ . وَكونَكَ أتيتَ في الفَتاوَى بِزَعمِكَ لِتُخبِرَ الآخَرينَ أنَّهَا مَسألَةً خِلافيَّة ، وَكَأنَّكَ أتَيتَ بِمَعلومَةٍ جَديدَةٍ فَإني أقولُ لَكَ مَعْ أنَّ في بَعضِ المَسَائِلِ خِلافٌ إلا أنَّ فيهَا إجمَاعْ ، وَكونَكَ أتيتَ بِهَذهـِ كونَهَا خِلافيَّة فَلْتَكشفْ عَنْ وُجوهـ أخواتِكَ وأهلِكَ كَونَ المَسألَةَ خِلافيَّة !! وبِمَا أنَّ في بَعضِ المَسَائِلِ خِلافٌ ، لا يَعنيْ لَكَ أنْ تَتَخَيَّر مَأ يَمشي مَعَ هَواَك بَلْ تَأخُذ الإجمَاعَ ، وَلا شَكَّ أنَّ الإجمَاعَ في التَّصويرِ إنْ أردنَا أنْ نَرجِعَ لِتَلكَ المَسَالة بِأنَّهَا مُحرَّمَة . وَإذا اختَلَفَتِ الفتَاوَى كَمَا جَاءَ في المَوسوعَةِ الفقهيَّة قِيل : " لَيْسَ هُوَ عَلَى التَّخْيِيرِ ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ مُرَجِّحٍ . وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَأَكْثَرُ الشَّافِعِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ وَكَثِيرٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ . ثُمَّ قَدْ قِيل : يَأْخُذُ بِالأَْغْلَظِ ، وَقِيل : بِالأَْخَفِّ ، وَقِيل : بِقَوْل الأَْعْلَمِ . وَقَال الْغَزَالِيُّ : يَأْخُذُ بِقَوْل أَفْضَلِهِمْ عِنْدَهُ وَأَغْلَبِهِمْ صَوَابًا فِي قَلْبِهِ . وَقَدْ أَيَّدَ الشَّاطِبِيُّ الْقَوْل الثَّانِيَ مِنْ أَنَّ الْمُقَلِّدَ لَيْسَ عَلَى التَّخْيِيرِ . قَال: لَيْسَ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَتَخَيَّرَ فِي الْخِلاَفِ ؛ لأَِنَّ كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُفْتِينَ مُتَّبِعٌ لِدَلِيلٍ عِنْدَهُ يَقْتَضِي ضِدَّ مَا يَقْتَضِيهِ دَلِيل صَاحِبِهِ، فَهُمَا صَاحِبَا دَلِيلَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ . فَاتِّبَاعُ أَحَدِهِمَا بِالْهَوَى اتِّبَاعٌ لِلْهَوَى . فَلَيْسَ إِلاَّ التَّرْجِيحُ بِالأَْعْلَمِيَّةِ وَنَحْوِهَا . فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ التَّرْجِيحُ ، أَوِ التَّوَقُّفُ ، فَكَذَلِكَ الْمُقَلِّدُ . وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى تَتَبُّعِ رُخَصِ الْمَذَاهِبِ مِنْ غَيْرِ اسْتِنَادٍ إِلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ " انتهى . وَكَمَا قيلَ في فَتوى عَنْ التَّخييرِ " فإن الشخص إذا اختلف عليه جوابان فإنه ليس له أن يعمل بهما معا، ولا هو مخير بينهما، بل عليه العمل بنوع من الترجيح، من حيث علم المفتي وورعه وتقواه، قال الشاطبي رحمه الله: لا يتخير، لأن في التخير إسقاط التكليف، ومتى خيرنا المقلدين في اتباع مذاهب العلماء لم يبق لهم مرجع إلا اتباع الشهوات والهوى في الاختيار، ولأن مبنى الشريعة على قول واحد، وهو حكم الله في ذلك الأمر، وذلك قياساً على المفتي، فإنه لا يحل له أن يأخذ بأي رأيين مختلفين دون النظر في الترجيح إجماعاً، وذهب بعضهم إلى أن الترجيح يكون بالأشد احتياطاً " . فَلاهيَ تَسيرُ مَعَ هوَاكَ وَهوايْ ، رُغمَ أنَّ الكَثيرَ واللهُ المُستعَانُ إذا أخذْتَ بِالأشَدِّ احتيَاطَاً نَعتوكَ بِالتَّشدُّد . أتَمَنى أنْ لا يُغلَقَ المَوضوع مَعْ أنِّيَ مُؤمِنٌ بِإغلاقِهِ ، لأنَّ السِّيَاسَةَ إذا انحَرفَ المَوضوعُ يُغلَقْ فمَا عَسَاهُم فَاعلِنَ إذا وُجِدَ مَنْ انحَرَفَ عَقلُه . مُستَمتِعٌ هُنَا مَعَكم دُمتم بِحفظِ الرَّحمنِ وَرِعَايتِهِ