بسم الله الرحمن الرحيم
كانت أول كلمة شع منها نور الهداية و تنزلت على رسولنا - صلى الله عليه و سلم - هي قول الله تعالى : {
اقْرَأْ} ، فهي الأساس الذي يجب أن يكون عليه المصلح الذي يروم البناء ، و يهدف إلى إقامة حكم الله و توطيده في الأرض ، لأن قوة العلم قوة أساسية في البناء الحضاري و هذه القوة هي التي تمهد الطريق لكل قوة أخرى تأتي تابعة لها .
و لن تستطيع أمة من الأمم أن تسابق في ميدان الغلبةِ و الكرامة وهي غارقة في بحور الجهل ، مفلسة محرومة من أنوار العلم ، و المصيبة الكبيرة و الكارثة العظيمة أن يغلب الجهل على أمة من الأمم و تشهد تمرداً على العلم و الاطلاع و القراءة في شتى التخصصات و سائر الفنون ، لأنها حينئذ لن تجد ما تستطيع تقديمه للعالم ، و لا إثبات هويتها العلمية ولا إفادة العالم بشيء . بل ستصبح على الضد من ذلك منهوبة مسلوبة مستكينة ، يتوافد عليها أعداؤها لينهبوا من خيراتها و يُديروا مصالحها باستغلالية تجعلها المتخلفة عن الركب الحضاري ، و هذا هو الإفلاس .
هذه الأرض مر عليها من الأمم و الحضارات الكثير و الكثير ، و لكن لم تمر عليها أمة كأمتنا و لا حضارة كحضارتنا ، و إذا أدركنا هذا
يجب علينا أن ندرك قيمتنا بين العالم و نسعى إلى إعطاء الصورة المثلى عن حقيقتنا التي غابت عنا دهوراً و عصوراً ، و ذلك من خلال العودة إلى العلم و مصادره و كثرة القراءة و الاطلاع و تجسير الهوة بيننا و بين الكتاب الذي أصبح آخر اهتماماتنا و نحن أمة {اقْرَأْ} .
و بكل مرارة أننا اليوم مع كل أسف أمة معرضة عن العلم و عن القراءة ، فالنسبة التي تقرأ من أبناء العرب هي في حدود 8% و أما نسبة الأطفال الذين يُطالعون الكتب تصل في فرنسا إلى 50% و في ألمانيا70% ، و تذكر بعض الدراسات أن متوسط قراءة العربي هو حوالي 6 دقائق في اليوم الواحد ، على حين أنه يصل في أوروبا إلى نحو من 38 دقيقة .
هذه الأرقام إنما هي مؤشرات و فيها دعوة كل فرد منا إلى الارتقاء بنفسه أولاً ثم التوعية و التربية على مبدأ القراءة و الاطلاع و البحث عن العلم و الاندماج فيما يُطرح و إبداء الرأي فيه ، مع مراعاة الأنفع في الكتب و الأسلم ، لكي يتم لنا البناء على وجهه الصحيح و لكي نكون أقوياء بعلمنا و هذا هو المدخل الأول الذي لا يعذر أحد في التقاعس عنه ، و نحن حينما نؤكد هذا الأمر فإننا نكون لبنة من لبنات البناء الذي قد ندرك تمامه و قد لا ندرك ، و لكن الأكيد الذي يُشعرنا بالفخر و الشرف هو مشاركتنا في هذا البناء ، و وضع حجر الأساس له .
أخيراً : يقول أستاذنا الدكتور عبدالكريم بكار : "
قد يكون من المهم أن ندرك أن أزمة التفكير اليوم هي في جوهرها أزمة معرفة و أزمة قراءة ، و قد كان الناس - و مازال كثر منهم - يعطون دوراً مبالغاً فيه للدماغ و الذكاء في ارتقاء الفكير و تأثيره في التقدم الحضاري . أما اليوم فقد تبين أن مشكلة التفكير هي عينها مشكلة المعرفة ، و مشكلة المعرفة هي فرع من مشكلة القراءة و الاطلاع و مصاحبة الكتاب و اقتناءه و الاحتفاء به "[تجديد الخطاب الإسلامي ص 75]
فأفق يابن أمة اقرأ ..و كن حضاريا في مجتمعك و في عالمك ..
أخوكم / عبدالله